أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - جاستوت باشلار : الابستمولوجيا وجمالية المكان















المزيد.....

جاستوت باشلار : الابستمولوجيا وجمالية المكان


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 21:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جاستون باشلار: الابستمولوجيا وجمالية المكان

تمهيد
جاستون باشلار 1884 – 1962 فيلسوف فرنسي, متوزع الاهتمامات الفلسفية, يعتبر من ابرز فلاسفة القرن العشرين في مبحث العقلانية العلمية, وكان في بداية مسيرته الفلسفية متاثرا بانشتاين منتقلا الى جانب مغاير تماما هو إهتمامه بنيتشة.
وإهتم بالمبدأ الفلسفي التقليدي في الظاهراتية (الفينامينالوجيا) لدى هوسرل بموضوعة الوعي القصدي الذي كان مصدر إجماع فلسفي وصل الى الفلاسفة الاميركان من بعد فلاسفة اوربا. ليتوجه باشلار بعدها دراسة الفن والجمال والشعر, وعمل استاذا بجامعة السوربون الفرنسية العريقة الشهيرة, مؤلفاته اغلبها مترجمة الى العربية, حيث اصدر كتابه العقل العلمي الجديد عام 1934, وكتابه الثاني العقلانية التطبيقية 1848, والثالث تكوين العقل العلمي 1938, وكتابه المادية العقلانية 1953 وهي المرحلة الاولى في تركيزه على فلسفة العلم. قبل إنتقاله الاهتمام بفلسفة المكان والفن والشعر.
باشلار فيلسوف لا نستطيع القول عنه موسوعيا بالقياس الى غيره من فلاسفة القرن العشرين لعل ابرزهم هيجل بيرتراندراسل ولايبنتيز وهيوم وغيرهم, لكن لا يمكن غمط حقّه أنه متعدد الاهتمامات الفلسفية التي لاقت اقبالا متميزا.
باشلار لم يكن فيلسوفا يلفت الانتباه إلا في اواخر سني حياته. والمتتبع لفلسفة باشلار يجده يمزج تفكيره الفلسفي العلمي بنوع من المثالية التي تجعله شأنه شأن العديد من الفلاسفة الذين وجدوا التمركز حول الذات ربما يكون الطريق الوحيد فلسفيا لادراك العالم ومعرفة حقائقه المعرفية العامة والعلمية المتخصصة معا.
الوعي القصدي وباشلار
مرتكز الوعي الذاتي القصدي رغم تشعب وجهات النظر الفلسفية حوله نجده أصبح قاسما مشتركا بين عديد من الفلاسفة منذ أشار برينتانو اليه ليتبناه هوسرل في الظاهراتية الفينامينالوجيا لياخذه هيدجر عنه, ومن بعده سارتر في تحفظ منفرد خاص به, لينتقل ويصبح مبحثا خصبا لدى الفلاسفة الاميركان مثل جون سيرل, وريتشارد رورتي, وسيلارز وسانتيانا وغيرهم. وسمات الوعي القصدي الفلسفي نعرض بعضها:
- الوعي الذاتي وسيلة إدراك الوجود والعالم الخارجي بقصدية مسبقة. حيث الوعي القصدي لا يروم تحقيق ذاتيته بالمغايرة الوجودية مع غيره, وإنما الوعي القصدي هو أولا وأخيرا من أجل فهم العالم وليس من أجل إدراكه فقط. الوعي القصدي وعي معرفي وليس وعيا إدراكيا محايدا.
- اقصاء وعي الذات من معادلة التوسيط بين الإدراك المعرفي للعالم وبين توكيد فاعلية الذات كوجود يثبت نفسه بالمغايرة, ما يخلق شرخا معرفيا غائرا في تفكير العقل فهم الوجود. الوعي خلاصة تفكير العقل بمعرفة الوجود.
- الوعي الذاتي لا يكتفي بفهم العالم بمجردات الفكر, وإنما الذات تكون لها أهمية تجريبية علمية ربما تتجاوز, المحايدة العلمية الصارمة التي ترى أسبقية المعرفة العلمية تقوم على حيادية التجربة العلمية وليس على أهواء الذات الإدراكية. فما ينتج عن التجربة العلمية ربما لا يطابق الوعي القصدي المرجو سلفا تحقيقه بالتجربة.
- ربما يكون جاستون باشلار متفردا فلسفيا إعتباره الذات المحضة في تعبير قريب من العقل المحض عند كانط, قوله " موضوع المعرفة مستقل عن التجربة, وكل معرفة محددة, أي ميتافيزيقا ". الذات دونما قصدية تسبقها تصل الى إدراك لا تحدّه الذات بل تحكمه نتائج التجربة".
من المرجّح أن باشلار أراد القول أن طرق الوصول الى المعرفة طرقا عديدة ومتنوعة بعديد وتنوع مواضيع المعرفة المختلفة, لذا إعتبر عدم إقصاء الذات المحضة, يحد من لا محدودية المعرفة بإعتبارها فضاءا مفتوحا يصل الى أن يكون مبحثا ميتافيزيقيا.
باشلار يجد في الباحث العلمي إستحالة وصوله مرحلة التحرر من مكبوتات اللاشعور المعيقة والآراء المسبقة التي تجعله يصل مرحلة حيادية نقدية متحررة من كل معيقات الإنحياز للمعرفة العلمية الخالصة.
من الملاحظ في فلسفة باشلار أنه من حيث تعالق المعرفية العلمية بالوعي التجريبي نجده في تحوله الفلسفي اللاحق حين غادر اهمية فلسفة العقل في معرفتنا العالم, متجها نحو دراسة جمالية ألمكان والشعر والفنون التي هي الطابع النسقي العلمي العقلي الذي كانت تحكمه مواضيع مؤلفاته الاولى, الى مجالات مفتوحة لا يستطيع منهج نسقي يحتويها نظاميا مثل الكتابة الفلسفية عن الفن والجمال والشعر فهذه مباحث لا يحتويها النسق المعرفي القائم على وعي علمي معرفي بل على نسق قيمي يحكمه منهج علم النفس واللاشعور والعاطفة والوجدان..

باشلار والمعرفة العلمية
بضوء بعض الاقتباسات لباشلار نستطيع المقاربة الفلسفية منها وتوضيحها بعد تثبيتنا لبعض منها: "الواقع لا يكون ابدا ما يمكن ان يظن انه عليه, بل هو دوما ما كان علينا نعتقده, وكل كشف لحقيقة يتم في جوهر من الندم الفكري, والفكر هو امام يسبق المعرفة العلمية لا يكون قط حديث النشاة, بل شيئا مثقلا بالسن, لانه يحمل من ورائه عمر طويلا يعادل عمر احكامه المسبقة. 1" كما طالب باشلار وجوب القيام بمراجعة نقدية على الدوام لبعض المفاهيم التقليدية الموروثة في فلسفة المعرفة, لانه ليس هناك لا حقيقة علمية مطلقة ولا قانون علمي مطلق, معتبرا المعرفة بطبيعتها تجربة عقلية نسبية...
تعقيب توضيحي:
- باشلار في عبارته الاولى يجد الواقع معرفة تسبق الفكر الاعتقادي القصدي المسبق عنها. لكنها تكون معرفة سطحية, كون كل كشف لحقيقة تتم في جوهر من الندم مبعثه البون الشاسع العازل بين الحقيقة المعرفية وتعبير الفكرالقاصرعنها في وعي الذات لها.
والمفارقة أن يعتبر باشلار الفكر يتقدم حقيقة المعرفة التي تحمل ميراثا طويلا من عمر الافكار المسبقة التي تجعل من المعرفة متراكما متجددا كيفيا يسبق تصورات الفكرفي حاضرها. هنا باشلار يعتبر الفكر مكافئا جوهريا يوازي التراكم المعرفي الذي يتجدد كيفيا ذاتيا ولا يقاطعه,,ويتغافل باشلار عن حقيقة المعرفة هي تراكم خبرة مكتسبة لا تمتلك قابلية التجدد المستمر وبناء نفسها ذاتيا دونما تداخل فكري معها جدليا...
كما أن المتراكم المعرفي لا يحمل ذاتا تعي علاقة الفكر الجدلية معها في نشدان تطورها. دائما يكون الفكر محكوما عقليا في توجهه بخلاف متراكم الخبرة الذي يحمل القيمة الدفينة فيه, ولا يمتلك قابلية عقلنته الفكر.
- الانطلاق من حقيقة الواقع جدلية متغيرة وصيرورة متجددة غير ثابتة على الدوام, لذا تكون علاقة المعرفة بالفكر ليس علاقة تبعية ولا علاقة أسبقية بل علاقة جدلية تكاملية تفاضلية بمنطق الرياضيات, .
جدل يقوم على علاقة تخليقية جديدة للمعرفة يتطورالفكر هو ايضا نتيجة هذا التداخل الجدلي بينهما المعرفة والفكر. والكشف عن المعرفة الحقيقية حين تكون ندما فكريا متراجعا بالنسبة لتخلف مواكبة الفكر للمعرفة حسب تعبير باشلار حيث يتراجع الفكر في تفسيره الواقع العلمي الذي يغذ السير التقدمي الحثيث نحو معرفة علمية في تخلف مواكبة الفكرلها.
- الفكر حسب تعبير باشلار قدوة أمامية للمعرفة العلمية, العلم يتقدم الفكر هو شيء طبيعي, وطبيعة عكسية أن العلم يسير بهدي الفكرالنظري القبلي لا بهدي التجربة البعدية ... هذا الفهم في علاقة الجدل بين المعرفة العلمية والفكر نجده غائما ولا يقوم على وضوح فلسفي نسقي, حيث نجد أحيانا عند باشلار تقاطعات فلسفية تتوزّعها تعالقات الأفكار بالمعارف تخرج من محدودية التجربة المعرفية الى فضاءات تجريدات الفكر خارج محدودية التجربة ..
- منجزات العلم والفكر علاقة من الجدل الخلاق ليس بالتأثير المتبادل فقط, بل في جدل يحقق التسارع المتقدم في فارق زمان المسار بينهما. ويبني باشلار على هذه الحقيقة , نتيجة هي أن الجهل بحقائق الاشياء لا يجعل منها كينونات من وجود فارغ خاوي, فهو حسب فلسفته يعتبر البدء من نقطة جهل نحو السعي تحقيق معرفة, في فلسفة باشلار تكون نقطة الجهل هي معرفة بذاتها. يرادفها نقطة الصفر اذ تكون هي معرفة بدئية تمتلك مرجعية معرفية هي تراكم خبرة سابقة عليها.
باشلار يعتبر الغاء الفكر المعرفي السابق بأنه جهل خاطيء هو نقطة صفر معرفية من التقاطع المعرفي معها الذي يبدأ الشروع في التحقق من بنائيات معرفية متعددة سابقة... ويرى باشلار مجرد ادراك الفكر الجهل بالمعرفة يجعل من الجهل نقطة انطلاق شروع معرفية . كون العقل العلمي لا يبحث عن معرفة سبق له أن إكتسبها من قبل وأصبحت خبرة تراكمية مخزّنة. بل هو يبحث عما يجهله من معارف. غير مخترعة وغير مكتشفة.
وفي تعبير باشلار"المعرفة لا تنبثق عن جهالة كما ينبثق النور من الظلام" 3 يعني ليس هناك معرفة بدرجة الصفر في تقبلها النقد والاضافة والتجديد بلا مقدمات معرفية تسبقها موجودة فيها. باشلار يؤكد لا توجد معرفة جديدة قائمة من فراغ لا معرفي سابق عليها. باشلار حسب تقديري يريد التاكيد وبشدة على اهمية تراكم الخبرة.
- لا يمكن لأحد نكران المعرفة هي موروثات من الخبرة التراكمية والنوعية المكتسبة لا يوقفها قطار الشد والجذب المعيق لتقدمها, المعرفة بطبيعتها هي صيرورة متقدمة الى أمام ونزوع دائمي في تحقيق معارف جديدة على أسس تشييد بنى معرفية سابقة عليها.
