أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ما طار طير .














المزيد.....

مقامة ما طار طير .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


مقامة ما طار طير :

يتردد في بلاغة العرب وحكمتهم , صدى قول مأثور يحمل في طياته عمق التجربة ومرارة الواقع : (( ما طار طير وارتفع , إلا كما طار وقع )) , ليختزل حقيقة كونية تلامس طبيعة النفس البشرية التي قد يغريها العلو المؤقت بنسيان الأصل والمصير, ويوجد هذا المثل في ديوان الإمام محمد بن إدريس الملقب بالشافعي , ويقال للشخص الذي يأخذه غروره وعزته بنفسه الى درجة الكبرياء فيشبهه بالطير الذي يطير ويسمو لكنه احيانا بعد طيرانه يقع , فكما يحدث ان يكون الانسان في قمة قوته لكنه يكون ايضا في اضعف حالاته , كما ان هذا البيت منسوب للشاعر ابو العتاهية.

قال تعالى في سورة الحاقة عن المتكبرين ( مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) , وفي قصة قارون : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ , فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ, لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا , وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82 ).

((ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع )) , تلك هي حكمة الدهر في تقلبات الأحوال التي تعد من أبلغ الحكم وأكثرها دلالة على طبيعة الحياة وتقلباتها , إنها تلخص في بضع كلمات فلسفة عميقة الصعود والهبوط , والنجاح والفشل , والتواضع والغرور , هذا المثل , ببساطته وعمقه , يتردد على ألسنة الناس في مختلف المواقف ليذكرهم بحقيقة مؤكدة : (( أن كل ارتفاع مصيره إلى انخفاض , وأن الدوام على حال واحد أمر مستحيل )) , والصورة البلاغية في هذا المثل واضحة وقوية , فشبه الإنسان أو الموقف الذي يبلغ أوج عزّه ونجاحه بالطائر الذي يحلق عاليًا في السماء , هذا الارتفاع قد يكون في السلطة , أو الثروة , أو الشهرة , أو حتى في لحظة من الفرح والانتصار , لكن المثل لا يكتفي بتصوير هذا الصعود , بل يتبعه بحقيقة لا مفر منها : (( إلا كما طار وقع )) , فالطائر مهما بلغ من علو, فإنه في النهاية سيعود إلى الأرض.

(( إذا ما ارتقى طيرٌ يوماً محلقاً فلا بدَّ يوماً أن يعود إلى القَعِ )) .

يحمل الجزء الثاني من المثل في طياته عدة معانٍ , زوال النعمة وتقلب الأحوال , حيث يشير إلى أن أي نعمة أو منصب أو قوة مهما عظمت , فهي ليست دائمة , فالدنيا بطبيعتها متغيرة , وما هو في القمة اليوم قد يكون في القاع غدًا , والتاريخ مليء بالأمثلة على إمبراطوريات انهارت , وقادة عُزلوا , وأثرياء افتقروا , ويحذر المثل أيضا من الغرور والتكبر والتعالي الذي قد يصيب الإنسان عند بلوغه مكانة مرموقة , فالغرور هو بداية السقوط , لأنه يجعل الإنسان يغفل عن الحقائق ويتجاهل احتمالات الفشل , ويدعو الى التواضع والشكر عند تحقيق النجاح , فالتواضع يحفظ النعمة ويجعل الإنسان أكثر استعدادًا لمواجهة تقلبات الزمن , وعلى الجانب الآخر, يمكن أن يكون هذا المثل تذكيرًا بأن الفشل ليس نهاية المطاف , فكما أن الارتفاع يعقبه انخفاض , فإن الانخفاض قد يعقبه ارتفاع .آخر.

(( فلا تغترر بالعزِّ إن نلتَ رفعةً , فكم من رفيعٍ شامخِ الرأسِ قد هَوَى )) .

نجد تطبيقات هذا المثل في مختلف جوانب حياتنا , ففي السياسة , كم من زعيم وصل إلى قمة السلطة ثم انتهى به الأمر معزولًا أو منبوذًا؟ وفي الاقتصاد , كم من شركات عملاقة انهارت وأفلست بعد سنوات من الازدهار؟ وفي العلاقات الاجتماعية , كم من صداقات قوية انتهت بالخصام والبعد؟ وفي الحياة الشخصية , كم من لحظات فرح وسعادة تلتها لحظات حزن وأسى؟ وهكذا تبقى رسالة المثل الخالدة , بمثابة تذكير دائم للإنسان بضرورة التعامل مع تقلبات الحياة بحكمة وتعقل , وإنه يدعونا إلى عدم الاغترار بالنجاح المؤقت , والاستعداد لمواجهة الصعاب , والتواضع في أوج قوتنا , إنها دعوة إلى فهم طبيعة الدنيا الفانية , ويمكن القول إن هذا المثل ليس مجرد عبارة شعبية عابرة , بل هو خلاصة تجارب الأمم وحكمة الأجيال , إنه مرآة تعكس حقيقة الوجود الإنساني وتقلباته , ويبقى صداه يتردد في أذهاننا ليذكرنا بأن كل صعود مهما طال , فإنه حتمًا سيتبعه هبوط .

(( هي الدنيا لا تدومُ على حالٍ , فكم من سعيدٍ بالأمسِ غدا شَقِي )) .

سجل التأريخ في زمننا المعاصر قصة أحد الأثرياء الأمريكيين , عندما كان صبيًّا في السادسة من عمره ,أخذته أمه معها إلى أحد متاجر الحلوى , وطلب الصبي من أمه قليلاً من الفستق , فقال له صاحب المتجر: (( خذ ما تشاء , هيا املأ يدك من الصندوق )) , فرفض الصبي رفضًا باتًّا رغم إلحاح الرجل , وإلحاح أمه عليه , فلم يسع الرجل إلا أن يملأ يده من الفستق ويضعه في جيب الصبي , وبعدما خرج سألته أمه : (( لماذا لم تأخذ بنفسك؟ )) , فقال لها : (( لأن يد البائع أكبر من يدي , لهذا سوف يكون الفستق أكثر)) , وذكاؤه الفطري هذا هو الذي أهَّله فيما بعد لأن يصبح مليونيرًا , ولكنه استغل ذكاءه وفطرته في الطمع , ومرت الأعوام , وكبر الطفل , وأصبح مليونيرًا , يُشار إليه بالبنان من ضخامة الصفقات التجارية التي يحصل عليها , ولكن في النهاية (( ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع )) , وخصوصًا إذا كان ذلك الطيران مشبوهًا , ويعتمد على أن (الغاية تبرر الوسيلة) , مهما كانت تلك الوسيلة , وغاص التاجر الجشع إلى أخمص قدميه من شدة الطمع , وتكالبت الدنيا عليه , إلى أن أصبح ذلك المليونير ملاحَقًا من البنوك , ولا يستطيع الخروج من بلاده بعد أصبح ملاحَقًا من (الإنتربول) أيضًا.

(( فكنْ حذراً إنْ نلتَ مجداً وسؤدداً فإنَّ التواضعَ للرفيعِ هو البَقَا )) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .
- مقامة المربك و المرتبك .
- مقامة اطاعة المسؤول .
- مقامة حُراس التناحة .
- مقامة سُكرةعراقية .
- مقامة ترانيم المواويل
- مقامة رفيق الحويجة .
- مقامة الأنبهار .
- مقامة السمراوتين .
- مقامة الدرويش .
- مقامة فرحة العيد ؟
- مقامة زئير المعري .
- مقامة كرسي العراق .
- مقامة العجمي و الأعجمي .
- مقامة جنود العسل .
- مقامة المرورة .
- مقامة الصلع .
- مقامة أحلام .
- مقامة الدبلوماسية .


المزيد.....




- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ما طار طير .