أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - كوردستان وحدة الجغرافيا وشرخ الوعي














المزيد.....

كوردستان وحدة الجغرافيا وشرخ الوعي


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 10:20
المحور: القضية الكردية
    


كوردستان ليست خريطة معلقة على الجدار، ولا نشيدًا قوميًّا يُتلى في المناسبات، ولا لهجة تُنطق في وادٍ دون وادٍ آخر، كوردستان هي وحدة الوجع، وحدة الدم، وحدة الجبل الذي احتضن الثائر، ووحدة الأم التي ودّعت أبناءها في جميع جهاتها الأربع دون أن تسأل، من أي جزء أنتم؟
كوردستان ليست مجرد جغرافيا ممزقة، بل ذاكرة واحدة تعرّضت لمحاولة اقتلاع متعمدة، ليست أربعة أجزاء تقف على خرائط متباعدة، بل كيان حي، كان يومًا جسدًا متصلًا، ينهض وينكسر ويتنفس بنداء واحد، لكنها اليوم، تُدار كأنها فسيفساء هشة، لا تربطها إلا الذكرى، بينما الواقع يعيد إنتاج فواصل العدو، ولكن هذه المرة، بأيدٍ كوردية.
ليست النكبة دائمًا فعلًا من خارجنا، فثمة نكبات – هزائم - سقطات ناعمة تولد في داخل الوعي، حين نتماهى مع حدود المحتل، ونقتنع بأن روجآفا ليست باشور، وأن روجهلات ليست باكور، وأن من يأتي من هناك هو غريب، أو "ضيف" علينا نحن هنا، حينها، تصبح الكارثة مزدوجة، احتلال الأرض، احتلال الذاكرة.
إن كل من يدافع عن الفصل بين أبناء كوردستان، أكان على أسس اللهجات، أو الانتماءات الحزبية، أو التعاطف مع دول الاحتلال، يكرّس، بقصد أو دون قصد، ما أراد الغزاة ترسيخه، أن ننسى بعضنا، ونخاف من بعضنا، ونتعامل مع الكوردي كأنه الآخر لا الذات، ولعل الأخطر من ذلك، أن هذه العقلية أصبحت جزءًا من الخطاب السياسي، وتسرّبت إلى وعي الأحزاب، وتحوّلت إلى ما يشبه القاعدة في الحراك الثقافي، فتلقفها الأدباء والشعراء والنشطاء، بل وردّدوها بملء أصواتهم وهم يزعمون الدفاع عن كوردستان الكبرى.
أي كوردستان كبرى هذه التي تُفكّك يومًا بعد يوم على مستوى التعامل والتفكير والقرار؟ ما قيمة المطالبة بكوردستان موحدة بينما نُمارس، في خلافاتنا الحزبية، وفي سياساتنا اليومية، وفي مفرداتنا حتى، فعل الانفصال والتقاطع والتخوين المتبادل؟ كيف نطالب بوطن محرر بينما نمنع مقاتلًا من جزء آخر من كوردستان من المساهمة في الدفاع عنها؟ من يقول إن حزبًا معيّنًا "غريب" في هذه الجهة أو تلك، كمن يقول إن البيشمركة لا يحق لهم الدفاع عن شمال كوردستان إن قامت لهم هناك دولة، وكأننا نؤسس لدويلات داخل الجسد الواحد، ونحوّل الشعب إلى سكان حدود، لا أبناء أرض واحدة.
لا يا سادة، من المنطقي، بل من الواجب السياسي، أن نحاور المحتلين ضمن ضرورات التفاوض والمواجهة، لكن أن نحاور بعضنا بذات اللغة التي نخاطب بها أنظمة الاحتلال؟ تلك هي الجريمة الأخطر لأنها لا تفاوض العدو، بل تنسخ منطقه وتُلبسه ملامحنا.
إن الكوردي حين يدافع عن شقيقه الكوردي، لا يُمارس تضامنًا عابرًا، بل يُعبّر عن وحدة وجود مهددة، فحين يُمنع هذا أو يُقصى ذاك بحجة الجغرافيا أو الولاء السياسي، فإننا لا نُدافع عن هويتنا، بل نُسلمها للمحتل موقّعة ومُقسّمة على مقاس مصالحه، المحتل نجح حين أقنعنا أن كوردستان ليست لنا جميعًا، بل لكلٍ جزء، ولكل جزء سيادة، ولكل سيادة أعلام، ولهجات، ونُظم أمنية، وأعداء مختلفون، بل وأصدقاء مختلفون.
وهذا الانقسام، إن لم يُواجَه بالحقيقة، سيقودنا إلى لحظة نُفيق فيها لنكتشف أننا لم نعد نعيش في كوردستان، بل في أشباه دول كوردية، متناحرة، متنافسة، يمرّ الكوردي فيها من نقطة تفتيش إلى أخرى، وكأنه يعبر بين أعداء لا إخوة، لا عدو داخلي أخطر من منطق يرى في الاختلاف جريمة، وفي الوحدة تهديدًا، وكل من يؤسس لخطاب "الداخل والخارج"، "نحن وهم"، في الإطار الكوردي، هو يضع حجرًا في جدار التقسيم القادم.
