الأمريكي العظيم – بمناسبة مرور 80 عاما على وفاته

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 16:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

ألكسندر سامسونوف
كاتب صحفي ومحلل سياسي
مؤرخ وخبير عسكري روسي

14 أبريل 2025


فرانكلين روزفلت هو الشخص الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الذي انتُخب رئيسًا لأربع فترات متتالية. أصبح أعظم رئيس أمريكي في القرن العشرين، ودخل اسمه ليس فقط في التاريخ الأمريكي، بل في التاريخ العالمي. كان روزفلت واحداً من "الثلاثة الكبار" (ستالين-تشرتشل-روزفلت-ZZ).

وُلد فرانكلين ديلانو روزفلت في 30 يناير 1882. كان ينحدر من عائلة ثرية ومشهورة، أسلافها هاجروا من هولندا وقدموا للولايات المتحدة رئيسًا آخر هو ثيودور روزفلت. نشأ روزفلت في عائلة جيمس روزفلت وزوجته الثانية سارة ديلانو، اللذين ينتميان إلى النخبة العليا في المجتمع الأمريكي.

تمتع روزفلت منذ صغره بحيوية كبيرة وتفاؤل لا ينضب، وهما صفتان ساعدتاه عندما أصيب بشلل الأطفال وأصبح مقعدًا على كرسي متحرك. كما ساعدت هذه الصفات الولايات المتحدة في الخروج من أزمة الكساد الكبير (التي مات خلالها مئات الآلاف بسبب "المجاعة الأمريكية") وفي تحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية.

درس روزفلت في المنزل حتى سن 14 عامًا مع أفضل المعلمين، ثم التحق بمدرسة النخبة في غروتون (ماساتشوستس). بين عامي 1900 و1904، حصل على تعليمه في القانون في جامعة هارفارد، ثم تابع دراسته في جامعة كولومبيا. في عام 1905، تزوج من آنا إليانور روزفلت، وهي من دائرة معارفه وابن عمته البعيدة. لعبت زوجته دورًا كبيرًا في مسيرته السياسية، خاصة بعد إصابته بالمرض، حيث أصبحت "عينيه وأذنيه".

بدأ مسيرته السياسية بنجاح، ففي عام 1910 انتُخب عضوًا في مجلس شيوخ ولاية نيويورك عن الحزب الديمقراطي. في عام 1911، انضم إلى الماسونية، وهو أمر شائع بين النخبة الأمريكية. خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 1912، دعم روزفلت وودرو ويلسون بنشاط، مما لفت الأنظار إليه وعُرض عليه منصب مساعد وزير البحرية (الذي شغله حتى عام 1921). في عام 1920، خاض روزفلت الانتخابات كنائب للرئيس عن الحزب الديمقراطي لكنه خسر. تسببت فترة تراجع نفوذ الحزب الديمقراطي ومرضه الشديد في ابتعاده مؤقتًا عن السياسة، حيث قضى ست سنوات في مكافحة المرض.

في عام 1928، انتُخب حاكمًا لولاية نيويورك، وهو المنصب الذي فتح له الطريق إلى البيت الأبيض. شغل منصب الحاكم لفترتين، واكتسب خبرة إدارية فريدة.

الصفقة الجديدة New Deal

أدرك روزفلت ومستشاروه أن المستقبل للاقتصاد الخاضع للتخطيط. في حملة الانتخابات الرئاسية عام 1932، حقق روزفلت انتصارًا ساحقًا على هربرت هوفر. بصفته خطيبًا وصحفيًا بارعًا، استند روزفلت إلى التاريخ الأمريكي لإقناع الشعب بأن الدولة يمكنها ويجب أن تساعد الجميع. خلال الحملة الانتخابية، قدم روزفلت، بدعم من "مجموعة العقول"، الأفكار الرئيسية للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي عُرفت باسم "الصفقة الجديدة".

في الواقع، استعار روزفلت بعض أساليب "الصفقة الجديدة" من تجربة ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي. كما تأثر ببرنامج السياسي المحافظ هيوي لونغ (الذي يُقارن اليوم بدونالد ترامب)، والذي دعم روزفلت في انتخابات 1932 قبل أن يُغتال في عام 1935.

كان جوهر "الصفقة الجديدة" هو كبح جماح السوق الحرة التي كانت تفيد القلة فقط، وإدخال التخطيط الاقتصادي. في عام 1920، قال روزفلت: "نحن ضد تأثير المال على السياسة، وضد سيطرة الأفراد على أموال الدولة، وضد معاملة الإنسان كسلعة، وضد الأجور الجائعة، وضد حكم العصابات". لذا دعمه عامة الشعب.

عندما تولى روزفلت الرئاسة في مارس 1933، كانت الولايات المتحدة غارقة في كارثة مالية واقتصادية ومهددة بثورة أو حرب أهلية. نجح روزفلت في إقناع الأثرياء بأنه من الأفضل مشاركة أرباحهم مع الشعب بدلاً من فقدان كل شيء في ثورة. قبل عهده، لم تكن هناك معاشات تقاعدية أو تأمين اجتماعي أو إعانات بطالة في الولايات المتحدة. خلال "الصفقة الجديدة"، تحولت الولايات المتحدة إلى "دولة رفاهية" شبه اشتراكية، وهو ما استمر حتى عهد رونالد ريغان في الثمانينيات، عندما بدأ تفكيك هذا النموذج بعد زوال التهديد السوفياتي.

