أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى














المزيد.....

على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 02:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
الإلحاد الوجودي هو أحد أبرز أشكال الإلحاد في الفلسفة الحديثة، وقد تبلور بوصفه موقفًا فلسفيًا معاصرًا يستند إلى نفي وجود إله، ولكنه لا يكتفي بذلك، بل يضفي على هذا النفي طابعًا وجوديًّا أخلاقيًّا، من خلال التركيز على مأزق الإنسان في عالم بلا معنى متعالٍ أو غاية كونية أو غائية أخلاقية خارجية. وقد مثّل هذا الاتجاه فلاسفة كبار مثل جان بول سارتر وألبير كامو، الذين رأوا أن الإنسان، في غياب الإله، يصبح كائنًا ملقى في هذا العالم، محكومًا بالحرية المطلقة، ومسؤولًا عن اختياراته كاملة دون وجود معيار خارجي يحدد له الخير أو الشر، أو يرسم له مسارًا محددًا للحياة.

إن الإلحاد الوجودي، من حيث هو موقف فلسفي، يربط بين الوعي بالعبث واللاجدوى وبين ضرورة خلق المعنى ذاتيًا. فكما يقول كامو في "أسطورة سيزيف"، إن الاعتراف بعبثية الوجود لا ينبغي أن يؤدي إلى الانتحار، بل إلى التمرد. وهنا تتجلى سمة مركزية في هذا التيار، وهي التمرد الأخلاقي على الفراغ الوجودي، والسعي إلى خلق القيم بشكل إرادي حر. إلا أن هذه النزعة سرعان ما تكشف عن مفارقة مركزية: فإذا كان كل معنى يُخلق ذاتيًا، فأين هو الأساس الموضوعي الذي يجعل من بعض القيم خيرًا وبعضها شرًّا؟ وهل يمكن لمجرد الإرادة الفردية أن تؤسس لنظام أخلاقي ملزم أو مستقر؟

إن النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي يذهب في اتجاهين رئيسيين: الأول، نقد إبستيمولوجي يرى أن هذا الاتجاه يتبنى افتراضات ميتافيزيقية حول العالم والذات دون تقديم مبررات كافية. فمثلاً، يرى منتقدو سارتر أن مفهوم "الحرية المطلقة" الذي يطرحه يتجاهل البنية النفسية والاجتماعية للإنسان، ويفترض استقلالًا للذات يكاد يرقى إلى منزلة إله جديد يحل محل الإله القديم، وهو ما يجعل الطرح الوجودي في حد ذاته محمّلًا بنزعة شبه دينية وإنْ بطريقة غير واعية.

أما الاتجاه الثاني في النقد فهو نقد أخلاقي وأنطولوجي، ويشير إلى أن الإلحاد الوجودي، رغم نفيه لوجود إله، يحتفظ ببقايا المفاهيم الدينية، مثل "المسؤولية" و"الحرية" و"الكرامة الإنسانية"، لكنه يعيد تأويلها بطريقة ذاتية، دون أن ينجح في تأسيسها عقلانيًّا أو أنطولوجيًّا. فالحرية في ظل غياب غاية كونية تصبح عبئًا ثقيلًا، كما أشار فيلسوف الأخلاق ألسدير ماكنتاير، الذي رأى أن الحداثة الأخلاقية سقطت في مأزق لأنها حافظت على مفردات أخلاقية دينية بعد أن تخلت عن خلفيتها اللاهوتية. وهذا بالضبط ما ينطبق على الإلحاد الوجودي، الذي يسعى للحفاظ على المعنى في عالم لا مكان فيه للمعنى المطلق.

ثمّة نقد آخر عميق يتعلّق بمفهوم "العبث"، إذ يرى النقاد أن القول بعبثية الوجود ليس نتيجة حتمية لغياب الإله، بل هو استنتاج يُبنى على رؤية مادية ضيقة للكون والوجود الإنساني. فالكثير من الفلاسفة الدينيين والروحيين يرون أن الإنسان قادر على أن يجد معنى في الحياة حتى في ظل الألم والمعاناة، لأن المعنى ليس معطى خارجيًا دائمًا، بل قد يكون كشفًا داخليًا للذات المتجاوزة. في هذا السياق، يُستدعى فكر فيكتور فرانكل، الذي رغم تجربته في معسكرات الاعتقال النازية، أكد على إمكانية إيجاد معنى للحياة حتى في أقسى الظروف، وهو ما يتناقض مع نبرة العبث الوجودي التي تهيمن على الإلحاد الوجودي.

في المحصلة، فإن الإلحاد الوجودي يمثل صرخة فلسفية نابعة من تجربة الحداثة الأوروبية مع العدم، والقطيعة مع الميتافيزيقا الكلاسيكية، ولكنه مع ذلك، يحمل في طياته بذور التناقض، إذ يُسائل المعنى من موقع فقدانه، ويدعو إلى الحرية من منطلق غياب المعيار، ويحث على المسؤولية رغم نفي وجود مصدرها الغائي. وهذا ما يجعل النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ليس فقط ضرورة تأملية، بل مدخلًا لتجديد النقاش حول العلاقة بين الإنسان، والقيمة، والوجود، والإله.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمن الأوروبي في مفترق طرق: تحديات التحول الاستراتيجي في ظل ...
- الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والف ...
- الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصر ...
- نظرية الحق بين الفلسفة والقانون: نحو أفق رقمي جديد لحقوق الإ ...
- مشروع محمد عابد الجابري: قراءة نقدية في تفكيك التراث وبناء ا ...
- حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة
- الوعي المقيد والوعي الحر: قراءة في أنماط التصديق الدوغمائي و ...
- فاطمة الفهرية: سيدة العلم التي شيدت أول جامعة في التاريخ
- جدلية السلطة والفكر: قراءة موسوعية في تطور الأفكار السياسية ...
- المنطق الرياضي: حجر الأساس للعقلانية والاستدلال في عصر الذكا ...
- مارتن لوثر وثورة الفكر: التداعيات الفلسفية للإصلاح الديني عل ...
- الفلسفات المادية الأوروبية: أزمات جوهرية وتحديات مستقبلية في ...
- ما بعد العلمانية: تحولات المفهوم ومآلاته الفلسفية
- جون لوك: ثورة فكرية غيرت مسار الفلسفة والسياسة
- العدم الرقمي: الإنسان في متاهة ما بعد المعنى


المزيد.....




- أقدم غوريلا في العالم تحتفل بعيد ميلادها الـ68 عامًا.. شاهد ...
- السعودية تكشف 5 إجراءات قبل موسم الحج 2025 حفاظا على سلامة ا ...
- ترامب يتجاهل مصافحة زوجة وزير الصحة.. مشهد محرج خلال حدث ريا ...
- -تنذكر ما تنعاد-، صور من حرب لبنان الأهلية في الذكرى الـ50 ل ...
- قوة تدميرية غير مسبوقة.. واشنطن في طريقها لتطوير قنبلة ذرية ...
- الجزائر تعرب عن -احتجاجها الشديد- على حبس أحد موظفيها القنصل ...
- حماس: قصف الاحتلال مستشفى المعمداني جريمة حرب بغطاء أميركي
- الجزائر تحتج على توقيف فرنسا أحد موظفي قنصليتها
- طهران تعلن عن جولة جديدة وترامب يشيد بالمحادثات معها
- عاجل | مصادر طبية: 7 شهداء وعدد من الجرحى في قصف استهدف سيار ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى