أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهين شيخاني - -راية فوق بئر مهجور -














المزيد.....

-راية فوق بئر مهجور -


ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )


الحوار المتمدن-العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 22:05
المحور: الادب والفن
    


وقف دارا أمام باب القاعة الكبرى.
كانت ترفرف فوقها راية كردية أنيقة، مربوطة بعمود طويل، كما لو أنها تحرس حلماً قديماً.
شد ياقة قميصه الأبيض، مسح غبار الطريق عن بنطاله، ودخل.
في الداخل، كان الهواء خانقًا، ممزوجًا برائحة عرق متعب ودخان سجائر رخيصة.
اصطف الجالسون في مجموعات صغيرة، كل مجموعة تهمس على حدة، وكأن المؤتمر ساحة قمار لا قضية شعب.
تقدم دارا وجلس أحد الكراسي البلاستيكية المتهالكة.
على المنصة، رجل بدين يصرخ في مكبر الصوت:
"الوحدة! المصير! الاستقلال الكامل!"
هتف الحاضرون بفتور كأنهم يؤدون واجبًا مدرسياً.
دارا صفق بحرارة، بقلب لا يزال يؤمن.
انتهت الكلمة الأولى، فصعد آخر، أصغر سنًا، بربطة عنق عريضة تكاد تخنقه، صرخ بلهجة حادة:
"سننتصر لأننا الأكثر وعياً!"
نظر دارا حوله.
الوجوه جامدة. بعضهم يتثاءب، وبعضهم يرسل رسائل خفية بهواتفهم.
خلال الاستراحة، اقترب منه رجل نحيل يحمل ملفًا منتفخًا. همس له:
"هل أنت جديد هنا؟"
أومأ دارا برأسه.
"احذر... هنا لا مكان للأفكار. هنا... تجارة شعارات."
ابتسم دارا ظانًا أنها مزحة ثقيلة، لكنه سرعان ما رأى الحقيقة.
في الزوايا، كان بعض القادة يتبادلون أوراقاً موقعة. في الزاوية الأخرى، وفد يناقش "حصته" من لجان الحزب المستقبلية.
دارا جلس مذهولاً.
أي مؤتمر هذا؟ أين الحلم؟ أين البلاد؟
صعد أحدهم ، شيخ سبعيني، ناصب نفسه "ضمير الشعب"، وصرخ فيهم:
"نحن باقون فوق هذه الأرض ولن نفرط بحبة تراب!"
فيما مساعده، بهدوء، يمرر حقيبة جلدية لرجل ببدلة أجنبية عند الباب الخلفي.
رفع دارا يده يريد أن يسأل، أن يعترض.
اقترب منه أحد المنظمين كي يخفضها.
"ليس الآن"، همس في أذنه.
انتهى المؤتمر بتصفيق بارد وخطابات مدفوعة الثمن.
خرج دارا مع آخرين.
كانت الشمس تميل نحو المغيب.
رفع رأسه نحو الراية الكردية التي كانت لا تزال ترفرف.
اقترب أكثر، مشى حتى وصل إلى قاعدة العمود.
هناك، أسفل الراية، كان بئر قديم، محاط بجدار حجري متهالك، فارغ تمامًا.
رمى دارا بحجر صغير داخله.
لم يسمع أي صدى.
جف حلقه.
تمتم:
"راية جميلة... فوق فراغ هائل."
سار عائدًا إلى قريته، مثقلاً بخيبة أمل.
لم يسقط الراية من قلبه، لكنه أدرك أن الذين يرفعونها لا يعرفون حتى عمق البئر الذي يقفون فوقه.
في المساء، كان دارا، المثقف العائد لتوه من مؤتمر الحزب، يسير على الطريق الوعرة عائدًا إلى قريته.
كان يحمل حقيبته الصغيرة، محشوة بأوهام طازجة وكلمات فضفاضة لا تصلح إلا للاستهلاك أمام عدسات الكاميرا.
حين وصل إلى مشارف القرية، استقبلته مجموعة من الأطفال الصغار، يركضون نحوه:
"عمو دارا! عمو دارا! متى سنحصل على وطن؟ متى نرفع رايتنا فوق الجبال؟"
ابتسم دارا ابتسامة شاحبة، شعر بثقل غريب يطبق على صدره.
مضى إلى الساحة الصغيرة، حيث كان أهل القرية قد اجتمعوا.
رجال شابت لحاهم من طول الانتظار، نساء عجائز ينسجن الأحلام البالية بخيوط الهواء، وأطفال بعينين واسعتين، تختزن كل جوع الأرض للحلم.
وقف المختار أمامه، بعمامته البيضاء الثقيلة وقال:
"بشرنا يا بني... بأي سماء سنغني غداً؟"
صمت دارا.
نظر حوله.
ثم وقعت عيناه على جدار المدرسة الحجري القديم، حيث علّقوا قبل سنوات راية كردية صغيرة خاطتها جدته الراحلة، وظلت هناك، باهتة مهترئة، تتحدى الزمن.
تنهد طويلاً، وقال بصوت بالكاد يسمع:
"غنوا... لكن لا ترفعوا أصواتكم كثيراً. الرايات هذه الأيام ترتجف من فرط الريح."
**
تفرق الناس بهدوء، حائرين، خائفين من أن يفهموا الحقيقة.
أما دارا، فقد سار إلى بيته الصغير، واستلقى تلك الليلة وهو يحدق في السقف المتشقق.
في الحلم، رأى راية كردية عظيمة ترتفع فوق جبل شاهق.
راية مصنوعة من نور خالص.
لكن لم يكن أحد يحملها.
كانت ترفرف وحدها... حرة، كما يجب أن تكون.
- انتهت -



#ماهين_شيخاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطاقة يانصيب
- عينا روزا..؟.
- انسحاب المجلس من الائتلاف
- التنوع الثقافي في الجزيرة السورية...؟.
- لعبة الأقدار - الإعلامي وإخلاف الوعد
- - كرامة الجبلي -
- الإقليم والإدارة وجمهوريتي عنق الزجاجة
- - الطريق الى برده ره ش - لعبة الأقدار ..ج4.
- ظاهرة - العشائرية -
- بصيص أمل - من لعبة الأقدار (ج 3) - قصة قصيرة
- اسمها والعيون / قصة قصيرة...
- مناضلون على الصفحة الزرقاء
- رئيس دفن الموتى
- المرتزقة والولاء لمن يدفع أكثر والاتفاقية الدولية لمناهضة ال ...
- المبدع يلماز كونيه ... الحياة القصيرة لفنان شامخ الرأس...؟.
- الشروع في مشروع
- لوحة آناهيتا
- شيطانة.. بجلباب محامية..؟.
- بمناسبة يوم الصحافة الكردية
- توقيع سريع في كومين الحي...


المزيد.....




- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهين شيخاني - -راية فوق بئر مهجور -