سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 14:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان مناسبة طرح هذا السؤال , ما اتعرض له من هجوم من قبل مدير البوليس السياسي DGST المدعو عبد اللطيف الحموشي , ومن قبل ( صديق ) و(مستشار ) الملك المدعو فؤاد الهمة , حيث يتعرض منزلي للرش بمادة كميائية سامة , نتج عنها حروق جلدية مع جروح صغيرة جدا في ايدي وبارجلي , وتورم في الركبتين , مع بداية عجز في يدي بالكتابة, إضافة الى التنفس والانف والحلق .. يرشون مادة كميائية سامة خطيرة , سيما وانهم يستعملون أجهزة الدولة في ارتكاب هذه الجرائم من مرتبة الجنايات . بل قاموا وسكبوا الصباغة على حائط منزلي المطل على الشارع , وسكبوا نفس الصباغة على باب منزلي ..
ورغم الاخبار بهذه الجرائم ، لم تحرك النيابة العامة بحثا ولا تحقيقا , وهي التي تفتح التحقيقات بمجرد تدوينة تعكس موقف او ترفع شعارا, ام تدعي الانتماء الى جهة سياسية ... الخ . وهذا طبعا جعلنا نطرح السؤال : هل القضاء في المغرب مستقل وعصري , ام انه ليس كذلك يخضع لنواميس وتقاليد لا علاقة لها باستقلال القضاء , ولا بعصرنته ..
هناك عدة وقائع مرتبطة بتطور المشهد الوطني , فرضت طرح إشكالية القضاء , خاصة وعندما كنت اطارا في وزارة الداخلية شهْدت الاحكام تنزل بالهاتف وحسب ما يريد الجهاز البوليسي , مما جعل تلك الاحكام جائرة ظالمة , سيما وان المحاكم تأخذ بتقارير البوليس دون زيادة ولا نقصان , أي ان تقارير البوليس هي الأصل , لان حتى ترقيات القضاة وتعيينهم تخضع لتلك التقارير , وهي التقارير نفسها عند تعيين البرلمانيين والوزراء واطر الدولة .. أي اننا امام دولة بوليسية لا امام دولة حق وقانون .
فهل بالمغرب قضاء عصري ومستقل ؟.
لمعرفة الجواب يتعين القاء نظرة عن طبيعة النظام السياسي بالمغرب , كنظام سلطنة محكوم بدستور الملك الذي وحده يمثل الدولة , ومحكوم بعقد البيعة الذي يسمو على دستور الملك المكتوب .. فالقضاء في المغرب ليس بسلطة مستقلة كما الحال في الدول الديمقراطية , لكنه من وظائف الامامة , لان الامام وحده الرئيس الفعلي للمأمومين ( القضاة ) , لانه هو من يتولى تعيينهم وترقيتهم ويتولى تأديبهم . الاحكام تصدر باسم الامام , وتنفد باسمه, والاعوان الذين ينفدونها هم اعوانه .. وحتى السجون سجونه .. في نظام كهذا لا يمكن للمأمومين نقض احكام الامام , كما لا يجوز للصغير ان ينظر في دعوى ضد الأمير , لان الدعاوى ضد الأمير مآلها الحفظ دائما .. هذا اذا قبلت من الناحية الشكلية .. اما الموضوع فهو من قبيل المحرمات , لان ليس للمأموم سلطة البث في قضايا الامام الذي يستمد البركة والسلطة من الإسلام ..
اذن لا استغرب حين تجاهلت النيابة العامة اشعاراتي بجناية ارتكبها مدير البوليس ورئيسه عن بينة واختيار , لان قرار ومحاضر البوليس تكسب لوحدها قوة الشيء المقضي به , والمأمومون (القضاة) على بينة من هذا الحقيقة التي للبوليس السياسي بكل مفاصل الدولة البوليسية .
فالشكل الأخطر هو الجانب المتعلق باستقلال القضاء الغير موجود . وفي انتظار المعجزة التي هي فتح نقاش وطني شفاف وجدي لمعالجة هذا الملف , نبادر كمثقفين وقانونيين بعرض مجموعة من الحقائق :
ان استقلال القضاء الذي يمثل ركيزة أساسية للديمقراطية , لا يتحقق في أي بلد الا اذا توافرت الشروط التالية :
--- ان تتوفر للقضاة حريتهم الكاملة في طريقة تعاملهم مع القضايا المعروضة عليهم , وألاّ يخضعوا سوى لنصوص القانون ونداء ضميرهم , وان يتحرروا من أي تأثير لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة كالجهاز البوليسي الفاشي ..
--- ان يتمتعوا بأشكال التنظيم التي توفر لهم إمكانية تحقيق تضامن فئوي فعال , وحق الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم , والتصدي بشكل جماعي لكل اجهاز على مكتسباتهم او مس بالحصانة والاستقلال المكفولين لهم ، وفرض اسماع صوتهم .
--- ان تتحقق لهم الحماية الكاملة ضد كل اشكال التنقيل والتوقيف والعزل ، باستثناء ما يتخذ في اطار تأديبي مع ضمان حقهم في الدفاع عن انفسهم ، طبقا لضوابط داخلية دقيقة تحكم سير العائلة القضائية ، وتفرض ان يسير القضاة انفسهم بأنفسهم ، ويديروا شؤونهم بما في ذلك ضمان الانضباط المهني في صفوفهم ، والحرص على احترام قواعد النزاهة والحياد .
--- ان يحظوا بأجور محترمة تساعد في تحصينهم ضد اغراء المال ، وبتكوين عال يمنحهم القدرة على تمثل قيمة الحق والقانون وقدسية رسالة القضاء ، وبظروف مادية وإدارية ونفسية وثقافية تمكنهم من أداء وظائفهم على الوجه الاكمل ، وفي تحرر من اكثر ما يمكن من الضغوط والاكراهات والقيود ، وبمسطرة اختيار وترقية وترفيع وتقسيم للمهام ، تعتمد على الموضوعية والأهلية والاقدمية والاجتهاد ، ولا تتدخل فيها اعتبارات غير المتعلقة بقناعات القاضي .
--- ألاّ يجبروا على تطبيق نصوص غير أصولية بسبب تعارضها مع الدستور .
ونحن كمهتمين ومحللين للشأن العام المغربي برمته ودون تجزئته ، يمكن ان نلاحظ :
-- ان النسق التقليدي للحقل الدستوري المغربي ، ينتج الكثير من مظاهر الخلط والارتباك ، فلا يعترف للقضاء في النهاية سوى بمهمة تفويض وتوكيل .
ويحكم على القضاء الدستوري بمحدودية المجال وعدم توازن التركيبة ، ويقر بحكم اعتماده على فكرة عدم تجزئة السلطة ، وإمكان ارتدادها بعد تفويضها الى منبعها الأصيل الوحيد .. مثلا الحق في العقاب على المزاج والانتقام ومن دون نص ، واعتبار وظيفة التحكيم غير مجافية مع ممارسة وظيفة الحكم أيضا .
-- ان القضاة المغاربة محرومون من حق التنظيم النقابي ، مثل قضاة الدول الديمقراطية ، ومحرومون حتى من حق التعبير عن رأي سياسي ، وليس لديهم اطار مستقل لرص صفوفهم . وحتى التجارب المرسمة في هذا الشأن ، لم تتح لهم فرصة ان تفعل ما تبرر به وجودها .
-- ان القانون المغربي وقبل تدارك الزلة ، كان يسمح لوزير العدل مباشرة بنقل القاضي ل ( حاجات المصلحة ) .
ان بضع آلاف من القضاة يواجهون جبالا من الملفات ، فيؤدي ضعف التأطير القضائي والمادي والإداري ، امام الضغط المتزايد للقضايا ، الى منطق تصفية لا يحرص دائما على الجاهزية واستيفاء كامل متطلبات البت ، مما قد ينجم عنه ضياع الحقوق .
-- ان الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية ، اصبح يحرم على القضاة اعمال الرقابة على دستورية القوانين ..
وللاختصار لان مشكلة القضاء تتطلب تنزيل سلطة قضائية بتعديل الدستور لهذا الامر الناجع .. فالموجود في الدولة السلطانية ليس سلطة قضائية مستقلة ، ولكن قد نعتبرها سلكا كالسلك الحكومي والسلك البرلماني ، لانهم ملك لرئيس الدولة كأمير وإمام ، يخضعون له كموظفين سامين ، لا كهيئات مستقلة الذات تُحكم بالقوانين ..
ان القضاء في الدولة السلطانية هو من وظائف الامامة ، و(القضاة) هم مجرد مأمومون يخضعون للأمام ، كما ان البرلمانيين هم مجرد مشرعين للأمير الامام ، من خلال الخطاب السنوي الذي يوجهه لبرلمانيه في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر من كل عام كأمير وامام وليس كملك ، ويعتبر الخطاب السلطاني هنا بمثابة الامر اليومي الذي يحدد بمقتضاه امير المؤمنين مجال وحقل تشريع برلمانيه ، دون اغفال اللباس المخزني السلطاني الذي يضفي على قبة البرلمان هيبة الدولة الطقوسية ، البتريمونيالية ، البطريركية ، الثيوقراطية ، والتقليدانية .. فما الفرق بين الامر اليومي الذي يوجهه الأمير الى برلمانيه ، والامر اليومي الذي يوجهه لجيشه ..
ان اصلاح القضاء بخلق سلطة قضائية مستقلة ، تخضع للقوانين ولا تخضع للأمير مولانا السلطان ، هي وحدها تضمن السير الديمقراطي للمؤسسات الدستورية في الدولة الديمقراطية .. وتعديل الدستور لإنشاء هذا السلطة التي تضمن سريان المعاملات القانونية ، والاقتصادية والتجارية ، تعطي للمانحين ولأصدقاء المغرب الثقة في مؤسساته الدستورية ، فيزيد الاستثمار ، فيخلق فرص الشغل ، فتقلل البطالة ، ويخف الفقر والفاقة ..
ان التركيز على اصلاح القضاء بخلق سلطة قضائية مستقلة تحتكم الى الضمير والى القوانين ، ولا تخضع للأمير الامام ، اصبح فرض عين وواجب وطني ، لضمان الحقوق المغربية ، وضمان حقوق المواطن المغربي ..
ان قضاء الامامة المتعارض مع القضاء العصري المستقل ، هو ما جعل القضاء في احكامه يأخذ فقط بالمحاضر البوليسية المزورة ، فيصبح قضاء الامامة ، مثل برلماني الأمير ووزراء الامام الأمير ، بل كل الدولة تخضع لرقابة وتوجيه البوليس الفاشي ، الذي يسيء لصورة المغرب ديمقراطيا وفي حقوق الانسان مع الدول الديمقراطية ، وهذه الحالة الشاذة طبعا تؤثر على الصراع الذي يخوضه المغرب للدفاع عن مغربية الصحراء ..
فهل يعقل ان يوجد وراء القضبان مواطنون بسبب ملفات بوليسية مطبوخة ومزورة ، فقط للانتقام من مواقف سياسية او ثقافية او تتعلق بحرية الراي والتعبير .. مع العلم ، كل الديمقراطيين التقدميين واحرار الشعب المغربي ينتظرونها ، ان يكون صفر Zéro معتقل رأي او معتقل سياسي ، او داعي الى العدالة والحقوق والمواطنة ، مع الحسن الثالث ..
ومن كان لا يريد الحسن الثالث ، ولا يريد الملكية الديمقراطية وليس الملكية الدكتاتورية الطاغية المستبدة ، فليتفضل يعطينا نوع النظام المفضل ، ونوع الأشخاص ( القادة الجدد ) الذين سيقودون المغرب الجمهوري ..
ان القاعدة الشعبية ، هم رعايا جاهلة ، امية ويسيطر العنف على اغلب تصرفها .. فهل من الجائز تسليم جاهل عنيف السلطة ليحكم البلد ، مع العلم ان لا مرجعية أيديولوجية او عقائدية عنده .. والسؤال . هل تعرفون حين تسلموا العدو سلاحكم .. ؟
الساحة فارغة عن اخرها ، واذا لم يستحضر العقل والروية ، فنحن ذاهبون الى الفتنة وليس الى الثورة .. والفتنة هي اشد من القتل ..
ان دمقرطة القضاء ، هو المدخل الأساسي لدمقرطة الدولة ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