مودة جمعة
كاتبة
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 02:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يقول فرويد في مقدمة الكتاب حين صدور النسخة الأولى من كتاب (الأنا والهو) الذي صدر عام 1954 ، أن مصطلحات التحليل النفسي لم تكن معروفة جيداً بين القراء، وأن مصطلح الأنا والهو قد يكون غامض على البعض منهم، لذلك أختار للكتاب عنواناً أخر تحت مسمى الذات والغرائز، والمقصود بالذات هو الأنا ، والغرائز الهو.
كانت الحياة النفسية للأفراد قبل ظهور مدرسة التحليل النفسي تهتم بدراسة الظواهر العقلية الشعورية، ولم يكن هنالك دراية تامة للعمليات العقلية اللاشعورية،والتي تعتبر المحرك الأساسي لسلوكيات الإنسان، سواء كانت هذه السلوكيات سليمة او شاذة، ونتج عن ذلك أن ظل عصياً معرفة وتفسير السلوك الإنساني، وبفضل جهود فرويد، إستطاع الوصول إلى حقيقة أن جزء كبير من الحياة العقلية لاشعورية، وأن هذا الجزء اللاشعوري من حياتنا ذو تأثير كبير على السلوك سواء كان قويماً، أو شاذاً. وكانت هذه النتيجة هي نقطة الإنطلاقة لقيام مدرسة التحليل النفسي، الذي يعتبر فرويد مؤسساً لها، ومن الجدير بالذكر الإشارة الى أن فكرة اللاشعور كانت موجودة من قبل، ولكنها لم تكن واضحة. إلا أن فرويد نسب إليها الدور الدينامي المهم الذي وضح أساس العمليات النفسية في الإنسان. وقد أكتشف فرويد اللاشعور وأهميته حينما كان يدرس مرض الهستيريا مع جوزيف بروير، حيث إتضح لهما أن أعراض مرض الهيستريا تنشأ عن الذكريات المكبوتة في اللاشعور، وأن الأعراض تزول حينما يتذكر الذكريات ويفصح عنها أثناء العلاج.
يحدثنا فرويد أن في الجهاز النفسي ثلاث أقسام، وهي الشعور، ماقبل الشعور واللاشعور، والشعور: يتمثل في ذلك الجزء من العمليات النفسية التي ندركها ونشعر بها، وهي لاتكون متصلة، بل يوجد فيها كثير من الثغرات والفجوات، وتفسر هذه الفجوات رجوعاً للعمليات التي تظهر في ماقبل الشعور واللاشعور. أما ماقبل الشعور فهي تلك العمليات التي تحدث في النفس جميع الأثار التي تحدثها الأفكار العادية دون أن تكون شعورية، وتحتاج لجهد لكي تصبح شعورية، أما اللاشعور هو ذلك القسم الذي يحوي الدوافع الغريزية البدائية، الجنسية، والعدوانية التي تكبت في الأرجح بسبب المجتمعات المتحضرة بسبب الدين والمعايير الإجتماعية التي ينشأ فيها الأفراد.وهذه الأقسام الثلاث للحياة النفسية تأخذ وصفين، أولهما وصفي وهو المقصود به كيفية العملية النفسية من حيث شعورنا بها أو عدم شعورنا بها، أما الوصف الأخر ( الطبوغرافي) يقصد به أقسام مختلفة أو أماكن محددة تكون مسرحاً للعمليات النفسية. وقد أطلق فرويد أسم الأنا على الشعور، والهو على اللاشعور، والأنا الأعلى هي ماقبل الشعور، وفي بداية الأمر كان يرى أن الأنا هو الذي يقوم بالكبت التي تمنع النزعات والغرائز من الظهور في الشعور، وهو الذي تصدر منه المقاومة أثناء التحليل، وهذه المقاومة كما ظهرت له لاشعورية في الغالب، إلا أنه عدّل عن هذه الأراء بعد وقت بوجود الشعور واللاشعور وماقبل الشعور، ومن الناحية الطبوغرافية أقر بأقسام جديدة للجهاز النفسي، وهي الأنا والهو والأنا الأعلى، موضحاً انه لايوجد تقابل مباشر بين الأقسام الثلاثة للجهاز النفسي وبين الكيفيات الثلاثة.
يتحدث فرويد عن الأنا واصفاً إياها بالرقيب، إذ هي التي تقوم بعملية الكبت ومنع غرائز الهو اللاشعوري من أن تنتقل إلى الشعور، وفي الأساس فإن الأنا هو ذلك الجزء من الهو الذي نما بسبب تأثيرات العالم الخارجي، وهو الذي يقوم بمهمة حفظ الذات، ويقاوم الرغبات التي تصدر من الهو، بما يتماشى مع الواقع الخارجي، وهو بذلك ( واقعي يمثل العالم الخارجي) أما الهو فهو جزء فطري في الإنسان وهو بذلك كل ماهو موروث وموجود منذ الولادة، وماهو ثابت في تركيب البدن، ويتبع مبدأ اللذة ويسعى دائماً للتخلص من الألم وتفريغ شحنته عن طريق الحصول على اللذة، وهو غير واقعي لايراعي المنطق أو الأخلاق، ويسود فيه اللاشعور. ويسعى لإشباع رغباته بأي شكل كان، وأخيراً الأنا الأعلى: الضمير، هو الذي يتكون في داخلنا منذ الطفولة، إبتداءً من رعاية ورقابة الوالدين الى المجتمع والمدرسة والمعلمين، والذين تتحول سلطتهم الخارجية الى سلطة داخلية تراقبه وتصدر اليه الأوامر، والأنا الأعلى لاعلاقة له بالواقع بل يسعى دائماً للكمال، ودائماً ما تكون الأنا في حالة وسيط لفض التصادم الدائم بين الأعلى وبين الهو، وهي بذلك تقوم بمهمة مراعاة العالم الخارجي والأنا الأعلى والهو، وفي حال سيطرت إحداهما على الأخر تنشأ الإضطرابات العصابية.وتنشأ العديد من الأمراض العصابية بسبب التصادم والصراع المستمر بين هذه القوى الثلاث مثل الوسواس القهري ، الهستيريا، الرهاب الإجتماعي، القلق، الهلع و الإكتئاب ... الخ.
ويقرّ فرويد بأن الأنا الأعلى تكون نتيجة لعقدة أوديب( الأسطورة اليونانية لأوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه من دون علمه بحقيقة إرتباطه بهما) فالطفل في مراحل نموه المبكر قد يشعر بالحب إتجاه أمه والتناقض الوجداني مابين الحب والكره حيال أبيه، ويعتقد أنه العائق مابينه وبين والدته، وفي هذه الحال يقوم الأنا بعملية الكبت، وذلك بإقامة عائق في الأنا نفسه، والإبقاء على خُلق الأب، وقد نشأت الأنا الأعلى بحسب فرويد بناء على الخبرات المستمدة من الأسطورة الطوطمية.
ويشير الى هنالك نوعين من اللاشعور إحداهما كامن، والأخر مكبوت، والكامن يسمى (قبل الشعور) هو الذي يستطيع التحول الى الشعوربمساعدة بعض الصور اللفظية، مثلاً أن تتوجه الى تناول الطعام مباشرة بمجرد أنك شاهدت على التلفاز إعلان للوجبات السريعة، وذلك يعني ان فكرة الجوع موجودة في الجزء اللاشعوري وغائبة عن الشعور المباشر، ولكن بفضل الصور اللفظية أو الروابط ( إعلان الوجبات السريعة) إستطاعت الفكرة أن تنفذ غلى الشعور، أما اللاشعور المكبوت فهو الذي لا يستطيع النفاذ إلى الشعور، والسبب في عدم ظهورها في الشعور، هو وجود قوة معينة تعمل على مقاومتها، وفي أثناء التحليل النفسي يعمل الطبيب على إزالة تلك المقاومة لتصبح الأفكار شعورية. ومن الجدير بالذكر ان كل كامن يمكن ان يصبح شعوري، ولكن لايمكن أن يصبح كل مكبوت كذلك.
في الجزء الأخير تحدث فرويد عن الغرائز قائلاً : أنه توجد نوعين من الغرائز، غرائز الحب أو الحياة ( الأيروس) وغرائز الموت أو الهدم ( ثاناتوس) ، والأيروس تحتوي الأنا والغرائز الجنسية وكل ما يتضمن حفظ الذات، والمتعة والشعور بالرضا. أما ثاناتوس فهو يحوي الغرائز العدوانية والكره والإيذاء سواء كان نفسي أو موجه ضد الغير. وأختصر القول بأن السادية ممثلة لهذه الغريزة، وترتبط كل من هاتين الغريزتين بعملية فسيولوجية خاصة بعملية البناء وعملية الهدم، وتكون هاتين الغريزتين منفصلتان عن بعضهما البعض إما كلياً أو جزئياُ، ويحدث أن تكون الغريزتان متحدتين وممتزجتين الواحدة بالأخرى ( السادية في الغريزة الجنسية مثال لإتحاد الغرائز الذي يؤدي لنتيجة مفيدة، والإنحراف الذي تصبح فيه السادية مستقلة بنفسها ) وقد توصل فرويد الى أن غريزة الموت هي أهم أسباب الأمراض العصابية الشديدة.
ويوضح أيضاً أن بعض الدوافع الى الأعمال الإجرامية سببها أن الإحساس اللاشعوري بالذنب لدى البعض يكون كبيراً جداً قبل الجريمة، وهو بذلك يكون دافعاً لها.
#مودة_جمعة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