|
بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام السوريين
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام السوريين
مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط، لكننا شهدنا إشغالًا مستمرًا حول تقاسم السلطة بدلًا من مواجهة الأزمات الحقيقية، إلى درجة ترك المواطنين دون رواتب ودون مستلزمات الحياة اليومية، بتفاصيلها كلها؟! وكان أول هذه الأزمات تردي الأمن، خاصة بعد أن اعتمد النظام الجديد على بعض الفصائل فيما سمي بـ "مؤتمر النصر"، حيث أصبح العديد من رؤساء هؤلاء الفصائل من عداد أركان النظام الجديد، لاسيما عسكرياً، وعلى صعيد تزكية النظام بما هو ليس شأنهم، بل أُعطوا الأدوار الأهم في المشهد. ورغم هذه التسوية، بقي السوريون المشردون والجوعى، ويقتلون في بيوتهم وشوارعهم. فقد كان ينبغي أن تكون هناك جهود حقيقية في كل مدينة وكل حي لتوفير الأمان والرغيف، ولكن ذلك لم يتحقق، بل بات السوريون في أنحاء البلاد كافة يشعرون بالخوف من المستقبل. السلطة الجديدة لم تشتغل على زرع الثقاة ومداواة الجرح، بل على تضخيم الشرخ. اعتمدت على الطائفة في اتجاهها المظلوم، لكنها ضمت حتى الظالم من الطائفة المسماة مظلومة، واستهدفت حتى المظلوم من الطائفة التي قدمها النظام البائد كقربان، وكانت نواة أداته الضاربة طائفياً وسلطوياً. حيث لم تكن هناك رؤية شاملة لبناء الثقة أو التأسيس لوطن جديد، بل كان هناك إصرار على تغليب الولاء السياسي أو الطائفي على حساب الكفاءة والانتماء الوطني. النظام السابق اشتغل على السلطة، على تقاسمها، الإمساك بها، والتخطيط لديمومتها له، بالاعتماد على مقربيه والأتباع، لا على كل المكونات السورية، ولهذا فقد بقيت الحكومة حكومة اللون الأيديولوجي الواحد أو من اختيار اللون الواحد، رغم أن ملايين السوريين يملكون كفاءات علمية ووطنية تفوق أولئك الذين اختيروا، وهو ما استعاده النظام الجديد، على نحو أضيق، إذ اعتمد لب الطائفة بحسب رؤيته. القتل الهمجي على الهوية في الساحل: من جانب آخر، فقد تعرضت المناطق الساحلية- على يدي السلطة الجديدة- لقتل جماعي للكثيرين من المدنيين، وكان من ضحايا ذلك: قتل الأطفال والشيوخ والنساء وأصحاب الشهادات العلمية العليا وحتى معارضي النظام، ولعل الشواهد على الانتهاكات الفظيعة واضحة من خلال الحصار والقتل العشوائي والتدمير الممنهج كما جرى في مدينة جبلة. فقد تمت هناك حملات تطهير طائفي علنية ومستترة ضد السكان المحليين، حيث تم تشويه وتدمير كل ما يعزز الهوية الثقافية والإنسانية لأبناء هذه المنطقة. المعاناة في الساحل كان من الممكن تجنبها لو أن هناك محاسبة حقيقية وتحقيقات شفافة لأحداث السنوات الماضية، ولكن يا للأسف فقد تم إطلاق أيدي بعض الفصائل، على نحو ثأري، بسبب ملاحقة حفنة من مثيري الفتنة من أزلام النظام البائد، وقد تم التعامل مع تلك الجرائم وكأنها جزء من مشهد الحرب، ما أدى إلى تفشي اللامبالاة تجاه المعاناة المستمرة للسوريين. إعادة بناء العلاقات بين المكونات المشكلة الأكبر التي ظهرت في هذا السياق هي استمرار إقصاء الكرد. منذ بداية تأسيس سوريا، تم تجاهل حقوقهم الثقافية والسياسية، وكانت هذه الممارسات تأتي من بعض الأوساط السياسية التي نظرت إلى الكرد كمجرد "مواطنين تابعين". لا يمكن أن يكون مستقبل سوريا ديمقراطيًا أو مستقرًا دون أن يتم الاعتراف الكامل بحقوق الكرد، بداية من الثقافة والتعليم إلى الحقوق القومية، وعلى رأسها الاعتراف بحقهم في المشاركة في بناء وطنهم الجديد. لذلك، يجب أن تكون هذه الحقوق مضمونة في الدستور الجديد الذي ينبغي أن يتم التأسيس له من خلال حوار شامل بين جميع مكونات الشعب السوري. إن تجاهل حقوق الكرد لم يعد مقبولًا على الإطلاق. وكان من الممكن أن يُحسن النظام السابق موقفه لو أنه اعتبر كل السوريين سواسية في الحقوق والواجبات، وعمل على دمج الكرد في مؤسسات الدولة دون تهميش أو إقصاء. العدالة الانتقالية كحل رئيس من الحلول المطروحة والتي يجب أن تكون على رأس الأولويات، هو إرساء العدالة الانتقالية. فالتاريخ السوري في ظل الدكتاتوريات المتتالية على دفة الحكم لاسيما في الحقبة العنصرية البعثية مليء بالانتهاكات والجرائم التي يجب أن يُحاسب مرتكبوها. والعدالة الانتقالية لا تعني فقط محاكمة المسؤولين عن الجرائم الكبيرة، بل أيضًا استعادة الحقوق المفقودة للمواطنين العاديين الذين تم قمعهم وقتلهم أو تهجيرهم قسريًا وحتى من سلخت عنهم الجنسية وحرموا من التعليم والملكية على امتداد أجيال، كما حال الكرد، أو أي معارض سوري تعرض للطرد الوظيفي أو النقل أو سوى ذلك. حيث يجب أن تكون هناك