أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام















المزيد.....



أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 17:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ تَعْرِيفُ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ

أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ تُعَدُّ إحْدَى أَهَمّ مَجَالَات الْأَخْلَاقَيَّات التَّطْبِيقِيَّة، وَتَتَمَثَّلُ فِي الْمَبَادِئِ وَالْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَحْكُمُ وَتُنَظِّم مُمَارَسَات وَسُلُوكِيَّات الْإِعْلَامِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة أَثْنَاء قِيَامِهِمْ بِالدُّور الْإِعْلَامِيّ وَالِإتِّصَالِيّ الْمَنُوطُ بِهِمْ. تَنْبَثِق أَهَمِّيَّة أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ مِنْ كَوْنِ الْإِعْلَام وَ الصَّحَافَة لَهُمَا تَأْثِير كَبِير وَوَاسِعٌ فِي الْمُجْتَمَعِ، فَهُمَا يُؤَثِّرَان عَلَى إتِّجَاهَات الرَّأْيِ الْعَامِّ وَ تَوَجَّهَاتِه، وَ عَلَى نَشْرِ الْمَعْلُومَاتِ وَ الْمَعَارِفَ وَتَشْكِيل الْوَعْي الْعَامِّ. لِذَلِكَ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُمَارَسَات الْإِعْلَامِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة مُنْضَبِطَة بِمَجْمُوعَةٍ مِنْ الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّة. تَتَضَمَّن أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ مَبَادِئ مِثْلَ الصِّدْقِ وَالْمَصْدَاقِيَة، وَالمَوْضُوعِيَّةُ وَ الْحَيَاد، وَ إحْتِرَامُ الْخُصُوصِيَّةِ وَ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَ تَجَنُّب إثَارَةِ الفِتَنِ وَالْكَرَاهِيَة، وَالْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة، وَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّة وَ الْقَيِّم الْوَطَنِيَّة. كَمَا تَتَضَمَّنُ أَيْضًا مَعَايِير مِهْنِيَّة كَالدِّقَّةُ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ وَالْمَعْلُومَات، وَ تَحَرِّي الْحَقِيقَة، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْحَقَائِقِ وَالْآرَاء، وَعَدَم التَّحْرِيضُ عَلَى الْعُنْفِ أَوْ الْجَرِيمَة، وَإحْتِرَام الْخُصُوصِيَّة وَحُقُوق الْآخَرَيْنِ. وَ تُصَنِّف أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ ضَمِن الْأَخْلَاقَيَّات التَّطْبِيقِيَّة؛ لِأَنَّهَا تَتَعَامَلُ مَعَ مُشْكِلَات وَقَضَايَا أَخْلَاقِيَّة مُحَدَّدَة تَوَاجِهُ الْمُمَارِسِين فِي مَجَالِ الْإِعْلَام وَالصَّحَافَة. وَقَدْ ظَهَرَتْ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ كَحَقِّل مَعْرِفِيّ مُسْتَقِلٌّ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، عِنْدَمَا بَدَأَتْ الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ بِوَضْع مَوَاثِيق شَرَف وَمُدَوَّنًات سُلُوكُ لِتَنْظِيم مُمَارَسَات الْعَامِلِينَ فِيهَا. وَ تَتَبنى مُؤَسَّسَات الْإِعْلَام وَ الصَّحَافَة الْمُخْتَلِفَةِ مَوَاثِيق أَخْلَاقِيَّة خَاصَّةً بِهَا لِتَنْظِيم سُلُوك الْعَامِلِينَ فِيهَا وَتَوْجِيه مُمَارَسَاتهم الْمِهَنِيَّة. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ مُؤَسَّسَات دَوْلِيَّة وَمُنَظَّماَت إِعْلَامِيَّة وَ حَقُّوْقِيَّة وَضَعْت مَوَاثِيق شَرَف وَ أَخْلَاقِيَّات مِهَنِيَّة دَوْلِيَّة لِتَنْظِيم عَمَل الْإِعْلَامِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة عَلَى الْمُسْتَوَى الْعَالَمِيّ، مِثْل إعْلَان ميُونِخ بِشَأْن أَخْلَاقِيَّات الصَّحَافَةِ الَّذِي أَقَرَّ عَامٍ 1971. وَيَنْبَغِي عَلَى الْإِعْلَامِيِّين وَ المُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة الِإلْتِزَامِ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقَيَّات وَالتَّقَيُّدُ بِهَا، لِأَنَّ أَيَّ إنْتِهَاك أَوْ تَجَاوَزَ لَهَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى أثَارِ سَلْبِيَّةٍ عَلَى الْمُجْتَمَعِ، مِثْل إنْتِشَار الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ وَالمُضَلَّلة، وَإِثَارَةُ الْفِتَن وَالْكَرَاهِيَة، وَإنْتِهَاك الْخُصُوصِيَّة، وَالتَّشْهِير بِالْأفْرَاد، وَتَشْوِيه السُّمْعَة. لِذَلِك، فَإِنْ إحْتِرَام أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ يُعَدّ ضَمَانًا لِمَصْدَاقِيَّة الْإِعْلَامُ وَ لِحِمَايَة حُقُوقُ الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَفِي ضَوْءِ التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة الْحَدِيثَة وَإنْتِشَار وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الرَّقْمِيَّة، بَرَزَتْ تَحَدِّيَات جَدِيدَة أمَام أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ، مِثْل إنْتِشَار الْأخْبَار الزَّائِفَة وَالْمَعْلُومَات الْمُضَلِّلَة عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ، وَإنْتِهَاك الْخُصُوصِيَّة عَبَّر مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ، وَالتَّحْرِيضُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَالْعُنْف. لِذَا، أَصْبَحَ مِنْ الضَّرُورِيِّ إعَادَة صِيَاغَة مَبَادِئ وَأَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام لِتَوَاكب هَذِهِ التَّطَوُّرَات، وَتَطْوِير آلِيَّاتِ جَدِيدَة لِتَطْبِيق هَذِه الْأَخْلَاقَيَّات وَضَمَانُ إلْتِزَام الْإِعْلَامِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة بِهَا. تُعَدُّ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ رَكِيزَةً أَسَاسِيَّةً لِضَمَان مُمَارَسَة الْإِعْلَام بِمَسْؤُولِيَّة وَشَفِافِيَة، وَ لِلْحِفَاظِ عَلَى مَصْدَاقِيَة الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ وَحِمَايَة حُقُوقَ الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ إلْتِزَامَ الْإِعْلَامِيِّين وَ المُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة بِأَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَةُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِتَعْزِيز دُور الْإِعْلَامِ فِي خِدْمَةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَتَحْقِيق التَّنْمِيَة الْمُجْتَمَعِيَّة.

_ الْمَبَادِئُ الْأَسَاسِيَّة لِأَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام

أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ تَمَثَّل إحْدَى الرَّكَائِز الْأَسَاسِيَّةَ فِي مُمَارَسَةِ مِهْنَة الصَّحَافَة وَ الْإِعْلَام، فَهِي تُشْكِل مَرْجِعِيَّة قِيَمِيَّة وَسُلُوكِيَّة يَجِبُ أَنْ تَحْكُمَ عَمَل الْإِعْلَامِيِّين وَالصَّحْفَيِّين. وَبِالنَّظَرِ إلَى طَبِيعَةِ مِهْنَة الْإِعْلَام وَ خَصَائِصِهَا، يَتَّضِحُ أَنَّ نَجَاحِهَا مُرْتَبِطٌ إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِمَدَى إلْتِزَام الْعَامِلِينَ فِيهَا بِالْقَوَاعِد الْأَخْلَاقِيَّة وَ الْمَبَادِئ الْمِهَنِيَّة. مِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، فَإِنْ دِرَاسَة وَتَحْلِيل الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة لِأَخْلَاقِيَّات الْإعْلَامِ مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ يُعَدُّ أَمْرًا فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّة، ذَلِكَ أَنَّ الْإِعْلَامَ لَيْس مُجَرَّدِ نَشَاطٍ مِهَنِّي فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ ظَاهِرَة إجْتِمَاعِيَّة وَ ثَقَافِيَّة ذَات أبْعَاد قِيَمِيَّة وَ فَلْسَفِيَّة. وَفِيمَا يَلِي نَسْتَعرض أَهَمُّ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَحْكُمَ مُمَارَسَة مِهْنَة الْإِعْلَام:
1. مَبْدَأ الْمَصْدَاقِيَّة وَالْحَقِيقَةُ: أنَّ الْحَقِيقَةَ وَالصِّدْق هُمَا الْأَسَاسُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْإِعْلَامِيّ. فَالْمُهِمُّة الْأَسَاسِيَّةِ لِلْإِعْلَام هِيَ نَقْلُ الْحَقَائِق وَالْمَعْلُومَات الصَّحِيحَةَ إِلَى الْجُمْهُورِ بِكُلِّ مَوْضُوعِيَّة وَدِقَّة، بَعِيدًا عَنْ التَّحْرِيفِ أَوْ التَّزْيِيف أَوْ التَّضْلِيل. وَلَا يَقْتَصِرُ هَذَا الْمَبْدَأِ عَلَى مُجَرَّدِ نَقَل الْحَقَائِقِ كَمَا هِيَ، بَلْ يَتَعَدَّاه إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْكَشْفِ عَنْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِمَصَالِح بَعْضَ الْأَطْرَافِ. وَهَذَا يَتَطَلَّب مِنْ الْإِعْلَامِيِّين التَّحَلِّي بِالنَّزَاهَة وَالْمَوْضُوعِيَّة فِي مُعَالَجَةِ الْأَحْدَاث وَالْقَضَايَا.
2. مَبْدَأ الْحُرِّيَّة وَالْمَسْؤُولِيَّة : أَنَّ حُرِّيَّةَ الْإِعْلَام هِيَ إحْدَى الرَّكَائِز الْأَسَاسِيَّة لِأَيّ مُجْتَمَع دِيمُقْرَاطِيّ، إلَّا أَنْ هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ لَا تَعْنِي الِإنْفِلَات أَوْ الِإنْطِلَاقُ الْمُطْلَقِ دُونَ ضَوَابِط. فَالْحُرِّيَّة الْإِعْلَامِيَّة مُرْتَبِطَة بِقَدْر كَبِيرٌ مِنْ الْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة ، حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْإِعْلَامِيِّين إسْتِخْدَامِ هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ بِمَا يَخْدُم الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ، وَيُحَافِظُ عَلَى الْقَيِّمِ وَالْأخْلاقِ الْمُجْتَمَعِيَّة. وَ هَذَا يَتَطَلَّب مِنْ الْإِعْلَامِيِّين الِإلْتِزَام بِالمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاد، وَ عَدَمُ إسْتِغْلَال الْحُرِّيَّة لِتَحْقيقِ مَصَالِحِ شَخْصِيَّة أَوْ أَهْدَافٍ سِيَاسِيَّةٍ ضَيِّقَة
3. مَبْدَأ إحْتِرَام خُصُوصِيَّة الْأَفْرَاد: يُعْتَبَر إحْتِرَام الْحَيَاة الْخَاصَّة لِلْأَفْرَاد أَحَد أَهَمّ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي مَجَالِ الْإِعْلَام. فَالْإعْلَامِيَّون مُلْزَمُونَ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْخُصُوصِيَّات الشَّخْصِيَّة لِلْأَفْرَادِ، إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرُورِيًّا لِخِدْمَة الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحِرْصُ عَلَى عَدَمِ الْإِسَاءَةِ إِلَى سُمْعَةِ الْأَشْخَاص أَوْ الْكَشْفِ عَنْ مَعْلُومَات حَسَّاسَة تَتَعَلَّق بِحَيَاتِهِمْ الْخَاصَّة.
4. مَبْدَأ الْمُوَازَنَة وَالْعَدَالَة: يَتَطَلَّبُ هَذَا الْمَبْدَأِ مِنْ الْإِعْلَامِيِّين عَرَض وِجْهَاتِ النَّظَرِ الْمُخْتَلِفَة بِشَكْل مُتَوَازِن وَمُنْصِفٍ، دُون تَحَيَّز أَوْ تَمْيِيزٌ. فَالْإِعْلَام لَيْس مَنْبَرًا لِعَرْض وِجْهَةُ نَظَرِ وَاحِدَةً أَوْ تَزْيِيف الْحَقَائِق لِصَالِح جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَعَلَى الْإِعْلَامِيِّين تَقْدِيم الْمَعْلُومَات بِشَكْل مَوْضُوعَيْ، وَمَنَح الْفُرْصَة الْمُتَسَاوِيَة لِجَمِيع الْأَطْرَاف الْمُعْنِيَة لِلتَّعْبِيرِ عَنْ وَجِهَات نَظَرِهِمْ.
5. مَبْدَأ الِإحْتِرَام وَالْكَرَامَة الْإِنْسَانِيَّة: يَقْتَضِي هَذَا الْمَبْدَأِ مِنْ الْإِعْلَامِيِّين إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ وَحُقُوقِهِ الْأَسَاسِيَّة، وَعَدَم الْمِسَاس بِهَا تَحْتَ أَيِّ ظَرْفٍ. فَالْإِعْلَام لَيْسَ وَسِيلَةً لِلِإسْتِهْزَاءِ أَوْ السُّخْرِيَةُ مِنْ الْآخَرَيْنِ أَوْ الْإِسَاءَةِ إلَيْهِمْ. وَيَنْبَغِي عَلَى الْإِعْلَامِيِّين تَجَنُّب كُلُّ مَا مِنْ شَأْنِهِ الْمَسّ بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّةُ وَ الِإجْتِمَاعِيَّةُ السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَع. بِالْإِضَافَةِ إلَى هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَسَاسِيَّة، هُنَاك مَبَادِئ أُخْرَى مِثْلَ الِإسْتِقْلَالِيَّة وَالْحَيَاد وَ الْمَسْؤُولِيَّةُ الْمُجْتَمَعِيَّة وَالِإلْتِزَام مِهَنِّي، وَالَّتِي تُشَكِّلُ فِي مَجْمُوعِهَا الْإِطَار الْأَخْلَاقِيّ وَالْقِيَمِيِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ مُمَارَسَة الْإِعْلَامُ.
إنْ إلْتِزَام الْإِعْلَامِيِّين بِهَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ إلْتِزَام شَكْلِيّ أَوْ قَانُونِيٍّ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ إلْتِزَامُ فَلْسَفِيّ وَقِيَمِيّ بِالدَّرَجَةِ الْأُولَى. فَالْأَخْلَاق فِي الْإِعْلَامِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ ضَوَابِط خَارِجِيَّة تُفْرَضُ عَلَى الْمُمَارَسَة الْمِهَنِيَّة، بَلْ هِيَ جُزْءُ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ هَذِهِ الْمُمَارَسَة ذَاتِهَا، وَتَنْبُعُ مِنْ الْوَعْيِ الدَّاخِلِيّ لِلْإِعْلَامِيّ بِدَوْرِهِ وَأَخْلَاقِيَّاتٍه الْمِهَنِيَّة. وَهَذَا يَتَطَلَّب مِنْ الْإِعْلَامِيِّين إمْتِلَاك رُؤْيَة فَلْسَفِيَّة وَاضِحَة حَوْل دُور الْإِعْلَامِ فِي الْمُجْتَمَعِ وَ كَيْفِيَّة مُمَارَسَةِ هَذَا الدَّوْرِ بِمَا يَخْدُم الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَيُعَزِّز قَيِّم الْمُجْتَمَع وَأَخْلَاقِيَّاتٍه. إنْ إحْتِرَام هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي مَجَالِ الْإِعْلَامِ لَا يُمَثِّلُ مُجَرَّد تَرَف أَخْلَاقِيٍّ أَوْ تَطَلُعَ نَظَرِيّ بَلْ هُوَ ضَرُورَةُ حَقِيقِيَّة لِتَحْقِيق الْهَدَف الأَسْمَّى لِلْإِعْلَامِ وَاَلَّذِي يَتَمَثَّلُ فِي خِدْمَةِ الْمُجْتَمَع وَالنُّهُوض بِه. فَالْإِعْلَام الْخَالِي مِنْ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لَنْ يَكُونَ إلَّا أَدَّاة لِلتِّضْلِيل وَ التَّحْرِيفِ وَالتَّرْوِيج لِلْمَصَالِح الشَّخْصِيَّة وَالفِئَوِيَّة عَلَى حِسَابِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. وَلِذَا فَإِنَّ تَبَّنِي هَذِهِ الْمَبَادِئِ وَ تَطْبِيقِهَا عَلَى أَرْضٍ الْوَاقِعُ يُعَدُّ شَرْطًا أَسَاسِيًّا لِنَجَاح الْإِعْلَامِ فِي أَدَاءِ رِسَالَتِهِ الْحَضَارِيَّة وَالتَّنْمَوِيَّة.

_ إكْرَاهًات الْحَقْل الْإِعْلَامِيّ

يُوَاجِهُ الْإِعْلَامِ فِي الْوَقْتِ الرَّاهِنِ الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى أَخْلَاقِيَّات الْمُمَارَسَةُ الْمِهَنِيَّة. مِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ الْمَشَاكِل وَالتَّحْدِيَات التَّنَافُسُ الشَّرِس وَالسِّبَاق عَلَى السَّبْقِ الصَّحَفِيّ. مَع الثَّوْرَة الرَّقْمِيَّة وَظُهُور وَسَائِل إِعْلَامِيَّة جَدِيدَةً عَلَى شَبَكَة الْإنْتَرْنِت، أَصْبَح هُنَاك تَنَافَس شَرِس بَيْن وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ لِلْحُصُولِ عَلَى أَكْبَرِ عَدَدٍ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ وَالْمُتَابِعَيْن. هَذَا التَّنَافُسِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى السُّرْعَةِ فِي نَشْرِ الْأخْبَارِ دُونَ التَّأَكُّدِ مِنْ صِحَّتِهَا، أَدَّى إلَى إنْتِشَارِ ظَاهِرَة "الْإِخْبَارُ الزَّائِفَة" وَ الْمَعْلُومَات الْمُضَلِّلَة. فَالْصَحَفِيُّون أَصْبَحُوا تَحْتَ ضَغْطِ مُسْتَمِرّ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ وَالْأَخْبَار أَوَّلًا، فِي مُحَاوَلَةٍ لِلْحِفَاظِ عَلَى جَاذِبِيَّة وَسِيلَتَهُمْ الْإِعْلَامِيَّة. وَهَذَا بِدَوْرِهِ قَدْ يَدْفَعُهُمْ إِلَى التَّسَرُّعِ فِي النَّشْرِ وَالتَّهْوِين مِنْ أَهَمِّيَّةِ التَّحَقُّقِ مِنْ مَصَادِرِ الْمَعْلُومَات وَالتَّأَكُّد مِنْ صِحَّتِهَا. مِنْ جِهَةِ أُخْرَى هُنَاكَ تَزَايَد نُفُوذ مَلاَك وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، مَعَ إسْتِحْوَاذ بَعْض الشَّرِكَات وَ الْأفْرَاد الْأَثَرَيْاء عَلَى مِلْكِيَّةِ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، أَصْبَح هُنَاكَ تَأْثِيرٌ كَبِير لِهَؤُلَاء الْمُلَّاكِ عَلَى الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ الْمَنْشُور. فَغَالِبًا مَا يَتِمُّ تَشْوِيه الْحَقَائِقَ أَوْ إخْفَاءُ بَعْض الْمَعْلُومَات الْحَسَّاسَة الَّتِي قَدْ تَضُرُّ بِمَصَالِحِ هَؤُلَاءِ الْمُلَّاكِ. هَذَا الْأَمْرِ يُؤَثِّر بِشَكْل سَلْبِيٌّ عَلَى مَصْدَاقِيَة وَسَائِلْ الْإِعْلَام وَيُشْكك فِي قُدْرَتِهَا عَلَى تَقْدِيمِ مَعْلُومَات مَوْضُوعِيَّة وَغَيْر مُتَحَيِّزَة. فَالْصَحَفِيّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ يُضْطَرُّ لِتَجَاهُل بَعْضُ الْحَقَائِقَ أَوْ الْمَعْلُومَات الْهَامَة خَوْفًا مِنْ عَوَاقِبِ ذَلِكَ عَلَى وَظِيفَتِهِ أَوْ عَلَى إسْتِمْرَارِ عَمِل وَسِيلَتِه الْإِعْلَامِيَّة. فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَتْ فِيهِ التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَالرَّقْمِيَّة تَغْيِيرَات جِذْرِيَّة فِي طَبِيعَةِ الْعَمَلِ الْإِعْلَامِيّ. فَظُهُور وَسَائِل التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَالْمُدَوَّنات وَ غَيْرِهَا مِنْ الْمَنْصَات الرَّقْمِيَّةِ أَتَاح الْفُرْصَة لِأَيِّ شَخْصٍ لِلْقِيَام بِنَشَاط إِعْلَامِيّ دُونَ الْحَاجَةِ إلَى الْخِبْرَةِ أَوْ الِإلْتِزَامِ بِالْمعَايِير الْمِهَنِيَّة. هَذَا الْأَمْرِ أَدَّى إلَى إنْتِشَارِ الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ الرَّدِيء وَ المُضَلَّل وَاَلَّذِي لَا يَلْتَزِمُ بِأَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَةُ. كَمَا أَنَّ سُهُولَة النَّشْر وَالتَّدَاوُل عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ شَجَّعْت عَلَى إنْتِهَاكِ الْخُصُوصِيَّة وَ حُقُوقِ الْملْكِيَّةِ الْفِكْرِيَّةِ. رَغْم وُجُودُ بَعْضِ مَوَاثِيق الشَّرَف الْإِعْلَامِيَّة فِي الْعَدِيدِ مِنَ الدُّوَلِ، إلَّا أَنْ هَذِهِ الْمَوَاثِيقَ تَفْتَقِرُ إلَى الطَّابَعِ الْإِلْزَامِيّ. فَالْمُخَالِفُون لَهَا لَا يُوَاجِهُون عُقُوبَات حَقِيقِيَّة، مِمَّا يَجْعَلُهَا مُجَرَّد وَثَائِق شَرَفِيَّة دُونَ أَيِّ قُوَّة تَنْفِيذِيَّة. كَمَا أَنَّ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ الَّتِي يُفْتَرَضُ أَنْ يُمَارِسُهَا الْإِعْلَامِّيُّون أَنْفُسِهِمْ عَلَى أَدَائِهِمْ الْمِهَنِّي، غَالِبًا مَا تَكُونُ ضَعِيفَةً بِسَبَبِ الضُّغُوط الْمُخْتَلِفَةُ الَّتِي يَتَعَرَّضُون لَهَا، سَوَاءٌ مِنْ الْمُلَّاكِ أَوْ مِنْ الْجِهَاتِ الحُكُومِيَّة أَوْ حَتَّى مِنْ الْجُمْهُورِ. وَ فِي ظِلِّ غِيَابِ الضَّوَابِطِ التَّنْظِيمِيَّة الْفَعَالَةُ، أَصْبَح الْإِعْلَامِّيُّون أَقَلُّ عُرْضَة لِلْمُسَاءَلَة عَنْ أَخْطَائِهِمْ الْمِهَنِيَّة أَوِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. فَنَادِرَاً مَا يَتِمُّ مُحَاسَبَة مَنْ يَرْتَكِبُ مُخَالَفَات أَوْ إنْتِهَاكِات، مِمَّا شَجَّعَ الْبَعْضَ عَلَى الْمَزِيدِ مِنْ الْمُمَارَسَات غَيْر الْأَخْلَاقِيَّة. كَمَا أَنَّ ضَعْفَ دُور النِّقَابِات وَالِإتِّحَادَات الْمِهَنِيَّةِ فِي مُتَابَعَةِ قَضَايَا الْأَخْلَاقَيَّات الْإِعْلَامِيَّة وَفَرْض الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ، زَادَ مِنْ تَفَاقُمِ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ. فِي ظِلِّ هَذِهِ التَّحَدِّيَات الْمُتَعَدِّدَة، يَبْرُزْ الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إِلَى تَعْزِيزِ الِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيَّ فِي مِهْنَةِ الْإعْلَامِ مِنْ خِلَالِ تَفْعِيل مَوَاثِيق الشَّرَف، وَتَطْوِير أَنْظِمَة الْمُسَاءَلَة وَالْمُحَاسَبَة، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَعْزِيز دُور الْمُؤَسَّسَات الْمِهَنِيَّةِ فِي هَذَا الصَّدَدِ. كَمَا أَنَّ تَعْزِيز الْوَازِعِ الْأَخْلَاقِيِّ وَ الْمِهَنِي لَدَى الْإِعْلَامِيِّين أَنْفُسِهِمْ، مِنْ خِلَالِ الْبَرَامِج التَّدْرِيبِيَّة وَالتَّوْعَّوِيَّة، سَيَكُونُ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي الْحِفَاظِ عَلَى قَيِّمِ وَمَبَادِئ الْمِهْنَة فِي ظِلِّ التَّحَدِّيَات الْمُتَزَايِدَة.

_ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة وَ التَّحَدِّيَات الرَّاهِنَة

الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة لِأَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام تَتَمَثَّلُ فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَ الْحِيَادِيَّة فِي التَّغْطِيَةِ الْإِعْلَامِيَّة، وَإحْتِرَام الْخُصُوصِيَّة وَالسَّرِيَّة، وَالِإلْتِزَام بِالدِّقَّة وَالصِّدْقُ فِي نَقْلِ الْمَعْلُومَات، وَعَدَم التَّحَيُّزِ أَوْ التَّمْيِيزِ عَلَى أَسَاسِ الْعَرَقِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ الْجِنْسِ، وَإحْتِرَام حُقُوق الْملْكِيَّةِ الْفِكْرِيَّةِ. كَمَا تَشْمَلُ أَيْضًا مَسْؤُولِيَّة الْإِعْلَامِيِّين تُجَاه الْمُجْتَمَع وَعَدَم إثَارَةِ الفِتَنِ أَوْ التَّحْرِيضُ عَلَى الْعُنْفِ، بِالْإِضَافَةِ إلَى الِإحْتِرَام وَالحِفَاظُ عَلَى كَرَامَةٍ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ الْمُعْنِيَة بِالتَّغْطِيَة الْإِعْلَامِيَّة. لَكِنْ مَعَ التَّطَوُّر السَّرِيع لِلتَّكْنُولُوجْيَا وَالْوَسَائِط الرَّقْمِيَّةِ، أَصْبَح إنْتَاج وَتَوْزِيع الْمُحْتَوَى أَسْهَلُ وَأَسْرَعُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى. وَ مَعَ ذَلِكَ، نَجِدُ أَنَّ هَذَا التَّحَوُّلِ أَدَّى إلَى تَحَدِّيَات جَدِيدَةً فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ، مِثْل إنْتِشَار الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ وَ الْمَعْلُومَات الْمُضَلِّلَة عَبَّر وَسَائِل التَّوَاصُل الِإجْتِمَاعِيّ. إضَافَة إلَى عَامِلٍ تَأْثِير الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَالْمُصَالَح السِّيَاسِيَّةِ وَ الإقْتِصَادِيَّةِ، أَصْبَحَ مِنْ الصَّعْبِ عَلَى الْإِعْلَامِ الْحفَّاظُ عَلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاد فِي تَغْطِيَةُ الأَحْدَاثِ وَالْقَضَايَا. وَهَذَا قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى مَصْدَاقِيَة وَ ثَّقَة الْجُمْهُور فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ. وَ فِي ظِلِّ التَّطَوُّرَات الرَّقْمِيَّة و تَزَايَد جَمْع الْبَيَانَات وَ الْمَعْلُومَات الشَّخْصِيَّة عَنْ الْمُسْتَخْدِمِين، أَصْبَحْت قَضَايَا الْخُصُوصِيَّة وَ الْأَمْن الرَّقْمِيّ تُشْكِل تَحَدِّيَات كَبِيرَةٌ أَمَامَ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ. وَ يَجِبُ عَلَى وَسَائِلَ الإِعْلَامِ التَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ الْحَسَّاسَة بِحِرْص وَشَفِافِيَة. فِي ظِلِّ التَّحَدِّيَات السَّابِقَة، أَصْبَحَ مِنْ الصَّعْبِ عَلَى وَسَائِلَ الإِعْلَامِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَصْدَاقِيتِهَا وَ ثِّقَة الْجُمْهُور. وَ يَتَطَلَّب ذَلِكَ إلْتِزَامُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ بِأَعْلَى مَعَايِير الْأَخْلَاق وَالسُّلُوك الْمِهَنِّي. فِي الْخِتَامِ، تَوَاجَه أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ الْيَوْم تَحَدِّيَات مُتَعَدِّدَة، تَتَطَلَّب مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْحُفَّاظُ عَلَى مَبَادِئُهَا الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمِهْنَيَّة فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَالتَّغَيُّيرَات السِّيَاسِيَّةِ وَ الإجْتِمَاعِيَّةِ. وَ يَتَطَلَّب ذَلِك جُهُودًا مُسْتَمِرَّةٌ مِنْ قِبَلِ الصَّحَفِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة لِضَمَان أَدَاء إِعْلَامِيّ مُتَوَازِن وَمَوْضُوعُي.

_ أَزْمَةِ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ

الْإِعْلَام يَلْعَبُ دَوْرًا مُحَوَّريا وَ رِئِيسِيًّا فِي تَوْجِيهِ الرَّأْيِ الْعَامِّ وَ صِنَاعَة الْقَرَارَات الْمُجْتَمَعِيَّة، وَمِنْ هُنَا تَأْتِي أَهَمِّيَّة الِإلْتِزَام بِالْمَعَايِيّر الْأَخْلَاقِيَّة فِي مُمَارَسَةِ هَذِه الْمِهْنَة. وَمَعَ ذَلِكَ، تُعَانِي مِهْنَة الْإِعْلَام حَالِيًّا مِنْ أَزْمَةِ كَبِيرَةً فِي هَذَا الْمَجَالِ، وَاَلَّتِي تَتَجَلَّى فِي الْعَدِيدِ مِنَ التَّجَاوُزَات الصَّارِخَة لِلْقَيِّمِ الْمِهَنِيَّة وَ الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْإِعْلَام. تَتَعَدَّد أَوْجُهُ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فَمِنْ نَاحِيَةِ هُنَاك غِيَاب إلْتِزَام كَثِيرٍ مِنْ الْإِعْلَامِيِّين بِالْمَعَايِيّر الْأَخْلَاقِيَّة الْمِهَنِيَّة، كَالْمَصْدَاقِيَة وَالمَوْضُوعِيَّةُ وَ الْحِيَادِيَّة وَالِإنْحِرَافِ نَحْو الْإِثَارَة وَالْجَذْب السَّطْحَيْ فِي الْبَرَامِج وَالتَّغْطِيات الْإِعْلَامِيَّة عَلَى حِسَابِ الدَّوْر التَوْعَوِي وَالتَّثْقِيفِيّ لِلْإِعْلَامِ. وَمِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تَشِيعُ ظَاهِرَة إنْتِشَار الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ وَ الشَّائِعات فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، وَاَلَّتِي تُؤَثِّر بِشَكْل سَلْبِيٌّ عَلَى الرَّأْيِ الْعَامِّ وَتَمَاسُكِ الْمُجْتَمَعِ وَ قِيَّمَه، وَتَزْدَاد خُطُورَة هَذِهِ الْأَزْمَةِ فِي ظِلِّ التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ وَ الرَّقْمَنَة الَّتِي أَتَاحَتْ مَنَصَّات جَدِيدَة لِلنَّشْر وَالتَّدَاوُل الْإِعْلَامِيّ، مَا يَجْعَلُ مِنْ الصَّعْبِ ضَبْط وَمُرَاقَبَة هَذِه الْمَنْصَات وَمَا يُنْشَر عَلَيْهَا. فَالْإِعْلَام الْإِلِكْتِرُونِيّ وَ الِإجْتِمَاعِيّ أَتَاح لِأَيّ فَرَدَّ، إِمْكَانِيَّة النَّشْر وَ التَّأْثِير عَلَى الرَّأْيِ الْعَامِّ، دُونَ إلْتِزَام بِأَيّ مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة أَوْ مِهْنِيَّة. وَيُسَاهِمُ فِي تَفَاقُم هَذِهِ الْأَزْمَةِ عَوَامِلُ عِدَّةٌ، مِنْهَا الِإخْتِلَالَات فِي هَيَاكِل التَّمْوِيل وَ الْمِلْكِيَّة لَوَسَائِلْ الْإِعْلَامُ، وَ الْعَلَاقَة الْإِشْكَاليَّة بَيْنَ الْإِعْلَامِ وَ السُّلْطَة السِّيَاسِيَّة، وَ إنْتِشَار ثَقَافَة الْمَحْسُوبِيَّة وَ الْمصَالَحُ الشَّخْصِيَّةِ فِي الْوَسَطِ الْإِعْلَامِيّ. كُلُّ هَذِهِ عَوَامِل تَضَع الْإِعْلَامِيّ أَمَامَ إِغْرَاءَاتِ الِإنْحِرَافِ عَنْ الْقَيِّمِ الْمِهَنِيَّة. وَقَدْ أَدَّتْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ إِلَى تَرَاجُعِ ثِقَة الْجُمْهُورِ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ، وَأَصْبَح الْإِعْلَام يُنْظَرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلتَّلَاعُب بِالرَّأْي الْعَامّ بَدَلًا مِنْ كَوْنِهِ مَصْدَرًا مَوْثُوقًا لِلْمَعْلُومَات. وَ هَذَا بِدَوْرِهِ يُهَدَّد بِتَقْوِيض الدُّورُ الْحَقِيقِيّ لِلْإِعْلَام كَحَلْقَة وَصْلٍ بَيْنَ السُّلْطَةِ وَالْمُجْتَمَع وَ وَسِيط لِتَدَاوُل الْمَعْلُومَات وَالْأرَاء. لِذَا، هُنَاكَ حَاجَةٌ مُلِحَّة لِإِيجَاد حُلُول فَعَّالَة لِهَذِهِ الْأَزْمَةِ مِنْ خِلَالِ تَعْزِيز الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة لَدَى الْإِعْلَامِيِّين عَبَّر تَفْعِيل الْمَوَاثِيق وَالْمُدَوَّنات الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمِهْنَة، وَ تَطْوِير آلِيَّات الْمُسَاءَلَة وَ الرَّقَابَة عَلَى الْأَدَاءِ الْإِعْلَامِيّ، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَعْزِيز إسْتِقْلَالِيَّة وَحُرِّيَّة الْإِعْلَامِ بِمَا يَضْمَنُ مُمَارَسَتِه لِدُورِه الرِّقَابِي وَالتَّنْوِيري دُونَ إخْلَال بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة. وَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ لِلْإِعْلَام مِنْ خِلَالِ مُعَالَجَة الِإخْتِلَالَات فِي هَيَاكِل التَّمْوِيل وَ الْمِلْكِيَّة، وَ تَعْزِيز دُور الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ الْمُسْتَقِلَّة وَ الْمُحَايِدَّة. كَمَا يَتَطَلَّب الْأَمْر تَطْوِير بَرَامِج تَدْرِيبِيٍّة لِرَفْعِ الْمُسْتَوَى الْمِهَنِّي وَالْأَخْلَاقِيّ لِلْإِعْلَامِيِّين، وَتَعْزِيزِ الْوَعْي الْمُجْتَمَعي بِأَهَمِّيَّة الِإلْتِزَام بِالْأخْلَاقِيَّات فِي الْمُمَارَسَة الْإِعْلَامِيَّة. إنَّ مُعَالَجَةَ أَزْمَة أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ تَتَطَلَّب جُهُودًا مُشْتَرَكَةٍ مِنْ قِبَلِ كَافَّة الْأَطْرَاف الْمعْنِيَةُ - الْإِعْلَامِيِّين وَ المُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة وَالْمُجْتَمَع وَالسُّلْطَات التَّنْظِيمِيَّة - مِنْ أَجْلِ إسْتَعَادَة ثِقَة الْجُمْهُورِ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَتَعْزِيز دَوْرُهَا فِي التَّنْمِيَةِ وَالتَّغْيِير الْإِيجَابِيِّ فِي الْمُجْتَمَعِ.