- وبهذا المعنى يعتبر باشلار مسار المعرفة هو مسار تاريخ تصحيح الاخطاء العلمية, وهي العبارة التي نجد قرينتها المتطابقة معها في تعبير فينجشتين أن تاريخ الفلسفة عموما هو تاريخ تصحيح أخطاء تعبيرات اللغة في ملاحقة تمام المعنى الصادق والصحيح في نقد الاخطاء وتحليلها. وهو المسار الذي دأب البحث عن معاني اللغة الجديدة التي لم يتم التعبير عنها بوضوح كاف. لذا يتوجب أن تكون المراجعة النقدية لتاريخية المعرفة هي تاريخ تصحيح افكار معرفية خاطئة وليس تاريخ إلغاء تام لها والبداية من نقطة شروع معرفية جديدة تبدأ من الصفر حيث لا يوجد بالمعرفة نقطة صفر معرفية.
- الجدل عند باشلار هو نوع من جدل يقوم على تكامل الفكر والواقع, ولا يقوم على التفسيرالجدلي المادي الماركسي القائم على التضاد. ويعتبر النقد منهجا في التفكير غير محايد, وهو إجابة عن تساؤلات يبتدعها النقد المعرفي البناء, ولا يجد تلك التساؤلات ناجزة ماثلة أمامه ليصطدم بالإجابة عنها. لذا تكون عملية النقد عملية إضافة معرفية متجددة على الدوام.
إتخذ باشلار موقفا فلسفيا منحازا الى المنهج الذي يرى في المسار العلمي ليس عملية مطردة في التقدم الى أمام, بل هو مسار متعثر تتخلله قطوعات تراجعية وأحيانا راكدة تشبه الى حد كبير القطوعات التي تعترض مسار التاريخ الانساني المليء بالصعوبات والرؤى المتناحرة المتضادة في تفسيره. ويقترب باشلار كثيرا من الفهم الماركسي إعتباره التقدم العلمي هو تراكم خبرة تتخلها طفرات نوعية تلزم تقدم المسار التاريخي بحتمية الى امام.
انتقالات باشلار الفلسفية
في متابعة ما ذكرناه نجد باشلار متعدد المباحث الفلسفية التي ينتقل بها من التفكير العلمي الصرف الى نوع من التفكير المثالي المتقاطع مع منهجيته التفلسفية. ففي بدء إهتماماته الفكرية كان مرتكزه العقلانية العلمية القائمة على التجربة, نجده في مرحلة عمرية لاحقة يتجه نحو علم الجماليات والفن والشعر تحديدا. يدل على ذلك بوضوح مغادرته صرامة العقل ليتعمق في مباحث علم النفس في كتابه التحليل النفسي للنار عام 1937 ثم كتابه الماء والاحلام 1941, والهواء والرؤى وجماليات المكان.
مؤلفاته المتأخرة هذه تشير لحقيقة إهتمام باشلار في المدوّنات النفسية والجمالية والفنية وفي إيلائه مبحث الشعر أهمية إستثنائية, رغم إطلاعه أن مبحث معالجة الشعر فلسفيا لها موروث سابق على إهتمامه,معتبرا المخّيلة الشعرية هي حمولة فلسفية لا يمكن حدّها قوله " نحن نعيش في عالم نائم علينا إيقاظه بواسطة الحوار مع الاخرين, وما أيقظ العالم إلا شجاعة الوجود بأن نوجد ونعمل ونبحث ونخترع ونبدع ونخلق ".
باشلار وجمالية المكان
جمالية المكان هو عنوان أحد مؤلفات باشلار الذي يرى في بيت الطفولة خيالا يتجاوز محدداته الهندسية كبناء مادي, ليكون المكان ذخيرة مخيّلة تسرح وتحلم بفضاء أفقي ممتد غير محدود لامتناهي العواطف والانفعالات النفسية التي تعتبر موجودية المكان ماديا هي موجودية خيالية.
باشلار رغم محاولته المستميتة تجريده المكان من طبيعته المادية الثابتة كبناء قائم على شكل هندسي معماري ثابت, إلا أنه يعامله على أنه مصدر إستثارة عاطفية نفسية تتعالق بروحانية المكان لا في ماديته.
باشلار يعالج فهمه الفلسفي للخيال متجاوزا منظوره الذي إعتدناه أنه خيال ماض مستمد من الذاكرة , وليس تجريدا معرفيا في معالجته موضوعا انطولوجيا واقعا حضوريا. الخيال في منظوره هو ملكة أو قابلية تحويل ما هو مادي الى مصدر خيالي غير محدود وبالعكس ايضا.
يعتبر باشلار الخيال وعيا ذاتيا يترجم دواخل إرتباط الوعي كمدرك قصدي لا يشترط أن يكون موجودا انطولوجيا, بل الخيال له تداعيات من اللاشعور في تجريد قائم على موضوعات تقوم هي الاخرى على إحالة الى تجريد خارج مألوفية أن يكون الخيال إدراكا حّسيا لمكان متعيّن وجودا, يحدّه الادراك الزمكاني حين يكون موضوع الخيال غير مطلق بل محدود بزمانية تحكمه بالادراك المكاني.
باشلار والشعر
باشلار يبحث الشعر في جوهره الشكلي على أنه صورة المخيلة الشعرية, ويعتمد فلسفيا المنهج الظاهراتي الذي مرتكزه اللاشعور النفسي وليس على التقيّد بمنهج الفينامينالوجيا التي تجده الظاهراتية هو الوجود المدرك حسّيا أي فينومين اي الصفات الخارجية. وما لا تدركه الحواس ومنظومة العقل الإدراكية هو النومين أو الوجود بذاته وهي الجوهر او الماهيّة. الذي إعتبره كانط لا يمكن إدراكه عقليا ومن الأجدى الأنفع ترك الخوض في غمار بحث لا يمكن التثبّت منه إدراكيا..
باشلار يجد في اللاشعور إنتاجية المخّيلة الشعرية للصورة الشعرية التي يعبّر عنها بقوله " هي نتاج مباشر للقلب والروح والوجود الانساني, وهي مدركة في حقيقة هذا الوجود " 3, يبدو واضحا باشلار يستعير المنهج الظاهراتي في إثارته إشكاليات معلقة لا يعطي هو حلا لها بل يتوخى غيره تفكيكها.
مثال ذلك تعبيره " كيف يمكن لنا أن تكون ظاهرية الصورة تسبق الفكرة, لذا علينا أن نقول الشعر هو ظاهراتية الروح أكثر من ظاهريات النفس " 4
محاولتنا قراءة مفهومية لهذا التعبير الذي يقودنا الى المنهج الظاهراتي عليه تكون ليست هناك إشكالية معيارية منطقية أن الشيء بظاهراته المدركة يسبق فكرة التعبيرعنه. من حيث ندرك الوجود بصفاته الخارجية قبليا في تجريد تعبير الفكر عنه لغويا بعديا.
تعبيرات باشلار بمقدار وضوحها الفلسفي المباشر إلا أنها توقع المتلقي في غموض إبهامي إستعصائي يصبح متناقضا إشكاليا, فمثلا حين لا يكون هناك تعبيرا واضحا بين النفس والروح بعلاقتهما في اللاشعور المستثير للمخيلة الشعرية. فهو يعتبر الصورة الشعرية تمثل ظاهراتية الروح وليس ظاهراتية العقل. وسبب ذلك ان الصورة الشعرية تستمد حقيقتها اللاشعورية من الروح التي من الممكن أن يعتبر معنى النفس المرتبطة بالشعور وليس معنى الروح المحلقة التي هي أقرب الى اللاشعور الخيالي المستمد من الذاكرة.
ويثير باشلار أرجحية إرتباط " الشعور الذي يعتبره هو التزام الروح والوعي المتصّلين ببعضهما, ويكون الوعي بذلك أكثر إسترخاءا وأقل قصدية من الوعي المتصّل بظاهرية العقل, وهناك قوى تتبدى في الاشعار لا تمّر عبر دوائر المعرفة المعلقة " 5. خارج تصورات الشعرية التي يكون الوعي أكثر إرتباطا بالشعور من الإرتباط بالعقل المقفل منطقيا. العقل يتعامل مع الشعر بصرامة المنطق الشعوري بما يلغي خاصيّة الشعر أنه فعالية مستمّدة من مخيّلة اللاشعور.
تعبير باشلار عن الروح حتى وإن بدا لنا ملتبسا في معناه أنه يرادف لفظة النفس, فهي لا تحتوي الوعي الشعوري. "وأن الشعر يكون أدخل الحرية في جسد اللغة ذاتها" 6 وهو ما لا غبار عليه أن الشعر المعاصر أدخل الحرية باللغة, التي لم تغفل الفلسفة هذه الميزة حيث هي الاخرى أدخلت الحرية في الفلسفة بما ليس له حدودا. الحرية وجود فضائي متحقق لمجمل نواحي الحياة وإبداعات الانسان بالفكر والمعرفة والعلم وفي كل شيء.
الحرية خارج التداول الايديلوجي السياسي وإمتدادها الى متداخلاتها مع حقوق الانسان ومحاربة التمييز العنصري وحقوق المرأة وحرية المعتقد وحرية التعبير وغيرها, وفي كل هذه المناحي المنسحبة على الادب والثقافة, جعلت حرية الشعر إنعتاقا متمّردا على كل تقييد بما يحتويه من عواطف ومشاعر تأخذ تعبيرها اللغوي المتحرر تماما عن كل القيود.
لكن حين أدخل الشعر الحرية في جسد اللغة, جعل الحرية تشتت الوعي الجمالي في تذويتها الصورة الشعرية ضمن فضاءات إحتوائية وتموضعات لا حقيقية , وتم التعبير عن هذه الحقيقة " لا شعر دون خلق مطلق". مطلق التعبير اللغوي عامة هو الوعي القصدي الذي يحكم عبور اللغة الى ما بعد اللغة كما يرغب الشعر تحقيقه. وهذا النوع من التعبير يجعل من لاشعور الصور الشعرية ترتبط بكل فضاء مفتوح روحاني والأصح نفسي هارب من هيمنة العقل.

الهوامش والاقتباسات ماخوذة عن المصر كتاب باشلار( جماليات المكان) ترجمة غالب هلسا



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعة العقل الجدلية خرافة هيجلية
- جورج مور والنزعة المثالية في التحليلية المنطقية
- غرائبية التفلسف بين الواقع واللامنطق
- متناقضات الفلسفة الظاهراتية (الفينومينولوجيا)
- كيركجورد ونيتشة في الفلسفة الوجودية
- قطوعات فلسفية مختارة
- الماهية والموجود في الفلسفة الوجودية
- نقد قضايا فلسفية معاصرة
- قطوعات فلسفية :عرض تحليلي نقدي
- التحول اللغوي ونظرية المعنى
- شيء عن فلسفة اللغة
- كينونة الموجود في الفلسفة الوجودية
- جبرييل مارسيل الوجود الانساني بين الذات والجسم
- افكار وجودية عرض نقدي
- لماذا اصبح الايمان بالله ضرورة!؟
- المعرفة المعطى الفطري والخبرة المكتسبة
- الوعي والخيال
- الوعي بين النفس والوجود (1)
- الارادة الوعي القصدي والموضوع
- القوانين الطبيعية والانسان


المزيد.....




- أقدم غوريلا في العالم تحتفل بعيد ميلادها الـ68 عامًا.. شاهد ...
- السعودية تكشف 5 إجراءات قبل موسم الحج 2025 حفاظا على سلامة ا ...
- ترامب يتجاهل مصافحة زوجة وزير الصحة.. مشهد محرج خلال حدث ريا ...
- -تنذكر ما تنعاد-، صور من حرب لبنان الأهلية في الذكرى الـ50 ل ...
- قوة تدميرية غير مسبوقة.. واشنطن في طريقها لتطوير قنبلة ذرية ...
- الجزائر تعرب عن -احتجاجها الشديد- على حبس أحد موظفيها القنصل ...
- حماس: قصف الاحتلال مستشفى المعمداني جريمة حرب بغطاء أميركي
- الجزائر تحتج على توقيف فرنسا أحد موظفي قنصليتها
- طهران تعلن عن جولة جديدة وترامب يشيد بالمحادثات معها
- عاجل | مصادر طبية: 7 شهداء وعدد من الجرحى في قصف استهدف سيار ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - جاستوت باشلار : الابستمولوجيا وجمالية المكان