|
سورية: من فتنة التريليونات إلى المقاومة الممكنة..كتيب
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 22:50
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
المقدمة: بداية الفتنة
البذور الأولى: غرفة مظلمة في واشنطن
في ليلة صيفية من أواخر السبعينيات، كان ضوء خافت ينبعث من غرفة في الطابق الثالث من مبنى البنتاغون بواشنطن. داخل تلك الغرفة، كان عدد قليل من الرجال يجلسون حول طاولة طويلة، تحيط بهم خرائط ممتدة من المغرب إلى الخليج، وتقارير استخباراتية مكتوبة بخط دقيق تحمل توقيعات أسماء لم تُكشف بعد للعامة. لم تكن هذه الجلسة عابرة، ولا قراراتها عشوائية، بل كانت نقطة انطلاق لمشروع استعماري طويل الأمد، وضع أسسه مفكرون مثل هنري كيسنجر وزبغنيو بريجنسكي، أولئك الذين رأوا في الشرق الأوسط رقعة شطرنج يجب السيطرة عليها بأي ثمن. في قلب هذه الرقعة، كانت سورية، تلك الأرض التي تقف كحاجز جغرافي وتاريخي بين إسرائيل وطموحاتها التوسعية وبين العالم العربي ووحدته المحتملة. لم يكن هؤلاء الرجال يفكرون في حرب تقليدية. كانوا يعرفون أن سورية، بجيشها القوي وتاريخها النضالي ضد الاستعمار الفرنسي، ليست كمحميات الخليج التي ركعت بسهولة أمام الدولار والوعود الأمريكية. كانوا بحاجة إلى استراتيجية أكثر تعقيدًا، سلاح لا يُطلق من مدفع، بل يُزرع في القلوب والعقول: الفتنة. هذه الفتنة، التي بدأت بذورها تتشكل في تلك الغرفة المظلمة، لم تكن مجرد نزاع داخلي عفوي، بل كانت مشروعًا صهيو-أمريكيًا مدروسًا بعناية، هدفه تفتيت سورية من الداخل، ومن ثم نهب ثرواتها وإضعاف دورها كقلعة عربية ترفض الخضوع. الخطة تتشكل: عقود من التحضير لم تكن فكرة الفتنة وليدة لحظة 2011، بل كانت نتاج عقود من التخطيط. في الستينيات، بعد هزيمة إسرائيل للجيوش العربية في 1967 واحتلالها للجولان، أدركت واشنطن وتل أبيب أن سورية لن تكون مجرد جار يمكن تجاهله. كانت دمشق مركزًا للمقاومة الفلسطينية، وملاذًا للحركات المناهضة للاستعمار، وخط الدفاع الأول ضد التوسع الصهيوني. في تلك الفترة، بدأت التقارير الأمريكية تتحدث عن "مشكلة سورية"، ليس بسبب قوتها العسكرية فقط، بل بسبب قدرتها على توحيد الصف العربي ضد المشاريع الاستعمارية. كانوا بحاجة إلى خطة تضرب هذه الوحدة في الصميم. في السبعينيات، مع صعود كيسنجر كوزير للخارجية الأمريكية، بدأت الاستراتيجية تأخذ شكلها النهائي. كان كيسنجر يؤمن أن السيطرة على الشرق الأوسط تتطلب تحويله إلى كيانات صغيرة متناحرة، يسهل التحكم بها عبر الدعم المالي والعسكري. في كتاباته اللاحقة، تحدث عن "إعادة ترتيب المنطقة" بطريقة تجعل الدول القوية مثل سورية تفقد قدرتها على المقاومة. في الوقت نفسه، كان بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد كارتر، يضع الأسس لاستخدام الدين كأداة سياسية، كما فعل في أفغانستان ضد السوفييت. هذه الأفكار لم تكن مجرد نظريات، بل كانت مخططات عملية بدأت تُنفذ في سورية منذ تلك اللحظة. محميات الخليج: الأداة المالية في هذا السياق، دخلت محميات الخليج إلى المشهد كأداة تنفيذية. في الثمانينيات، مع ارتفاع أسعار النفط وتدفق المليارات إلى خزائن الرياض والدوحة وأبوظبي والكويت، بدأت هذه الدول تتحول إلى أكثر من مجرد منتجي نفط. كانت أمريكا قد وجدت فيها شريكًا مثاليًا: أنظمة هشة تعتمد على الحماية الغربية، وتفتقر إلى الشرعية الشعبية، وبالتالي يمكن توجيهها بسهولة. بدأت الأموال تتدفق إلى جيوب شيوخ ودعاة موالين، ليس لنشر الإسلام الحقيقي، بل لصناعة خطاب ديني مسموم يخدم أجندة الاستعمار. كان هذا الخطاب، الذي يمكن تسميته "إسلام كيسنجر"، يركز على تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة، وتحويل الصراعات السياسية إلى نزاعات طائفية. في سورية، بدأت هذه الأموال تُنفق على نطاق واسع منذ الثمانينيات، عبر دعم جماعات متطرفة مثل الإخوان المسلمين، الذين حاولوا إسقاط نظام حافظ الأسد في أحداث حماة 1982. لم تكن هذه الأحداث مجرد تمرد داخلي، بل كانت تجربة أولية لما سيأتي لاحقًا. التحليل الاقتصادي يكشف أن مئات الملايين من الدولارات أُنفقت في تلك الفترة، لكنها كانت مجرد مقدمة لما حدث بعد 2010، عندما رُصدت تريليونات الدولارات لتأجيج الفتنة. هذه الأموال لم تُستخدم لبناء المدارس أو المستشفيات، بل لشراء الأسلحة، وتمويل الإعلام الموجه، وتجنيد المرتزقة، كل ذلك تحت إشراف دوائر الاستخبارات الأمريكية والصهيونية. الخطاب الطائفي: أكذوبة السنة والعلويين عندما انفجرت الأزمة السورية في 2011، كان الخطاب الطائفي قد أُعد بعناية ليكون السلاح الأكثر فتكًا. في شوارع دمشق وحلب، بدأت الأصوات تتعالى: "سورية محكومة بنظام علوي يضطهد السنة"، أو "السنة يقاومون الشيعة والعلويين". كانت هذه الرواية تُروج عبر قنوات ممولة من الخليج، وتُردد في تقارير غربية كأنها حقيقة مطلقة. لكن أي باحث يمتلك أدنى معرفة بالتركيبة الاجتماعية والاقتصادية لسورية يعرف أن هذه الأكاذيب لا تقاوم التدقيق العلمي. النظام السوري، منذ صعود حافظ الأسد في 1970، لم يكن "علويًا" بالمعنى الطائفي، بل كان تحالفًا بين جهاز أمني قاده الأسد وبين طبقة تجارية سنية من حلب ودمشق، هؤلاء الذين سيطروا على الاقتصاد السوري وسخروا النظام لحماية مصالحهم. حافظ الأسد نفسه، العلوي الذي نشأ في قرية فقيرة في جبال اللاذقية، لم يكن يحكم كزعيم طائفي، بل كسياسي براغماتي بنى تحالفات عابرة للطوائف. ابنه بشار، المتزوج من أسماء الأخرس، وهي امرأة سنية من عائلة تجارية في حمص، واصل هذا النهج. لكن التريليونات التي أُنفقت من محميات الخليج نجحت في طمس هذه الحقيقة، وزرعت في عقول الناس أوهامًا طائفية. كانت الفكرة بسيطة: إذا صدّق السوريون أن معركتهم ضد بعضهم البعض، فإنهم لن يروا العدو الحقيقي الذي يقف وراء الكواليس. الدراسة النفسية لتأثير هذه الدعاية تُظهر أن المال، عندما يُقترن بالخوف والجهل، يُمكن أن يُحول شعبًا موحدًا إلى أعداء يتقاتلون على أوهام.
