بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 23:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ربيع عام ١٩٤٨، وبينما كانت فلسطين تتشح بسواد النكبة، وقعت واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية كعادتها بحق القرى الآمنة.
إنها مجزرة بيت دراس. تلك القرية الوادعة الواقعة شمال شرق غزة،والتي تحولت من أرض للخير والزرع إلى ميدان للدم والنار، في مشهد لا تزال الذاكرة الفلسطينية ترفض طيّ صفحته رغم مرور عقود.
كانت بيت دراس قرية فلسطينية غنية بأرضها وسكانها الذين اعتمدوا على الزراعة وتربية المواشي. واهتموا بالتعليم فبنوا المدارس والمساجد. وغرسوا في أبنائهم حب الأرض والتجذر فيها، إلا أن هذا النسيج الاجتماعي لم ينجُ من آلة التطهير العرقي التي دشّنها المشروع الصهيوني.
ففي ٢١/مايو/١٩٤٨، شنت عصابات "الهاجاناه" هجوما دمويا على القرية ضمن ما عُرف بـ "عملية باراك" التي هدفت للسيطرة على جنوب فلسطين وطرد سكانه الفلسطينيين قسرا.
وبدأ الهجوم بقصف مكثف باستخدام قذائف الهاون والمدفعية، تلته عمليات اقتحام عنيفة، ومواجهات شرسة مع رجال القرية الذين دافعوا بما استطاعوا من سلاح محدود كان لديهم.
وبعد ساعات من القتال، اخترقت العصابات الصهيونية دفاعات البلدة، وبدأت بتنفيذ مجزرة همجية ارتقى على إثرها أكثر من ٢٦٠ شهيدا، بينهم نساء وأطفال وشيوخ. ولم تُستثنَ المساجد ولا البيوت، بل تم إطلاق النار على من احتموا داخلها، في مشهد جسد فاشية العدو الممنهجة ضد المدنيين.
ولم تكن المجزرة نهاية القصة، بل بدايتها. فقد هجّر من نجا من السكان نحو الجنوب، حيث استقروا في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، وأُقيمت لاحقا مستوطنات يهودية على أنقاض القرية، مثل مستوطنة "أور يهودا"، في محاولة لطمس التاريخ والجغرافيا معا.
إلا أن الرواية لم تُمحَ.فقد ظل اسم بيت دراس حاضرا في الذاكرة الجماعية الفلسطينية، تتناقله الألسن، وتحفظه الأمهات في حكايات النزوح والحنين.
مجزرة بيت دراس لم تكن حدثا معزولا، بل جزءا من سلسلة طويلة من المجازر التي رافقت نكبة فلسطين، وهدفت إلى تطهير الأرض من سكانها الأصليين. ومع أن آلة النسيان تحاول جاهدة أن تطغى، فإن وجع المجازر يبقى أقوى، وشهادة التاريخ أبلغ. بيت دراس اليوم، وإن غابت ملامحها الجغرافية، إلا أنها حاضرة كرمز للمأساة والصمود، ولن تسقط من الذاكرة ما دام هناك شعب يطالب بحقه في العودة.
كانت وستنتفض يوما من جديد.......
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