أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية















المزيد.....

الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 22:05
المحور: الادب والفن
    


يُروى عن بعض أهل الطريق أنهم إذا خفّ الجسد وثقلت الروح، عبروا من ضيق العالم إلى فسحة الملكوت، بلا سفينة ولا زاد، إلا صفاء القلب وصدق التوجه. قال أحدهم: "ما سافرتُ إلا بي، وما رأيتُ إلا ما فيّ." وهكذا، فالسفر الصوفي ليس تنقّلًا في المكان، بل تحوّل في الإدراك، ومحوٌ للهوية الصلبة في بحر الوعي اللامحدود.
وهناك، في مناطق السكون العميق، تنفصل الذات عن كثافتها، وتخرج من مدار الأرض إلى مدارات الفكر، تُحلّق في فضاءات من نورٍ خالص، حيث لا زمان يُقاس، ولا مكان يُحدّ، هو تذكيرٌ بأن في الإنسان أسرارًا أوسع من جسده، وأنه يستطيع أن يخرج من ضيقه نحو رحابة الأكوان، لا بقدميه، بل بنقطةٍ في قلبه تعرف الطريق.
والإسقاط النجمي هنا، يُعد أحد المفاهيم الباطنية التي راجت في أدبيات العصر الجديد، حيث يتم فصل الوعي أو "الجسم النجمي" عن الجسد المادي ليختبر أبعادًا وجودية أخرى.
أولاً: الإسقاط النجمي كبنية مفهومية ومعرفية:
هو بعد "ذِهني" متداخل مع البعد المادي، يحوي مجموع الأفكار والمشاعر والأحلام التي تنتجها الكائنات الحية، هذه الرؤية تجعل من البعد النجمي مجالًا لتجليات الفكر الإنساني اللاواعي، مما يمنحه بعدًا معرفيًا مزدوجًا: فهو من جهة ميدان تجريبي للذات، ومن جهة أخرى سجل جماعي للخبرات الذهنية.
ويرتبط هذا البعد بمفهوم "مادة العقل"، وهي مادة رمزية قابلة للتشكيل والتكوين حسب التوجهات الفكرية. إن تشبيه البعد النجمي بالفيلم الفوتوغرافي شديد الحساسية للضوء يوحي بمنظور إبستمولوجي يرى الواقع الذهني كمجال للإنتاج الإدراكي، لا كمجرد انعكاس.
علاوة على ذلك، فالبعد النجمي منظومة طاقية، حيث يتم تفعيل الجسد النجمي من خلال الشاكرات، ويُغذّى بالمادة الأثيرية، وهذا يربط المعرفة الباطنية بالجسد البيولوجي من خلال وسائط شبه علمية مثل الذبذبات، الموجات الدماغية، و"الحبل الفضي" الذي يربط بين الجسدين، بهذا، يتم تجاوز ثنائية الروح/الجسد لصالح بنية وسيطة قادرة على التنقل بين المستويات.
ثانيًا: البنية السردية وتجربة العبور:
وتجربة الإسقاط النجمي كرحلة روحية، تشبه إلى حد بعيد السرديات الأسطورية التقليدية، يبدأ الأمر بتحضيرات تأملية واسترخائية (تأمل، تصفية الذهن، الدخول في الغيبوبة)، يليها انفصال تدريجي عن الجسد المادي، ثم تنقّل بين مستويات متعددة من الوجود.
هذه الرحلة تمرّ عبر مراحل تشبه المراحل الطقسية في الأنثروبولوجيا الدينية: الانفصال (من الجسد)، العبور (بين الأبعاد)، والاندماج (في مستوى وعي أعلى)، ويُستخدم السرد الشخصي والتجربة الذاتية كوسيلة لتأكيد صدق التجربة، مع اعتماد ضمير المتكلم لإضفاء الطابع الحي على المعرفة المكتسبة.
ثالثًا: رمزية الأبعاد والمفاهيم الباطنية:
إن كل مستوى من المستويات السبعة (المادي، النجمي، العقلي، البوذي، الأتيمي، الأنوباداكا، الآدي) يُقدَّم بوصفه مرحلة من الارتقاء الروحي. ويُمنح كل بُعد خصائص محددة: البُعد العقلي هو عالم من الضوء والصوت المتناغم؛ البوذي هو عالم الوحدة والسلام؛ أما البُعد الأتيمي، فهو فضاء المشاهدة الإلهية، هذه الصور تُعيد إنتاج الرموز الدينية التقليدية – الجنة، النور، اللقاء مع الأحبة – ولكن بصيغة باطنية علمانية.
وتُستخدم مصطلحات مثل "سجلات الأكاشا" لتشير إلى ذاكرة كونية تشمل الماضي والحاضر والمستقبل، هذه السجلات تُقرأ عبر الاستبصار أو "أمين مكتبة"، في تمثيل رمزي للعقل الكوني الجامع، وتُشبه هذه الفكرة اللاوعي الجمعي عند يونغ، لكنها تأخذ شكلًا أكثر تجسيدًا، كأن العقل الباطن البشري متصل فعليًا بخزان رمزي شامل،
كذلك، نجد توظيفًا رمزيًا للعناصر البصرية: الضوء الفضي، الملائكة، الأبواق، النغمات السماوية – كلها تُستخدم لتوصيف اللحظات الصوفية، مثل لقاء الابن المتوفى أو دخول عالم "الشفاء الكوني". يكتسب الموت هنا معنى تحويلي، حيث يُنظر إليه كعملية إسقاط نهائية للجسد المادي والالتحام بالمصدر الإلهي.
