محيي الدين ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 16:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من أراد لوطنه المحتل أن يتحرر، عليه أن يتحرر أولًا من سلاسل الاستسلام الداخلي، عليه أن يخرج من قيود الخوف واليأس والانتماء لقوى من الخارج، التي تقيد إرادة الشعوب أكثر من قيود الاحتلال ذاته، التحرر ليس مجرد مقاومة عسكرية، بل هو مقاومة فكرية وروحية، عليه أن يستعد لملاقاة الموت في كل لحظة، لكن لا كمجرد نهاية جسدية، بل كفكرة، كقيمة سامية يشتري بها حريته وحياة شعبه.
التحرر يتطلب أولًا من أي أمة محتلة أن ترى نفسها قوية، وأقوى من المحتل نفسه، وأن تعيد بناء هويتها المفقودة أولا، سواء كانت ثقافية، أو تاريخية، أو روحية، إذ علي أي أمة محتلة وتريد أن تتحرر، أن تحيي الأمل في نفسها، وتجعل من آلامها نورا للمستقبل، كما قال غاندي: "يجب أن تصبح أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم." لذا، من كان يريد وطنه أن يتحرر، يجب أن يكون مستعدًا لإحداث التغيير أولًا في ذاته، من خلال التماسك، والثبات، والوعي، والحكمة.
التحرر لا يأتي إلا عندما يشعر الإنسان أن كل فرد من شعبه مستعد للوقوف أمام الجدران العاتية، وأمام السجون القاسية، وأمام المحتل الغاصب، فالتحرر ليس أماني أو دعوات بائسة، التحرر إيمان عميق بأن الظلم لن يستمر، وأن الشعوب التي تتحمل آلامها بصبر وحدها وتتحمل تضحياتها بكرامة وكبرياء، ستكتب لها الحرية في النهاية.
ففي عالم يعيد إنتاج الاستبداد بأقنعة ديمقراطية، تصبح الحرية ليست مطلبًا سياسيًا فحسب، بل حالة وعي، والتزام يومي بالمخاطرة، إنها دعوة للخروج من دائرة الأمان الزائف، والإيمان بأن العيش في ظل الطغيان والاحتلال، هو موت متأخر، وهو أقسى من الموت نفسه.
وعندما يقف الإنسان في قلب المعركة ضد الغاصب بين الحياة والموت، بين القيد والحرية، عليه أن يدرك أن كليهما ليسا متناقضين، بل هما وجهان لعملة واحدة. إن الحرية التي ينشدها أي شعب ليست في الهروب من القيود، بل في تلك اللحظة التي يُقدِم فيها على الفناء، لحظة تكون فيها الروح في قمة نقائها، خالية من كل ما يعوقها. فمن استعد للموت الحقيقي هو من عاش الحياة كما ينبغي، حراً في كل جزء من كيانه. لأن الحياة بدون حرية هي وهم كبير، صورة فارغة لا تملك إلا أن تذوب عند أول شعاع نور. أما الموت، في جوهره، فهو ليس النهاية، بل هو البوابة التي تعبر من خلالها الروح لتجد نفسها في اتساع الكون، بلا حدود ولا قيود. إن الوقوف في وجه المحتل ليس هروبًا من الخوف، بل هو معركة تكشف فيها الروح عن قوتها الحقيقية، ليحقق الشعب حريته ويكتب مستقبله بنفسه، دون أن يقيده شيء.
ومن ثم، إذا كان الموت قدر كل حيّ، فليمت أصحاب الأوطان المحتلة أحياءً … أحرارًا.
#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