التريليونات تُشعل النار: ما بعد 2010
بعد 2010، تصاعدت هذه الحملة إلى مستوى غير مسبوق. كانت الأزمة الاقتصادية العالمية قد بدأت تُضعف الاقتصادات الغربية، وأصبحت السيطرة على موارد الشرق الأوسط أكثر إلحاحًا. في هذا السياق، أُعطي الضوء الأخضر لمحميات الخليج لتضخ تريليوني دولار، حسب تقديرات اقتصادية غير رسمية، في مشروع تدمير سورية. لم تكن هذه الأموال تُنفق على السلاح فقط، بل على شبكات إعلامية مثل قنوات الجزيرة والعربية، وعلى شيوخ موالين أصدروا فتاوى تُحرض على القتال، وعلى مرتزقة جُندوا من أنحاء العالم ليُحولوا سورية إلى ساحة فوضى. في تلك السنوات، بدأت المدن السورية تتحول إلى جزر معزولة، كل منها يُدار بقواعد مختلفة تحت تأثير هذه الأموال. في حلب، كانت المصانع تُغلق والتجار يُهاجرون، بينما كانت الأموال الخليجية تُشتري الشباب للقتال. في دمشق، كانت الأسواق تُدمر، والناس يُصدقون أن السبب هو "النظام العلوي" وليس المشروع الصهيو-أمريكي الذي يقف وراء الكواليس. التحليل الاقتصادي يكشف أن هذه التريليونات لم تُغير البنية الاجتماعية لسورية، بل زادت من الفوضى التي خدمت إسرائيل وأمريكا، وأضعفت الدولة إلى درجة جعلتها عرضة للتقسيم.
المقاول التركي: حلم العثمانية الجديدة
في خضم هذه الفوضى، ظهر لاعب جديد على الساحة: المقاول التركي. كان هذا الرجل، الذي يقود أنقرة تحت إشراف الـCIA، يحلم بإعادة أمجاد عثمانية وهمية، مختلطة بين الماضي والحاضر. في ذهنه، كانت سورية مجرد أرض يمكن استعادتها كجزء من إمبراطورية لم تكن يومًا سوى سلسلة من الاحتلالات والإبادات. لم يكن يدرك أن التاريخ لا يُعيد نفسه كما يتخيل السذج، بل يُعيد دروسه لمن يتعلمون منها. بدعم من الخليج وتوجيه من واشنطن، أصبح هذا المقاول أداة في تأجيج الفتنة، يُرسل المرتزقة ويُشرف على تقسيم الشمال السوري كجزء من صفقة مع أسياده. التحليل التاريخي لدور تركيا يكشف أن هذا الحلم لم يكن جديدًا. منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في 1918، كانت أنقرة تبحث عن دور في المنطقة، لكنها في هذه المرة اختارت أن تكون أداة في يد الاستعمار بدلاً من قوة مستقلة. الدراسة النفسية لهذا السلوك تُظهر أن السذاجة، عندما تُقترن بالطموح المريض، تُصبح أداة خطيرة في يد من يعرفون كيف يستغلونها. هذا المقاول، بأحلامه المتضخمة، ساعد في تحويل سورية إلى ساحة نهب، لكنه لم يكن سوى جزء من لغز أكبر.
النتيجة: دولة رخوة في طور التكوين
بحلول 2025، كانت سورية قد بدأت تتحول إلى ما يُمكن وصفه بالدولة الرخوة. لم تكن هذه النتيجة صدفة، بل كانت الهدف النهائي للمشروع الصهيو-أمريكي. في الجنوب، كانت إسرائيل تُوسع سيطرتها على القنيطرة والسويداء، مستفيدة من الفوضى لتثبت أقدامها في الجولان وما حوله. في الشمال، كان المقاول التركي يُدير منطقة عازلة تُخدم مصالحه ومصالح أسياده. في الوسط، كانت المدن تتفتت إلى جيوب صغيرة، كل منها يُدار بحكم مختلف، نتيجة ندرة الموارد وسيطرة الميليشيات الممولة من الخارج. هذه الدولة الرخوة، التي تُشبه رؤية كيسنجر للشرق الأوسط كمجموعة كيانات ضعيفة يمكن التحكم بها، لم تكن دولة بالمعنى الحقيقي. كانت وهمًا يخدم الصهيونية وأمريكا، تُرمى له الفتات هنا وهناك للحفاظ على استمراريته. التحليل السياسي يكشف أن هذا التقسيم لم يكن نتيجة نزاع داخلي، بل كان مخططًا مدروسًا أُعد في دوائر الاستعمار، ونُفذ بأيدٍ عربية، ليُحول سورية من قلعة مقاومة إلى ساحة نهب وتوسع.
الشعب يدفع الثمن: من التضليل إلى الوعي
في هذا الخضم، كان الشعب السوري هو الضحية الأكبر. لسنوات، صدّق الكثيرون الأكاذيب الطائفية التي رُوجت بتريليونات الخليج. كانوا يظنون أن المشكلة تكمن في النظام أو في الجولاني، دون أن يروا اليد التي تحرك الخيوط من وراء الكواليس. لكن مع مرور الوقت، بدأت الحقيقة تتكشف. كلما ازدادت الأحوال سوءًا، كلما أدرك الناس أن الفتنة لم تكن لتحرير سورية، بل لتدميرها. التحليل الاجتماعي يُظهر أن هذا الوعي، رغم تأخره، قد يكون بداية لنهوض جديد، كما حدث في تاريخ سورية عندما واجهت الاستعمار الفرنسي وخرجت موحدة. هذه المقدمة ليست مجرد سرد للأحداث، بل هي تحليل لكيف بدأت الفتنة كمشروع استعماري، وكيف نُفذ بأدوات مالية وطائفية، وكيف دفع الشعب ثمنها. إنها تمهيد لفهم ما حدث في سورية، ولما يمكن أن يحدث إذا استرد السوريون إرادتهم كما فعلوا في الماضي.
الفصل الأول: جذور الفتنة وتريليونات الخليج
البداية: المال يُشتري الضمائر
في صباح مشمس من أوائل الثمانينيات، كان رجل يرتدي ثوبًا أبيض يجلس في مكتب فخم في الرياض، يوقّع شيكًا بملايين الريالات لصالح جماعة دينية في سورية. لم يكن هذا الرجل مجرد تاجر نفط أو شيخ متدين، بل كان جزءًا من شبكة واسعة تُدار من عواصم الغرب، شبكة كانت تُعد العدة لما سيُعرف لاحقًا بـ"الفتنة السورية". لم تكن تلك اللحظة استثنائية، بل كانت بداية مرحلة جديدة في مشروع استعماري طويل الأمد، وجد في محميات الخليج أداة مثالية لتنفيذه. هذه الأموال، التي بدأت تتدفق في الثمانينيات وتصاعدت إلى تريليونات بعد 2010، لم تكن للخير أو التنمية، بل كانت وقودًا لنار أُعدت بعناية لتُحرق سورية من الداخل. لم يكن المال وحده هو السلاح، بل كان الطريقة التي استُخدم بها. في تلك السنوات، بدأت محميات الخليج، بقيادة السعودية وقطر والإمارات والكويت، تتحول إلى أكثر من مجرد دول نفطية. كانت تُشتري الضمائر، وتُجنّد الشيوخ، وتُموّل الإعلام، كل ذلك تحت إشراف دوائر الاستخبارات الأمريكية والصهيونية. التحليل التاريخي يكشف أن هذه العملية لم تكن عشوائية، بل كانت جزءًا من استراتيجية تهدف إلى إضعاف الدول العربية القوية مثل سورية، وتحويلها إلى ساحات نهب تُخدم مصالح إسرائيل وأمريكا.
الثمانينيات: المرحلة التجريبية
قبل أن تنفجر الأزمة السورية في 2011، كانت هناك مرحلة تحضيرية بدأت في الثمانينيات. في تلك الفترة، كانت سورية تحت قيادة حافظ الأسد تشهد استقرارًا نسبيًا بعد انقلاب 1970، لكنها كانت أيضًا هدفًا لأعدائها بسبب دعمها للمقاومة الفلسطينية ورفضها التطبيع مع إسرائيل. في هذا السياق، بدأت الأموال الخليجية تتدفق إلى جماعات متطرفة مثل الإخوان المسلمين، الذين نظموا تمردًا مسلحًا في حماة عام 1982. لم تكن هذه الأحداث مجرد نزاع داخلي، بل كانت تجربة أولية لما سيأتي لاحقًا، اختبارًا لمدى فعالية المال في تأجيج الصراع. في تلك السنوات، كانت السعودية، بدعم من واشنطن، تُموّل هذه الجماعات بمئات الملايين من الدولارات، حسب تقارير استخباراتية غربية تم الكشف عنها لاحقًا. كان الهدف إضعاف النظام السوري، لكن الأسد نجح في سحق التمرد بقوة، مما أظهر أن القوة العسكرية وحدها لن تكفي لإسقاط سورية. هذه التجربة علّمت الغرب وأدواته في الخليج درسًا: إذا أرادوا تدمير سورية، فهم بحاجة إلى استراتيجية أكثر تعقيدًا، استراتيجية تجمع بين المال والدعاية والتسليح على نطاق واسع. التحليل السياسي لتلك الفترة يكشف أن الثمانينيات كانت بمثابة مختبر لما سيُنفذ بعد عقود.
تريليونات ما بعد 2010: النار تشتعل
بحلول 2010، كانت الظروف قد نضجت للمرحلة الثانية من المشروع. كانت الأزمة الاقتصادية العالمية قد ضربت الغرب، مما جعل السيطرة على موارد الشرق الأوسط أكثر إلحاحًا. في الوقت نفسه، كانت سورية تشهد توترات داخلية نتيجة الفساد وسوء الإدارة، مما جعلها أكثر عرضة للتدخل الخارجي. في هذا السياق، أُعطي الضوء الأخضر لمحميات الخليج لتضخ تريليوني دولار، حسب تقديرات اقتصادية غير رسمية استندت إلى تحليل تدفقات الأموال من الخليج إلى سورية عبر قنوات سرية وعلنية. كانت هذه الأموال تُنفق على نطاق غير مسبوق لتأجيج الفتنة. في تلك السنوات، تحولت قنوات مثل الجزيرة والعربية إلى أبواق دعائية تُروج لرواية "الثورة"، بينما كانت في الواقع تُخفي المشروع الصهيو-أمريكي وراءها. كانت الأموال تُوزع على شيوخ أصدروا فتاوى تُحرض على القتال، وعلى ميليشيات مسلحة جُندت من أنحاء العالم لتُحول المدن السورية إلى ساحات حرب. في حلب، كانت المصانع تُغلق والاقتصاد ينهار، بينما كانت الأموال القطرية والسعودية تُشتري الشباب للقتال. في دمشق، كانت الأسواق تُدمر، والناس يُصدقون أن السبب هو النظام وليس التريليونات التي تُنفق لتفتيتهم. التحليل الاقتصادي لهذه الفترة يكشف أن هذه الأموال لم تُغير البنية الاجتماعية لسورية، بل زادت من الفوضى التي خدمت أعداءها.
شيوخ الريال: أدوات الفتنة
في قلب هذه العملية، كان هناك جيش من شيوخ الريال القطري والدينار الكويتي والدرهم الإماراتي والريال السعودي. لم يكونوا رجال دين بالمعنى التقليدي، بل كانوا تجار دم تحولوا إلى أدوات في يد الاستعمار. كانوا يظهرون على شاشات التلفزيون، يُصدرون فتاوى تُحلل قتل السوريين باسم "الجهاد"، بينما كانت جيوبهم تُملأ بالأموال الخليجية. هؤلاء الشيوخ، الذين كانوا يعيشون في قصور فاخرة بعيدًا عن ساحات القتال، لم يكونوا يمثلون الإسلام، بل كانوا يمثلون خطابًا دينيًا مسمومًا صُمم ليُحول التنوع السوري إلى أداة نزاع. التحليل الاجتماعي لهذا الدور يكشف أن هؤلاء الشيوخ لم يكونوا مجرد أفراد، بل كانوا جزءًا من شبكة منظمة تُدار من الخارج. كانوا يتلقون تعليماتهم من دوائر الاستخبارات، وكانت خطبهم تُكتب بعناية لتُثير الفتنة بين السنة والعلويين، وبين المسلمين والمسيحيين، وبين العرب والأكراد. في إدلب وحمص، كانت هذه الفتاوى تُترجم إلى أعمال عنف، حيث كان الشباب يُقاتلون جيرانهم بناءً على أكاذيب دينية لم تكن سوى ستار للمشروع الاستعماري. هؤلاء الشيوخ، بأموالهم وخطبهم، كانوا السلاح الأكثر فتكًا في يد محميات الخليج.
الإعلام: نشر الأكاذيب
إلى جانب شيوخ الريال، كان هناك سلاح آخر لا يقل أهمية: الإعلام. منذ بداية الأزمة في 2011، تحولت قنوات مثل الجزيرة والعربية إلى منصات دعائية تُروج لرواية "الثورة الشعبية"، بينما كانت في الواقع تُخفي الحقيقة. كانت هذه القنوات، الممولة بمليارات الدولارات من قطر والسعودية، تُبث تقارير ملفقة عن "جرائم النظام"، وتُظهر صورًا لأطفال قُتلوا في أماكن أخرى على أنها ضحايا في سورية. كانت الفكرة بسيطة: إذا صدّق العالم أن سورية تشهد ثورة شعبية، فسيُصبح التدخل الخارجي مشروعًا. التحليل الإعلامي يكشف أن هذه الحملة لم تكن مجرد دعاية، بل كانت جزءًا من استراتيجية نفسية تهدف إلى تفتيت الروح المعنوية للشعب السوري. في حين كانت القنوات تُروج للأكاذيب، كانت الأموال الخليجية تُنفق على شبكات تواصل اجتماعي تُحرض على العنف، وعلى تقارير غربية تُبرر التدخل العسكري. كانت النتيجة أن السوريين، الذين كانوا يشاهدون هذه القنوات يوميًا، بدأوا يفقدون الثقة في بعضهم البعض، ويُصدقون أن عدوهم هو جارهم وليس اليد التي تُحرك الخيوط من الخارج.
النتيجة: سورية تُنهب
بحلول منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كانت سورية قد بدأت تُظهر علامات الانهيار. لم تكن هذه النتيجة صدفة، بل كانت الهدف النهائي لتريليونات الخليج. كانت المدن تُدمر، والاقتصاد ينهار، والناس يُهاجرون بالملايين، بينما كانت إسرائيل تتوسع في الجولان، وتركيا تُسيطر على الشمال، والميليشيات تُفتت الوسط. التحليل الاقتصادي يكشف أن هذه التريليونات لم تُغير واقع سورية الاجتماعي، بل حولتها إلى ساحة نهب تُخدم مصالح الاستعمار. كانت الأموال التي أُنفقت على السلاح والإعلام والشيوخ تُترجم إلى دمار شامل، لكنها لم تُحقق النصر لأحد سوى إسرائيل وأمريكا. في حين كانت محميات الخليج تُنفق تريليوناتها، كانت سورية تُفقد ثرواتها الطبيعية، وتُصبح سوقًا مفتوحة للمرتزقة والقراصنة. هذه النتيجة لم تكن مفاجئة، بل كانت متوقعة منذ البداية، لأن الهدف لم يكن إسقاط نظام، بل إسقاط سورية ككيان قوي قادر على المقاومة.
الأمل في المستقبل: بداية الصحوة
رغم هذا الدمار، لم يكن كل شيء قد انتهى. في خضم الفوضى، بدأت بوادر وعي تظهر بين السوريين. كانوا يُدركون، شيئًا فشيئًا، أن الفتنة التي أُشعلت بتريليونات الخليج لم تكن لتحريرهم، بل لتدميرهم. هذا الوعي، الذي بدأ يتشكل في أواخر العقد الثاني، قد يكون البذرة الأولى لمقاومة جديدة، مقاومة ترفض أن تُصبح سورية أداة في يد الاستعمار، وتُعيد بناء ما دُمر بإرادة شعب عرف يومًا كيف يواجه أعداءه.
الفصل الثاني: الأكاذيب الطائفية والمقاول التركي
البداية: صوت الفتنة يتعالى
في ليلة شتوية من أوائل 2011، كان صوت مذيع يتردد في بيت متواضع في حي المزة بدمشق، يتحدث عن "ثورة السنة ضد النظام العلوي". كانت الكلمات تتسرب عبر شاشة تلفزيون متصلة بقناة خليجية، تتردد في الغرفة كالسم، تُثير الشكوك وتُحرك المشاعر. لم يكن هذا الصوت مجرد تعليق عابر، بل كان جزءًا من حملة دعائية أُعدت بعناية لتفتيت سورية من الداخل. في تلك اللحظة، بدأت الأكاذيب الطائفية تُسيطر على الساحة، تُحول جيرانًا عاشوا معًا لقرون إلى أعداء يتقاتلون على أوهام لم تكن يومًا جزءًا من واقعهم. لم تكن هذه الأكاذيب وليدة اللحظة، بل كانت ثمرة عقود من التخطيط الصهيو-أمريكي، استُخدمت فيها تريليونات الخليج كوقود لنشرها. كانت الفكرة بسيطة وخبيثة: إذا صدّق السوريون أن معركتهم ضد بعضهم البعض، فسيُصبحون أسهل في السيطرة عليهم، بينما يُنهب العدو الحقيقي أرضهم وثرواتهم. في هذا الفصل من الفتنة، ظهر أيضًا المقاول التركي، ذلك الحالم الساذج الذي ظن أنه يُعيد أمجاد العثمانيين، بينما كان مجرد أداة في يد الـCIA لتكملة المشروع الاستعماري.
الرواية الطائفية: كذبة تُغطي الحقيقة
في قلب هذه الفتنة، كانت هناك رواية طائفية رُوجت بإصرار: أن سورية محكومة بنظام "علوي" يضطهد "السنة"، أو أن "السنة" يقاومون "الشيعة والعلويين". كانت هذه الرواية تُردد على مدار الساعة عبر قنوات مثل الجزيرة والعربية، وتُكرر في تقارير غربية كأنها حقيقة لا تقبل الجدل. لكن أي تحليل علمي بسيط يكشف أن هذه الرواية لم تكن سوى قناع لإخفاء الحقيقة. النظام السوري، منذ صعود حافظ الأسد في 1970، لم يكن "علويًا" بالمعنى الطائفي، بل كان تحالفًا اقتصاديًا وسياسيًا بين طبقة تجارية سنية من حلب ودمشق وبين جهاز أمني قاده الأسد كحارس لهذه المصالح. حافظ الأسد، الذي نشأ في قرية القرداحة الفقيرة في جبال اللاذقية، لم يكن زعيمًا طائفيًا، بل كان سياسيًا براغماتيًا بنى نظامًا يعتمد على الولاءات العابرة للطوائف. كان يعرف أن سورية، بتنوعها الديني والثقافي، لا يمكن أن تُحكم بالطائفية، فأقام تحالفات مع تجار سنة أثرياء سيطروا على الاقتصاد، بينما استخدم العلويين كقاعدة أمنية موالية له. ابنه بشار واصل هذا النهج، متزوجًا من أسماء الأخرس، امرأة سنية من عائلة تجارية في حمص، في دليل واضح على أن النظام لم يكن طائفيًا بالمعنى الذي رُوج له. لكن الأكاذيب الطائفية، المدعومة بتريليونات الخليج، نجحت في طمس هذه الحقيقة، وحولت الصراع السياسي إلى نزاع ديني زائف.
تجار حلب ودمشق: الحقيقة الاقتصادية
لنفهم الحقيقة وراء هذه الأكاذيب، يجب أن ننظر إلى البنية الاقتصادية لسورية قبل 2011. في حلب، كانت الأسواق تزدحم بالتجار السنة الذين يسيطرون على صناعات النسيج والمواد الغذائية، يُشكلون العمود الفقري للاقتصاد السوري. في دمشق، كانت العائلات التجارية السنية تُدير شبكات واسعة من التجارة والاستثمار، تُحرك عجلة المال بين العاصمة والمحافظات. هؤلاء التجار لم يكونوا مجرد أفراد، بل كانوا طبقة اجتماعية استفادت من استقرار النظام، وساندته لأنه كان يحمي مصالحهم من الفوضى أو التغيير الجذري. التحليل الاقتصادي يكشف أن النظام السوري كان أقرب إلى "نظام سني" من الناحية الاقتصادية، لأن السلطة الحقيقية كانت في يد هؤلاء التجار، بينما كان الأسد، سواء حافظ أو بشار، مجرد "بوديغارد" أو حارس أمني لهذه المصالح. لكن الرواية الطائفية التي رُوجت لم تكن تهتم بالحقائق، بل كانت تهدف إلى إخفاء هذه الديناميكية. كانت الفكرة أن يُصدق الناس أن المشكلة تكمن في "العلويين"، وليس في نظام اقتصادي سياسي استفاد منه الجميع، بما في ذلك السنة أنفسهم. هذه الأكاذيب لم تكن مجرد سوء فهم، بل كانت أداة لتفتيت النسيج الاجتماعي السوري.
التضليل النفسي: كيف نجحت الأكاذيب
لماذا نجحت هذه الرواية الطائفية في إقناع السوريين؟ الإجابة تكمن في التضليل النفسي الذي استُخدم ببراعة. في قرى الساحل السوري، كان الفلاحون العلويون يسمعون أن "السنة" يريدون إبادتهم، بينما كان سكان حلب وحمص يسمعون أن "العلويين" يسيطرون على كل شيء ويُفقرونهم. كانت هذه الرسائل تُبث عبر قنوات خليجية، وتُكرر في منشورات وخطب شيوخ الريال، حتى أصبحت جزءًا من الوعي الجماعي. التحليل النفسي يكشف أن الخوف والجهل، عندما يُقترنان بالمال، يُمكن أن يُحولا شعبًا موحدًا إلى أعداء يتقاتلون على أوهام. في إدلب، كانت الميليشيات تُقاتل تحت شعارات دينية، تظن أنها تُحرر "السنة" من "النظام العلوي"، بينما كانت في الواقع تُدمر مدينتها وتُخدم أجندة خارجية. في دير الزور، كانت القبائل تُشترى بأموال قطرية لتُقاتل جيرانها، دون أن تدرك أن الهدف ليس الدين، بل السيطرة على حقول النفط. كانت هذه الأكاذيب تُغذي نفسها بنفسها، لأن كل عمل عنف كان يُولد المزيد من الكراهية، مما يُعزز الرواية الطائفية ويُخفي الحقيقة وراءها.
المقاول التركي: الحلم العثماني الساذج
في هذا المشهد المعقد، ظهر المقاول التركي كلاعب جديد أضاف طبقة أخرى من الفوضى. في أنقرة، كان رجل يقف أمام خريطة قديمة للإمبراطورية العثمانية، يحلم بإعادة أمجاد لم تكن يومًا سوى سلسلة من الاحتلالات والإبادات. كان هذا المقاول، الذي يُدير تركيا تحت إشراف الـCIA، يرى في سورية فرصة لاستعادة نفوذ تاريخي، متجاهلاً أن التاريخ لا يُعيد نفسه كما يحلم السذج، بل يُعيد دروسه لمن يتعلمون منها. لم يكن يدرك أنه ليس سوى أداة في يد الاستعمار الصهيو-أمريكي، يُنفذ أوامر واشنطن بينما يظن أنه يُعيد كتابة التاريخ. في بداية الأزمة، بدأت تركيا تُرسل المرتزقة عبر حدودها الجنوبية، تُسلحهم وتُدربهم بدعم من الخليج، تحت شعار "دعم الثورة". لكن التحليل التاريخي يكشف أن الهدف لم يكن تحرير سورية، بل تحويل الشمال السوري إلى منطقة عازلة تُخدم مصالح تركيا وأسيادها. في حلب الشمالية وإدلب، كانت القوات التركية تُشرف على تقسيم الأرض، تُنشئ قواعد عسكرية وتُسيطر على الموارد، بينما كانت الميليشيات الموالية لها تُقاتل تحت أوهام دينية وقومية. كان هذا المقاول يخلط بين الماضي والحاضر، يظن أنه يُعيد زمن السرايا العثمانية، بينما كان في الواقع يُكمل مشروع كيسنجر لتفتيت المنطقة.
تركيا والخليج: تحالف النهب
لم يكن المقاول التركي يعمل وحده، بل كان جزءًا من تحالف مع محميات الخليج، يجمع بين طموحه العثماني وأموالهم الطائلة. في الدوحة والرياض، كانت الأموال تتدفق إلى أنقرة لتمويل عملياتها في سورية، بينما كانت تركيا تُوفر الأرض والقوة العسكرية لتنفيذ المشروع. كان هذا التحالف يُدير شبكة واسعة من الميليشيات، مثل "الجيش الوطني السوري"، التي كانت تُقاتل تحت أوامر تركية وتُمول بأموال قطرية وسعودية. في عفرين، كانت الأراضي تُنهب والسكان يُهجرون، بينما كانت الأرباح تُقسم بين أنقرة وحلفائها في الخليج. التحليل الاقتصادي يكشف أن هذا التحالف لم يكن مجرد تعاون عسكري، بل كان عملية نهب منظمة. كانت تركيا تُسيطر على طرق التجارة في الشمال، بينما كانت الأموال الخليجية تُستخدم لشراء النفط والموارد من المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات. كان الهدف المشترك هو إضعاف سورية وتحويلها إلى سوق مفتوحة للنهب، بينما كانت الأكاذيب الطائفية تُستخدم كستار لإخفاء هذه الحقيقة. هذا التحالف، بكل طموحاته وأمواله، لم يكن سوى أداة في يد المشروع الصهيو-أمريكي الأكبر.
النتيجة: فوضى تُخدم العدو
بحلول 2025، كانت الأكاذيب الطائفية والمقاول التركي قد تركا سورية في حالة فوضى شاملة. كانت المدن تُدمر، والناس يُهاجرون، والأرض تُقسم بين قوى خارجية استفادت من هذه الفتنة. لم تكن هذه النتيجة مفاجئة، بل كانت الهدف النهائي للمشروع الذي بدأ قبل عقود. إسرائيل توسعت في الجنوب، مستفيدة من ضعف الدولة السورية، بينما كانت تركيا تُسيطر على الشمال كمقاطعة تابعة لها. في الوسط، كانت الميليشيات تُفتت الأرض إلى جيوب صغيرة، كل منها يُدار بحكم مختلف، مما جعل سورية دولة رخوة تُخدم مصالح الاستعمار. لم تكن الأكاذيب الطائفية مجرد سوء فهم، بل كانت سلاحًا نجح في تفتيت الشعب السوري، بينما كان المقاول التركي يُكمل المهمة بطموحه الساذج. التحليل التاريخي يكشف أن هذه الفوضى لم تُحقق شيئًا للسوريين، بل خدمت العدو الصهيوني المارق وأسياده في واشنطن، الذين رأوا في سورية الممزقة فرصة للسيطرة والنهب.
الأمل في الصحوة: بداية جديدة
رغم هذا الدمار، لم يكن كل شيء قد ضاع. في خضم الفوضى، بدأت بوادر وعي تظهر بين السوريين. كانوا يُدركون، شيئًا فشيئًا، أن الأكاذيب الطائفية لم تكن سوى أداة لتفتيتهم، وأن المقاول التركي لم يكن محررًا، بل جزءًا من المشكلة. هذا الوعي، الذي بدأ يتشكل في أواخر العقد الثاني، قد يكون البذرة الأولى لمقاومة جديدة، مقاومة ترفض الأوهام وتُعيد بناء سورية على أساس الحقيقة، لا الكذب.
الفصل الثالث: الدولة الرخوة والجولاني
البداية: رجل في ظل العدو
في صباح خريفي من أواخر 2024، كان رجل يرتدي زيًا عسكريًا متواضعًا يقف أمام حشد صغير في إدلب، يُعلن نفسه "رئيسًا" لسورية الجديدة. كان هذا الرجل، أبو محمد الجولاني، يتحدث بصوت هادئ ولكنه حازم، يَعد بـ"العدالة والاستقرار" بعد سنوات من الفوضى. لم تكن تلك اللحظة احتفالية كما قد يتخيلها البعض، بل كانت بداية فصل جديد من الوهم، فصل يُظهر سورية كدولة رخوة تُقاسمها قوى الاحتلال تحت قناع "التحرير". لم يكن الجولاني، ذلك الرجل الذي بدأ حياته كمقاتل في صفوف تنظيمات متطرفة، سوى رمز لاستمرارية المشروع الصهيو-أمريكي، مشروع لم يتغير جوهره سواء كان النظام بشار الأسد أو عصابة السطو المسلحة التي يقودها. لم تكن هذه اللحظة نقطة تحول، بل كانت نتيجة طبيعية لسنوات من الفتنة التي أُشعلت بتريليونات الخليج وأكاذيب الطائفية. الجولاني، الذي تحوّل من إرهابي مطارد إلى "زعيم سياسي" بمساعدة أنقرة والدوحة، لم يكن يُمثل تغييرًا في مسار سورية، بل كان استمرارًا لدورها كأداة في يد العدو الصهيوني المارق. في هذا الفصل، كانت سورية تُظهر وجهها الجديد: دولة ليست دولة، بل كيان وهمي يُدير تقاسمها بين إسرائيل وتركيا والميليشيات، تحت إشراف أمريكا التي ترى في العربي الميت أجمل صورة له.
الجولاني: من إرهابي إلى حارس أمن
من هو أبو محمد الجولاني؟ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان شابًا يقاتل في العراق تحت راية تنظيم القاعدة، يحمل اسمًا مستعارًا يُشير إلى أصوله من الجولان المحتل. بحلول 2011، ظهر في سورية كقائد لـ"جبهة النصرة"، التي أصبحت لاحقًا "هيئة تحرير الشام"، مُمولة بأموال خليجية ومدعومة بتسهيلات تركية. لم يكن الجولاني مفكرًا أو ثوريًا، بل كان أداة في يد من يعرفون كيف يوظفون المتطرفين لخدمة أجنداتهم. التحليل التاريخي لمسيرته يكشف أنه لم يكن سوى منتج للمشروع الصهيو-أمريكي، الذي استخدم الإرهاب كوسيلة لتفتيت الدول العربية. بحلول 2025، وبعد سنوات من القتال، تحوّل الجولاني إلى "رئيس" بمساعدة أنقرة، التي رأت فيه بديلاً يُمكن التحكم به بعد فشل النظام السابق في الحفاظ على السيطرة. لكن السؤال الأهم يبقى: هل تغير شيء؟ الإجابة واضحة: لا. ، كان الجولاني حارسًا لمصالح العدو الصهيوني تحت قناع "التحرير". لم تكن المسألة متعلقة بسني أو علوي، كما روّجت الأكاذيب الطائفية، بل كانت متعلقة بخدمة أجندة خارجية تستهدف توسع إسرائيل والتنازل عن الأرض السورية.
