الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 12:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خطاب ليبرالي وممارسات حِمائية
عندما تَوَلَّى دونالد ترامب منصبه كان الإقتصاد الأمريكي يُوفِّرُ وظائف – رغم الهشاشة والطابع المُؤقّت لتلك الوظائف – وكان الإقتصاد ينمو ( وليس في حالة ركود ) والتضخم يقترب من مُستوياته المُعتادة، ولكن سرعان ما أعلن دونالد ترامب فَرْضَ الرّسوم الجمركية أو ضرائب الاستيراد على جميع الشركاء التجاريين، بذريعة تقليص العجز التجاري – وبالمناسبة ضَخَّم ترامب قيمة العجز مع العديد من البلدان وأعلن إن الفائض التجاري لكندا مع الولايات المتحدة 200 مليار دولارا، وهو لا يتجاوز في الواقع ستين مليار دولارا سنويا – وتجاهل دونالد ترامب إن المُستهلكين الأمريكيين سوف يُسدّدون هذه الزيادات، وهي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، وقد يتجاوز حجمها تريليون دولار سنويًا، أو ما يعادل سبعة آلاف دولارا للأسْرَة الواحدة سنويا، وتُؤَثِّرُ هذه الزيادة خصوصًا على الأُسَر الفقيرة ومتوسّطة الدّخل، وكان دونالد ترامب قد أعلن (خطاب حديقة الورود) "الولايات المتحدة شهدت أعظم فترات ازدهارها خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر " أي لمّا كان العُمّال يعملون بدون راحة أسبوعية (سبعة أيام في الأسبوع)، وكان عمل الأطفال – بسبب الفَقْر – مُنتشرًا، وكانت النقابات محظورة إلى حد كبير، وكان متوسط العمر المتوقع يَقِل عن خمسين عاما، كما ادّعى دونالد ترامب إن ضريبة الدّخل كانت سبب "الكساد الكبير" الذي تلا الأزمة المالية الكبرى سنة 1929، وتجاهل دونالد ترامب فترات الإزدهار الرأسمالي الأمريكي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ( من 1945 إلى 1973) وتدخّل الدّولة لإعادة توزيع الثروة ضمن السياسات الليبرالية الكينزية...
من جهة أخرى كان الإقتصاد الأمريكي، طيلة تاريخه خلال الحقبة الرأسمالية، من أكثر اقتصادات العالم حمايةً، وسببت الرسوم الجمركية نموًا أعلى من خلال تعزيز معدل الادخار الوطني، طوال القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.
يتجاهل دونالد ترامب التّقسيم الدّولي للعمل، في إطار العلاقات غير المتكافئة بين دول المركز الرأسمالي ( الدّول الإمبريالية) وبلدان المُحيط الواقعة تحت الهيمنة، وأدى هذا التقسيم إلى تصدير الصناعات المُلَوِّثة والتي تتطلب عمالة كثيفة وقليلة التّأهيل نحو البلدان الفقيرة وخصوصًا إلى آسيا، وأدى تطبيق الرّأسمالية في الصين إلى انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية واستقبال الإستثمارات الأجنبية وأصبحت الصين مصنع العالم وجَنّة الشركات الصناعية الأمريكية ( وغير الأمريكية) التي تصنع في الصين وتُرسل إنتاجها إلى الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، وأدّى التوسع السريع في التجارة الأمريكية مع الصين وغيرها من دول الأطْراف بنهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين إلى انتقال العديد من قطاعات التصنيع إلى آسيا – والصّين بشكل خاص – وفقدان الوظائف في قطاعات المنسوجات والملابس والأحذية والكيمياء وصيانة السفن والسيارات وتدمير نقابات قطاع التصنيع في الولايات المتحدة وأوروبا...
أدّى الإعلان عن خطة دونالد ترامب وبداية تطبيق التعريفات الجمركية في التجارة الدولية إلى تخلّص أثرياء وحكومات وشركات شرق آسيا من الأسهم والسندات الأمريكية، مما أدّى – بين من الرابع والسابع من نيسان/ابريل 2025 – إلى انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 17% وهناك علاقة سَبَبِيّة بين الحَدَثَيْن، ولا يمكن تَجَاهُل الترابط المُعقد للاقتصاد العالمي ولآليات التجارة الدولية، حيث تستورد الولايات المتحدة سلعًا بقيمة 3,3 تريليون دولارا سنويا، وتستورد الصناعات الأمريكية العديد من المكونات لتجميع المنتجات النهائية التي يُعاد تصدير جزء منها، ويعمل عشرات أو مئات الآلاف من العُمال الأمريكيين في الصناعات والزراعة التي تعتمد على التصدير، وقد تتعرض هذه الصناعات والقوى العاملة بها إلى الإضطراب والرّكود، في حال فرضت الحكومات الأجنبية – من الحُلفاء كالإتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية وكندا واليابان وأستراليا... أو من الخُصُوم كروسيا والصين... - رسومًا جمركية مُضادة على الصادرات الأمريكية من المنتجات الزراعية والسلع الفاخرة والسيارات والتكنولوجيا والطيران وما إلى ذلك، وسوف يتأثر المستهلكون الأمريكيون بتداعيات هذه الرسوم الجمركية على جميع القطاعات من خلال ارتفاع أسعار الإلكترونيات والملابس والسيارات والمنتجات الغذائية وغيرها، وقد تضطرّ قطاعات الصناعة وتجارة التّجزئة والزراعة – التي تعتمد على التصدير مثل فول الصويا والذّرّة - إلى خفض وارداتها وهي خطوة قد تؤدِي إلى فقدان الوظائف، وأظهرت التجارب إن سياسات التجارة الحمائية تُسفِرُ عن عواقب غير مقصودة، مثلما حصل مع قانون سموت - هاولي للرسوم الجمركية للعام 1930 ( خلال فترة الكساد الكبير) وأدى إلى انكماش حاد في التجارة العالمية وتفاقم الأزمة الاقتصادية، أما اليوم فإن الاقتصاد العالمي أكْثَر ترابطًا، ومن المُستبْعَد أن تقتصر عواقب الحماية على بلد واحد وأن يتأثر جانب واحد بالتداعيات الاقتصادية والجيوسياسية، وقد تُنفِّرُ الولايات المتّحدة – بفعل عدم احترام الإتفاقيات والمواثيق الدّوْلِية - بعض حُلفائها، مما قد يؤسّس لتحالفات بديلة قد تُؤَدِّي إلى تغْيِير ميزان القوى العالمي...
مكانة الدّولار في منظومة الهيمنة الأمريكية
فرضت الولايات المتحدة الدّولار وجعلت منه العملة الإحتياطية الدّولية، وهدّد دونالد ترامب الدّول الأعضاء في مجموعة بريكس إن هي تَخَلّت عن الدّولار في معاملاتها التجارية وتحويلاتها المالية، غير إن هيمنة الدّولار ( على التجارة والتحويلات المالية واحتياطي المصارف المركزية...) تقتضي أن تُزَوِّدَ الولايات المتحدة جميع دول العالم بالدّولارات من خلال توريد منتجات تلك الدّول وسداد ثمنها بالدّولار، وتؤدّي هذه العملية ( تزويد الدّول بالدولارات مقابل شراء سلعها) إلى ارتفاع واردات الولايات المتحدة ( باستخدام عملتها المحلية التي تُشكل الإحتياطي النّقدي العالمي) وانخفاض صادراتها ويُؤدّي ذلك إلى مكاسب جيوسياسية هامة، وكذلك إلى انخفاض نشاط الصناعات الأمريكية وإلى ارتفاع العجز التجاري الأمريكي، وقد تعمد الولايات المتحدة إلى تخفيض قيمة عملتها ( الدّولار) لدعم صادراتها وإعادة تنشيط القطاع الصناعي الأمريكي، غير إن الحفاظ على وضع الدولار كاحتياطي عالمي يتطلّب إغراق العالم بالدّولارات من خلال إدارة عجز تجاري هائل عبْر تدفق الدولار الأمريكي إلى الخارج مقابل سلع يحتاجها السّوق في الولايات المتحدة...
قد تكون التعريفات الجمركية أداةً للتفاوض مع الشركاء التجاريين وطريقة لاجتذاب الإستثمارات إلى الولايات المتحدة التي انهارت بنيتها التحتية الصناعية على مدى العقود الماضية، فقد فَقَدَ قطاع الصناعة نحو خمسة ملايين وظيفة خلال العقدَيْن الأولَيْن من القرن الواحد والعشرين، بينما زاد عدد سكان الولايات المتحدة بنحو ستين مليون نسمة، وأنتجت الولايات المتحدة سنة 1973 نحو 111,4 مليون طنًّا من الصلب، وكان القطاع يُوظف 650 ألف عامل ومهندس وفَنِّي وانخفض الإنتاج إلى أقل من ثمانين طن وانخفض عدد العاملين بالقطاع إلى 142 ألف عامل بعد خمسة عُقُود.
الفجوة بين الإيرادات والإنفاق
تحتاج الحكومة الإتحادية إلى عائدات ضريبية ضخمة لتمويل الإنفاق الحكومي الضّخم، ووجب تعويض انخفاض إيرادات الضرائب – بسبب التخفيضات والحوافز الضريبية التي تمنحها الحكومة للشركات الكُبرى والأثرياء – بإيرادات أخرى، ومن ضمنها التعريفات الجمركية، لتمويل النفقات المرتفعة للحكومة الإتحادية التي قَلّصت ميزانيات الخدمات العمومية والوكالات الحكومية وخفضت عدد الموظفين، لكنها رفعت حجم النفقات الحربية، إذ تبلغ ميزانية وزارة الحرب قرابة تريليون دولارا، وتعمل الولايات المتحدة على تمويل صناعتها الحربية من قِبَل الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ومعظمها دول أوروبية لم يَسْتَثْنِ دونالد ترامب صادراتها إلى الولايات المتحدة من الرّسُوم الجمركية الإضافية...
تأثير الحرب التجارية على أسواق الأسهم
انخفضت قيمة الأسواق العالمية وانخفض سعر الذهب وتراجَعَ سعر الدولار، غداة تطبيق الرسوم الجمركية، بنهاية الأسبوع الأول من شهر نيسان/ابريل 2025، وتراجعت أسعار النفط من 75 إلى 66 دولارا لبرميل خام برنت وكذلك النحاس، وتراجعت أسهم المصارف في العديد من البلدان، كما ارتفع مؤشر التقلبات (فيكس)، ورفع محللو المصارف تقديراتهم لاحتمال حدوث ركود عالمي هذا العام ( 2025)، وفق موقع صحيفة إيكونوميست ( 07 نيسان/ابريل 2025) التي أعلنت إن الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب جعلت المستثمرين يتوقعون تباطؤا اقتصاديا حادا، وانخفض مؤشر راسل 3000، أحد أوسع مؤشرات سوق الأسهم الأميركية، بنسبة 5% بعد يوم من قرار ترامب ثم انخفض بنسبة 6% عندما أعلنت الصين أنها سترد بفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على جميع السلع الأميركية، وانخفضت أسهم شركات السلع الاستهلاكية الأساسية والمرافق و شركات الطيران وشركات صناعة السيارات وغيرها سواء في أمريكا الشمالية أو في أوروبا واليابان أو ما سُمِّيت "الأسواق الناشئة".
تداعيات مُدمّرة
أثار ردّ الصين على الرّسوم الجمركية الأمريكية وانهيار أسواق الأسهم العالمية، خصوصًا في آسيا وأوروبا، يوم الإثنين 07 نيسان/ابريل 2025، حيث انهارت البورصات الآسيوية ( بفعل توقيت افتتاحها قبل غيرها ) وتراجعت الأسهم وسندات الشركات الصينية، وانخفض العائد على سندات الخزانة إلى أقل مستوياته على الإطلاق، وتراجع مؤشر "شنغهاي المجمع 300" للأسهم الصينية بنسبة 7,6% وهو أكبر تراجع يومي منذ 5 سنوات، في حين سجل مؤشر هانغ سينغ الرئيسي في بورصة هونغ كونغ ومؤشر الأسهم الصينية المسجلة في البورصة أكبر تراجع لهما منذ الأزمة المالية العالمية التي تفجرت خريف 2008، وفي اليابان، تراجع مؤشر نيكي الياباني إلى أدنى مستوى له خلال حوالي 18 شهرًا، بنحو 8,8% ثم 7,8% عند الإغلاق، وانخفض مؤشر المصارف بنسبة فاقت 17% خلال الجلسة...
هل يُعيد التاريخ نفسه؟
في أوروبا، فتحت البورصات الأوروبية يوم الاثنين 07 نيسان/ابريل 2025، على انهيار على غرار البورصات الآسيوية، وسجلت بورصة فرانكفورت تراجعا بنسبة 7,86% بعدما تراجعت بأكثر من 10% لوقت وجيز، في حين خسرت بورصة باريس 6,19%، وبورصة لندن 5,83%، وبورصة ميلانو 2,32%، والبورصة السويسرية 6,82%، والبلجيكية 5% وعبر بعض المُستثمرين والمُضاربين عن تخوفاتهم من حدوث أزمة مالية جديدة مثل التي حصلت خلال القرن العشرين أو الواحد والعشرين، وفق وكالة الصحافة الفرنسية و وكالة رويترز بتاريخ 07 نيسان/ابريل 2025، وهذه أهم الأزمات
انهيار بورصة "وول ستريت" بنيويورك 1929
اشتهرت الأزمة ب"الخميس الأسْوَد" الموافق ليوم الرابع والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 1929، بعد الإنهيار المفاجئ لهذه السوق الصّاعدة، وأدّى الإنهيار إلى خسارة مؤشر داو جونز أكثر من 22% من قيمته بين افتتاح وإغلاق حصة البورصة، واستمرت الخسائر لتُسجل يومَيْ 28 و 29 تشرين الأول/اكتوبر 1929 خسائر فادحة في أزمة مثّلت بداية "الكساد الكبير" في الولايات المتحدة وأزمة اقتصادية عالمية استمرّت عدّة سنوات، وأفضت إلى تدخّل الحكومة الأمريكية وإلى تطبيق مقترحات جون مينارد كينز بريادة الإنفاق الحكومي للخروج من الأزمة، وفي ألمانيا اغتنم اليمين المتطرف الأزمة والظّروف الدّاخلية لألمانيا المهزومة خلال الحرب العالمية الأولى، ليفوز النّازيّون بالإنتخابات سنة 1933...
أزمة 1987 أو الاثنين الأسود
انهارت بورصة وول ستريت يوم 19 تشرين الأول/اكتوبر 1987 على خلفية عجز كبير في الميزان التجاري الأميركي وفي الميزانية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وخسر مؤشر داو جونز 22,6% مما أثار حالة من الذعر في الأسواق العالمية.
أزمة سنة 2000 أو انفجار فقاعة التكنولوجيا
ضخّ المُضاربون الجَشِعُون ( المُغامرون ) مبالغ كبيرة في شركات لا تزال في بداياتها، في بداية القرن الواحد والعشرين، مما أدّى إلى حدوث ما يُسمّى "فُقّاعة" ( أي صحّة ظاهرية وعِلَل كثيرة مَخْفِيّة) وإلى انكماش ما سُمِّيَ "فقاعة التكنولوجيا" سنة 2000 ، حيث انخفض مؤشر ناسداك الأميركي لشركات التكنولوجيا بنسبة 39,3% بين بداية العام 2000 و يوم العاشر من آذار/مارس 2000، مما أدّى إلى إفلاس العديد من شركات الإنترنت الناشئة.
أزمة "الرُّهُون العقارية" سنة 2008
تساهلت المصارف الأمريكية في منْح قُرُوض عقارية وُصِفَتْ "مُرتفعة المخاطر" نظرًا لهشاشة وعدم استقرار الوضع المالي للأشخاص الذين حصلوا على هذه القُروض، وتم بَيْعها كاستثمارات، مما تسبب سنة 2008، في حدوث "طَفْرَة عقارية" وانهيار أسعار العقارات، لما عجز المقترضون عن سداد قروضهم العقارية وخسر الملايين منازلهم وانهارت البورصات وتجسّدَ انهيار المنظومة المصرفية بإفلاس مصرف ليمان براذرز الاستثماري، وأدّى ذلك إلى انخفاض أسواق الأسهم الرئيسية الدّولية بنسبة تراواحت بين 30% و 50% بين كانون الثاني/يناير و تشرين الأول/اكتوبر 2008، وعالجت الحكومة الأمريكية ( وتبعتها حكومات الدّول الغنية الأخرى) بضخ مبالغ ضخمة من المال العام في خزائن المصارف والشركات الكبرى بدون فائدة، لإنقاذ الإقتصاد الرأسمالي، أو لإنقاذ الثروات الخاصة بواسطة المال العام.
الأزمة النابعة من وباء كورونا سنة 2020
بدأ فيروس كورونا ينتشر بنهاية سنة 2019، و سنة 2020 قررت مجمل حكومات دول العالم إغلاق الحدود وحظر التجوال وتوقف النشاط الإقتصادي والتجاري، خلال شهر آذار/مارس 2020، بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية فيروس "كوفيد 19 " كجائحة ( يوم 11 آذار/مارس 2020)، فخلَت شوارع معظم بلدان العالم من المارة والمؤسسات من العاملين، باستثناء بعض القطاعات "الحَيَوِيّة" كالصحة والغذاء، وأدّى هذا الإغلاق إلى انهيار أسواق الأسهم العالمية يوم 12 آذار/مارس 2020، غداة الإعلان، وانخفضت بورصة باريس بنسبة 12% وبورصة مدريد بنسبة 14% وميلانو بنسبة 17%، كما انخفضت بورصة لندن بنسبة 11%، ونيويورك بنسبة 10%، في أسْوإ تراجع منذ سنة 1987، ولم يتوقف التراجع بل استمرّ خلال الأيام التالية، وهوت مؤشرات الأسهم الأميركية بأكثر من 12% ، وضخّت حكومات العالم المال العام في خزائن الشركات الخاصة، كما فعلت سنة 2008، فيما خسر ملايين العاملين في العالم وظائفهم وأفلست الشركات الصغيرة وصغار الفلاحين والحرفيين الذين لم يَشْمَلْهُم "الإنعاش" الحكومي...
أي بديل لسياسة التّصادم المُستمرّ؟
إن الحرب الاقتصادية الأمريكية هي استراتيجية عالمية للمواجهة، تحت غطاء الدفاع عن مصالح الشعب الأمريكي، وهي تمثل استجابة إمبريالية (أي احتكارية) للصراعات المتعلقة بإعادة تقاسم العالم وإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي لصالح رأس المال الاحتكاري الأميركي حصرياً، والذي يواجه صعوبة في ضمان الربحية العالية لاستثماراته، فيما تعمل الدولة الفيدرالية الأميركية على حشد أجهزتها الإعلامية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية والقضائية للدفاع عن مصالح الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات التي فقدت قدرتها التنافسية.
إن زيادات التعريفات الجمركية لن تفيد العمال أو الطبقات الدنيا في الولايات المتحدة كما يدّعي الرئيس الأمريكي، لأن هذه الزيادات تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة انعدام الأمن الوظيفي، وبالتالي فإن هذه الإجراءات لا تخدم سوى رأس المال الإحتكاري الأمريكي...
على المستوى الخارجي، نبعت رُدُود الفعل من منطق رأسمالي، وبالتالي فإن المقاومة الأوروبية أو الصينية لا تشكل بديلاً عن الرأسمالية التي هي أصل هذه الصراعات والأزمات، لأن هذه القوى الرأسمالية تدافع عن مصالحها، وتبقى الشعوب والطبقة العاملة والبلدان الخاضعة للهيمنة والتابعة (دول "الأطراف") هي الخاسر الأكبر، في ظل غياب بدائل تُحفّز التنمية المستقلة، وتكسر نموذج التنمية الرأسمالي، وتطبّق نموذج تنمية مستقل يُثمّن الموارد المحلية التي تُنهب حاليًا من قِبل الدول الغنية وشركاتها، عبر الاستخراج المكثف للمعادن، والقروض بشروط مجحفة، وأجور العمال المتدنية جدًا، والتهرب الضريبي من قِبل الشركات الكبرى وتهريب الثروات إلى الخارج، وانخفاض قيمة العملات، وما إلى ذلك، وهو ما تُسمّيه "مدرسة التبعية" التنمية غير المتكافئة عبر التبادلات غير المتكافئة...
يمكن أن يتمثل البديل في بعض النقاط مثل التركيز على تلبية احتياجات السكان المحليين بدلاً من اللجوء إلى الصادرات في ظل ظروف غير مواتية، والاستثمار الإقليمي المشترك في البنية التحتية بين المناطق (طرق التجارة، وإنتاج الطاقة، وما إلى ذلك)، وتأسيس المصارف الإقليمية ( مصارف التنمية بين البلدان)، وتنظيم المدفوعات بالعملات المحلية، وما إلى ذلك.
إن الحرب الاقتصادية التي أعلنها دونالد ترامب هي تعبير عن الأزمة الهيكلية للرأسمالية الإمبريالية التي فشلت في الوفاء بوعودها بالازدهار، وجعلت من التقشف والقمع أدوات مفضلة للهيمنة والحكم السياسي والاقتصادي، ولا يمكن مجابهتها بشكل منفرد بل بشكل جماعي من قبل البلدان الفقيرة سوى بإنشاء بدائل إقليمية مُشتركة في كل من إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