محاكمات علنية وشفافة للجرائم كافة، بدءًا من القتل العشوائي في شوارع المدن إلى المجازر المنظمة في القرى إلى طرد الموظفين إلى منع الملايين من العمل الحكومي، لاسيما حملة الشهادات والخبرات. إن هذه العدالة يجب أن تكون أساسية في إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري، وإلا فإن من سيواصل التحريض على الفتن والانقسامات هم أولئك الذين يسعون لمصلحتهم الشخصية على حساب الوطن والمواطن. كما أن الحل النهائي يجب أن يعتمد على الشفافية. من خلال فتح ملفات كل الانتهاكات بشكل علني، والاعتراف بالأخطاء، من الممكن أن نبدأ عملية المصالحة الوطنية الحقيقية. سوريا بحاجة إلى خطوات جادة تجاه إعادة بناء الثقة بين جميع الأطياف، وهي لا تكون إلا من خلال الاعتراف بالماضي كما هو، وبالابتعاد عن الخطاب الطائفي والتقاسمات السياسية الضيقة. لقد أصبح من غير الممكن إخفاء الحقائق أو التهرب من المسؤوليات. الابتعاد عن التمييز والتقسيمات الطائفية مؤكد أن الخطاب الطائفي لم يعد محل قبول، ولا يمكن لأي مشروع سياسي مستقبلي أن ينجح ما لم يحترم ويطبق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع السوريين. وإذا كان النظام الجديد يعمل من أجل سوريا واحدة، وهوما تشدد عليه تركيا على نحو أشد معادية الفيدرالية، وإذا كان النظام يهمه أن يكون الشعب السوري واحداً، فإن أي تقسيم أو تمييز طائفي سيؤدي إلى مزيد من النزاعات والدمار. إذ يجب أن نضع حدًا لكل تلك الخطابات التي تعزز الانقسامات، وأن نركز على بناء دولة ديمقراطية لا تفرق بين أبنائها على أساس الدين أو المذهب. إن إعادة بناء المؤسسات السورية، خاصة في التعليم والصحة، يجب أن تكون في صلب أي مشروع سياسي مستقبلي. ويجب أن تتوافر البنية التحتية للمواطنين وأن تُؤمن الحياة الكريمة لهم. من خلال ذلك يمكن بناء جيل جديد قادر على بناء سوريا المستقبل. لا يمكن أن تبنى سوريا على أسس من التهميش أو الظلم، بل على الشراكة الحقيقية والتعاون بين جميع مكوناتها. من هنا فإن خريطة الطريق التي يجب أن يسلكها السوريون هي خريطة من الوحدة والعدالة، من خلال الاعتراف الكامل بالحقوق المدنية والثقافية لجميع السوريين، وعدم التفريط في حق أي مكون من مكونات الشعب السوري. فالمستقبل السوري لا يمكن أن يكون إلا سوريا واحدة موحدة، لا مكان فيها للتمييز ولا للإقصاء.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
-
مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
-
من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
-
الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
-
السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا
...
-
من يرفع علم إسرائيل - 2-
-
وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
-
من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
-
من يرفع العلم الإسرائيلي؟
-
حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد
-
بعد سقوط البعث العنصري ونظام أسده: قمم جيايي كورمينج تتوهج ب
...
-
الأسد والبعث وثنائية الأكثرية والأقلية
-
السيد الشرع في دوامته لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة ا
...
-
دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء
-
نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال
...
-
نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال
...
-
حصار الساحل السوري موت بطيء تحت الحصار لمن نجوا من القتل الج
...
-
قراءة نقدية قانونية للدستور الجديد: إشكاليات التمييز والهوية
...
-
السيد الرئيس الشرع: لا أوافق على دستورك ورئاستك بهذه الصيغة!
-
مذابح الساحل السوري: توثيق الجريمة وفضح رعاة القتلة
المزيد.....
-
الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 8 مرات في 24 سا
...
-
نواف سلام يبحث مع أبو الغيط الوضع في لبنان والمنطقة
-
ليبيا.. حرائق غامضة تلتهم 40 منزلا في مدينة الأصابعة خلال 3
...
-
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يصل إلى دمشق حيث سيلتقي بال
...
-
-يجب علينا تخيُّل العالم ما بعد الولايات المتحدة- - الغارديا
...
-
الجزائر تمهل 12 موظفا في سفارة فرنسا 48 ساعة لمغادرة أراضيها
...
-
-ديب سيك - ذكيّ ولكن بحدود... روبوت الدردشة الصيني مقيّد بضو
...
-
انخفاض تعداد سكان اليابان إلى أدنى مستوى منذ عام 1950
-
جدل في الكنيست حول مصر.. وخبير يعلق: كوهين أحد أدوات الهجوم
...
-
وزير خارجية فرنسا يدعو لفرض -أشد العقوبات- على روسيا
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|