تحت قيادة روزفلت، أصبحت الولايات المتحدة القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، مع صناعة عسكرية ضخمة وأسطول بحري قوي. تشكل "الحلم الأمريكي"، حيث يمكن لأي شخص من الطبقة الدنيا تحقيق الثروة والشهرة. نشأت طبقة وسطى قوية، لكنها تحولت لاحقًا إلى مجتمع استهلاكي منحل في التسعينيات والألفينيات.

تميز نهج روزفلت بشكل لافت عن سياسات سلفه هوفر. ففي عهد هوفر، اتبع الاقتصاديون أساليب مألوفة لدينا من سياسات الليبراليين في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من الألفية الثالثة، مثل:

1. تقليص الإنفاق الحكومي (ما يُسمى بـ"التحسين المالي")
2. فرض رقابة صارمة على الموازنة
3. تضييق المعروض النقدي

أدت هذه السياسات إلى:
- انتشار الفقر المدقع
- مجاعات جماعية

قال روزفلت:
"طلب مني الشعب أن أفرض الانضباط وأحدد المسار تحت قيادتي. جعلني الشعب أداةً لإرادته. وبروح إيجابية، أتقبل هذه المهمة..."

اتجه روزفلت نحو إدخال عناصر من الإقتصاد المخطط والاشتراكية. فقد أدرك أن من الخطأ منح "قراصنة الرأسمالية" سلطة مطلقة، والذين في غالبيتهم الساحقة لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية أو مصالح مجموعاتهم الضيقة. وكان يعتقد بضرورة تعزيز دور الدولة في الاقتصاد.

في عهد روزفلت:
- تم تحديد حد أدنى للأجور بقرار حكومي
- أُدخل نظام التأمين الاجتماعي
- حصلت النقابات العمالية على حق قانوني في التفاوض الجماعي مع أصحاب العمل

استعادت الدولة السيطرة على القطاع المالي، مما أثار استياء الأوساط المالية. واستخدم الرئيس سلطته في طباعة النقود دون خوف من التضخم، حيث استُخدمت هذه الأموال لإنعاش الاقتصاد. فحصل العمال والمزارعون على أموال أنفقوها على المنتجات الأمريكية، مما دعم الصناعة وأنقذ الولايات المتحدة من أزمة فائض الإنتاج.

المشاريع الكبرى

ركز روزفلت على المشاريع الضخمة مثل مشروع "هيئة وادي تينيسي" (TVA)، الذي حوّل منطقة متخلفة إلى مركز صناعي وزراعي متقدم. كما استثمر بكثافة في المجمع الصناعي العسكري، مما جعل الولايات المتحدة قوة عسكرية رائدة، خاصة في مجال الطيران والصناعات النووية.

التعاون مع الإتحاد السوفياتي

مساعدة التصنيع السوفياتي
خلال سنوات الكساد الكبير، ساهم عدد كبير من المهندسين والمصممين الأمريكيين في عملية التصنيع السوفياتية. وبمساعدة الأمريكيين (طبعًا ليس مجانًا)، تم بناء عمالقة الصناعة والطاقة السوفياتية. واستمر هذا التعاون المثمر خلال الحرب العالمية الثانية.

العلاقة بين روزفلت وستالين
لم يكن غريبًا أن يكن روزفلت (مثل العديد من مستشاريه الذين استفادوا من التجربة السوفياتية) تعاطفًا مع ستالين. فقد واجه القائدان تحديات متشابهة، وإن كانت مهمة روزفلت أسهل نظرًا لتفوق البنية التحتية الأمريكية مقارنة بروسيا في عشرينيات القرن الماضي.

أوجه التشابه في القيادة
- كلا الزعيمين تدخلا شخصيًا في التفاصيل الفنية للصناعات العسكرية
- سخاء في تمويل البرامج التقنية والعلمية
- إيمان بالاستثمار في المجالات الواعدة للمستقبل

تصريحات ستالين عن روزفلت
في صيف 1934، أشاد ستالين بأن روزفلت كان "بلا شك أقوى شخصية بين قادة العالم الرأسمالي"، معتبرًا إياه "مبادرًا، شجاعًا، وحاسمًا". ورغم التنافس بين البلدين، إلا أن ذلك لم يمنع التفاهم بين الزعيمين.

إنجازات روزفلت الداخلية
بحلول 1936، تمكن روزفلت من:
- إنقاذ الولايات المتحدة من الأزمة الاقتصادية
- الفوز الساحق في انتخابات 1936 و1940
- كسر التقليد بعدم الترشح لأكثر من فترتين

الأجندة الخفية للصفقة الجديدة

كانت "الNew Deal" في جوهرها تهدف إلى:
- الهيمنة العالمية الأمريكية
- إقامة نظام عالمي جديد
- خلق الظروف لخوض حرب عالمية

الاستعدادات للحرب شملت:
- بناء أقوى أسطول بحري وجوي
- تطوير المجمع الصناعي العسكري
- صنع السلاح النووي

دور الرأسمال العالمي

- تحريض على الحرب في أوروبا والمحيط الهادئ
- دعم هتلر ومشروع "الإتحاد الأوروبي الأول" (الرايخ الثالث)
- استفزاز اليابان لهجوم بيرل هاربر.


الحرب العالمية الثانية والاستراتيجية الأمريكية

كانت "الصفقة الجديدة" تهدف إلى هيمنة الولايات المتحدة على العالم . لهذا، كان لا بد من خوض حرب عالمية لتدمير ألمانيا واليابان والاتحاد السوفياتي، وفتح الأسواق العالمية للسلع الأمريكية. ومع ذلك، فشلت الخطة في القضاء على الإتحاد السوفياتي، لكنها نجحت في جعل ألمانيا واليابان ودول أوروبية أخرى تحت النفوذ الأمريكي.

على أي أسس تقوم هيمنة الولايات المتحدة؟

لعب روزفلت دورًا محوريًا في ترسيخ هذه الهيمنة، لكنه - كشخصية استثنائية – أدخل عنصر "الشخصية التاريخية" في المعادلة السياسية العالمية. ويبدو أن هذا بالذات كان العامل القاتل في مصيره. فمنذ لقائه الشخصي مع ستالين خلال مؤتمر طهران (حيث أقام روزفلت في السفارة السوفياتية)، نشأ بينهما تفاهم مشترك حول:
1- ضرورة إحلال السلام العالمي
2- حل المشكلات الدولية والإقليمية عبر التقارب بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي

كانت نتائج مؤتمر يالطا ضربةً لمصالح جزء من النخبة الغربية، خاصة الأوساط المالية في "سيتي أوف لندن" التي كان تشرشل يمثلها. وكما يقول المثل: "أنهى المغربي مهمته، وحان رحيله" - حتى لو كان هذا "المغوري" عظيمًا مثل روزفلت.


وفاة روزفلت والمؤامرة

في ظهيرة 12 أبريل عام 1945، وبينما كان روزفلت يجلس لرسم بورتريه له، قال: "لدي صداع مروع"، ثم نُقل إلى غرفة نومه. شخّص طبيبه لأمراض القلب هوارد بروين إصابته بنزيف دماغي حاد. وفي الساعة الثالثة وخمس وثلاثين دقيقة، توفي روزفلت عن عمر يناهز 63 عاماً بسبب النزيف الدماغي.

هناك رواية تشير إلى أن روزفلت قد اغتيل. وكما أفاد طبيبه الشخصي الدكتور ماكنتاير، فإن الفحوصات الدورية لروزفلت لم تكشف عن أي علامات لتصلب شرايين الدماغ. ومن اللافت أن تشريح الجثة لم يُجرَ، ولم يُعرض الجثمان للجمهور وفقاً لوصية الرئيس الراحل. وفي عام 1948، طرح جوزيفسون في كتابه "الموت الغريب لفرانكلين روزفلت" رأياً مفاده أن الرئيس قد أُطلق عليه الرصاص.

ويؤكد بشكل غير مباشر نظرية الاغتيال أن السياسة الأمريكية تجاه الإتحاد السوفياتي انقلبت 180 درجة بعد وفاته مباشرة، حيث اتجه الغرب نحو الحرب العالمية الثالثة – "الحرب الباردة". فقد انتهج ترومان سياسة المواجهة الصلبة مع الإتحاد السوفياتي.

عادةً ما يستمر الخلف في إتباع السياسة القديمة لفترة بدافع القصور الذاتي لتجنب الفوضى. لكن ترومان غيّر المسار فوراً. حتى أن السياسيين الأمريكيين الذين لم يكونوا على علم بتغيير المسار العام لم يفهموا سبب هذه الخطوة. فقد علّق الممثل الخاص للولايات المتحدة في موسكو هاريمان قائلاً: "انخرط الرئيس ترومان بلا تروٍ في مواجهة غير ضرورية مع الروس". بينما كان ترومان ينفذ ببساطة إرادة الأسياد الحقيقيين للولايات المتحدة. فقد أصبح روزفلت، بسياساته المتفهمة لمصالح الإتحاد السوفياتي، غير مرغوب فيه. وكان موته في الوقت المناسب تماماً.

في الساعة التاسعة وخمسين دقيقة من صباح يوم 14 أبريل، وصل قطارٌ يحمل جثمان روزفلت إلى واشنطن.

على رصيف المحطة، وُضع النعش على عربة مدفعية عسكرية، وسُجي بعلَم الولايات المتحدة المزيّن بالنجوم والخطوط.

ثم جرّته سبعة خيول رمادية في موكب مهيب عبر شوارع المدينة التي غصّت بالحشود (حيث قدّرت الشرطة عدد المشيّعين بنحو 400 ألف شخص)، متجهين نحو البيت الأبيض حيث ستقام مراسم الوداع الرسمية.

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات