أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحميد الحبشي - قراءة في الفصل التاسع من كتاب البنك الدولي التنمية بين الخبرة والسيادة لنور الدين لشكر:















المزيد.....

قراءة في الفصل التاسع من كتاب البنك الدولي التنمية بين الخبرة والسيادة لنور الدين لشكر:


عبد الحميد الحبشي

الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 21:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


انعكاسات التدخلات التنموية على السيادة الوطنية : في الحاجة إلى السيادة على دراسات الخبرة
تقديـــم:
بعد أن قام لشكر في القسم الاول من هذا الكتاب، بتتبع سياق نشأة وتطور البنك الدولي وتحليل بنيته، سواء على المستوى التنظيمي من خلال رصد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية عليه تنظيميا عبر القوة المالية التي تستتبعها القوة التصويتية وكذا عبر الخبراء الذين تستحوذ الجامعات الامريكية على أعلى نسبة منهم داخل البنك أو من خلال هيمنة اللغة الانجليزية على البنك(..)، وعلى الخلفيات الفلسفية والأيديولوجية والمعرفية من خلال رصد هيمنة النموذج النيوليبرالي (الأمريكي) على منظوره حول التنمية، ورصد التحولات التي طرأت على مقاربته، وذلك بالانتقال من المنظور الاقتصادي الصرف، إلى الانفتاح على المقاربات الاجتماعية غير الاقتصادية(مايكل سيرينيا، أمارتيا صن، غاري بيكر...)، وبعد أن تطرق في القسم الثاني لمسار العلاقة بين البنك الدولي والمغرب، وبيّن كثافة اعتماد المغرب على تقارير الخبرة التي ينجزها البنك الدولي، واستمرارية هذه العلاقة لما يزيد عن نصف قرن بغير أن تنقطع سلسلة الاقتراض والسداد، وبغير أن يفك المغرب ارتباطه وتبعيته لهذه المؤسسة التي تعتبر قلعة من قلاع العولمة على حد تعبير نيري وودز، فإنه يقف في هذا الفصل –وهو الأخير في الكتاب- على مسألة انعكاسات التدخلات التنموية على السيادة الوطنية، وعلى الحاجة إلى السيادة على تقارير الخبرة، فكيف تناول لشكر هذه القضية؟ وأية آفاق للتفكير والممارسة يفتحها من خلال هذا العمل؟
مضامين الفصل التاسع:
تسرب المفاهيم وتبني المنهجيات، وسؤال السيادة: لمن الدولة؟
يتناول لشكر في المبحث الأول من هذا الفصل مسألة تسرب المفاهيم التي يعتمدها البنك الدولي في تقاريره، إلى التقارير التي أنجزها المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، باعتباره القائم بمشاريع دراسات الخبرة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بالمغرب والمكلف بتشخيص الواقع المغربي، يقول في هذا الصدد "والملاحظة الثانية ترتبط بكون تقرير المجلس جاء مشبعا بالمفاهيم التي اشتغل عليها البنك الدولي لعقود، في تناغم مع المؤسسات المالية العالمية، والتي قام بحقنها في تقاريره عن الواقع المغربي، بالاضافة إلى حضور تلك المفاهيم ضمن البرامج الحكومية.." هذه البرامج التي من بينها برنامج الحماية الاجتماعية الذي لا ينفصل عن سياق التناغم مع سياسات البنك الدولي، هذا الأخير يحدد مفهوم الحماية الاجتماعية باعتبارها مجموعة من الاجراءات العامة التي يوفرها المجتمع لأعضائه، من خلال حمايتهم من الضائقة الاقتصادية والاجتماعية، الناتجة عن غياب أو تدهور الدخل، بمعنى أن هذه البرامج تستهدف محاربة الفقر حسب خطاب البنك الدولي. غير أن ما يؤكده لشكر فيما يتعلق بهذا البرنامج هو كون البنك الدولي يحضر في مختلف المشاريع حتى الاجتماعية منها، بعد أن كان اهتمامه مرتبطا بما هو اقتصادي، مما يزيد من صعوبة فك الارتباط معه.
كما يشير الباحث أيضا إلى تماهي خطاب الفاعلين السياسيين بالمغرب مع خطاب البنك الدولي، إذ يتطور الأول بتطور الثاني ويتبعه في الاشتغال على القضايا التي يشتغل عليها، ويدلل على ذلك بمثال البرناج الحكومي للولاية التشريعية 2016-2021 بقوله: " فمن بين خمسة محاور ضمن هذا البرنامج، تضمنت ثلاثة محاور منها ( الثاني والثالث، والرابع) على التوالي، قضايا تهم "الحكامة الجيدة"، و"تطوير النموذج الاقتصادي" و"التنمية المستدامة" و"تعزيز التنمية البشرية" "، وهي قضايا تدخل ضمن اهتمامات البنك الدولي كما بين لشكر في فصل سابق.
إن التسرب المفاهيمي، يعكس حسب لشكر، تسرب وتوغل خبرة البنك الدولي في صياغة النماذج التنموية، إلى البيئة الخبراتية، والسياسية الوطنية. إنها بتعبيره "سلعة داخل سلعة"، الأولى هي القروض والمشاريع التي يقدمها البنك، والثانية -وهي الأعمق- هي الأيديولوجيا والفلسفة التي تمرر عبر التمويلات والمشاريع التنموية. إن القوة التنظيمية والمالية والأيديولوجية والخبراتية للبنك الدولي تجعله يحضر في أغلب البرامج الحكومية، مما جعل لشكر يتساءل عن مدى إدراك خلفيات البنك الدولي الأيديولوجية لدى بعض الفاعلين السياسيين المغاربة، خصوصا عندما يعتقد بعضهم أن الدولة تتعامل مع البنك الدولي وكأنه وكالة بنكية مقرضة بنسب تفضيلية، كما يتساءل باستغراب عن عدم متابعة التغيرات التي تمس النسق المفاهيمي والموضوعاتي الذي يعتمده البنك الدولي، والذي يعبر عن هندسة اجتماعية رسمها كبار خبراء البنك الدولي. ثم يضيف سؤالا آخر هو هل تخضع "المساعدات" التي يقدمها البنك في صيغة قروض للتقييم من طرف الجهة المقترضة، سواء أثناء إنجاز المشروع أو بعد الانتهاء منه للوقوف على على نسبة الانجاز ومدى تحقيق الأهداف المسطرة؟ يجيب، بأن البنك ينجز تقاريره حول مدى تقدم هذه المشاريع، غير أنه يحتفظ بها لنفسه، ولا يسلمها للدول المقترضة للإطلاع عليها. ونضيف عطفا على ما سبق تساؤلا آخر، هل يتحمل البنك أية مسؤولية تجاه نجاح أو فشل المشاريع التي يقدمها؟ وهل من ضمانات تعطى للدول المقترضة، في حالة عدم نجاح المشروع؟
وهنا نجد أنه لا مندوحة من التفاعل مع ما قدمه الأستاذ لشكر حول هذه المسألة بالتحديد، باعتماد التحليل الماركسي ومقولات الصراع الطبقي في بعدها الدولي، فالبنك الدولي لا يعدو أن يكون أداة بيد الإمبريالية العالمية (كطبقة سائدة) والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، يخدم أجنداتها وأيديولوجيتها، مادامت كما تؤكد الفصول الأولى لهذا الكتاب هي المالكة للعدد الأكبر من الأسهم والمتحكمة به تنظيميا ومعرفيا. بل ويمكن أن نذهب إلى أكثر من ذلك في أنه يعيق كل حركة وكل تحليق خارج سربه(السياسات النيوليبرالية) من خلال فرضه اعتماد مختلف النماذج التنموية التي يأتى بها، دون ضمانات بالتحرر الفعلي للدول المتعاقدة معه. وحالة المغرب كما درسها وعرف بها لشكر، هي بمثابة قرينة، على أن العلاقة مع البنك هي سيرورة إعادة إنتاج لنفس العلاقة الأولى، "علاقة الدائن بالمدين"، وتعزيز لعلاقة التبعية، خصوصا إذا ما استحضرنا حالات الدول التي أنجحت نموذجها التنموي بعيدا عن العلاقة مع البنك واملاءاته واشتراطاته(بعض دول جنوب شرق آسيا وتركيا) .
كما يقف لشكر بالتحليل في المبحث الثاني على تبني منهجيات البنك الدولي من طرف المؤسسات الوطنية، وذلك من خلال مثال "تقييم الثروة الاجمالية للمغرب" الذي قام به المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، بتنسيق مع بنك المغرب وعدد من المؤسسات الوطنية والدولية، حيث تم تبني مفهوم الرأسمال اللامادي، ومساهمته في الولوج إلى "الصعود المجتمعي"، والذي توصل إلى سبع رافعات ، هي تعزيز قدرات الرأسمال البشري، وتعزيز الرأسمال المؤسساتي، وإرساء ميثاق اجتماعي جديد، وتعزيز أرضية القيم المشتركة وجعل الثقافة رافعة للتنمية، وضمان تحقيق تحول هيكلي للاقتصاد الوطني، وإدراج النموذج التنموي الوطني في إطار دينامية مستدامة، وجعل المغرب قطبا للاستقرار والشراكة التضامنية، ويري لشكر أن هذا التقرير قد سقط ضمن نموذج "الخبرة المقلدة" وذلك راجع في نظره إلى عاملين أولهما البنية المفاهيمية "المستوردة" للتقرير، وثانيها المعايير غير الدقيقة في اختيار الخبراء.
وفي المبحث الثالث يستعير لشكر من مؤلفي كتاب فخ العولمة هانز مارتين، وهارلد شومان، سؤال "لمن الدولة؟" وهو نفس السؤال الذي كان محركا ودافعا لنا وراء قراءتنا لهذا الكتاب، فإذا كنا نعيش ضمن عالم معولم سياسيا واقتصاديا، حيث نتحدث عن علاقات القوى والصراع الطبقي لا على المستوى المحلي بل على المستوى الكوني، حيث السيادة الفعلية هي لمن يهيمن على المؤسسات الدولية ومنها البنك الدولي، فأي دور وأية فاعلية، للفاعل السياسي في الدول المسودة/دول العالم الثالث؟ سؤال استنكاري بالنسبة لنا في الواقع. إذ يؤكد لشكر مجددا في هذا المبحث على حرص الدول النامية -ومنها المغرب- على التماهي والتناغم مع سياسات البنك الدولي، لكي لا تسقط في وضعية التناقض معه، كما أن البنك نفسه يسعى إلى تجنب هذه الوضعية. كما أشار إلى النموذج التنموي الجديد للمغرب، والصعوبات التي ستواجهه على مستوى الاستقلالية المفاهيمية، إذ سيجد نفسه مجبرا على التفاعل مع المفاهيم والموضوعات التي اشتغل عليها وعزز حضورها البنك الدولي. كما أشار وفقا لعدد من الباحثين في العلوم السياسية والقانونية، إلى عمق التدخل السياسي والقانوني للبنك الدولي في سيادة الدول، مثل زكي العايدي صاحب كتاب التاريخ السري للبنك الدولي، إذ تحول البنك الدولي حسب هذا الأخير من مؤسسة صغيرة إلى قوة مالية عالمية مؤثرة،جعلته يضغط على سيادة الدول، ويضع اقتصاداتها "تحت الوصاية"، كما يمارس "رقابة على المصروفات العامة". ويتساءل لشكر، عما إذا كانت طروحات "مايكل غولدمان" مجرد انتقادات لاذعة ومبالغ فيها؟(كتاب الطبيعة الامبريالية imperial nature)أم أن انتقاداته لها مايبررها؟ خصوصا بعد جرد كل هذه المعطيات التي تبين حجم قوة وتدخل وتغول البنك الدولي في علاقته بالدول الضعيفة.
إن مفهوم السيادة حسب أطروحة هذا الكتاب، تتجاوز المقاربة القانونية، إلى السيادة على الخبرة، فمن يمتلك الخبرة هو من يمتلك السيادة، يقول:" إنها سيادة على مستوى تملك البرامج والتدخلات والاستراتيجيات، التي يرسمها ويخطط لها "جماعة الخبراء" الذين ترعاهم وتمولهم مؤسسات دولية كبرى، يكرسون عبرها إديولوجية المؤسسة ورهاناتها الاستراتيجية".
أية آفاق للتفكير؟
نقف أخيرا أمام آفاق كثيرة يفتحنا عليها هذا الكتاب، خصوصا إذا كنا ممن "يحلمون" بفك الارتباط وبالشعور باستقلال القرار السياسي الوطني. إن السيادة على الخبرة تستلزم بناء تقاليد علمية تمكن من بناء مفاهيم وأطر تحليلية مستنبتة من البيئة الوطنية، وموجهة نحوها. إنها تستلزم جهدا ماديا من خلال دعم الابتكار والبحث العلمي، وتستلزم وعيا بأهمية وقيمة هذا المسار من لدن الفاعل السياسي والباحث الأكاديمي والخبير على نحو سواء، مسار يتجه نحو استقلال مدخله دراسات الخبرة. لكن هل بالسيادة على الخبرة وحدها يمكن بناء سيادة وطنية فعلية واقعية وملموسة؟ أم أن الأمر يستدعي العمل على جبهات متعددة؟

المرجع:
نور الدين لشكر، "البنك الدولي بين الخبرة والسيادة، قراءة في بعض مسارات التدخل في البلدان النامية، حالة المغرب" الطبعة الأولى2024، مطبعة دار القلم، الفصل التاسع.



#عبد_الحميد_الحبشي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هيئة بحرية بريطانية تبلغ عن تعرض إحدى السفن لحادث اقتراب مشب ...
- أشعة CT تحت المجهر.. فوائد تشخيصية مقابل مخاطر صحية محتملة
- روبوت -شبحي-بشري- يعرض قدراته العضلية في فيديو مذهل!
- دراسة حديثة تعيد إحياء نظرية -دُحضت سابقا- عن سبب التوحد
- المخاطر الخفية للاعتماد العاطفي على الروبوتات
- ماذا يعني أن ترفض الصين تزويد أمريكا بالمعادن الأرضية النادر ...
- حلف شمال الأطلسي يختار اتجاهًا جديدًا للمواجهة العسكرية مع ر ...
- عقب زيارته الأولى للدوحة.. الرئيس السوري يوجه رسالة محبة وتق ...
- الإدارة الأمريكية توافق على صفقة صواريخ -ستينغر- للمغرب بقيم ...
- عشرات الغارات الأميركية على مناطق عدة من اليمن


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحميد الحبشي - قراءة في الفصل التاسع من كتاب البنك الدولي التنمية بين الخبرة والسيادة لنور الدين لشكر: