أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد علي سليفاني - من أجل واقع أقل وحشية














المزيد.....

من أجل واقع أقل وحشية


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 16:48
المحور: المجتمع المدني
    


في عالم تتزاحم فيه الأصوات، وتتصارع فيه الأيديولوجيات، لا يزال الإنسان في كثير من المجتمعات حبيسًا لمنظومات فكرية تُقيّده أكثر مما تحرره. وبين شعارات التغيير التي ترفعها النُخب، والتقاليد التي تُمسك بتلابيب الوعي الشعبي، تضيع الأسئلة الكبرى: من أين نبدأ؟ وكيف نبني مجتمعًا أكثرعدالة؟
في هذا المقال، أتأمل في جذور الوحشية الكامنة في البُنى الثقافية والاجتماعية، داعيًا إلى ثورة هادئة تبدأ من الفرد، من الداخل، من إعادة تعريف العلاقة مع الفكر، والتاريخ، والدين، والتعليم.

لم يشهد التاريخ البشري في يوم من الأيام لحظة مثالية تحقق فيها العدل المطلق، ولا زمنًا ساد فيه السلام التام، وتساوت فيه الحقوق، وتحققت فيه الكرامة للجميع دون استثناء. لم تكن المدينة الفاضلة أكثر من أسطورة تُنسَج في أذهان الحالمين، أما الواقع فلطالما كان ساحة لصراع المصالح واقتتال بين الصالح والطالح، ومرآة لعقل الإنسان بكل ما فيه من أنانية وارتباك وجهل.

لكن الإقرار بهذه الحقيقة لا يعني التسليم للقبح أو الانغماس في اليأس. بل إنه دعوة حقيقية لتقليص مساحة الوحشية، وجعل الحياة أكثر إنسانية وإنصافًا. ذلك لا يتم عبر تغيير الأنظمة وحدها، بل يبدأ من الإنسان ذاته: أن نُعيد بناء الفرد من الداخل، أن نجعل منه كائنًا واعيًا، مدركًا لحقوقه وواجباته، متحررًا من الأوهام، ومتمكنًا من أدوات التفكير النقدي.

إن الأمم لا تنهض بالبرامج والخطط وحدها، بل تنهض حين يفكر أفرادها بحرية، حين يواجهون بروح التمدن ويشّكون بجرأة، ويحاسبون أنفسهم ومجتمعاتهم بضمير. فالعقل الذي يُستعبد بالأفكار الموروثة دون تمحيص، عقلٌ قابل لأن يُقاد، وأن يكون أداةً في يد غيره.

إن المدرسة التي لا تعلّم الطالب كيف يُفكّر، بل تُملي عليه ما يفكّر به، تخلق جيلاً يُقاد ولا يقود، يُطيع ولا يناقش، يتّبع ولا يبتكر. والمنبر الذي يُعلّم الناس الطاعة العمياء باسم الدين، يزرع فيهم الخوف بدل الإيمان، والعبودية بدل التحرر. والمجتمع الذي يُكرّم الخضوع باسم التقاليد، يُنتج أفرادًا بلا إرادة، ولا قدرة على الحلم أو النهضة.

ولهذا فإن مسؤوليتنا غير محصورة في نقد الواقع، بل في نقد الأدوات الفكرية التي أنتجت هذا الواقع. يبدأ كل تغيير من سؤال بسيط: "لماذا أفكّر بهذه الطريقة؟". من هنا تبدأ الشرارة، ومنها ينطلق الوعي.

نحن لا نحتاج إلى أحلام مثالية لا تتحقق، بل إلى وعي حقيقي بالواقع، وعقول تتعامل معه بنزاهة وحرية. نحتاج إلى أناس يُدركون أن الرجوع إلى الوراء ليس فضيلة، وأن عبادة الماضي لا تصنع مستقبلًا. نحن نحتاج إلى تعليم لا يلقّن، بل يُحرّر... إلى خطاب ديني يُحيي الضمير بدل أن يُخدره... إلى فكر سياسي يرى المواطن لا الرعية.

حين نصنع فردًا واعيًا، نضع اللبنة الأولى في بناء مجتمع عادل؛ فالمجتمع الحقيقي لا يُقاس بما يرفعه من شعارات، بل بما يزرعه من وعي، وما يحرّره من عقول... ما نطمح إليه ليس عالماً مثالياً، بل إنسانًا أفضل في عالم أقل قبحًا.
وبهذا فقط يمكننا أن ننتقل من مهزلة العقل البشري… إلى نهضته.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وكوردستان: تجليات الدولة المأزومة في فضاء الجغرافيا ا ...
- تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة
- إنتاج الغباء
- حين يشكر الكاتبُ الناشرَ: أزمة التقدير في عالم الكتب – تفكيك ...
- فساد بالتقسيط... حتى إشعار آخر!
- الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية
- وهم المجد ومجد الوهم
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه


المزيد.....




- ترامب يقترح برنامجا للترحيل الطوعي مع إغراءات للمهاجرين -الط ...
- تزايد أعداد العرائض الإسرائيلية المطالبة بوقف الحرب وإعادة ا ...
- مع دخول حرب السودان عامها الثالث.. هجمات على أكبر مخيم لاجئي ...
- الاحتلال يواصل قصف خيام النازحين بغزة ويستهدف مستشفى ميدانيا ...
- تعليق الأمم المتحدة على احتجاز الناطقين بالروسية في كييف وني ...
- اعتقال ناشط فلسطيني في أمريكا أثناء مقابلة للحصول على الجنسي ...
- الأونروا: نفاد مخزونات الغذاء التي دخلت غزة بفترة وقف إطلاق ...
- السعودية.. الداخلية تصدر بيانا بشأن إعدام 3 أجانب وتكشف جنسي ...
- الأمم المتحدة: نزوح 125 ألف شخص منذ مارس بجنوب السودان بسبب ...
- السودان: مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تحذر من -عواقب كارثية- ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد علي سليفاني - من أجل واقع أقل وحشية