رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 09:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ارتبط الفساد الحكومي في العراق بتأسيس الدولة الحديثة عام 1921، حيث نمت هذه الظاهرة وتجذّرت في وزارات ودوائر الحكومة وانتشرت في جميع مفاصل الدولة بمرور الوقت تحت رعاية بريطانية أولاً، ثم أمريكية لاحقاً.
فبعد هزيمة العثمانيين وسيطرة الجيش البريطاني على ولايات العراق الثلاث (الموصل، وبغداد، والبصرة)، وفرض الانتداب البريطاني، شهد العراق ثورة العشرين التي قادتها العشائر العربية الشيعية بدعمٍ من رجال الدين الشيعة ، مما تسبَّب في خسائر فادحة للبريطانيين في الأرواح والمعدات... ؛ كما واجهت حكومة لندن ضغوطاً إعلامية بسبب فشلها في إدارة "المستعمرة العراقية"... ؛ وعندها أرغمت لندن على مراجعة سياستها.
وكمكافأة لخدمات الأمير الحسين بن علي (أمير مكة) وعملائه من الضباط العثمانيين الذين انقلبوا على دولة الخلافة ؛ في مشهدٍ يعكس المثل الشعبي: " ال ياخذ امي يصير ابوي !" ، عيَّنت بريطانيا أبناءه ملوكاً على العراق والشام والأردن... ؛ وكذلك فعلت مع ضباط الخلافة العثمانية الخونة ؛ وبعد صراعاتٍ سياسية، نُفي فيصل من سوريا ليعوَّض بالعراق، حيث عقدت بريطانيا مؤتمر القاهرة عام 1921 برئاسة "ونستون تشرشل" (وزير المستعمرات آنذاك)... ؛ وبعد مشاوراتٍ مع مستشاريها مثل "لورانس العرب" و"غيرترود بيل"، وقع الاختيار على فيصل الأول ليكون ملكاً على العراق.
شكَّل الملك فيصل مجلساً تأسيسياً هجيناً من بقايا العثمانيين والعملاء الموالين لبريطانيا، مثل الهجين نوري السعيد وياسين الهاشمي الداغستاني (المدَّعي زوراً بالنسب الهاشمي) والعثماني رشيد عالي الكيلاني وجعفر العسكري، بينما اختير الطائفي العثماني عبد الرحمن النقيب رئيساً للوزراء... ؛ وأعلن هذا النظام، منذ اليوم الأول، أن العراق "دولة عربية سنية"، وهو ما تجسَّد في السلوك السياسي طوال 83 عاماً.
الا ان القوم في السر غير القوم في العلن ؛ فقد ضحكوا على العراقيين , بحجة النسب الهاشمي للملك فيصل ولعبوا على عاطفة الاغلبية العراقية بالشعارات القومية ؛ لكن الحقيقة كانت مخالفة للشعارات؛ فقد استغل النظام نسب فيصل الهاشمي لكسب شرعية دينية، و قد زار الملك السني الغريب مدنَاً شيعية مثل الكوفة والحلة وكربلاء والنجف لاستمالة المجتمع الشيعي واقناع المجتمع الشيعي بحكومته المرتقبة - بحسب المؤرخ ياسر إسماعيل ناصر - ... ، بينما كانت تدار البلاد لصالح الأقلية السنية والفئة الهجينة والعناصر الأجنبية... ؛ وكانت الإدارة العسكرية البريطانية قد أفلحت بعد قمع ثورة العشرين في تشكيل حكومة سنية طائفية هجينة برئاسة الطائفي العثماني الغريب عبد الرحمن الكيلاني، الممالئ للإدارة البريطانية لدرجة أنه كان يطالب الإنجليز بالاستمرار في حكم البلاد من قبلهم مباشرة... ؛ وكانت مبايعة أصدقاء الإنجليز لفيصل تنفيذاً لما أرادته الإدارة البريطانية، والمثل الصارخ لهذا كان الشيخ علي السليمان رئيس عشائر الدليم، الذي قال لفيصل، وجها لوجه، "إننا نبايعك لأن الإنجليز يريدون ذلك"... !
وبدأت اولى خطواته المنكوسة والمشبوهة والتي تستهدف الاغلبية والامة العراقية , والتي تعمل على تزوير الحقائق والتلاعب بالشعارات واخفاء النوايا الخبيثة ؛ اذ تم تأسيس جيشٍ من بقايا العثمانيين والمرتزقة الذين تحولوا من خدمة الأتراك العثمانيين إلى خدمة الانكليز البريطانيين ؛ فقد كان اغلب عناصر هذا الجيش الهجين من مرتزقة الاتراك العثمانيين الذين جاءوا بهم من كل حدب وصوب ؛ وهؤلاء اشبه شيء بالعاهرات وبائعات الهوى , فهم ينتقلون من نظام شرقي اسلامي الى اخر غربي ( كافر ) كما كانوا يطلقون عليه , كما تنتقل العاهرة بين احضان الرجال ؛ لذا تراهم يغيرون ولاءاتهم وشعاراتهم ب لمح البصر .
ومنها خطة احداث التغييرات الديموغرافية الخطيرة ؛ فقد شجعت الحكومة الملكية الاجانب والغرباء على الهجرة الى العراق بحجة العمالة والتوظيف ؛ بما فيهم الهنود السنة والهندوس وغيرهم ؛ لتقديم المساعدات والخدمات للحكومة والانكليز معا ؛ فضلا عن عمليات التجنيس المشبوهة , فقد جنست الحكومة الهجينة الاكراد الاجانب وبقايا العثمانيين والاثوريين والارمن واعراب نجد المهاجرين وشذاذ البلدان العربية ... ؛ بغضا منهم بالأغلبية الشيعية العربية العراقية , وحقدا على الشيعة ... ؛ وسكن الكثير من الهنود في بغداد , لاسيما في منطقة باب الشيخ والشيخ عمر وغيرهما , واغلبهم من الطائفة السنية ومن رعايا وعملاء الانكليز , فقد ازروا وساندوا الحكومات السنية الهجينة في العراق ؛ وفرضت على العراقيين التعامل بالروبية الهندية بدلاً من الليرة العثمانية .
ومنها إصدارُ القرارات المشبوهة والعملُ بالإجراءات الطائفية الجائرة التي تعمّقُ الطبقيةَ والتمييزَ الطائفيَّ والعنصريَّ والتحيزَ المناطقيَّ في المجتمع.
فقد وزَّعتِ الحكومةُ الملكيةُ، خلال سنواتٍ معدودةٍ، الأراضيَ الزراعيةَ الخصبةَ على أبناءِ الفئةِ الهجينةِ والأقليةِ السنيةِ، بينما شجَّعتْ ظاهرةَ الإقطاعِ في الجنوبِ التي أوجدها الأتراكُ في أواخرِ عهدِهم الأسودِ.
وَحَرَمَتِ الفلاحينَ العراقيينَ من كافةِ الامتيازاتِ والحقوقِ، وحَصَرَتِ المنافعَ بيدِ أقليةٍ من الشيوخِ والإقطاعيينَ المُحسوبينَ على الأغلبيةِ العراقيةِ.
فضلاً عن ذلك، وزَّعَتِ الأراضيَ والبيوتَ على موظفي البلاطِ والحكومةِ وأبناءِ الأقليةِ السنيةِ والفئةِ الهجينةِ، وشجَّعَتْهُم على الدراسةِ والتوظيفِ في الحكومةِ، وقدمَتْ لهم كافةَ التسهيلاتِ والامتيازاتِ.
فقد صرَّحَ الهجينُ نوري السعيدُ بأنه يريدُ عراقاً تُشكِّلُه أقليةٌ سنيةٌ أبناؤها من خريجي الجامعاتِ، وأغلبيةٌ شيعيةٌ أبناؤها من العمالِ المهرةِ... ؛ وليتَه كان صادقاً حتى في هذه الخطةِ المشبوهةِ والمعادلةِ المنكوسةِ والقسمةِ الضيزى!
إذ حَصَروا الوظائفَ والمهنَ والمهاراتِ بأبناءِ الأقليةِ السنيةِ والفئةِ الهجينةِ والأجانبِ والدخلاءِ فحسبْ، وحوَّلوا أبناءَ الأغلبيةِ العراقيةِ إلى جنودٍ بائسينَ، وعمالَ خدمةٍ مساكينَ، وسجناءَ، ومعتقلينَ، وفلاحينَ مُهمَّشينَ.
ومن هذه القوانينِ الجائرةِ:
- إصدارُ "رسومِ البلدياتِ" (1931)، التي فرضتْ ضرائبَ ظالمةً على الشيعةِ، بينما تمتَّعتِ الأقليةُ السنيةُ بالإعفاءِ منها.
- فرضُ التجنيدِ الإلزاميِّ على أبناءِ الأغلبيةِ، بينما أُسنِدَتِ المناصبُ العليا في الجيشِ إلى أبناءِ الفئةِ الهجينةِ والأقليةِ السنيةِ.
واستمرَّتْ هذه القسمةُ الضيزى حتى سقوطِ الصنمِ الهجينِ الطائفيِّ عامَ 2003.
بل إنهم عَمِلوا على تجفيفِ الأهوارِ، وتدميرِ الأراضي الزراعيةِ، والتآمرِ على الفلاحينَ العراقيينَ بشتَّى الطرقِ الملتويةِ والخبيثةِ.
وقد هيمن على الحكومات الملكية عملاء بريطانيا مثل نوري السعيد وياسين الداغستاني والسويدي والكيلاني وبقية الشلة الهجينة من عوائل ( ال جي ) العثمانية ، الذين استأثروا بالسلطة والثروات والامتيازات ، بينما عانت الأغلبية العراقية من التهميش والفقر...؛ حتى إن الداغستاني – ( ياسين الهاشمي) - حاول مرةً الإطاحة بالعائلة المالكة نفسها لولا منع البريطانيين !
وهكذا، ظل العراق ساحةً للفساد والطائفية والعنف الممنهج، تحت حكم أقليةٍ هجينة تحالفت مع المستعمر ضد إرادة الاغلبية والامة العراقية .
في العهد الملكي البائس، شكّلت الفئة الهجينة وأبناء الأقلية السنية النخبةَ الحاكمةَ التي استأثرت بموارد الدولة وامتيازاتها، فتحوّلوا إلى طبقةٍ طفيليةٍ برجوازية استغلت السلطةَ لتحقيق مصالحها الشخصية على حساب الشعب العراقي.
لقد استفاد كبارُ الموظفين والمسؤولين والسياسيين وشيوخ العشائر وعمَداء العوائل من هذه الفئة استفادةً فاحشةً وغير مشروعة، حيث نالوا الأراضيَ الزراعيةَ الخصبةَ، وحصلوا على المناصب العليا في الحكومة والجيش، وتسلّموا عقودَ الدولة المربحة، بينما حُرِمَ أبناءُ الأغلبيةِ من أبسط الحقوق.
لم يكن هناك موظفٌ صغيرٌ أو مسؤولٌ كبيرٌ من هذه الفئة إلا واغتنى على حساب الشعب، فمنحوا أنفسهم الرواتبَ المجزية والحقوق العديدة ، والامتيازاتِ غير المبررة، وحتى أراضيَ الدولةِ وزعوها على المقربين منهم... ؛ لقد حوّلوا المالَ العامَ إلى ملكيةٍ خاصةٍ، فامتلكوا القصورَ الفاخرةَ، والسياراتِ الفارهةَ، بينما عاش العراقيون البسطاء في فقرٍ مدقعٍ.
لقد كان الفسادُ في العهد الملكي نظاماً متكاملاً، لا مجرد حالات فردية، حيث تحالفت النخبةُ الحاكمةُ مع شيوخ العشائر الموالين ومع بعض رجال الدين لضمان استمرار هيمنتهم... ؛ وكانت النتيجة تحقير وافقار الشعب وإثراءَ فئةٍ قليلةٍ على حساب الأغلبية الساحقة.
وما زالت آثار ذلك الفساد ممتدةً حتى اليوم، حيث خلّف نظاماً طائفياً وعنصرياً استمر لاحقاً في عهودٍ أخرى، وإن اختلفت أشكاله... ؛ فهل من مُنصفٍ يُعيد النظر في هذه الحقبة بموضوعية، ويعترف بأنها لم تكن "عهداً ذهبياً" كما يُصوّرها البعض، بل كانت زمناً من القهر والاستبداد الطبقي؟
واليكم ابرز شخصيات النظام الملكي الفاسدة ؛ حيث مثلت تلك النماذج انحرافا اخلاقيا وسياسيا أدى الى استنزاف مقدرات البلاد - (من النهب والفساد إلى الإفلات من العقاب ) - :
1-الملك الغريب فيصل : وصل فيصل الأول إلى العراق وتوج ملكا.. العام 1921.. وهو لا يملك شبرا فيه.. وتوفي بعد اثني عشرة عاما فخلف إرثا ... ؛ كان :
ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين دونم ان في الوزيرية ... , و ستة عشر ألفا وتسعمائة وأربعة وثمانين دونما في الحارثية... , و خمسة وتسعين ألفا وتسعمائة وتسعة عشر دونما في خانقين... , و تسعة آلاف وخمسمائة وسبعة عشر دونما في بنجوين... , و ثمانية وسبعين دونما في سرسنك... ؛ وقد منح الملك فيصل الاول أخاه الامير علي مقاطعة كبيرة زراعية في مدينة الصويرة العام 1935... , وسجلها الامير علي باسمه ... , وعندما توفى ورثها ابناؤه.
وقد استولى الملك فيصل الاول على اراضي الوزيرية , وحولها بقوة السلطة ونفوذ البلاط الملكي الى ملك صرف يرثها ابناءه بعد وفاته , فقد غير صنف هذه الاراضي من زراعية الى سكنية , وقام بتخطيطها وتقسيمها الى قطع او عرصات سكنية فيما بعد , ولقربها من مركز بغداد ؛ رغب الناس في شراءها والسكن فيها ... ؛ وتم بيعها بالفعل وتحولت تلك الاموال الطائلة الى الخزينة الخاصة بالملك وعائلته ؛ ولتمرير هذه الصفقة الفاسدة وزع الملك قسماً من العرصات والاراضي وبصورة مجانية ؛ لعدد من ساسة العراق واليكم اسماء البعض منهم :
ـ نوري السعيد – 10.000 عشرة آلاف متر مربع وقد شيد فيها بيت لسكناه!
ـ ياسين الهاشمي – 16.000 ستة عشر الف متر مربع وقد شيد فيها بيت لسكناه!
ـ رستم حيدر – 11.000 احد عشر الف متر مربع!
ـ محمد الصدر – 5.000 خمسة الاف متر مربع.
ـ تحسين قدري – 5.000 خمسة آلاف متر مربع.
ـ شاكر حميد – 5.000 خمسة آلاف متر مربع.
ـ محمود سلمان – 2.000 الفين متر مربع.
ـ عبد الكريم الازري – 2.000 الفين متر مربع.
ـ فضلاً عن مساحات متفاوتة لباقي موظفي البلاط الملكي ... !
2- نوري السعيد : طالما استخدم موارد الحكومة وميزانية الدولة لأغراضه الشخصية ؛ فكان الهجين نوري السعيد عندما يرشح لرئاسة الوزارة يشترط أن يكون وزيراً للدفاع أيضاً... ؛ حتى يستطيع إقامة الدعوات والحفلات وغيرها... فمخصصات هذه الوزارة مفتوحة ... ؛ كما انه أخذ رشوة من شركة نفط العراق ... , ومُنح أراضي واسعة ؛ فضلا عن فساد وانحراف ابنه صباح ( بطاطو "الطبقات الاجتماعية في العراق"، ص ٣٩٢ ) فقد امتلك صباح نوري السعيد تسعة آلاف ومائتين وأربعة وتسعين دونما عبر صفقات مشبوهة.
3- جعفر العسكري : استولى الحرامي جعفر العسكري والمعروف بأخلاقه المنحطة وتصرفاته السخيفة التي هي اشبه بأخلاق ارباب السوابق وابناء الشوارع – كإدمانه على العفاط !! - ؛ على سبعة آلاف وستمائة وخمسة وثمانين دونما في منطقة العطيفية ... ؛ ومثلها في المجيدية - المنطقة المحاذة لمدينة الطب - ولم يدفع حتى رسوم تسجيلها البسيطة ؛ حتى أن السفير البريطاني في العراق رفع مذكرة الى الملك فيصل الأول يشير فيها : ( بأن جعفر العسكري أستحوذ على هذه الأراضي من دون سند قانوني - مذكرة السفارة البريطانية رقم ٧٢/١٩٣٠ -) ، وكان الملك فيصل الأول يعلم بالموضوع لكن لم يتخذ أي قرار ولا حتى يطلب من جعفر العسكري دفع الرسوم المتعارفة على الأراضي الحكومية التي تباع....!!
4-الاجنبي ياسين (الهاشمي) الداغستاني : والمعروف بطائفيته وحقده على العراقيين الاصلاء ؛ وقد انتشرت في عهد وزارته المحسوبيات و( الواسطات ) وابتزاز الأموال و أخذ الرشاوى ، فضلا عن استيلاءه على اراضي اميرية كثيرة وجديدة , وبسبب استحواذه على الاراضي الحكومية صار من كبار الاقطاعيين , وتنامت ثروته بوقت قياسي ؛ وأتبعت حكومة ياسين الداغستاني أسلوب الرشاوي والمكافآت، أذ أغدقت على رؤساء العشائر الموالية لها الأموال والأراضي والإعفاء من الضرائب... ؛ كما صادرت حكومة ياسين ( الهاشمي ) الأموال والأراضي وفرضت الغرامات على رؤساء العشائر المعارضة لها , ومعظمها لا يسجل واردا للحكومة بل يذهب الى جيب الداغستاني ؛ وقد جمع هذا الحاقد الهجين بين رذيلة الحقد الطائفي والفساد والسرقة ؛ اذ كان يتباهى ياسين الداغستاني علانية بأنه منع المواكب الحسينية في عاشوراء في الكاظمية العام 1925... , واعتقل رجال الدين الشيعة في الكاظمية ؛ ونفى بعضهم الى إيران - *(عبد الرزاق الحسني، "تاريخ الوزارات العراقية"، ص 210)*- .
5- العثماني من ذوي الاصول الايرانية رشيد عالي الكيلاني : رئيس الوزراء (1933 – 1941 ): وقد أستغل وجود ثغرات في قانون العقارات والأراضي الأميرية ليستحوذ على مزارع وأراضي زراعية شاسعة في عدة محافظات، أضافة الى استحواذه على مناطق راقية في بغداد والأعظمية... ؛ وقد ثبتها المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه( تاريخ الوزارات العراقية)، ولم يستطع نوري السعيد رئيس الوزراء من أعادتها الى الدولة بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، لأن الكيلاني أستطاع تسجيلها بشكل أصولي مستغلا منصبه... ؛ و أراضي بغداد وحدها والتي استولى عليها تقدر ب ( الفان وأربعمائة وثمانية وخمسون دونما ) -*(التقرير السنوي لوزارة العدل العراقية، 1942)*- .
6-أرشد العمري والمشهور ب ( كواد بغداد ) : رئيس الوزراء (1946 – 1954 ): وقد أستغل منصبه كأمين العاصمة/ بغداد في العام 1941 ليستحوذ على مناطق وأراضي في أرقى مناطق بغداد في منطقة بارك السعدون، دون أن يدفع فلسا واحدا... , فضلا عن اشتهاره بأخذ الرشوة والسمسرة .
7-الغريب السعودي علي حجازي - مدير الشرطة العام – والذي كان يضع مراكز الشرطة بالمزايدة ويمنحها لأكثر الدافعين من المفوضين والمعاونين - ( القيسي ص ٥٣٥ ) - وقد بلغ من فساد الشرطة في وقته ؛ ان جرى اعدام ابرياء – في قضايا جنائية – بدلا من المجرمين الحقيقيين - ( الهلالي – قال لي هؤلاء ص ١٨٨ – ١٨٩ ) - ٠
8-المدعو ناجي الاصيل ؛ فعندما كان المدعو ناجي الاصيل وزيرا للخارجية , ذهب للتفاوض مع الجانب الايراني حول الحدود وترسميها وشط العرب ؛ وقد تساهل في ذلك الامر السيادي وعرض العراق لأخطار جسيمة وتنازلات مجحفة -( بصري ص ٨٦ ) لقاء حفنة من السحت الحرام ؛ والشيء بالشيء يذكر : كان عبد الله بن سعيد وزيرا لخارجية نجد ( السعودية ) قد وقع اتفاقية الحدود مع العراق ، ثم اصبح بعدها وبقرار من نوري السعيد وزيرا لخارجية العراق ، وصار اسمه عبد الله الدملوجي ، وقد كلف بملف ترسيم الحدود مع السعودية ( بصري ص ٦٤ ) وهكذا صار امر العراق مرهون بين الاجانب والغرباء والدخلاء الفاسدين والمرتشين والحرامية والمشبوهين ؛ بينما كان ابناءه الاصلاء يتعرضون للاضطهاد والاقصاء والتهميش بأمر المحتل البريطاني ...!!
9- توفيق السويدي الذي ترأس مجلس رئاسة الوزراء ولأكثر من مرة فضلا عن تبوء العديد من المناصب ؛ وهو من اشهر السراق الفاسدين في العهد الملكي , وقد قام بتهجير اليهود العراقيين واسقاط الجنسية العراقية عنهم بالتواطؤ مع الصهيونية العالمية لتقديم الدعم لإسرائيل بالفلوس والنفوس , علما انه مجهول الاصل وقد بينا ذلك ضمن سلسلة عنصرية ساسة العراق وطائفيتهم ؛ بينما هجر المواطنين اليهود الذين قطنوا العراق منذ مئات السنين ؛ وقد قامت الشركة التي يملكها توفيق السويدي بإخراج وتسفير اليهود ؛ وتهريب اموالهم الى اسرائيل ... ؛ وقد كان توفيق السويدي وأعوانه يستوفون (10) دنانير عن كل يهودي... ؛ لتسفيرهم الى إسرائيل- (الأزري ص ٣٦٥) - ؛ ولما مسكوا رئيس التنظيم الصهيوني... ؛ هربوه خارج العراق... ؛ ووضعوا محله مجنونا يهودياً - (مذكرات بهاء الدين نوري ص ١١٨ـ ١١٩) - ... ؛ وهذا الامر ليس عجيبا على بعض ابناء الفئة الهجينة والاقلية السنية وقتذاك , فعندما كان الجيش العراقي يقاتل إسرائيل العام ١٩٤٨... ؛ كان عدد من المسؤولين العراقيين وأقاربهم يهربون البنزين الى إسرائيل... - (روفائيل بطي ـ ذاكرة عراقية الجزء الثاني ـ ص ١٤٠) - ... ؛ وقد اتهم توفيق السويدي ومصطفى العمري وغيرهما من الوزراء والمسؤولين بالاثراء الفاحش وغير المشروع ؛ علما ان اغلبهم كان قبل الحكم فقراء ؛ الا ان الحكومة لم تحقق معهم كما فعلت مع البعض ؛ وبالتالي لم تثبت أدانتهم، وهذا لا يعني أنهم أبرياء ... ؛ وعندما قامت ثورة 14 تموز 1958 كانت ملكية توفيق السويدي ثمانية آلاف وسبعمائة وأربعة دونم في بغداد وحدها ... .
نظام مُصَمَّم للنهب
نعم استحوذ الملك الغريب واعوانه ومرتزقته من بقايا العثمنة ورعايا الانكليز الاجانب والغرباء على كافة المناصب العليا والامتيازات , واستولوا على آلاف الدونمات من الأراضي الخصبة والاستراتيجية ؛ بحيث كانت هذه الطغمة الفاسدة والفئة الهجينة والتي هي اقل من ١٪ من السكان تملك ٩٨٪ من الاراضي ...!!
وعندما سقط الحكم الملكي البائس كان اربعة اخماس عائلات العراق بلا اية املاك ( بطاطو – العراق الكتاب الاول ص ٤٢٩ ) - .
نعم قد شكّلت الحقبة الملكية في العراق (1921-1958) نموذجًا صارخًا لتحالف النخب الحاكمة مع قوى خارجية لاستنزاف ثروات البلاد... ؛ اذ تُكشف الوثائق البريطانية والأرشيفية أن 1% من السكان (من النخب الحاكمة) سيطرت على 98% من الأراضي الخصبة، بينما عاش 80% من العراقيين تحت خط الفقر (حسب إحصاءات المؤرخ حنا بطاطو).
وقد وصفت المخابرات البريطانية الطبقة الحاكمة باللصوصية او حرفيا : قلة متحكمة من مبتزي المال ( بطاطو ص ٣٨٣ ) ٠ وكأمثلة على ذلك : استولى ياسين الهاشمي والگيلاني على اراضي الحكومة وصارا من كبار الاقطاعيين ( عبد المجيد القيسي محافظ الكوت في العهد الملكي – التاريخ يكتب غدا ص ٧٠ ومير بصري – اعلام السياسة ص ١٨٢ ) وكذلك رؤساء الوزراء الاخرون ( بطاطو ص ٣٩٤ و٢١٢ – ٢١٨ ) وقد اشار السفير البريطاني في بغداد في إحدى رسائله الى الحكومة البريطانية الى هذه السرقات وهذا الفساد والتباين الطبقي , وارتفاع نسبة الفقر المدقع بين ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ فبينما كانت غالبية الشعب وابناء العراق يعيشون في الخيم والصرائف واكواخ القصب وبيوت الطين ؛ كانت هذه الشرذمة الهجينة تسكن القصور والدور وتستولي على الاراضي الخصبة الشاسعة ...!!
وقد تقاسم أعوان ومرتزقة الملك الغريب الأراضي الأميرية والثروات الوطنية ... ؛ حتى لم يبق أحد لم يستحوذ على حصة وعلى سبيل المثال وليس الحصر :
فقد استأثر حكمت سليمان الشيشاني (رئيس وزراء من اصول شيشانية ..!! ) بسبعة عشر ألف دونم في منطقة الصليخ ... ؛ وكان واحدا من أربعة لم يكن لطمعهم حدود: ياسين الهاشمي... , ورستم حيدر اللبناني رئيس ديوان فيصل الأول.
وقد استولى مزاحم الباچه چی على ( ألفا وتسعمائة وواحد وأربعين دونما في بغداد ) ... ؛ واستولى علي جودت الأيوبي على ستة آلاف وثلاثمائة وستة وستين دونما في بغداد... ؛ فضلا عن تسعين ألف مترا في منطقة أم العظام في كرادة مريم... ؛ واستولى جميل المدفعي على ثلاثة آلاف وتسعمائة وستة وسبعين دونما في ديالى... ؛ واستولى مصطفى العمري على اثني عشر ألفا وسبعمائة واثنين وثلاثين دونما في الموصل... ؛ واستولى عبد الوهاب مرجان على تسعة آلاف ومائة وسبعين دونما في الحلة... ؛ ـ وقد استولى ورثة حمدي الباچه چی على أربعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة وسبعة وثلاثين دونما في بغداد... ؛ و قد ورثت ابنة أحمد مختار بابان من أبيها ثلاثة آلاف وتسعمائة وثمانية وخمسين دونما في كركوك... الخ .
حتى مشاريع الاعمار القليلة والتي جاءت في اواخر العهد الملكي – ( بعد خراب البصرة ) – شابها شبهات فساد كثيرة كما ورد في أحد تقارير المخابرات الأمريكية... ؛ علما بان أولويات مشاريع الأعمار لم تكن تصب في مصلحة الشعب العراقي , بقدر ما كانت تصب في صالح المصالح المتصارعة الأمريكية والبريطانية لحلب الإيرادات المتزايدة من تزايد صادرات النفط... ؛ حيث كان لكلا الطرفين تمثيل في مجلس الأعمار ... ؛ اذ تحكّمت الشركات البريطانية والأمريكية في مجلس الإعمار، الذي خصص 70% من موازنته لمشاريع تخدم مصالحها - *(تقرير المخابرات الأمريكية 1955، الأرشيف الوطني الأمريكي)* - .
هذه الثروات الهائلة والاموال الطائلة انتقلت من الاباء الى الابناء ومن الاجداد الى الاحفاد , وتلاقفتها تلك العوائل العميلة والخائنة والفاسدة والهجينة والطائفية والغريبة تلاقف الكرة , وهم الى هذه اللحظة يستمتعون بالسحت والمال العراقي الحرام , من دون محاسبة او مصادرة ...!!
هذا غيض من فيض فساد العهد الملكي البائس , ناهيك عن سرقات وامتيازات العهد الجمهوري العارفي الطائفي ثم كوارث العهد الجمهوري التكريتي البعثي البغيض ... .
وبما ان الحرام يبقى حراما وان طال به الزمن , وما بني على باطل فهو باطل , والجرائم الخطيرة لا تسقط بالتقادم , وعليه قلناها مرارا وتكرارا , لا يستقيم الوضع العام في العراق , ولا يتعافى الوطن الا من خلال حزمة من الاصلاحات والمراجعات تبدأ من بداية القرن العشرين والى هذه اللحظة , حيث نضع البيض كله في سلة واحدة ؛ فكما طالب البعض بإسقاط جنسية الفيلية والتبعية الايرانية كذلك نحن نطالب بإسقاط الجنسية عن بقايا العثمنة وابناء الفئة الهجينة من الغرباء ورعايا الانكليز الدخلاء , فكل من حصل على الجنسية العراقية خلال هذه الفترة تسقط عنه , وكذلك المطالبة بكافة الاموال المسروقة من العراق وطوال ذلك القرن المنصرم والقرن الحالي , والغاء كافة الامتيازات واسترجاعها وباثر رجعي ؛ اما ان نحاسب شخصيات استولت على بعض الثروات والامتيازات وخلال عقد او عقدين من الزمن , ونغض الطرف عن سرقات وامتيازات قرن كامل من الزمن , فهذا مما لا يقبل به عاقل , لاسيما واننا نعلم علم اليقين ان الذين اثروا بطرق مشروعة خلال هذين العقدين هم من العراقيين الاصلاء وهذه الثروات من مناطقهم , وان الذين نهبوا العراق خلال قرن كامل جلهم من الغرباء والدخلاء والاجانب ومن الاصول غير العراقية وان اغلب الثروات المسروقة من مناطق الشيعة وليست من مناطقهم ؛ فإما ان يحاسب الكل وبلا استثناء واما ان يعفى الكل وبلا استثناء , ولو ثنيت لي الوسادة لصادرت كافة الاموال المسروقة خلال القرن المنصرم والقرن الحالي واسقطت كافة عمليات التجنيس المشبوهة وبلا استثناءات لأنها اضرت بالعراق وابناء الاغلبية والامة العراقية .
والعجيب في الامر ان من توارث الفساد كابرا عن كابر وزق الفساد زقا , ولا زال يرتع وبني قومه في الفساد والخيانة والامتيازات الباطلة , يطالب بمحاسبة الفاسدين واسترجاع الاموال من المحسوبين على الاغلبية العراقية ؛ في الوقت الذي يغض الطرف فيه عن فساد الفئة الهجينة والاقلية السنية والاقلية الكردية المتجذر والمعروف للقاصي والداني ...؟!
الخاتمة: الفساد كإرث مستمر
لا يُمكن فصل فساد الحاضر عن جذوره التاريخية، مما يستدعي مراجعة شاملة لتجارب القرن العشرين ومصادرة الثروات المُكتسبة بطرق غير مشروعة، مع ضمان عدالة تشمل جميع الفئات دون انتقائية. فالفساد المُتراكم لا يُصلح إلا بحوكمة شفافة ومحاسبة عادلة.
وعليه لم يكن سقوط النظام الملكي عام 1958 نهاية الفساد، بل تحوّل إلى أشكال جديدة تحت مسمّيات مختلفة. تُظهر البيانات أن 60% من الأراضي المسجّلة بأسماء عائلات النخبة القديمة ما زالت تحت سيطرة أحفادهم (تقرير منظمة الشفافية الدولية، 2020). وهذا يستدعي:
1. إعادة تقييم جذري لملكية الأراضي وعقود وزارة الزراعة منذ 1921.
2. إلغاء كافة القوانين التي شرعنت النهب الاستعماري.
3. محاسبة دولية للجهات الخارجية المتورطة.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