فلتكن صريحة هذه الكلمة، إن من يطالب بعودة الكورد إلى "أجزائهم"، أو يربط الشرعية السياسية بالمنشأ الجغرافي، يرتكب جريمة فكرية لا تقل فداحة عن خيانة الأرض نفسها، إنه يزرع بذور انقسام ستُثمر لاحقًا دولًا كوردية متناحرة، لا رابط بينها إلا نشيد لا يُسمع، وخريطة لا تُحترم.
لا فرق بين من يمزق الأرض بالسيف، ومن يمزق الوعي بالكلمة، الأول محتل واضح، والثاني شريك ناعم، لذلك فإن السكوت عن هذه المنهجية خيانة صامتة، وتبريرها خضوع مغلّف، وترويجها مشاركة في إنتاج مستقبل سيُلعن فيه من كتب، ومن صمت، ومن دافع.
ولست، من موقعي، مستعدًا لأن أقبل أو أهادن مشروعًا سياسيًا، أو ثقافيًا، أو حتى إداريًا، يقوم على تكريس الانقسام الكوردي، أو يعيد إنتاج الحدود بين الأحزاب وكأنها حدود بين شعوب، سأكون أول المعارضين، ليس لأي دولة كورديّة، بل لأي دويلة تنبني على رفض الآخر الكوردي، على اجتثاث المقاتل لأنه من "جهة أخرى"، أو على محاسبة المناضل لأنه لا ينتمي إلى "الطرف الصحيح" فكما أرفض اليوم توسيع الشرخ بين القوى السياسية الكوردية، أرفض غدًا أن تُبنى كوردستان على رمال الحزبية والجهوية، وأن نُضحي بحلمنا الجمعي من أجل انتصارات صغيرة، ضيقة، لا تعني شيئًا أمام جرح كوردستان الأكبر.
كوردستان لن تتوحّد بالخطب، بل بالوعي، لن تتشكّل بالحدود، بل بانهيارها، لن تُصان بالرايات، بل برفض أن تتحوّل إلى "شعوب كوردية متجاورة" من يزرع الفصل بيننا اليوم، سيحصد الحقد غدًا، ومن يغضّ النظر عن التقسيم تحت أي مسمّى، سيجد نفسه يومًا غريبًا في وطنه، يتوسل المرور من جزء إلى آخر وكأنه لاجئ في أرضه.
فاحذروا هذا المسار، ولا تجعلوا من الوطن بوابات عبور، ومن الكوردي سؤالًا أمنيًا، كوردستان لا تسأل من أين أتيت، بل ماذا تفعل هنا.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
13/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قراءة عن مقالة إبراهيم اليوسف حول (في قضايا كوردستا ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة.
- في مواجهة الأقلام المتسكعة خلف الأسماء المستعارة كفى عبثًا ب ...
- حين وقفت على حافة مقبرتي وصافحت عظامي
- الجغرافيا لا تكذب، الكورد أصل الأرض قبل أن تُسمى سوريا
- هل الله جريمة؟
- أسعد الزعبي صدى البعث المُتعفّن في زمنٍ يطلب الكرامة
- زيارة الشرع إلى إسطنبول رسائل مشفّرة من واشنطن عبر أنقرة
- تسليم الساحل السوري لقوات قسد خطوة إنقاذ لسوريا من التقسيم
- في حضرة الغياب الإلهي مجازر شنكال وسوريا بين التكفير ورايات ...
- الكورد والثورة السورية تحذير من تكرار الخطيئة الإيرانية
- نوروژ بين الدين والقومية، بين الثورة والطمس
- إلى أي درك كارثي تتهاوى سوريا؟
- حين يتقيأ الحقد، العروبة المشوهة في مواجهة الحقيقة الكوردية
- إعادة قولبة سوريا
- سوريا نحو الاستبداد الدستوري
- صناعة الشعوب المشوهة
- قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع
- سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام الس ...


المزيد.....




- ترامب يقترح برنامجا للترحيل الطوعي مع إغراءات للمهاجرين -الط ...
- تزايد أعداد العرائض الإسرائيلية المطالبة بوقف الحرب وإعادة ا ...
- مع دخول حرب السودان عامها الثالث.. هجمات على أكبر مخيم لاجئي ...
- الاحتلال يواصل قصف خيام النازحين بغزة ويستهدف مستشفى ميدانيا ...
- تعليق الأمم المتحدة على احتجاز الناطقين بالروسية في كييف وني ...
- اعتقال ناشط فلسطيني في أمريكا أثناء مقابلة للحصول على الجنسي ...
- الأونروا: نفاد مخزونات الغذاء التي دخلت غزة بفترة وقف إطلاق ...
- السعودية.. الداخلية تصدر بيانا بشأن إعدام 3 أجانب وتكشف جنسي ...
- الأمم المتحدة: نزوح 125 ألف شخص منذ مارس بجنوب السودان بسبب ...
- السودان: مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تحذر من -عواقب كارثية- ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - كوردستان وحدة الجغرافيا وشرخ الوعي