الدولة الرخوة: تقسيم مدروس
بحلول 2025، كانت سورية قد تحولت إلى ما يُشبه الكابوس الذي حلم به كيسنجر: دولة رخوة تُقاسمها قوى الاحتلال. في الجنوب، كانت إسرائيل قد وسعت سيطرتها على القنيطرة والسويداء ودرعا، مستفيدة من الفوضى لتثبت أقدامها في الجولان وما حوله، كجزء من مخطط يُشبه اتفاق أوسلو في فلسطين. في الشمال، كان المقاول التركي يُدير منطقة عازلة تُخدم مصالحه، تُشرف عليها قواعد عسكرية تركية وميليشيات موالية لأنقرة. في الوسط، كانت المدن تتفتت إلى جيوب صغيرة، كل منها يُدار بحكم مختلف نتيجة ندرة الموارد وسيطرة الميليشيات الممولة من الخارج. هذه الدولة الرخوة لم تكن نتيجة صدفة، بل كانت مخططًا مدروسًا أُعد في دوائر واشنطن وتل أبيب. التحليل السياسي يكشف أن الهدف كان تحويل سورية إلى كيانات ضعيفة يسهل التحكم بها، تُدار بفتات يُرمى هنا وهناك للحفاظ على استمراريتها. في إدلب، كان الجولاني يُدير سلطة محلية تُشبه دولة صغيرة، لكنها تفتقر إلى أي سيادة حقيقية، بينما كانت دمشق وحلب تتحولان إلى ساحات نفوذ لميليشيات تتنازع السيطرة على ما تبقى من الموارد. هذا التقسيم لم يكن مجرد فوضى، بل كان تصميمًا يُخدم العدو الصهيوني المارق، الذي وجد في سورية الممزقة فرصة لتوسيع حدوده.
المخطط الكيسنجري: سورية كضحية
في قلب هذا التحول، كان هناك مخطط كيسنجري يعود إلى السبعينيات، عندما تحدث هنري كيسنجر عن "إعادة ترتيب الشرق الأوسط" إلى كيانات صغيرة متناحرة يسهل التحكم بها. كان هذا المخطط يرى في الدول العربية القوية مثل سورية تهديدًا يجب تفتيته، ليس بالحرب المباشرة، بل عبر خلق دول رخوة تُدار من الخارج. في سورية، تحقق هذا المخطط بنجاح مذهل: دولة لم تعد دولة، بل مجموعة مناطق تُقاسمها قوى الاحتلال تحت إشراف أمريكا وإسرائيل. التحليل السياسي يكشف أن هذا التقسيم لم يكن نتيجة نزاع داخلي، بل كان مخططًا أُعد في دوائر نتنياهو وفيدان وتميم بن حمد، بمساعدة تريليونات الخليج. في الجنوب، كانت إسرائيل تُطبق نموذج "المناطق الثلاث" كما في أوسلو، مُسيطرة على ثلاث محافظات بينما تُبقي على الفوضى كغطاء لتوسعها. في الشمال، كانت تركيا تُدير مقاطعة تابعة لها، تُشرف عليها قواعد عسكرية وتُستخدم كورقة ضغط على المنطقة. في الوسط، كانت الميليشيات تُفتت الأرض إلى جزر صغيرة، كل منها يعيش على الفتات الذي تُرميه القوى الخارجية. هذا الواقع لم يكن فوضى عشوائية، بل كان تصميمًا يُحقق رؤية كيسنجر لشرق أوسط ضعيف ومُسيطر عليه.
العدو الصهيوني: المستفيد الأكبر
من كان المستفيد الحقيقي من هذه الدولة الرخوة؟ الإجابة واضحة: العدو الصهيوني المارق. منذ بداية الأزمة في 2011، كانت إسرائيل تُراقب المشهد من بعيد، تُقدم الدعم السري للميليشيات عندما يلزم، وتستغل الفوضى لتوسيع سيطرتها. بحلول 2025، كانت القنيطرة والسويداء ودرعا تحت نفوذها المباشر أو غير المباشر، بينما كانت الجولان المحتلة تُصبح جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل دون مقاومة تُذكر. لم يكن الجولاني، بكل قوته المزعومة، قادرًا أو راغبًا في مواجهة هذا التوسع، لأن دوره لم يكن التحرير، بل الحفاظ على الفوضى التي تُخدم أعداء سورية. التحليل العسكري يكشف أن إسرائيل استفادت من ضعف الدولة السورية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. كانت طائراتها تقصف الأراضي السورية دون رد، بينما كانت ميليشيات الجولاني تُقاتل بعضها البعض بدلاً من مواجهة العدو الحقيقي. كان هذا الواقع يُظهر أن أجمل عربي في نظر القراصنة الصهاينة الجدد، كما كان في نظر أجداد بايدن وترامب، هو العربي الميت أو المُباد، تمامًا كما كان الهندي الأحمر في أمريكا ضحية لنفس المنطق الاستعماري.
الشعب يدفع الثمن: من سيء إلى أسوأ
في خضم هذا التحول، كان الشعب السوري هو الضحية الأكبر. لسنوات، صدّق الكثيرون الأكاذيب الطائفية التي رُوجت بتريليونات الخليج، ظنًا منهم أن تغيير النظام سيُحسن أحوالهم. لكن مع صعود الجولاني، وجدوا أن الأمور انتقلت من سيء إلى أسوأ. كانت المدن تُدمر، والاقتصاد ينهار، والناس يُهاجرون بالملايين، بينما كانت الأرض تُقسم وتُنهب تحت أعينهم. التحليل الاجتماعي يكشف أن هذا التدهور لم يكن نتيجة فشل الجولاني وحده، بل كان جزءًا من المخطط الذي صُمم لإبقاء سورية ضعيفة ومُعتمدة على الفتات الخارجي. في حلب، كانت الأسواق التي كانت يومًا مركزًا للتجارة تتحول إلى أنقاض، بينما كانت الميليشيات تتنازع السيطرة على بقاياها. في دمشق، كانت الحياة تتوقف، والناس يعيشون على المساعدات التي تُرمى لهم كما تُرمى العظام للكلاب. هذا الواقع لم يكن مجرد نتيجة حرب، بل كان تصميمًا لتحويل سورية إلى دولة رخوة تُخدم مصالح العدو، بينما يدفع الشعب ثمن الأكاذيب التي صدقها والفوضى التي أُشعلت باسمه.
المقاومة الممكنة: شرارة الأمل
رغم هذا الدمار، لم يكن كل شيء قد انتهى. في درعا، حيث بدأت الأزمة كما زُعم، كان الأهالي يواجهون قوات العدو الصهيوني المتوغلة في مدينتهم. لم تكن هذه المواجهات مجرد رد فعل، بل كانت تعبيرًا عن وعي ناشئ بأن العدو الحقيقي ليس في الداخل، بل في الخارج. هذا الوعي، الذي بدأ يتشكل بعد أن انكشفت "طبخة الحصى" التي أعدها نتنياهو وفيدان وتميم، قد يكون بداية لمقاومة جديدة تُعيد توحيد سورية. التحليل التاريخي يُظهر أن الشعوب، عندما تُدرك حقيقة أعدائها، تستطيع أن تُعيد بناء نفسها. كما استطاع السوريون من دروز وسنة وعلويين ومسيحيين وعلمانيين توحيد سورية بعد الاستقلال، قد يكون بإمكانهم اليوم أن يُكرروا هذا الإنجاز. الجولاني والدولة الرخوة ليسا قدرًا، بل هما مرحلة يمكن تجاوزها بإرادة شعب يرفض أن يُصبح أداة في يد القراصنة الصهاينة الجدد.
الخاتمة: إمكانية المقاومة
البداية: شرارة في درعا
في صباح ما من شهر في اوائل عام 2025، كان صوت طلقات نارية يتردد في شوارع درعا، ليس كجزء من نزاع داخلي، بل كمواجهة بين أهالي المدينة وقوات العدو الصهيوني المتوغلة في أراضيهم. لم تكن هذه الأصوات مجرد ضجيج عابر، بل كانت تعبيرًا عن رفض عميق، رفض للتقسيم والنهب الذي فُرض على سورية بعد سنوات من الفتنة. في تلك اللحظة، بدا أن الشعب السوري، الذي دفع ثمن الأكاذيب الطائفية والتريليونات الخليجية، بدأ يستعيد بوصلته، يُدرك أن العدو الحقيقي ليس في الداخل، بل في الخارج، يقف على حدوده يُخطط لابتلاع المزيد من أرضه. لم تكن هذه المواجهة في درعا حدثًا معزولًا، بل كانت شرارة أمل في ظلام دامس. بعد أن انكشفت "طبخة الحصى" التي أعدها نتنياهو وفيدان وتميم بن حمد، بدأت الحقيقة تتضح للسوريين: أن ما حدث لهم لم يكن ثورة أو حرباً أهلية، بل كان مشروعًا استعماريًا صهيو-أمريكيًا هدفه تفتيت سورية وتحويلها إلى دولة رخوة تُخدم مصالح إسرائيل وأمريكا. هذه الخاتمة ليست مجرد نهاية لقصة الدمار، بل هي دعوة للشعب السوري ليستلهم تاريخه النضالي، وليُثبت أن المقاومة ممكنة، حتى في أحلك الظروف.
تاريخ المقاومة: سورية كقلعة
لم تكن سورية يومًا أرضًا تستسلم بسهولة. في القرن العشرين، وقف السوريون موحدين ضد الاستعمار الفرنسي، يجمع بينهم تنوعهم من دروز وسنة وعلويين ومسيحيين وعلمانيين، ليُحققوا الاستقلال في 1946. كان هذا الإنجاز دليلاً على أن الشعب السوري، عندما يُدرك عدوّه، يستطيع أن يتجاوز الخلافات الداخلية ويبني قوة لا تُقهر. بعد الاستقلال، واصلت سورية دورها كقلعة مقاومة، تُواجه الطموحات الصهيونية وتدعم الحركات المناهضة للاستعمار في المنطقة. في عهد حافظ الأسد، أصبحت سورية ركيزة أساسية في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية. رغم هدوء جبهة الجولان بعد حرب 1973، كانت دمشق تُوفر الدعم اللوجستي والسياسي للمقاومة في غزة وجنوب لبنان، مُدركة أن المعركة ضد إسرائيل ليست مجرد نزاع حدودي، بل صراع وجودي. بشار الأسد واصل هذا النهج، حيث كانت سورية في عهده ملاذًا للمقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، وخطًا خلفيًا يُعزز صمودهم في مواجهة العدو الصهيوني. التحليل التاريخي يكشف أن هذا الدور لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان تعبيرًا عن إرادة شعبية عميقة ترفض الخضوع للطاغوت الصهيو-أمريكي.
الدولة الرخوة: ليست قدرًا
اليوم، تقف سورية كدولة رخوة، مقسمة بين إسرائيل في الجنوب، وتركيا في الشمال، وميليشيات تُفتت الوسط. لكن هذا الواقع ليس قدرًا محتومًا، بل هو مرحلة يمكن تجاوزها. في الماضي، واجهت سورية تحديات مشابهة، من الاحتلال العثماني إلى الاستعمار الفرنسي، وفي كل مرة استطاعت أن تُعيد بناء نفسها. الدولة الرخوة التي تُدار اليوم بقيادة أبو محمد الجولاني ليست نهاية المطاف، بل هي نتيجة مؤقتة لمشروع استعماري نجح في استغلال الفتنة والتضليل لإضعاف سورية. لكن التاريخ يُعلمنا أن الشعوب، عندما تُدرك الحقيقة، تستطيع أن تُغير مسارها. في درعا، حيث بدأت المواجهات مع العدو الصهيوني في 2025، تظهر بوادر هذا الوعي. لم يكن الأهالي يُقاتلون بعضهم البعض، كما حدث في سنوات الفتنة، بل كانوا يوجهون سلاحهم نحو العدو الحقيقي الذي يُحتل أرضهم. هذه المواجهات لم تكن مجرد أعمال عنف، بل كانت تعبيرًا عن رفض التقسيم، ودليلاً على أن الشعب السوري لم يفقد كليًا إرادته في المقاومة. التحليل الاجتماعي يُظهر أن هذا التحول في الوعي قد يكون البذرة الأولى لنهوض جديد، نهوض يُعيد سورية إلى دورها كقلعة مقاومة.
المقاومة كخيار: دروس من اليمن وفلسطين
للشعب السوري أمثلة حية يمكن أن يستلهمها في طريق المقاومة. في اليمن، استطاع شعب فقير ومحاصر أن يُذل الإمبراطورية الأمريكية وأدواتها في الخليج، مُستخدمًا أدوات بسيطة مثل المسيرات والإرادة الصلبة. في فلسطين، واصلت غزة مقاومتها لإسرائيل رغم الحصار والإبادة، مُثبتة أن القوة ليست في السلاح وحده، بل في الرفض الذي لا يلين. سورية، التي كانت يومًا داعمة لهذه المقاومات في عهد حافظ وبشار، لديها الآن فرصة لتستلهم منها، ولتُثبت أنها قادرة على مواجهة الطاغوت الصهيو-أمريكي كما فعلت من قبل. في اليمن، كانت المقاومة تعتمد على وحدة الشعب واستخدام الموارد المحلية كسلاح ضد العدو. في فلسطين، كانت غزة تُظهر أن الصمود في وجه الإبادة يُمكن أن يُحول الضعف إلى قوة. السوريون، الذين عرفوا يومًا كيف يدعمون هذه المقاومات، يملكون الخبرة والتاريخ ليُكرروا هذا النموذج في أرضهم. لم تكن المقاومة في درعا مجرد رد فعل، بل كانت بداية لوعي جديد قد يمتد إلى حلب ودمشق وحمص، ليُعيد توحيد سورية تحت راية الرفض للاستعمار والتقسيم.
أدوات المقاومة: ما يملكه السوريون
ما الذي يملكه الشعب السوري ليُحول هذه الإمكانية إلى واقع؟ أولاً، لديهم تاريخهم النضالي الذي يُثبت أن التنوع ليس ضعفًا، بل قوة عندما يُوجه ضد العدو المشترك. في الماضي، استطاع السوريون أن يُواجهوا الفرنسيين بجيش شعبي جمع بين كل الأطياف، وهم اليوم قادرون على تكرار هذا الإنجاز إذا تجاوزوا الأكاذيب الطائفية التي فُرضت عليهم. ثانيًا، لديهم موقع سورية الجغرافي، الذي يجعلها مركزًا استراتيجيًا يمكن أن يُشكل تهديدًا للعدو إذا استُخدم بذكاء. ثالثًا، لديهم الخبرة التي اكتسبوها من سنوات الفتنة. السوريون اليوم يعرفون أعداءهم الحقيقيين، ويُدركون أن الميليشيات والدولة الرخوة ليست سوى أدوات في يد إسرائيل وأمريكا. هذه الخبرة تُمكنهم من التمييز بين الحقيقة والتضليل، وتُعطيهم القدرة على بناء مقاومة منظمة تُواجه العدو بدلاً من القتال الداخلي. التحليل العسكري يُظهر أن الشعب السوري، حتى في ظل الدمار، يملك الإرادة والمهارات ليُشكل قوة لا يُستهان بها إذا اتحدت تحت هدف واحد.
التحديات: مواجهة الداخل والخارج
لكن المقاومة ليست طريقًا مفروشًا بالورود. أمام السوريين تحديات داخلية وخارجية يجب مواجهتها. داخليًا، هناك التفتت الذي خلّفته الفتنة، حيث لا تزال بعض المجموعات تُقاتل بعضها البعض تحت أوهام طائفية أو مصالح ضيقة. هذا التفتت يتطلب جهدًا كبيرًا لإعادة بناء الثقة بين السوريين، ولتوجيه غضبهم نحو العدو الحقيقي بدلاً من بعضهم البعض. خارجيًا، هناك قوى الاحتلال التي لن تتخلى بسهولة عن مكاسبها، سواء كانت إسرائيل في الجنوب أو تركيا في الشمال، بالإضافة إلى أمريكا التي تُدير المشهد من وراء الكواليس. التحليل السياسي يُظهر أن هذه التحديات ليست مستحيلة. في الماضي، واجه السوريون تحديات مشابهة، من التقسيم الفرنسي إلى المؤامرات الإقليمية، واستطاعوا أن يتغلبوا عليها بالوحدة والإرادة. اليوم، يمكن للشعب أن يستلهم هذا التاريخ، ويبدأ بحركة شعبية ترفض الدولة الرخوة، وتُعيد بناء سورية ككيان موحد يُواجه العدو الصهيوني كما فعل في السابق بدعم غزة ولبنان.
الدعوة: نهوض الشعب
هذه الخاتمة ليست مجرد سرد للأمل، بل هي دعوة للشعب السوري للنهوض. سورية، التي كانت يومًا قلعة مقاومة دعمت غزة ولبنان في أحلك الظروف، لديها الآن فرصة لتُعيد كتابة تاريخها. لم تكن المقاومة في درعا مجرد حدث عابر، بل كانت بداية لمسار قد يمتد إلى كل ركن من أركان سورية، ليُثبت أن الشعب الذي واجه الفرنسيين والعثمانيين قادر على مواجهة القراصنة الصهاينة الجدد. السوريون ليسوا ضحايا، بل هم صانعو تاريخهم، وهم اليوم مدعوون ليستعيدوا دورهم كأبطال، لا كضحايا. في هذا السياق، يمكن للشعب أن ينظر إلى اليمن وفلسطين كمصادر إلهام، وإلى تاريخه الخاص كدليل على القوة. المقاومة ليست مستحيلة، بل هي خيار يتطلب الإرادة والوحدة. إذا استطاع السوريون أن يتجاوزوا الفتنة ويُوجهوا غضبهم نحو العدو الحقيقي، فإنهم قادرون على إعادة توحيد سورية، وتحويل الدولة الرخوة إلى دولة قوية تُعيد للأمة العربية كرامتها. المستقبل: سورية تُعيد بناء نفسها في المستقبل، قد نرى سورية تُعيد بناء نفسها كما فعلت بعد كل أزمة في تاريخها. قد تكون درعا البداية، لكنها لن تكون النهاية. في حلب، قد تعود الأسواق لتزدهر عندما يتوقف النهب التركي. في دمشق، قد تُصبح الشوارع مرة أخرى مركزًا للحياة عندما يُدرك الناس أن عدوهم ليس جارهم، بل المحتل الذي يقف على الحدود. هذا المستقبل ليس حلمًا بعيد المنال، بل هو إمكانية تتطلب العمل والصبر والإيمان بأن الشعوب، عندما تقاوم، تُصبح سيدة مصيرها. سورية، التي كانت يومًا داعمة للمقاومة في غزة ولبنان، لديها الآن فرصة لتُثبت أنها ليست مجرد ضحية للفتنة، بل قوة قادرة على الصمود والانتصار. هذه الخاتمة هي دعوة للشعب السوري ليُنهض سورية من جديد، ليُظهر للعالم أن الإرادة التي واجهت الاستعمار في الماضي لا تزال حية، وأن المقاومة ليست مجرد احتمال، بل هي حقيقة يمكن أن تُصبح واقعًا.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليمن: المقاومة التي أذلت الإمبراطوريات
-
التنين الذي ايقظه ترامب
-
تدارك ترامب: إيران ومحور المقاومة ، اجبار الأمريكي على التفا
...
-
الفاشية المالية في بلجيكا ورموزها الحالية دي ويفر وبوشيز ومي
...
-
الأيباك :القناع المالي للاحتكارات الغربية للسيطرة والإبادة ا
...
-
تصريحات ترامب: استغلال العالم أم استغباء الأمريكي؟ - الدولار
...
-
التكوين الطبقي للعصابات الحاكمة في أوروبا الشرقية: تعبير عن
...
-
أوربان ونتنياهو: تواطؤ الإبادة من غزة إلى لبنان - جرائم البي
...
-
صنعاء تقاوم الإبادة - القانون الدولي بين النظرية والفعل..كتي
...
-
من بروكسل إلى نيويورك، تواطؤ في الإبادة الفلسطينية (أوهام ال
...
-
حملة بايدن و ترامب الإرهابية ضد إنسانية الشعوب والهولوكوست ا
...
-
خرافة الدفاعات الجوية الأمريكية-الإسرائيلية: إيران وسلاح الب
...
-
الاسلام كماركة تجارية امبريالية في مسرح محميات الخليج
-
رحيل فاضل الربيعي وأزمة العقل العربي المعاصر
-
رحيل فاضل الربيعي ومساهماته الفكرية في مواجهة العقل العبودي.
...
-
أردوغان ونتنياهو والجولاني: أنظمة على مشرحة التاريخ..حكومة ا
...
-
توقعات إيلان بابيه عن نهاية الكيان الصهيوني ودور طوفان الأقص
...
-
عصابات الشاباك الفتحاوية بغزة..الفاشي جعجع واجندته الصهيونية
...
-
لماذا لم تقع إيران في فخ محميات الخليج الصهيو أمريكية ..كتاب
...
-
ما الذي يجعل ديوان نشيد العشق الفلسطيني تراث انساني خالد ينا
...
المزيد.....
-
الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 8 مرات في 24 سا
...
-
نواف سلام يبحث مع أبو الغيط الوضع في لبنان والمنطقة
-
ليبيا.. حرائق غامضة تلتهم 40 منزلا في مدينة الأصابعة خلال 3
...
-
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يصل إلى دمشق حيث سيلتقي بال
...
-
-يجب علينا تخيُّل العالم ما بعد الولايات المتحدة- - الغارديا
...
-
الجزائر تمهل 12 موظفا في سفارة فرنسا 48 ساعة لمغادرة أراضيها
...
-
-ديب سيك - ذكيّ ولكن بحدود... روبوت الدردشة الصيني مقيّد بضو
...
-
انخفاض تعداد سكان اليابان إلى أدنى مستوى منذ عام 1950
-
جدل في الكنيست حول مصر.. وخبير يعلق: كوهين أحد أدوات الهجوم
...
-
وزير خارجية فرنسا يدعو لفرض -أشد العقوبات- على روسيا
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|