أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - ماذا تبقى من القومية العربية؟















المزيد.....

ماذا تبقى من القومية العربية؟


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 20:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في: ماذا تبقى من القومية العربية؟ لسامي عواد:
ما الذي يتبقّى من فكرة حين يتكفّنها الزمن؟ .. وهل يمكن لحلمٍ وُلد من رحم الخيال السياسي أن يصمد في وجه التاريخ حين يشتدّ عليه السرد؟
ليست القومية العربية روايةً واحدة تُروى، بل طيفًا من الظلال المتنازعة، تسكنها التناقضات أكثر مما يوحّدها الحنين.
لقد عاشت العروبة في خطابات الشعراء، وفي بيانات الثوار، وفي شعارات الزعماء... لكنها لم تستقرّ يومًا في جسد دولة، ولا في وعي أمّة موحّدة.
فمن العروبة العثمانية التي رأت في الانتماء وسيلةً للإصلاح، إلى العروبة الهاشمية التي حاولت أن ترتدي عباءة الدولة، مرورًا بعروبة ما بين الحربين التي تشكّلت في صالات الصحف وتحت أروقة الجمعيات، وصولًا إلى العروبة الناصرية التي بلغت ذروتها ثم كالشهاب مالبثت أن إنكسرت، ومنذ ذلك الحين، ظلّ المشروع يبحث عن اسمه، عن كيانه، عن نقطة التقاء بين الخيال والممكن، إذ لم تكن المشكلة في الحلم ذاته، بل في تعدّد من حلموا به واختلاف تصوّراتهم عنه: فمن أراده إمبراطورية عربية، إلى من تخيّله وحدة ثقافية، إلى من صيّره ذريعة لشرعنة السلطة.
وهكذا، اصطدمت العروبة بجدران الجغرافيا، وتحطّمت على صخور الواقع الاجتماعي، وتاهت بين أنظمة تستثمرها، وشعوب تتغنّى بها ولا تراها، لكن حتى الصورة، حتى الحلم المنكسر، لا يزال يقاوم النسيان... لا لأنّه مشروع قابل للبعث، بل لأنه صار جزءًا من الوجدان، من تلك المنطقة الرمادية بين الوعي واللاوعي السياسي، التي تنتمي إلى الذاكرة أكثر مما تنتمي إلى المستقبل.
فمنذ أكثر من قرن، تشكلت في المجال العربي سردية قومية تدّعي لنفسها وحدة الأصل، وتسلسلًا تاريخيًا يبدو منطقيًا، لكنّ التدقيق فيها يكشف عن بنية معقدة ومتناقضة، تتجاوز كثيرًا هذا السياق الخطّي المبسّط، وهذا التصور لسامي عواد في قراءتي له، ليس دعوة لنسف الفكرة القومية، بل محاولة لتفكيك الرواية السائدة، وإعادة تركيبها وفق منطق تاريخي أكثر تحررًا من الإيديولوجيا، وأكثر انفتاحًا على التعدد الذي عرفته الهوية العربية.
العروبة في ظل الدولة العثمانية:
تطلع للمواطنة لا للانفصال:
في القرن التاسع عشر، لم تكن العروبة نقيضًا للعثمانية، بل وُلدت من رحمها. طبقات الأعيان المدينية التي نشأت في مدن كدمشق وحلب وبيروت، كانت تطمح لأن تتحول من طبقة تجار إلى نخبة سياسية تمارس الحكم، لا بالضرورة عبر الانفصال، بل من خلال الاندماج في هوية عثمانية أكثر حداثة وشمولًا. لذلك كانت العروبة آنذاك إطارًا لإصلاح الدولة، لا لهدمها.
الكواكبي وأشباهه: الأصوات الجانبية لا المركزية:
رغم بروز أصوات مثل عبد الرحمن الكواكبي، نجيب عازوري، ورزق الله حسون، الداعية للاستقلال، فإنها بقيت هامشية التأثير، ومرتبطة غالبًا بمراكز قوى خارجية، لا سيما القاهرة. ومع ذلك، أعادت السردية القومية العربية اللاحقة استدعاء هؤلاء، وتوظيفهم كـ"أسلاف" رمزيين لخدمة خطها السياسي.
العروبة الهاشمية: مشروع قصير العمر لدولة عربية:
مع الثورة العربية الكبرى وتحالف الشريف حسين مع الحلفاء، انتقلت العروبة من كونها هوية ثقافية إلى مشروع سياسي. العروبة الهاشمية حاولت تأسيس دولة عربية في سوريا بقيادة الملك فيصل، لكن اصطدمت بحقائق الداخل السوري المتشظي، وبالاستعمار الفرنسي الطامع، فانهارت في ميسلون عام 1920، مخلفة وراءها ذاكرة مجيدة لكنها غير مكتملة.
ثلاثينيات القرن العشرين: المذياع واللغة يصنعان أمة:
في فترة ما بين الحربين، بدأت العروبة تتخذ ملامح جديدة، تقوم على اللغة والاتصال الجماهيري عبر الصحافة والمذياع. مثّل ساطع الحُصري، زكي الأرسوزي، وقسطنطين زريق نماذج لهذه العروبة الجديدة، التي تخاطب جمهورًا أوسع، وتستبطن مشاعر التحرر ومواجهة الاستعمار. لكنها، في كثير من تجلياتها، لم تخلُ من تماهي مع الفاشية الأوروبية في البنية والتنظيم والخطاب.
الناصرية: التجربة الأكبر... والانهيار الأوضح:
جاء عبد الناصر ليُجسد طموح القومية العربية في أوضح صورها. من خلال الجمهورية العربية المتحدة، والسياسات الراديكالية، بدا أن الحلم القومي يوشك أن يتحقق. لكن الهزائم في اليمن وسوريا، ثم كارثة 1967، كشفت هشاشة البناء الذي أقيم على عواطف الجماهير، لا على مؤسسات راسخة أو مشروع سياسي متين.
ما الذي تبقى من القومية العربية؟
بقي منها الشعور الثقافي العام بالانتماء، وليس أكثر. مشاريع الوحدة تبعثرت، والخطاب القومي استُهلك، وتحوّلت العروبة إلى لافتة رمزية، تُرفع عند الأزمات أو في مواجهة الهيمنة الخارجية. أما كأيديولوجيا سياسية قابلة للتطبيق، فقد عجزت عن الصمود أمام وقائع التعدد الجغرافي، والانقسامات الاجتماعية، وتحولات السلطة.
ومما سبق يمكننا القول أن التاريخ العربي الحديث ليس سردية واحدة، بل فسيفساء من المشروعات المتنافسة، والانكسارات المتكررة، والأوهام الكبيرة. والعروبة – على اتساعها – لا يمكن اختزالها في خط واحد أو زعيم أو مرحلة، فما تبقى منها ليس مشروعًا سياسيًا جامعًا، بل إحساس غامض بالمصير المشترك ... وربما يكون هذا الإحساس، في زمن التفكك، أثمن ما تبقي.
وفي النهاية لايسعنا إلا الحقيقة أو - ربما - ظل من الحقيقة وهو أنه ليس من الإنصاف أن ندفن العروبة، كما ليس من الحكمة أن نبعثها على صورتها القديمة، فما سُمّي قومية عربية لم يكن يومًا كيانًا تامّ البناء، بل كان حركة روح، تائهة بين أطلال الخلافة، وأوهام الدولة الحديثة، وعذابات الاستعمار، وفتن ما بعده.
حلمٌ وُلد في قلب صحراء تبحث عن ماء، ثم ضاع بين السيوف والميكروفونات، بين المنفى والمنبر، بين الشعار والسلطة.
ولعلّ في فشل المشروع القومي، حكمة لم نفهمها بعد.
فلربما لم تكن العروبة غايةً في ذاتها، بل سبيلاً إلى كشف هشاشتنا أمام فكرة الأمة، وفضيحةً لعجزنا عن صياغة عقد وجوديّ حقيقيّ يجمعنا لا على الهوية، بل على المصير.
وربما، كل سقوط هو نداءٌ للعودة، لكن العودة هنا، لا تكون إلى الماضي، بل إلى الجذر: إلى اللغة كأفقٍ للتفكير، إلى الثقافة كجسرٍ للقاء، إلى الحرية كأرضٍ للانتماء، هكذا فقط، قد تصير العروبة – لا شعارًا سياسيًا، ولا دولةً فاشلة – بل حالة من الكشف؛ وأن ترى نفسك في مرآة الآخر، وتكتشف في شتات الجغرافيا، وحدة الروح.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق
- العشق ورحلة الفناء في الحقيقة
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره
- سيلفيا بلاث: حكاية اسطورة الشعر التي احترقت في فرن التنمر ال ...


المزيد.....




- اللحظات الأولى بعد انفجار غامض خارج مكاتب شركة القطارات اليو ...
- عشرات القتلى والجرحى في هجوم روسي على مدينة سومي بشمال شرق أ ...
- الداخلية البحرينية تكشف تفاصيل سرقة ساعة ومحاولة المشتبه به ...
- قصف -إسرائيلي- على مستشفى المعمداني بغزة وإسرائيل تحقق في ال ...
- حجاج إسبان يصلون إلى سوريا في طريقهم إلى السعودية على ظهور ا ...
- إسرائيل تكثف قصف مناطق غزة ومرافقها الصحية
- طهران: المفاوضات مع الجانب الأمريكي تشمل فقط الملف النووي ور ...
- حرب لبنان: هل فعلا انتهت؟
- إسرائيل تقصف مستشفى المعمداني في غزة وتدمر قسم الطوارئ والاس ...
- مقال بوول ستريت جورنال: أيريد ترامب أن يُعزل مجددا؟


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - ماذا تبقى من القومية العربية؟