_ تَعْزِيز أَخْلَاقِيَّات الْعَمَلُ الصَّحَفِيّ فِي الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ

تَلْعَب الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ دُورًا مُحَوَّريا فِي تَعْزِيزِ أَخْلَاقِيَّات الْعَمَلُ الصَّحَفِيّ وَالْحُفَّاظ عَلَيْهَا. هَذِهِ الْأَخْلَاقَيَّات هِيَ الْأَسَاسُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الْعَمَلُ الْإِعْلَامِيّ الْمَسْؤُول، حَيْث تُحَدِّد كَافَّة الْقَيِّم وَالْمَعَايِير الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الصَّحَفِيِّين وَالمُحَرَّرِين وَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَامِلِينَ فِي هَذَا الْمَجَالِ إتِّبَاعُهَا. هُنَاك عِدَّةِ طُرُقٍ يُمْكِن لِلْمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة أَنْ تَعْتَمِدُهَا لِتَعْزِيز أَخْلَاقِيَّات الْعَمَلُ الصَّحَفِيّ فِي أَرْوَقَتِهَا:
1. وَضَع مُدَوَّنات أَخْلَاقِيَّة مَكْتُوبَة: الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ وَ الْهَيْئَات الْمِهَنِيَّة غَالِبًا مَا تَعْتَمِدُ عَلَى مُدَوَّنات أَخْلَاقِيَّة مَكْتُوبَة لِتَوْجِيه عَمل الصَّحَفِيِّين نَحْوِ أَدَاءً مَهَامِّهِمْ بِحَرْفِيَّة عَالِيَة. هَذِه الْمُدَوَّنَات تُحَدِّد الْقَيِّم وَالْمَعَايِير الَّتِي يَجِبُ عَلَى الصَّحَفِيِّين إتِّبَاعُهَا فِي تَغْطِيَةِ الْأخْبَار وَكِتَابَة الْمَقَالَات، مِثْل الِإلْتِزَام بِالصِّدْق وَالدِّقَّة وَالْمَوْضُوعِيَّة وَتَمْثِيل مُخْتَلَف الْارَاء.
2. تَعْزِيز بِيئَة الْعَمَل الْمُنَاسَبَةِ: عَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ أَنْ تَعْمَلَ عَلَى تَعْزِيز بِيئَة عَمِل تُشَجِّعُ عَلَى الِإلْتِزَامِ الْمِهَنِّي وَ الْأَخْلَاقِيّ. فَمَنْ خِلَال تَوْفِير التَّدْرِيب وَالدُّعْم الْمُسْتَمِرُّ لِلصَّحَفِيِّين، وَتَحْدِيد الْآلِيَات الْوَاضِحَة لِمُعَالَجَة حَالَات إنْتِهَاك الْأَخْلَاقَيَّات، يُمْكِنُ ضَمَانُ فَهُمْ الصَّحَفِيِّين الصَّحِيح لِأَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَة وَتَطْبِيقِهَا بِشَكْل صَحِيح.
3. الْمُسَاءَلَة وَالْمُحَاسَبَة: فِي حَالِ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ الصَّحَفِيِّين لِأَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَة، يَجِبُ عَلَى الْمُؤَسَّسَة الْإِعْلَامِيَّة إتِّخَاذ إجْرَاءَات مُنَاسَبَة لِمَنْع تَكْرَار مِثْلِ هَذِهِ الْمُخَالَفَاتُ. فَالمُحَاسَبَة وَ المُسَاءَلَةِ هِيَ عُنْصُر أَسَاسِيّ لِضَمَان إلْتِزَام الصَّحَفِيِّين بِالْإِخْلَاقِيَّات الْمِهَنِيَّة.
4. الشَّفَّافِيَّة وَالْمَصْدَاقِيَة: تَلْعَبُ الشَّفَّافِيَّة فِي عَمَلِيَّاتِ الْإِعْلَام دُورًا مُحَوَّريا فِي بِنَاءِ الثِّقَة بَيْن الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ وَ الْجُمْهُور. لِذَا، يَجِبُ عَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ أَنْ تَكُونَ شَفَّافَة بِشَأْن كَيْفِيَّةُ جَمْعِ الْمَعْلُومَات وَمَصَادِرِهَا، وَإِنْ تَعْتَرِفْ عَلَنًا بِالْأَخْطَاء وَتَسْعَى لِتَصْحِيحِهَا. هَذَا يُسَاهِمُ فِي تَعْزِيزِ الْمَصْدَّاقِيَّة وَالثِّقَةُ بِالْمُوسَسَة الْإِعْلَامِيَّة.
5. التَّعَاوُنِ مَعَ الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيّ: يُمْكِنُ لِلْمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة أَنْ تَعَزُّز أَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَةُ مِنْ خِلَالِ التَّعَاوُنِ مَعَ مُنَظَّمَات الْمُجْتَمَع الْمَدَنِيّ الْمُهْتَمَّة بِقَضَايَا الْإِعْلَام وَالصَّحَافَة. فَهَذِهِ الْمُنَظَّمَات يُمْكِنُهَا أَنْ تَلْعَبَ دُور الْمُرَاقِب وَالنَّاقِد لِمَا تَنْشُرُه وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، وَتُسَاعِدُ فِي تَطْوِيرِ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة وَ تَعْمِيمُهَا.
فِي الْخُلَاصَةِ، تَلْعَب الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ دُورًا حَاسِمًا فِي تَعْزِيزِ أَخْلَاقِيَّات الْعَمَلُ الصَّحَفِيّ مِنْ خِلَالِ وَضَع وَتَطْبِيق الضَّوَابِط وَالْآلِيَات الْمُنَاسَبَة. فَالِإلْتِزَام بِالْإِخْلَاقِيَّات الْمِهَنِيَّة أَمَرَ بَالِغٌ الْأَهَمِّيَّة لِبِنَاء الثِّقَة بَيْن الصَّحَافَة وَالْجُمْهُور وَلِلْحِفَاظِ عَلَى مَصْدَاقِيَة وَدَوْرُ الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ فِي الْمُجْتَمَع.

_ أَبْرَز التَّحَدِّيَات الَّتِي تُوَاجِهُ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ

مَع التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ الْكَبِيرِ الَّذِي شَهِدَه قِطَّاع الْإِعْلَامِ فِي السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ، بَرَزَتْ الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُهَدِّدُ مَصْدَاقِيَة الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ وَتُشَكِّل تَهْدِيدًا عَلَى الْمُمَارَسَات الْمِهَنِيَّة لِلصَّحَفِيِّين. مِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ التَّحَدِّيَات، إنْتِشَار الْأخْبَار الزَّائِفَة وَالْمَعْلُومَات الْمُضَلِّلَة، لَقَدْ أَصْبَحَ مِنْ السَّهْلِ نَشْر الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ الْمُضَلَّل عَبَّر مَنَصَّات التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَالمَوَاقِع الْإِخْبَارِيَّة الرَّقْمِيَّة، مِمَّا يُشْكِلُ تَهْدِيدًا كَبِيرًا لِمَصْدَاقِيَّة الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي يَسْتَهْلِكْهَا الْجُمْهُورُ. هَذَا التَّحَدِّي يَسْتَدْعِي مِنْ الصَّحَفِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة التَّحَقُّق الدَّقِيقَ مِنْ مَصَادِرِ الْمَعْلُومَات وَتَعْزِيز مُمَارَسَات الصَّحَافَة الْمَسْؤُولَة. مِنْ جِهَةِ أُخْرَى تُطْرَح مَسْأَلَة تَحَدِّيَات الْخُصُوصِيَّة وَالْمِلْكِيَّة الْفِكْرِيَّة بِقُوَّة. لَقَدْ أَتَاحَتْ الْبِيئَة الرَّقْمِيَّة إِمْكَانِيَّة الْوُصُول وَالتَّدَاوُل السَّرِيع لِلْمَعْلُومَات، مِمَّا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ حِمَايَة الْخُصُوصِيَّة وَالْمِلْكِيَّة الْفِكْرِيَّة. هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى وَضْعِ ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة وَتَشْرِيعِيَّة لِحِمَايَةِ حُقُوقِ الْأَفْرَاد وَالْمُؤَلِّفِين فِي ظِلِّ هَذَا التَّطَوُّرُ التِّكْنُولُوجْيّ. مِنْ جَانِبِ آخَرَ هُنَاكَ تَأْثِيرٌ الْخَوَارِزْمِيَّات وَالْبَيَانَات الضَّخْمَة، أَصْبَحْت الْخَوَارِزْمِيَّات وَالْبَيَانَات الضَّخْمَة عَنَاصِر مُؤَثِّرَةٌ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ وَتَشْكِيل الرَّأْيِ الْعَامِّ. هَذَا التَّأْثِيرِ يَطْرَح تَسَاؤُلَات حَوْلَ الشَّفَّافِيَّة وَالنَّزَاهَة فِي مُعَالَجَةِ هَذِهِ الْبَيَانَات وَ تَوْظِيفِهَا، وَضَرُورَةِ الْحُفَّاظُ عَلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ. كَمَا أَنَّ ضُغُوط الْمَصَالِح التِّجَارِيَّة وَالسِّيَاسِيَّة تُعَدُّ بِمَثَابَةِ التَّحَدِّي الرَّئِيسِيُّ، فِي ظِلِّ الْمُنَافَسَة الشَّدِيدَة بَيْن الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ، بَاتَتْ هُنَاك ضُغُوط مُتَزَايِدَة لِلتَّضْحِيَة بِالْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ مَكَاسِب تِجَارِيَّة أَوْ سِيَاسِيَّة. هَذَا التَّحَدِّي يَتَطَلَّب مِنْ الصَّحَفِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة الِإلْتِزَام بِالْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْمِهْنَيَّة، وَعَدَمُ التَّنَازُلِ عَنْ مَبَادِئِ الشَّفَّافِيَّة وَالْمَوْضُوعِيَّة. إضَافَةُ إلَى التَّأْثِيرِ السَّلْبِيِّ لِلتَّفَاعُلِيَّة وَالسُّرْعَة. سُرْعَةَ نَشْر الْمُحْتَوَى وَالتَّفَاعُل مَعَه عَبَّر مَنَصَّات الْإِعْلَام الرَّقْمِيّ قَدْ يُؤَدِّي فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إِلَى التَّسَرُّعِ فِي التَّغْطِيَةِ الْإِعْلَامِيَّة وَإنْتِهَاك الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة، مِثْل التَّحَقُّقِ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَحِمَايَة الْخُصُوصِيَّة. هَذَا يَسْتَدْعِي مِنْ الصَّحَفِيِّين ضَبْط الْمُمَارَسَات الْمِهَنِيَّةِ فِي ظِلِّ هَذِهِ الدِّينَاميكيات الْجَدِيدَةُ. لِلتَّغَلُّب عَلَى هَذِهِ التَّحَدِّيَات، هُنَاكَ ضَرُورَةٌ مُلِحَّة لِتَطْوِير مَوَاثِيق أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة لِلْإِعْلَام الرَّقْمِيّ، تَأْخُذُ فِي الِإعْتِبَارِ خَصَائِص الْبِيئَة الرَّقْمِيَّة وَتَضَع ضَوَابِط وَاضِحَة لِلْمُمَارَسَات الْمِهَنِيَّة. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ تَعْزِيز الِإلْتِزَامِ بِهَذِهِ الْمَوَاثِيق وَتَطْبِيقِهَا بِشَكْل فَعَّال، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَعْزِيز الْوَعْي الْمُجْتَمَعي بِأَهَمِّيَّة الْأَخْلَاقَيَّات الْإِعْلَامِيَّة فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ.

_ المَسْؤُولِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة

الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ تَلْعَبُ دَوْرًا مُحَوَّريا فِي تَشْكِيلِ الْوَعْي الْعَامّ وَتَوْجِيه الِإتِّجَاهَات السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّة فِي الْمُجْتَمَعِ. لِذَلِك، تَقَعُ عَلَى عَاتِقِهَا مَسْؤُولِيَّات أَخْلَاقِيَّة كُبْرَى تُجَاه الْقَضَايَا الْمُهِمَّةِ فِي الْمُجْتَمَع.
أَوَّلًا، تَتَمَثَّل الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة فِي إلْتِزَامِ الْحِيَاد وَالْمَوْضُوعِيَّة فِي تَنَاوُلِ الْقَضَايَا السِّيَاسِيَّة وَ عَدَم التَّحَيُّز لِصَالِح أَيْ طَرَفَ عَلَى حِسَابِ الْآخَرِ. يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَات حُرَّةٌ مِنْ التَّأْثِيرَاتِ الْخَارِجِيَّة وَ الضُّغُوط السِّيَاسِيَّة أَوْ الِإقْتِصَادِيَّة، وَإِنْ تَعْكِس الْوَاقِعُ بِشَكْل مَوْضُوعَيْ دُون تَشْوِيه أَوْ تَزْيِيف لِلْحَقَائِق.
ثَانِيًا، تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ مَسْؤُولِيَّة أَخْلَاقِيَّة فِي نَقْلِ الْقَضَايَا الِإجْتِمَاعِيَّةُ وَالْإِنْسَانِيَّةُ بِمَسْؤُولِيَّة وَحَسَاسِيَة تُجَاهَ ظُرُوف وَتَطَلُّعَات الْمُوَاطِنِين. فَعَلَيْهَا أَنْ تُسْهِمُ فِي التَّنْمِيَةِ الِإجْتِمَاعِيَّة وَالرُّقِيِّ الحَضَارِيِّ، وَأَنْ تَكُونَ صَوْت الْمُجْتَمَع الْمَدَنِيّ وَالْفِئَات الْمُهَمَّشَة، وَأنْ تَكشَّفَ الإنْتِهَاكَات وَ الْمَمَارَسَات الضَّارَّةِ بِالْمَصْلَحَة الْعَامَّة.
ثَالِثًا، تَتَمَثَّل الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ التِّجَارِيَّة وَالْمَسْؤُولِيَّةُ الْمُجْتَمَعِيَّة. فَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ الضُّغُوط التِّجَارِيَّة وَالسَّعْي لِزِيَادَة الرِّبْحِيَّة، إلَّا أَنْ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَات مُلْزَمَة بِوَضْع الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَوْق الْمَصَالِح الشَّخْصِيَّةِ أَوْ الْحِزْبِيَّة. يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة وَاضِحَة تَحَكُّم سِيَاسَات هَذِه الْمُؤَسَّسَات وَتُنَظِّم الْعَلَاقَةِ مَعَ الْمُعْلِنِين وَالْجِهَات الْمُمَوِّلَة، بِمَا يَكْفُلُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ عَلَى الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ أَوْ التَّلَاعُبِ بِالرَّأْي الْعَامّ.
رَابِعًا، عَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ الْإِعْلَامِيَّةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِالْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة فِي تَطْوِيرِ مَهَارات وَأَدَاءُ الْعَامِلِينَ فِيهَا، وَتَعْزِيز قَيِّم النَّزَاهَة وَالْمِهْنَيَّة وَالْمَصْدَاقِيَة. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلَ عَلَى تَحْسِينِ جَوْدَة الْمُحْتَوَى الْإِعْلَامِيّ وَتَنْوِيعِه لِيُلَبِّي إحْتِيَاجَات الْجَمَاهِير الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنَّ تُحْتَرَم حُقُوق الْمُلْكِيَّةِ الْفِكْرِيَّةِ وَتَلْتَزِم بِقَوَاعِد الْمِهْنَةِ. إنْ تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ التِّجَارِيَّة وَالْمَسْؤُولِيَّة الْمُجْتَمَعِيَّة لِلْمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة يَتَطَلَّب وُجُود إِطَار أَخْلَاقِيّ شَامِل وَتَطْبِيقِه بِدِقَّة. فَالْمِهْنِيَّة وَالنَّزَاهَةُ وَالْحَيَاد وَ المَوْضُوعِيَّةُ وَالْمَسْؤُولِيَّة الْمُجْتَمَعِيَّة يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الرَّكَائِز الْأَسَاسِيَّة لِأَدَاءِ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَات، بِمَا يَضْمَنُ حِمَايَة حُقُوقِ الْمُوَاطِنِينَ وَالْمُسَاهَمَةِ فِي تَطَوُّرِ الْمُجْتَمَع وَرَفَاهِيَتُه.

_ وَاجِبٌ الْإِعْلَامِيِّين إزَاء الْقَضَايَا الْحَسَّاسَة وَالأَزَمَات الْوَطَنِيَّة

أَنَّ التَّعَامُلَ مَع الْقَضَايَا الْحَسَّاسَة وَالأَزَمَات الْوَطَنِيَّة يَتَطَلَّب مِنْ الْإِعْلَامِيِّين التَّحَلِّي بِالْمَسْؤُولِيَّة وَالْحِفَاظِ عَلَى الْمِهَنِيَّة وَ النَّزَاهَة فِي الطَّرْحِ. يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّأَكُّدِ مِنْ صِحَّةِ الْمَعْلُومَات قَبْل نَشْرِهَا وَتَجَنُّب إثَارَةِ الفِتَنِ أَوْ الِإنْحِيَاز لِأَيّ طَرَفٍ. كَمَا يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ إحْتِرَام خُصُوصِيَّة الْأَفْرَاد وَالِإبْتِعَادِ عَنِ السُّخْرِيَة أَوْ الْإِهَانَةِ. وَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، عَلَيْهِمْ التَّرْكِيزِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَإِيصَال الْحَقِيقَة لِلْجُمْهُور بِشَكْل مَوْضُوعَيْ وَ بَنَاء. وَمِنْ أَبْرَزِ الضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا، الدِّقَّة وَالْحَيَاد وَالْمَسْؤُولِيَّةُ وَالِإحْتِرَام وَالسَّرِيَّة وَالتَّعَاطُف. يَنْبَغِي عَلَى الْإِعْلَامِيِّين التَّأَكُّدِ مِنْ صِحَّةِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي يَنْشُرُونَهَا وَإخْتِيَار الْأَلْفَاظ بِعِنَايَة، بِحَيْثُ تَكُونُ دَقِيقَة وَ دَالَّةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ. كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَجَنُّب الْمُبَالَغَةِ أَوْ التَّهْوِيلِ أَوْ التَّشْهِيرُ، وَأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى الْحِيَاد وَالْمَوْضُوعِيَّة فِي طَرْحِ الْقَضَايَا. كَمَا يَتَحَمَّلُ الْإِعْلَامِّيُّون مَسْؤُولِيَّةَ كَبِيرَةً فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْقَضَايَا الْحَسَّاسَة، فَعَلَيْهِمْ تَجَنُّب إثَارَة النَّعَرَات أَوْ التَّحْرِيضُ عَلَى الْعُنْفِ. كَمَا يَجِبُ إحْتِرَام خُصُوصِيَّة الْأَفْرَاد وَ الِإبْتِعَادِ عَنِ السُّخْرِيَة أَو الْإِهَانَةِ، وَالتَّعَامُل بِتَعَاطف مَعَ الْمُتَضَرِّرين. وَ فِي بَعْضِ الْأَزَمَات، قَدْ تَكُونُ هُنَاكَ مَعْلُومَات سِرِيَّةً أَوْ حَسَّاسَة لَا يَنْبَغِي الْكَشْفُ عَنْهَا. وَ عَلَى الْإِعْلَامِيِّين إحْتِرَامِ ذَلِكَ وَالتَّعَامُل بِحَذَر. كَمَا يَجِبُ أَنْ يُبْدُوا تَعَاطُفًا مَع الْمُتَأَثِّرِين بِالْأَزِمَّة وَتَقْدِيم الدَّعْمِ المَعْنَوِيِّ لَهُمْ. تَتَطَلَّبُ مُعَالَجَة الْقَضَايَا الْحَسَّاسَة وَالأَزَمَات الْوَطَنِيَّة مِنْ قِبَلِ الْإِعْلَامِيِّين إتِّبَاع مَجْمُوعَةٌ مِنَ الضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمِهْنَيَّة. مِنْ أَهَمِّهَا، الْحِرْصُ عَلَى الدِّقَّة وَالْمَوْضُوعِيَّة فِي تَنَاوُلِ الْأخْبَار وَ الْمَعْلُومَات، وَتَجَنُّب إثَارَة الْخَوْف وَالْقَلَق دُونَ مُبَرِّرٍ. و إحْتِرَام خُصُوصِيَّة الْأَفْرَاد وَالمُؤَسَّسَات الْمُعْنِيَة بِالْأَزِمَّة، وَالْحِفَاظِ عَلَى سَرِيَّةٍ الْمَعْلُومَات الْحَسَّاسَة. و تَجَنُّب نَشْر الشَّائِعَات أَوْ الْمَعْلُومَات غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ، وَالتَّحَقُّق مِنْ مَصَادِرِ الْمَعْلُومَات قَبْل نَشْرِهَا. أَضَافَة إلَى الِإلْتِزَام بِأَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَةُ الْإِعْلَامِيَّة، بِمَا فِي ذَلِكَ عَدَمُ التَّحْرِيضُ عَلَى الْعُنْفِ أَوْ التَّطَرُّف، ثُمَّ التَّعَاوُنِ مَعَ الْجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ ذَات الْعَلَاقَة بِالْأَزِمَّة، وَإحْتِرَام إرْشَادًاتِهَا وَ مُتَطَلَّبَاتِهَا. مَع التَّرْكِيزِ عَلَى الْمَضَامِين الْإِيجَابِيَّة وَالْبَنَاءَة الَّتِي تُسَاهِمُ فِي إدَارَةِ الْأَزْمَة وَالْحَدُّ مِنْ آثَارِهَا السَّلْبِيَّة. ثُمَّ تَقْدِيمُ تَغْطِيَة مُتَوَازِنَة وَ مَسْؤُولَة تُرَاعِي مَصْلَحَةُ الْمُوَاطِنِين وَ أَمْنَ الْوَطَن. بِالِإلْتِزَام بِهَذِه الضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّة، يُمْكِن لِلْإِعْلَامِيِّين إنْ يُؤَدُّوا دُورًا فَاعِلًا فِي إدَارَةِ الْأَزَمَات الْوَطَنِيَّة وَ الْحِفَاظِ عَلَى الِإسْتِقْرَارِ وَالْأَمْن الْمُجْتَمَعي.

_ الْآلِيَّات التَّنْظِيمِيَّة وَ آفَاق التَّحَدِّيَات

أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ يَتِمّ تَنْظِيمِهَا وَتَطْبِيقِهَا بِعِدَّة آلِيَّات وَ مُؤَسَّسَات مُخْتَلِفَةٌ عَلَى الْمُسْتَوَى الدَّوْلِيِّ وَالْوَطَنِي وَ الْمِهَنِي.
. الْآلِيَّات وَالمُؤَسَّسَات الَّتِي تُنَظِّمُ أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ
1. الْمَوَاثِيق وَالْمُدَوَّنات الْأَخْلَاقِيَّة الدَّوْلِيَّة: هُنَاك الْعَدِيدِ مِنَ الْمَوَاثِيق وَالْمُدَوَّنات الْأَخْلَاقِيَّة الصَّادِرَةِ عَنْ مُنَظَّمَات دَوْلِيَّة مِثْل مُنَظَّمَةُ الْيُونِسْكُو وَالِإتِّحَاد الدَّوْلِيّ لِلصَّحَفِيِّين وَالِإتِّحَادِ الْأُورُوبِّيِّ، وَاَلَّتِي تَضَع الْمَبَادِئ وَالْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة لِلْإِعْلَام عَلَى الْمُسْتَوَى الْعَالَمِيّ. هَذِهِ الْمَوَاثِيقَ تُشْكِل إِطَارًا مَرْجِعِيَّا لِتَبَنِي مُدَوَّنات أَخْلَاقِيَّة مَحَلِّيَّة.
2. الْمَوَاثِيق وَالْمُدَوَّنات الْأَخْلَاقِيَّة الْوَطَنِيَّة: تَتَبَنَّى الْكَثِيرِ مِنْ الدُّوَل مَوَاثِيق وَقَوَاعِد أَخْلَاقِيَّة لِلْإِعْلَام عَلَى الْمُسْتَوَى الْوَطَنِيِّ، مِنْ خِلَالِ هَيْئَات تَنْظُيمِيَّة حُكُومِيَّة أَوْ مَجَالِسَ وَطَنِيَّة لِلصَّحَافَة وَالْإِعْلَام. هَذِه الْمُدَوَّنَات تَفْصِل الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَتَضَع آلِيَّات لِلرِّقَابَة وَالمُسَاءَلَة.
3. الْمَوَاثِيق وَالْمُدَوَّنات الْأَخْلَاقِيَّة الْمِهَنِيَّةِ: فِي إِطَارِ الْمُنَظَّمَات وَالِإتِّحَادَات الْمِهَنِيَّة لِلْإِعْلَامِيِّين، مِثْلُ نَقَابات الصَّحَفِيِّين وَ الْإِعْلَامِيِّين، يَتِمّ وَضَع مَوَاثِيق أَخْلَاقِيَّة خَاصَّة بِالمِهْنَة. وَهَذِهِ الْمَوَاثِيق تَلْزَم الْإِعْلَامِيِّين الْمُنْتَسِبِين بِالِإلْتِزَامِ بِهَا.
4. إنْشَاء هَيْئَات وَمَجَالِس لِلرِّقَابَة وَالتَّنْظِيم الذَّاتِيّ: تَقُوم بَعْضِ الدُّوَلِ بِإِنْشَاء هَيْئَات أَوْ مَجَالِسَ مُسْتَقِلَّة لِلرِّقَابَة عَلَى الْإِعْلَامِ وَالتَّحْقِيقُ فِي الشَّكَاوَى الْمُتَعَلِّقَة بِإنْتِهَاك الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة. وَتَعْمَل هَذِهِ الْهَيْئَاتِ كَآلِيَّة لِلتَّنْظِيم الذَّاتِيُّ لِلْمِهْنَة.
5. التَّشْرِيعَات وَالْقَوَانِين النَّاظِمَة: تُسْتَخْدَمُ بَعْضِ الدُّوَلِ التَّشْرِيعَات وَالْقَوَانِين لِتَنْظِيم قِطَّاع الْإِعْلَام وَالصَّحَافَة وَ تَحْدِيدُ المَسْؤُولِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمِهْنَيَّة لِلْإِعْلَامِيِّين. وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْمَلَ فَرْض عُقُوبَاتٍ عَلَى الْمُمَارَسَات الْمُخَالَفَة.
. التَّحَدِّيَات الَّتِي تُوَاجِهُ تَطْبِيق أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ
1. التَّحَوُّل الرَّقْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ: ظُهُورُ وَسَائِل إعْلَام جَدِيدَة كَالِإنْتِرْنِت وَ مِنَصَّات التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ فَرَضَتْ تَحَدِّيَات جَدِيدَة لِلتَّنْظِيم الْأَخْلَاقِيّ، حَيْث الِإنْتِشَار السَّرِيع لِلْمُحْتَوَى وَ صُعُوبَةُ الرِّقَابَة عَلَيْهِ.
2. ضَعْفُ الِإلْتِزَام وَالْوَازِع الأَخْلَاقِيَّ: فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، يَكُونَ هُنَاكَ ضَعْفٌ فِي الِإلْتِزَامِ بِالْمُوَاثِيق الْأَخْلَاقِيَّة مِنْ قِبَلِ الْإِعْلَامِيِّين وَالمُؤَسَّسَات الْإِعْلَامِيَّة، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى إنْتِهَاكِات أَخْلَاقِيَّة مُتَكَرِّرَة.
3. التَّأْثِير السِّيَاسِيّ وَالِإقْتِصَادِيّ: تَخْضَع بَعْض المُؤَسَّسَاتِ الإِعْلَامِيَّةِ لِضُغُوط سِيَاسِيَّة أَوْ إقْتِصَادِيَّة مِمَّا يُؤَثِّرُ عَلَى إسْتِقْلَالِيَّتِهَا وَقُدْرَتُهَا عَلَى الِإلْتِزَامِ بِالْمَعَايِيّر الْأَخْلَاقِيَّة.
4. التَّفَاوُت الثَّقَافِيّ وَالتَّشْرِيعِيّ بَيْنَ الدُّوَلِ: إخْتِلَاف الْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّة وَالتَّنْظِيمَات الْقَانُونِيَّة بَيْنَ الدُّوَلِ يُشْكِل تَحَدِّياً أمَامٌ تَبَّنِي مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مُوَحَّدَة عَلَى الْمُسْتَوَى الدَّوْلِيّ.
5. قِلَّة الْوَعْي وَالتَّدْرِيب: ضَعْف التَّوْعِيَة وَالتَّدْرِيب بِأَخْلَاقِيَّات الْمِهْنَةُ لَدَى الْإِعْلَامِيِّين، خَاصَّة الْجُدُد مِنْهُمْ، يَحُولُ دُونَ إكْتِسَاب الْوَازِعِ الْأَخْلَاقِيِّ اللَّازِم.
لِذَا فَإِنَّ تَطْبِيق أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَامُ بِشَكْل فَعَّال يَتَطَلَّب تَضَافَر الْجُهُود عَلَى الْمُسْتَوَيَات الدَّوْلِيَّة وَالوَطَنِيَّة وَالْمِهْنَيَّة، وَتَطْوِيرِ الْآلِيَّات التَّنْظِيمِيَّة وَالرِّقَابِيَّة بِمَا يُواكِب التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَالتَّحْدِيَات الْجَدِيدَةُ. كَمَا يَجِبُ الْعَمَلُ عَلَى بِنَاء الْوَعْي وَالِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ لَدَى الْإِعْلَامِيِّين مِنْ خِلَالِ الْبَرَامِج التَّدْرِيبِيَّة وَالتَّعْلِيمِيَّة.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة :-الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة
- الْأَخْلَاقِ التَّطْبِيقِيَّة
- البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي فَلْسَفَةِ الِإخْتِلَاف
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : رِهَان الدِّرَاسَات المُسْتَقْبَلِ ...
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَحَدِّيَات الْعَوْلَمَة
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : أَسَاسِيًّات التَّقَدُّمُ
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : إنْتِقَادَات مَا بَعْدَ الْحَدَاثَة ...
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَسَاؤُلَات الْحَدَاثَةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَشْكِيلَات الْحَضَارَةُ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ التَّارِي ...
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: رَمَزَيات الْمَيثولُوجْيَا
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: جُذُور الْمُعْتَقَدَات السِّحْرِيَّة
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : تَجَاوُزَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة


المزيد.....




- أمريكا.. القبض على طالب فلسطيني في جامعة كولومبيا قبل حصوله ...
- تركن أحلامهن ونسجْن السجاد، أفغانيات يتحدّين قيود طالبان رغم ...
- بمشاعل مضيئة... قرية في كشمير تحيي مهرجانًا صوفيًّا يعود إلى ...
- البيت الأبيض يجمد 2.2 مليار دولار من دعم جامعة هارفارد بعد ر ...
- ترامب عن إيران: اعتادت التعامل مع أغبياء في أمريكا خلال المف ...
- لقاء مناقشة حول موضوع “مستجدات الحياة السياسية الوطنية وإصلا ...
- إيقاف الدروس بتونس بعد وفاة 3 تلاميذ في انهيار سور مدرسة
- عرائض الاحتجاج في إسرائيل تمتد إلى لواء غولاني
- يائير نتنياهو متطرف أكثر من أبيه هاجم أميركا وسب ماكرون
- الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا وتشن هجوما لاذعا على ريتايو ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام