أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - في أروقة الوعي الثلاثي أو تجلّيات الكينونة بين الشك والفيض














المزيد.....

في أروقة الوعي الثلاثي أو تجلّيات الكينونة بين الشك والفيض


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 15:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الوعي الثلاثي ليس وصفا تقنيا مألوفا في الفلسفات التقليدية، لكنه حين يُستحضر كتصور فلسفي، يمكن أن يمثل جسرا بين الشعور الباطن، والوعي العقلي، والوعي الماورائي، أي بين الذات التي تعي وجودها من داخل حدود الحواس، وتلك التي تراقب ذاتها بوصفها موضوعا، وتلك التي تتجاوز هذا التثليث نحو نقطة تأمل هي أقرب إلى الروح منها إلى الذهن. الوعي الثلاثي هو إذا لحظة كينونة مكتملة، لا تستقر في طبقة واحدة من الإدراك، بل تتوزع على ثلاثة مستويات تتداخل وتتفاعل وتنتج ما يمكن تسميته بالوجود المزدوج للإنسان: وجوده في العالم، ووجوده في نفسه، ووجوده خارج الاثنين.
الوعي الأولي، أو الشعور المباشر، هو الوعي بالحواس، بالزمن المتسلسل، باللذة والألم، بالخوف والرغبة، بما يرد إلى الذات من الخارج. هذا الوعي لا يخلق عالما، بل يستهلكه. إنه وعي الغريزة المصقولة، المتطورة، لكنه لا يملك بعد القدرة على تأمل ذاته. يعيش اللحظة ولكنه لا يدرك معناها. لا يسأل، بل يتفاعل. لا يشك، بل ينجو أو يفنى.
أما النوع الثاني، فهو وعي الذات المفكرة. هنا تبدأ الكينونة بالاتساع، وتنقلب الذات إلى مرآة ترى فيها نفسها، وتحاكم أفعالها، وتصوغ عالمًا من الرموز والمعاني. في هذا الوعي تصبح اللغة أداةً للخلق لا للوصف فقط. الزمان لم يعد خطًا، بل صار دائرة، والتجربة لم تعد حدثًا بل قصة. هذا الوعي يخلق السرد، ويخترع القانون، ويؤسس للفعل الأخلاقي. غير أنه يظل أسير الثنائية، يحاكم ذاته بأدواته، ويظل في دائرة لا نهائية من الانعكاسات.
النوع الثالث من أنواع الوعي لا يتكلم، لا يُصاغ، لا يُختزل. هو الوعي الصامت، الغائب-الحاضر، الذي لا يعرف الفرق بين الذات والموضوع. لا يراقب بل يحضر. لا يصف بل يذوب. هو الوعي الذي يندمج فيه المرء مع المطلق، أو ما يتصوره بوصفه مطلقا، حيث لا فرق بين الناظر والمنظور، ولا بين القول والقائل. هذا الوعي لا يُتعلم بل يُكشف. لا يُملك بل يُلقى. وهو ليس ملك الجميع، بل هو نوع نادر، لا يحلّ إلا في النفوس التي فقدت كل تمركز حول الأنا، وتحررت من أوهام السيطرة والمعرفة.
الحدود بين هذه الأنواع من الوعي ليست صلبة، لكنها فاصلة. الإنسان قد يحيا في الوعي الأول طوال عمره، وقد ينهض إلى الثاني حين يقرأ أو يكتب أو يحب أو يخطئ، وقد يلامس الثالث في لحظات التجلي القصوى، حين تذوب الذات في المعنى، أو حين ينفجر الوجود في داخله كحقيقة لا تقبل الشرح.
والسؤال الأهم: من يمتلك هذا الوعي الثلاثي؟ لا أحد يمتلكه كما يُمتلك الشيء، بل هو الذي يمتلكك إن حضرت شروطه. هو ليس تراكما معرفيا، بل خرقٌ في النسق. لا يُورث، ولا يُدرس، ولا يُشترى. هو هبة، ولكنها لا تُعطى للغافلين. هو اختبارٌ، ولكن من ينجح فيه لا يعلم كيف نجح.
ماهيته ليست تركيبا من ثلاثة أوجه، بل توترٌ بينها. كلما حاولت الإمساك به انفلت. كلما عرّفته صار شيئا آخر. كأنه سرّ الذات الكاملة، ذات الإنسان إذا لم يكن إنسانًا فقط، بل سؤالًا حيًّا يمشي على قدمين.
الوعي الثلاثي هو صورة الإنسان حين يحاول أن يكون أكثر من ذاته، وأقل من ذاته، وفي الوقت ذاته، متجذرا في ذاته.



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطلانتس القارة المفقودة: سفرٌ في الذاكرة الغارقة للكبرياء ال ...
- التأويل الجدلي للتوحيد: قراءة فلسفية في أفق العلاقة بين الوا ...
- الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك ...
- الديستوبيا: تجليات الخراب في الوعي والمجتمع
- جدل الهوية والانتماء في الرواية العراقية بعد ٢٠& ...
- العرفان بين التجربة الروحية والفكر الفلسفي: نظرة في المفاهيم ...
- المرجعيات الفلسفية للبنيوية
- فلسفة الأصل: المادة أم الوعي
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟
- مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَ ...
- التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ ...


المزيد.....




- أقدم غوريلا في العالم تحتفل بعيد ميلادها الـ68 عامًا.. شاهد ...
- السعودية تكشف 5 إجراءات قبل موسم الحج 2025 حفاظا على سلامة ا ...
- ترامب يتجاهل مصافحة زوجة وزير الصحة.. مشهد محرج خلال حدث ريا ...
- -تنذكر ما تنعاد-، صور من حرب لبنان الأهلية في الذكرى الـ50 ل ...
- قوة تدميرية غير مسبوقة.. واشنطن في طريقها لتطوير قنبلة ذرية ...
- الجزائر تعرب عن -احتجاجها الشديد- على حبس أحد موظفيها القنصل ...
- حماس: قصف الاحتلال مستشفى المعمداني جريمة حرب بغطاء أميركي
- الجزائر تحتج على توقيف فرنسا أحد موظفي قنصليتها
- طهران تعلن عن جولة جديدة وترامب يشيد بالمحادثات معها
- عاجل | مصادر طبية: 7 شهداء وعدد من الجرحى في قصف استهدف سيار ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - في أروقة الوعي الثلاثي أو تجلّيات الكينونة بين الشك والفيض