ومن ثم، فالإسقاط النجمي هو تجربة إدراكية يتجاوز فيها الإنسان حدود الجسد الفيزيائي ليحيا لحظة وعي خارجة عن الزمان والمكان المألوفين. لا يُنظر إليه كحلم أو تخيل، بل كحالة من الانفصال الجزئي للوعي عن الجسد، حيث يتحرك "الجسم النجمي" أو "الكيان الطاقي" في مستوى مغاير للمستوى المادي، يُعرف باسم "البعد النجمي".
هذا البعد ليس فراغًا أو عالمًا خياليًا، بل يُقدَّم كمجال غير مرئي يحيط بالعالم الفيزيائي ويتداخل معه، ويتكوّن من مادة ذهنية أو طاقية تتجاوب مباشرة مع الأفكار والنوايا، ووفق هذا التصور، فإن الوعي ليس مقيدًا بالجسد، بل قادر على أن يُسافر، يرى، يشعر، ويتفاعل من خلال "جسم لطيف" يتشكل بفعل طاقته الداخلية.
ويتم ربط هذا الجسد النجمي غالبًا بالجسد المادي بواسطة "الحبل الفضي"، وهو مسار طاقي يحفظ التواصل بين الحالتين، ويتيح العودة الآمنة إلى حالة الاستيقاظ. وعادةً ما تحدث هذه التجربة في حالة وعي متغيرة، مثل النوم العميق، أو الاسترخاء الشديد، أو التأمل، أو حتى في حالات قريبة من الموت، حيث ينفصل الإدراك عن الجسد بفعل الصدمة أو ارتفاع الذبذبات الطاقية.
وتبدأ تجربة الإسقاط غالبًا بأعراض حسية واضحة، كالشعور بالاهتزاز، الطنين الداخلي، فقدان الإحساس بالثقل، أو الإحساس بالطفو. ثم ينتقل الشخص إلى حالة رؤية غير معتادة، يُطلق عليها أحيانًا "الرؤية الكروية"، حيث يُدرك كل ما حوله في آنٍ واحد دون الاعتماد على الاتجاهات الحسية التقليدية.
والواقع في هذا البعد ليس ثابتًا، بل مائع ومتغير، يتشكّل بالأفكار والمشاعر، وكل ما يفكر فيه المسافر النجمي يمكن أن يظهر له في شكل مرئي أو رمزي، سواء أكان ذلك مقصودًا أو لاشعوريًا، ولهذا السبب، يُنظر إلى الإسقاط النجمي كتجربة ذاتية عميقة، تكشف عن قوة العقل الباطن وقدرته على خلق الواقع من الداخل.
وينقسم العالم النجمي إلى مستويات وطبقات، منها ما هو قريب من العالم المادي، ومنها ما هو أرفع وذو طبيعة عقلية وروحية عالية، ففي المستويات الدنيا، قد يتفاعل المرء مع ما يشبه انعكاسات الواقع الفيزيائي أو الأحلام، أما في المستويات العليا، فتظهر بيئات مبهرة مليئة بالرموز، النور، والسكينة، ويتبدى الشعور بالوحدة الكونية أو "الاندماج بالكلّ".
وليس الهدف من الإسقاط النجمي الترف أو الفضول فقط، بل يُعتبر عند بعض المسارات الباطنية وسيلة للمعرفة، والشفاء، وتوسيع الإدراك، بل وحتى للتواصل مع ذوات أو كيانات من أبعاد أخرى. كما يُستخدم لاستكشاف سجلات كونية تحتوي على أثر كل فعل وفكرة مرّت في الوجود، تُعرف باسم "السجلات الأكاشية".
وربما يمثل الإسقاط النجمي امتدادًا لجوهر الإنسان، ودليلاً على أن الوعي ليس سجين الجسد، بل كائنٌ حر، متجدد، ومتعطش لاكتشاف المعنى في طبقات الوجود كافة.
وفي نهاية هذا الترحال الرمزي بين العوالم، يتبدّى لنا أن الإسقاط النجمي ليس مجرد تقنية روحية، بل هو مرآة تنعكس فيها الذات على تعددها، وتتشظى إلى أصداء من وعيٍ أعلى. إن السالك في هذا الطريق، إنما يسعى إلى الانفصال عن قيود الكثافة المادية، ليعود إلى فطرته النورانية الأولى، حيث "الإنسان الكامل" يتّحد مع الحقيقة، في رحلة العودةٌ إلى الأصل، إلى حيث لا تُقال الكلمات، ولا تُسمع الأصوات، بل يُعرَف اللهُ بالصمت.
المراجع:
Global Grey (2023).
Retrieved from: globalgreyebooks.com

Hanegraaff, W. J. (1996). New Age Religion and Western Culture: Esotericism in the Mirror of Secular Thought. State University of New York Press.

Heelas, P. (1996). The New Age Movement: The Celebration of the Self and the Sacralization of Modernity. Blackwell Publishers.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما
- ماذا تبقى من القومية العربية؟
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق
- العشق ورحلة الفناء في الحقيقة
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !


المزيد.....




- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية