أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة















المزيد.....



الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 08:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ مَاهِيّ الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة

الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة "Medical ethics" هِيَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ المَبَادِئِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تُنَظَّمُ سُلُوك الْأَطِبَّاء وَ الْعَامِلِين فِي الْمَجَالِ الصِّحِّيّ فِي عَلَاقَتَهُمْ بِالْمَرْضَى وَزُمَلَائِهِمْ وَفِي مُمَارَسَاتهم الْمِهَنِيَّة. هَذِه الْأَخْلَاقَيَّات تَسْتَنِدُ إلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّة الْأَسَاسِيَّة كَالرَّحْمَة وَالْعَدَالَة وَ إحْتِرَام كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ. يُعْتَبَر مَجَال الْأَخْلَاقَيَّات الطِّبِّيَّةُ قَدِيم قِدَم مِهْنَة الطِّبّ نَفْسَهَا، حَيْثُ إنَّ الْبَشَرِيَّة أَدْرَكْت مُنْذُ الْقِدَمِ ضَرُورَةِ وَضْعِ مَوَاثِيق أَخْلَاقِيَّة لِحِمَايَة الْمَرْضَى وَتَنْظِيم الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْأَطِبَّاء وَزُمَلَائِهِمْ. وَتَشْمَلُ الْأَخْلَاقَيَّات الطِّبِّيَّةُ مَوَاضِيع عَدِيدَة مِنْهَا, إحْتِرَام إسْتِقْلَالِيَّة الْمَرِيض وَحَقُّهُ فِي إتِّخَاذِ الْقَرَارَات الْمُتَعَلِّقَة بِصِحَّتِه، وَالْحُصُولُ عَلَى مُوَافَقَتِهِ الْحُرَّة وَالْمُسْتَنِيرة قَبْلَ أَيِّ إجْرَاء طُبْي. وَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِالْمَرِيض وَ السَّعْي لِتَحْقِيق مَنْفَعَتُه (مَبْدَأ النَّفْع وَالْعَدَالَة). ثُمَّ الْحُفَّاظُ عَلَى سِرِيَّةٍ الْمَعْلُومَات الطِّبِّيَّة الْخَاصَّة بِالْمَرِيض وَ الْحِفَاظُ عَلَى خُصُوصِيَّتِه. كَذَا الْمُسَاوَاةِ فِي الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْمَرْضَى دُون تَمْيِيز. وَالِإلْتِزَام بِالْمَعَايِير وَالْأُسُسُ الْعِلْمِيَّةِ فِي الْمُمَارَسَة الطِّبِّيَّة وَالتَّحَلِّي بِالْإِخْلَاص وَ الْأَمَانَة. وَإحْتِرَام آرَاء وَ عَادَات الْمَرْضَى الدِّينِيَّة وَ الثَّقَافِيَّة. ثُمّ التَّعَاوُن وَ التَّكَامُل بَيْن الْأَطِبَّاء وَ بَاقِي الْعَامِلِينَ فِي الْمَجَالِ الصِّحِّيّ. وَالدِّفَاعِ عَنْ إسْتِقْلَالِيَّة الْقَرَارَات التَّشْخِيصِيَّة وَالْعَلَاجِيَّة الطِّبِّيَّة. هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً بَلْ تَخْضَع لِلتَّوَازُن وَالتَّفَاعُل فِيمَا بَيْنَهَا، حَيْثُ قَدْ تَنْشَأ حَالَات تَتَعَارَضُ فِيهَا مَبَادِئ مُخْتَلِفَةٌ وَ تَحْتَاجُ إلَى مُوَازَنَة وَتَحْلِيل دَقِيقٌ مِنْ قِبَلِ الْأَطِبَّاء وَ الْعَامِلِين فِي الْمَجَالِ الصِّحِّيّ. وَ لِلْأَخْلَاقِيَّات الطِّبِّيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ خُصُوصِيَّتِهَا الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ الْمَبَادِئِ وَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّة الْإِسْلَامِيَّة, كَالرَّحْمَة وَ الْعَدْل وَ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَ قَدْ أَكَّدَ الْإِسْلَامُ عَلَى الِإلْتِزَامِ بِهَذِهِ الْمَبَادِئِ فِي مُمَارَسَةِ مِهْنَة الطِّبّ إذْن يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، تُعْتَبَر الْأَخْلَاقَيَّات الطِّبِّيَّةُ جَوْهَر الْمُمَارَسَة الطِّبِّيَّة الْمَسْؤُولَة وَالْإِنْسَانِيَّة، وَتَلْعَب دُورًا مُحَوَّريا فِي ضَمَانِ تَقْدِيمُ أَفْضَلَ رِعَايَة صِحِّيَّة لِلْمَرْضَى وَحِمَايَة حُقُوقِهِمْ.

_ الْمَفْهُومُ الْفَلْسَفِيّ لِلْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة

الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة هِيَ مَجَالُ مِنْ مَجَالَاتِ الْأَخْلَاق التَّطْبِيقِيَّة الَّتِي تُعْنَى بِدِرَاسَة الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّةُ وَ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. وَ هِي تَسْتَمِدُّ أُصُولِهَا مِنْ الْفَلْسَفَةِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالنَّظَرِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة الْمُخْتَلِفَة. الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة تَبْحَثُ فِي الْمَبَادِئِ وَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الْأَطِبَّاءِ وَالْعَامِلِين فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ الِإلْتِزَامَ بِهَا أَثْنَاءَ مُمَارَسَتِهِمْ لِمَهَامِّهَمْ الطِّبِّيَّةُ. وَهَذِه الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ تَشْمَل إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الْمَرِيض وَحُقُوقِه، الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي تَوْزِيعِ الْخِدْمَات الطِّبِّيَّة، عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِالْمَرِيض، السَّرِيَّة الطِّبِّيَّة، الصِّدْق وَ الشَّفَّافِيَّة فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْمَرْضَى، وَ الْمَسْؤُولِيَّة الْمِهَنِيَّة. وَ يُعَدّ مَبْدَأ مَنْفَعَة الْمَرِيض وَتَحْقِيق مَصْلَحَتُهُ مِنْ أَهَمِّ الْمَبَادِئِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة. فَالطَّبِيب مُلْزَم بِوَضْع مَصْلَحَة الْمَرِيض فَوْق مَصْلَحَتِه الشَّخْصِيَّة، وَعَدَم إتِّخَاذ أَيْ قَرَارٍ طُبْي مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ مَكَاسِب مَادِّيَّةً أَوْ أيَةٍ مَكَاسِب أُخْرَى. كَمَا تَشْمَلُ الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة مَسَائِلَ أُخْرَى مِثْلَ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة عَلَى الْبَشَرِ، إسْتِخْدَام التِّكْنُولُوجْيَا الطِّبِّيَّة الْحَدِيثَة، قَضَايَا بِدَايَة الْحَيَاة وَ الْوَفَاةِ، وَ قَضَايَا الصِّحَّة الْعَامَّة وَ الْمُجْتَمَعِيَّة. وَ هَذِهِ الْقَضَايَا تَتَطَلَّب مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَامِلِين فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ مُوَازَنَةٌ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالضَّرَرِ، وَبَيْن إحْتِرَامُ حُقُوقِ الْأَفْرَاد وَ حِمَايَة الْمَصَالِح الْمُجْتَمَعِيَّة. وَمِنْ هُنَا تَتَجَلَّى أَهَمِّيَّة الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة، فَهِي تَسْعَى لِتَوْجِيه الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْر وَتَجَنُّب الشَّرّ، وَضَمَان حِمَايَة حُقُوق الْمَرْضَى وَ إِنْسَانِيَّتِهِم. كَمَا أَنَّهَا تُسَاعِدُ عَلَى مُعَالَجَةِ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة الْمُسْتَجَدَّة جَرَّاء التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَ التِّكْنُولُوجِيَّة فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ. وَلِتَحْقِيق هَذِه الْأَهْدَاف، تَسْتَعِين الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة بِالْفَلْسَفَة الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَمُدُّهَا بِالنَّظَرِيَّات وَالْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّة اللَّازِمَة لِتَحْلِيل وَ فَهْمِ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ. وَ تَبْرُز هُنَا أَهَمِّيَّة مُشَارَكَة الْفَلَاسِفَة الْأَخْلَاقِيِّين فِي مُنَاقَشَةِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْمُمَارِسِين الطُّبْيَيْن، مِنْ خِلَالِ تَقْدِيم الْإِطَار الْمَفَاهِيمي وَ النَّظَرِيُّ اللَّازِمُ لِذَلِكَ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِ الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة مُوَجَّهَة أَسَاسًا لِلْمُمَارِسِين الطُّبْيَيْن، إلَّا أَنَّهَا تَمْتَدُّ لِتَشْمَل جَمِيع الْمَعْنَيَيْن بِالرِّعَايَة الصِّحِّيَّة، بِمَا فِي ذَلِكَ الْمَرْضَى وَ أَسْرِهِمْ وَ المُؤَسَّسَات الصِّحِّيَّة وَ الْمُجْتَمَع كَكُلّ. فَالْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة تَسْعَى لِتَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ مَصَالِح وَ حُقُوق جَمِيعِ الْأَطْرَافِ الْمُعْنِيَة . وَ تَسْتَمِدُّ الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة أَيْضًا مِنْ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ وَ التُّرَاث الْأَخْلَاقِيّ لِلْحَضَارَات الْمُخْتَلِفَة. فَالْإِسْلَام مَثَلًا يَضَع مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لِلْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّةُ، كَإحْتِرَام كَرَامَة الْإِنْسَان وَ حَقُّ الْحَيَاةِ، وَ حُرْمَة الْجَسَد، وَ الْعَدْل وَ الْمُسَاوَاة، وَ النَّصِيحَة وَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْمَرْضَى. وَ هَذِه الْمَبَادِئ تَتَّفِق إلَى حَدِّ كَبِيرٌ مَعَ مَا تَقَرُّرِه الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة الْمُعَاصِرَة. يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْأَخْلَاقَ الطِّبِّيَّة تَمَثَّل حَقْلًا فَلْسَفِيًّا هَامًا يَسْعَى إلَى تَأْطُير الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة بِمَنْظُور أَخْلَاقِيّ، بِمَا يَضْمَنُ حِمَايَة كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ وَحُقُوقِهِ وَتَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَالْخَيْرِ الْعَامِّ. وَهِيَ تَسْتَمِدُّ أَسَاسِهَا مِنْ النَّظَرِيَّاتِ وَالْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُقَدِّمُهَا الْفَلْسَفَة، مَعَ الِإسْتِنَادِ أَيْضًا إلَى الْمَرْجِعِيَّات الدِّينِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لِلْحَضَارَات الْمُخْتَلِفَة.

_ نَشْأَة الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّةِ فِي السِّيَاقِ الْغَرْبِيّ الْحَدِيثِ

مَفْهُومٌ الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة الْمُعَاصِر نَشَأ كَجُزْءٍ مِنْ الْجُهُود الَّتِي بُذِلَتْ فِي السِّتِّينَات وَ السَّبْعِينَات مِنْ أَجْلِ تَغْيِيرِ الْمُمَارَسَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ فِي الطِّبِّ. إنْطِلَاقًا مِنْ الْبِدَايَةِ الْأُولَى لِلْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة، تَمَّ بِنَاءً الْمَبَادِئ الْأَرْبَعَة الْمِحْوَرُيَّة لَهَا: " إحْتِرَامٌ إسْتِقْلَالِيَّة الْمَرِيض، تَحْقِيق مَنْفَعَة الْمَرِيض، عَدَمُ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ، وَالْعَدَالَة بَيْن الْمَرْضَى" . فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْقَرْنِ الْمَاضِي، بَدَأَتْ المَوَاضِيع الْكَلاَسِيكِيَّة لِلْفِكْر الْفَلْسَفِيّ الْغَرْبِيِّ تَتَرَاجَع تَدْرِيجِيًّا بَعْدَ أَنْ أَوْشَكْت عَلَى إسْتِنْفَاد أَغْرَاضِهَا. شَهِدْنَا تَرَاجُع التَّيَّارَات الْفَلْسَفِيَّةِ الَّتِي هَيْمَنَتْ عَلَى السَّاحَةِ الْفِكْرِيَّةُ وَ الثَّقَافِيَّةُ لِعُقُود، مِثْل العَقْلَانِيَّة وَالتَّجْرِيبِيَّة، الْوَضْعِيَّة, الْمَارُّكِسِيَّة، الْوُجُودِيَّةُ وَالْبَنِيوية. فِي الْمُقَابِلِ، ظَهَرَتْ "الْأَخْلَاقَيَّات التَّطْبِيقِيَّة" مُلْفِتَّة لِلنَّظَرِ، حَيْثُ غَزَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ الَّتِي تَنْدَرِجُ ضَمِن "الْفِكْر الْأَخْلَاقِيّ الْجَدِيد" جَلّ مَيَادِين الْبَحْث وَ الْمُمَارَسَة فِي الدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَة. وَ صَاحَبَ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ أُخْرَى فِي تَزَايُدٍ الطَّلَبُ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَ الدَّعْوَةُ إِلَى تَخْلِيق جَمِيعَ مَنَاحِي الْمُجْتَمَعِ الْحَدِيث. هَذَا التَّطَوُّرُ فِي الْفِكْرِ الْأَخْلَاقِيّ الْمُعَاصِر يَعْكِس إنْشِغَال الْبَاحِثِين الْمَعْنَيَيْن بِمَجَال الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة وَالْحَيَوِيَّة فِي الأَكَادِيمِيِّات الْغَرْبِيَّةِ مُنْذُ عُقُودٍ بِصِيَاغَة نَظَرِيَّة لِلْمَبَادِئ الْحَاكِمَةَ فِي هَذَا الْمَجَالِ. فَالْأَخْلَاق الطِّبِّيَّةِ فِي السِّيَاقِ الْغَرْبِيّ الْحَدِيث ظَهَرَتْ كَرَدِّ فِعْلٍ عَلَى التَّطَوُّرَات الطِّبِّيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة المُتَسَارِعَة وَالتَّحْدِيَات الْأَخْلَاقِيَّة النَّاجِمَة عَنْهَا فِي مَجَالَاتِ مِثْل التَّجْرِيب الطِّبِّيّ عَلَى الْبَشَرِ وَالتَّحَكُّمُ فِي عَمَلِيَّةِ الْأَنْجَاب وَالْمَوْت. فِي هَذَا السِّيَاقِ، بَرَزَتْ الْحَاجَةِ إلَى وَضْعِ أَطِرْ أَخْلَاقِيَّة وَمَعَايِير تُنَظِّم الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة. وَكَانَتْ إحْدَى محَطَاتِ نَشْأَة الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّةِ فِي الْغَرْبِ هِيَ ظُهُورُ مَذْهَبِ الْمَنْفَعَةُ الْعَامَّةُ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، كَمَا تَمَيَّزَتْ بِصِيَاغَة نَظَرِيَّات فَلْسَفِيَّة أَخْلَاقِيَّة مِنْ قِبَلِ فَلَاسِفَة مِثْل بِنْتام وُجُون سِتِّيوَأَرَتّ مِيلٌ، الَّذِينَ دَعَوْا إلَى تَحْقِيقِ أَكْبَرَ قُدِّرَ مِنْ السَّعَادَةِ لِلْعَدَد الْأَكْبَرِ مِنْ النَّاس. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ نَشْأَة الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّةِ فِي السِّيَاقِ الْغَرْبِيّ الْحَدِيثِ كَانَتْ نِتَاج لِعِدَّة عَوَامِل و نَذْكُرُ مِنْهَا التَّطَوُّرَات الطِّبِّيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة المُتَسَارِعَة، ظُهُور مَذَاهِب فَلْسَفِيَّة أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة كَمَذْهَب الْمَنْفَعَةُ الْعَامَّةُ، وَالْحَاجَةُ إلَى وَضْعِ أَطرْ أَخْلَاقِيَّة تُنَظِّم الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة. وَقَدْ شَكَّلَتْ هَذِه الْعَوَامِل الْأَرْضِيَّةِ الَّتِي نَمَتْ عَلَيْهَا حَقْل الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّةِ فِي الْغَرْبِ.

_ تَارِيخ أَخْلَاقِيَّات الطِّبُّ

الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة هِي مَبْحَث عَرِيق مِنْ مَبَاحِثِ عِلْمِ الطِّبِّ الَّتِي إقْتَرَنَتْ بِهِ مُنْذُ نَشْأَتِه. لَقَدْ أَدْرَكَ الْبَشَر قَدِيمًا ضَرُورَةِ وَضْعِ مَوَاثِيق أَخْلَاقِيَّة تَضْبَط الْمُمَارَسَة الطِّبِّيَّة وَتَصُوغ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الطَّبِيبِ وَالْمَرِيضِ. أَقْدَم الْوَثَائِقِ الَّتِي أَمْكَنَ الْعُثُورُ عَلَيْهَا بِهَذَا الْخُصُوصِ هِيَ " قَسَم أَبُقْرَاط" الْيُونَانِيّ. جَمِيعُ الْحَضَارَات تَقْرِيبًا إهْتَمَّتْ بِالْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة وَصَنَّفْت فِيهَا. فَفِي الْحَضَارَةِ الْعَرَبِيَّةِ عُرِفَ هَذَا الْمَبْحَثِ بِاسْم "أَدَب الطَّبِيب"، وَشَهِد الْقَرْنِ الثَّالِثِ الْهَجَرِيّ أَوْج نُضْج التَّصْنِيفِ فِي هَذَا الْمَجَالِ مَعَ صُدُورِ مُصَنَّفَات تَأَسِّيْسِيَّة مِثْلُ "أَدَب الطَّبِيب" لِإِسْحَاق الرَّهَاوِيّ. لَمْ يَقْتَصِرْ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، بَلْ تَابِعٌ الْأَطِبَّاء الْمُسْلِمُون إنْتَاج مُؤَلَّفَات أُخْرَى فِي هَذَا الشَّأْنِ كـ"أَخْلَاق الطَّبِيب" لِلرَّازِيّ، و"مِحْنَةُ الطَّبِيبِ" وَ"مَعْرِفَةً مِحْنَة الْكَحَّالِيَّة" لِيُوَحنا بْن مَاسَوَيْه، و"إمْتِحَان الْأَطِبَّاء" لَحْنٌين بْن إِسْحَاق. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَأَثُّرِ الْأَطِبَّاء الْمُسْلِمِين بِالطِّبّ الْيُونَانِيّ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَانَوْا عَنْ ضَبْطِ مَفَاهِيمِه وَمُمَارَسَاته وَفْقَ تَعَالِيم الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. فَقَدْ حَاوَلُوا أَنْ يُعْطُوا لِلْقَسَم الْأَبْقرَاطِي صَبَغَة إسْلَامِيَّة بِحَيْث يَضْبِطُوا مِنْ خِلَالِهَا مِهْنَة الطَّبِيب وَيُوَجِهُوهَا الْوَجْهَةُ الصَّحِيحَة، وَيُرَاقَبُونَهَا، وَيَجْعَلُونَهَا مُرَاقَبَة مِنْ طَرَفِ مُحْتَسِب مِنَ الدَّوْلَةِ يَصْدُر تَعَالِيم تَضْبَط شُرُوط تَأْهِيل الطَّبِيب وَقَوَانِين لِمُحَاسَبَتِه فِي حَالَاتِ وُقُوعِهِ فِي الْأَخْطَاءِ. أَمَّا الْمُصَنَّفَات الَّتِي تَنَاوَلَتْ "أَدَب الطَّبِيب" فَقَدْ رَكَّزَتِ عَلَى قَضَايَا مُخْتَلِفَةً كَصِفَات الطَّبِيب الْمَنْشُود تَوَافَرَهَا فِيهِ، وَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الطَّبِيبِ وَالْمَرِيضِ، وَالْوَاجِبَات الْأَخْلَاقِيَّة لِلطَّبِيب تُجَاه مَرْضَاه، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْمَرْضَى بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ إنْتِمَائِهِمْ الدِّينيِّ أَوْ الْعِرْقِيّ أَوْ الْجِنْسِيّ، وَإحْتِرَام عَقِيدَة الْمَرِيض وَدِينِه أَثْنَاء عَمَلِيَّات الْفَحْص وَالتَّشْخِيص وَ الْعِلَاج، وَالْحِرْصِ عَلَى عَدَمِ إجْرَاءِ فُحُوص طِبِّيَّةٌ لَا تَتَطَلَّبُهُا حَالَةَ الْمَرِيضِ. كَمَا تَنَاوَلَتْ مَسْأَلَة الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة لِلطَّبِيب وَضَرُورَة بِنَاء إجْرَاءَاتِه التَّشْخِيصِيَّة وَالْعَلَاجِيَّة عَلَى الْبَيِّنَاتِ الْعِلْمِيَّة الْمُتَاحَة وَإجْتِنَاب الطُّرُقِ غَيْرِ الْمُعْتَمَدَة. بِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ الْأَطِبَّاءَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَسْهَمُوا فِي تَأْسِيسِ وَتَطْوِير فَرْع الْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة مُنْذُ القُرُونِ الوُسْطَى، وَإِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي "أَدَبِ الطَّبِيب" تَعَدّ تَمْهِيدًا لِلْفَلْسَفَةُ الْأَخْلَاقِيَّة الطِّبِّيَّة الْحَدِيثَة. فَقَدْ تَنَاوَلُوا قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة أَسَاسِيَّة، وَأَرْسَوْا مَبَادِئ تَحَكُّم الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الطَّبِيبِ وَالْمَرِيضِ، وَضَبَطُوا الْمُمَارَسَة الطِّبِّيَّة وَفْق ضَوَابِط دِينِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة.

_ الْحِيَاد الطِّبِّيّ وَالنَّزَاهَة الْمِهَنِيَّة

يُعَدّ مَبْدَأ الْحِيَاد الطِّبِّيّ مِنْ أَهَمِّ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لِلْمِهَن الطِّبِّيَّةُ، حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الطَّبِيبِ مُعَالَجَة جَمِيع الْمَرْضَى بِطَرِيقَة مُحَايِّدَة دُونَ التَّمْيِيزِ عَلَى أَسَاسِ الْعَرَقِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الِإنْتِمَاء السِّيَاسِيّ. وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة عِنْد تَطْبِيقُ هَذَا الْمَبْدَأِ، خَاصَّةً فِي حَالَاتِ النِّزَاعَات الْمُسَلَّحَة أَوْ الصِّرَاعَاتِ السِّيَاسِيَّةَ حَيْثُ قَدْ يُضْطَرُّ الطَّبِيب الْعَسْكَرِيِّ إِلَى التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمُقَاتِلِين وَالْمَدَنِيِّين عِنْدَ تَقْدِيمِ الرِّعَايَة الطِّبِّيَّة. هُنَاكَ أَيْضًا إشْكَالَيْات مُتَعَلِّقَةٌ بِالِإلْتِزَامَات الْمُزْدَوِجَة الَّتِي قَدْ يُوَاجِهُهَا الطَّبِيب، فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبَات الطَّبِيب تُجَاه مَرِيضَهُ وَوَاجِبَاتِه تُجَاه جِهَة التَّوْظِيف. يُوَاجِه مَبْدَأ الْحِيَاد الطِّبِّيّ الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات وَالْمَشَاكِل فِي تَطْبِيقِهِ، وَ اَلَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى النَّزَاهَة الطِّبِّيَّة بِشَكْلٍ عَامٍّ. فِي أَوْقَاتِ النِّزَاعَات الْمُسَلَّحَة وَالِإضْطِرَابَات السِّيَاسِيَّة، يُوَاجِه الْأَطِبَّاء وَ الْعَامِلُون فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ ضُغُوطات كَبِيرَةٌ لِلتَّحَيُّز وَتَفْضِيل عِلَاج أَحَد الْأَطْرَافِ عَلَى حِسَابِ الْآخَرِ. فَالْأَطْرَاف الْمُتَنَازِعَة قَدْ تُمَارِسْ ضُغُوطا وَتَهْدِيدَات لِمَنْع الْأَطِبَّاءُ مِنْ مُعَالَجَةِ أَفْرَاد الطَّرَف الْمُعَادِي، أَوْ تَسْعَى لِتَوْظِيف وَسَائِل الرِّعَايَة الطِّبِّيَّة لِأَغْرَاض حَرْبِيَّة كَإسْتِخْدَام الْمُسْتَشْفِيَّات كَمَرَاكز عَسْكَرِيَّة. وَ فِي ظِلِّ الْمَوَارِد وَالْمِيزَانِيات الْمَحْدُودَةِ، قَدْ يَضْطَرُّ الْأَطِبَّاء لِلتَّفْرِيقِ فِي الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْمَرْضَى إسْتِنَادًا إلَى إعْتِبَارَات مَالِيَّة بَدَلًا مِنْ الْمَعَايِير الطِّبِّيَّة. كَمَا قَدْ تُؤَثِّرُ الضُّغُوط الْمَالِيَّةِ عَلَى قَرَارَات الْأَطِبَّاءُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإخْتِيَارِ وَسَائِل الْعِلَاج الْأَكْثَر كُلْفَة. وَهَذَا مَا قَدْ يُنْتَهَك مَبْدَأِ الْمُسَاوَاةِ وَالْحَيَاد فِي تَقْدِيمِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. وَ فِي بَعْضِ الْمُجْتَمَعَات، قَدْ تَتَأَثَّر مُمَارَسَة الْحِيَاد الطِّبِّيّ بِالْعَادَات وَالتَّقَالِيد وَالْقَيِّم الِإجْتِمَاعِيَّة السَّائِدَة. فَالتَّمْيِيز عَلَى أَسَاسِ الْعَرَقِ أَوْ الطَّائِفَةِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ الِإنْتِمَاء السِّيَاسِيّ قَدْ يُشْكِلُ عَائِقًا أمَام تَطْبِيق مَبْدَأِ الْمُسَاوَاةِ فِي تَقْدِيمِ الرِّعَايَة الطِّبِّيَّة. كَمَا أَنَّ الْمَوَاقِف وَالْأَفْكَار الْمُجْتَمَعِيَّة السَّلْبِيَّة تُجَاه بَعْض الْفِئَات كَالْمِثْلِيَّيْن أَوْ المُتَعَاطِين لِلْمُخَدِّرَات قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى إلْتِزَامِ الْأَطِبَّاء بِالْحَيَاد. وَ فِي بَعْضِ الأَنْظِمَة الْقَانُونِيَّة، قَدْ لَا تَكُونُ الْحِمَايَة الْقَانُونِيَّة لِلْحَياد الطِّبِّيّ كَافِيَةٌ أَوْ فَعَّالَة. فَغَيْاب التَّشْرِيعَات الصَّارِمَة أَوْ عَدَمِ تَطْبِيقِهَا بِشَكْلٍ سَلِيمٍ يُؤَدِّي إلَى إنْتِهَاكِات لِلْحَياد الطِّبِّيّ دُون مُحَاسَبَة. كَمَا أَنَّ ضَعْفَ التَّنْظِيم وَالْإِشْرَافُ عَلَى الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّةِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَفَاوُتِ فِي تَطْبِيقِ مَبَادِئ النَّزَاهَة وَالْحَيَاد. وَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء صِرَاعَات بَيْن وَاجِبُهُمْ الْأَخْلَاقِيّ وَ الْمِهَنِي فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْحِيَاد، وَ بَيْن رَغَبَات أَوْ ضُغُوط أَطْرَاف أُخْرَى كَالسُّلْطَات أَوْ العَائِلَات. كَمَا أَنَّ غِيَاب أَوْ ضَعْفٍ الْمُدَوَّنَات الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمِهْنَة الطِّبِّيَّةِ قَدْ يُفَاقِم هَذِه التَّحَدِّيَات. يُوَاجِه مَبْدَأ الْحِيَاد الطِّبِّيّ وَالنَّزَاهَة الطِّبِّيَّة تَحَدِّيَات مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى الْمُسْتَوَيَات السِّيَاسِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ وَالْمُجْتَمَعِيَّة وَ الْقَانُونِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة، مِمَّا يَتَطَلَّب جُهُودًا مُكَثَّفَةً عَلَى كَافَّةِ هَذِه الْمُسْتَوَيَات لِتَعْزِيز إحْتِرَام وَتَطْبِيق هَذِهِ الْمَبَادِئِ فِي الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة.

_ إحْتِرَامُ إسْتِقْلَالِيَّة وَكَرَامَة الْمَرِيضِ

يُعْتَبَرُ إحْتِرَام إسْتِقْلَالِيَّة الْمَرِيض وَسِيَادَتُه عَلَى قَرَارَات تَخُصُّ صِحَّتِهِ مِنْ الْمَبَادِئِ الأَسَاسِيَّةَ فِي الْأَخْلَاقَيَّات الطِّبِّيَّةُ. وَ لَكِنْ قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة عِنْد تَطْبِيقُ هَذَا الْمَبْدَأِ، كَمَا فِي حَالَاتِ الْمَرْضَى الَّذِينَ لَيْسُوا قَادِرِينَ عَلَى إتِّخَاذِ قَرَارَات بِشَأْنِ رِعَايَتِهِمْ الصِّحِّيَّة (مِثْل الْمَرْضَى الْمُصَابِين بِالخَرَفْ أَوْ فَاقِدَيْ الْوَعْي). كَذَلِكَ قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة عِنْد رَغْبَة الْمَرِيضِ فِي رَفْضِ الْعِلَاجَ أَوْ طَلَبَ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الِإنْتِحَار. أَنْ مَبْدَأُ إحْتِرَام إسْتِقْلَالِيَّة وَ كَرَامَة الْمَرِيضُ يُعَدُّ أَحَدُ الْأَرْكَانِ الأَسَاسِيَّةَ فِي الْأَخْلَاقَيَّات الطِّبِّيَّةُ. هَذَا الْمَبْدَأِ يَنُصَّ عَلَى ضَرُورَةِ مُعَامَلَة الْمَرِيض كَشَخْصٍ لَهُ الْحَقُّ فِي إتِّخَاذِ قَرَارَات بِشَأْنِ رِعَايَتِه الصِّحِّيَّة، بِمَا يَتَمَاشَى مَعَ قِيَّمَهُ وَتَفْضِيلُاته الشَّخْصِيَّةُ. إلَّا أَنْ تَطْبِيقُ هَذَا الْمَبْدَأِ فِي الْوَاقِعِ الْعَمَلِيّ يُوَاجِه الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات وَ الصُّعُوبَات. أَحَد أَهَمّ التَّحَدِّيَات هُوَ أَنْ بَعْضَ الْمَرْضَى قَدْ لَا يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى إتِّخَاذِ قَرَارَات مُسْتَنِيرَة بِشَأْنِ رِعَايَتِهِمْ الصِّحِّيَّة، كَالْمُصَابِين بِأَمْرَاضٍ عَقْلِيَّةً أَوْ الْأَطْفَالِ أَوْ كِبَارٌ السِّنِّ. فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ، يَنْشَأ تَسَاؤُل حَوْلٍ مِنْ يَتَّخِذ الْقَرَار بِالنِّيَابَة عَنْهُمْ، وَ كَيْفَ يُمْكِنُ ضَمَانُ أَنَّ هَذَا الْقَرَارُ يَتَمَاشَى مَعَ مَصَالِحِهِمُ وَتَفْضِيلُاُتُّهِم. عِلَاوَةٌ عَلَى ذَلِكَ، قَدْ يَكُونُ الْمَرْضَى فِي وَضْعِ ضَعْفَ نَفْسِي أَوْ إجْتِمَاعِيّ مِمَّا يَجْعَلَهُمْ عَرْضَة لِلتَّأْثِير مِنْ خَارِجٍ إرَادَتِهِمْ، كَالْضغط مِنْ قِبَلِ أُسْرَّتِهِمْ أَوْ مُقَدَّمِي الرِّعَايَةِ. فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ، يَجِبُ عَلَى مُقَدَّمِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ بَذَل جُهُود إضَافِيَّة لِضَمَانٍ أنْ قَرَارَات الْمَرِيضُ حَقًّا تَعْكِس إرَادَتِه الْحُرَّة. مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، قَدْ يُوَاجِه مُقَدَّمُو الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ صِرَاعًا بَيْن إحْتِرَام إسْتِقْلَالِيَّة الْمَرِيض وَ ضَمَان سَلَامَتُه وَ جَوْدَة الرِّعَايَةِ الَّتِي يَتَلَقَّاهَا. فَمَثَلًا، قَدْ يَرْفُض الْمَرِيض إجْرَاء عِلَاج ضَرُورِيّ لِحَيَاتِه، مِمَّا يَضَع الطَّبِيبُ فِي مَوْقِفِ صَعْب بَيْن إحْتِرَام قَرَارِه وَوَاجِبَه فِي الْحِفَاظِ عَلَى حَيَاتِه. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء تَحَدِّيَات فِي إيصَالِ الْمَعْلُومَات الطِّبِّيَّة لِلْمَرْضَى بِطَرِيقَة مُنَاسَبَةٌ، بِمَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ إتِّخَاذِ قَرَارَات مُسْتَنِيرَة. فَالْمُصْطَلَحَاتُ الطِّبِّيَّة الْمُعَقَّدَة وَالتَّفَاصِيل الفَنِّيَّة قَدْ تَكُونُ صَعْبَةً الْفَهْم بِالنِّسْبَة لِلْمَرْضَى العَادِيِّين. عَلَى مُسْتَوَى النِّظَام الصِّحِّيّ كَكُلّ، هُنَاك تَحَدِّيَات أُخْرَى تَوَاجَه تَطْبِيق مَبْدَأ إحْتِرَام إسْتِقْلَالِيَّة الْمَرِيض. فَمَثَلًا، قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ نَقْصٌ فِي الْمَوَارِدِ وَ الْخَدَمَات الصِّحِّيَّة، مِمَّا يُحَدُّ مَنْ قْدّْرَة الْمَرْضَى عَلَى الْوُصُولِ لِلرِّعَايَة الصِّحِّيَّة الَّتِي يَرْغَبُونَ بِهَا. كَذَلِكَ، قَدْ تَكُونُ هُنَاكَ ثَغَرَات فِي التَّشْرِيعَاتِ وَالْقَوَانِينِ الَّتِي تُنَظِّمُ حُقُوق الْمَرْضَى وَ تَضْمَن تَطْبِيقِهَا. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ إحْتِرَام إسْتِقْلَالِيَّة الْمَرِيض وَضَمَان جَوْدَة الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الَّتِي يَتَلَقَّاهَا هُو تُحَدّ كَبِير يُوَاجِه الْمُمَارَسَة الطِّبِّيَّة. وَيَتَطَلَّبُ ذَلِك جُهُودًا مُشْتَرَكَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمَرْضَى، مُقَدَّمِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ، وَ النِّظَام الصِّحِّيّ كَكُلّ لِضَمَان إحْتِرَامَ كَرَامَةِ وَحُقُوق الْمَرْضَى بِمَا يَتَمَاشَى مَعَ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ.

_ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي تَوْزِيعِ الْمَوَارِد الصِّحِّيَّة

يُعَدّ مَبْدَأ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي تَوْزِيعِ الْمَوَارِد الصِّحِّيَّة مِنْ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْمُهِمَّةِ فِي مَجَالِ الطِّبِّ. وَلَكِنْ فِي ظِلِّ مَحْدُودِيَّة الْمَوَارِد الصِّحِّيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّات الطِّبِّيَّةُ الْمُتَطَوِّرَة، قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة عِنْد تَحْدِيد أَوْلَوِيَّات الْمَرَضى فِي الْحُصُولِ عَلَى الْخِدْمَات الطِّبِّيَّة الْمُتَاحَة. كَمَا قَدْ تَظْهَرُ إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة فِي حَالَاتِ الْمُتَاجَرَة غَيْر الْأَخْلَاقِيَّة بِالْأَعْضَاء الْبَشَرِيَّةِ أَوْ السِّيَاحَةَ الطِّبِّيَّة. تَوَاجَه تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ وَ الْمُسَاوَاةِ فِي تَوْزِيعِ الْمَوَارِد الصِّحِّيَّة الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات الْمُعَقَّدَة. فَرَغْم التَّقَدُّمِ الْكَبِيرِ فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ وَالصَّحِي، لَا تَزَالُ هُنَاك فَجَوَات كَبِيرَةً فِي إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الْجَيِّدَة بَيْنَ مُخْتَلِفِ فِئَات الْمُجْتَمَع. يُعَدّ عَامِل الْوَضْع الِإقْتِصَادِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ مِنْ أَهَمِّ الْعَوَامِل الْمُؤَثِّرَة عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْحُصُولِ عَلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. غَالِبًا مَا يُوَاجِهُ الْأَشْخَاص ذَوُو الدَّخْل الْمُنْخَفِض وَمِمَّنْ يَنْتَمُونَ إلَى طَبَقَات إجْتِمَاعِيَّة أَدْنَى عَوَائِق فِي الْوُصُولِ إلَى الْخِدْمَات الصِّحِّيَّة الْجَيِّدَة، بِسَبَب المَحْدُودِيَّة الْمَالِيَّةِ وَعَدَمِ كِفَايَةِ التَّغْطِيَة التَّأْمِينِيَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَظْهَرَتْ الدِّرَاسَات أَنَّ الْأفْرَادَ مِنْ الطَّبَقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّة الدُّنْيَا هُمْ الْأَكْثَرُ عُرْضَة لِلْإِصَابَةِ بِأَمْرَاضِ مُزْمِنَة مِثْلِ السَّرَطَانِ وَ السُّكَرِي، نَتِيجَة لِصُعُوبَة وُصُولِهِمْ إلَى بَرَامِج الْوِقَايَة وَالتَّشْخِيص الْمُبَكِّر. كَمَا تَلْعَب الْعَوَامِل الْجُغْرَافِيَّة وَالبُنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الصِّحِّيَّة دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَفَاقُم عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. فَالْمُنَاطِق الرِّيفِيَّة وَالنَّائِيَّة غَالِبًا مَا تَفْتَقِرُ إلَى الْمَرَافِقِ وَالْمَوَارِد الصِّحِّيَّة الْكَافِيَة مُقَارَنَة بِالْمَنَاطِق الْحَضَرِيَّةِ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْإِفْرَادَ الْمُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْمَنَاطِقِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمَرَاكِز الصِّحِّيَّة الرَّئِيسِيَّة يُوَاجِهُون صُعُوبَات أَكْبَرُ فِي الْحُصُولِ عَلَى الرِّعَايَةِ الطِّبِّيَّة اللَّازِمَة، وَتُعَدُّ قَضَايَا التَّمْيِيز وَ الْوَصْم الِإجْتِمَاعِيّ تَحَدِّياً آخَرَ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الصِّحَّةِ. فَالْأفْرَاد مِنْ فِئَات مُعَيَّنَة كَالمُهَاجِرِين وَاللَّاجِئِين وَالْأَشْخَاص ذَوِي الْإِعَاقَة، غَالِبًا مَا يُوَاجِهُون تَحَيُّزَات وَتَمْيِيزًا فِي الْحُصُولِ عَلَى الْخِدْمَات الصِّحِّيَّة، مِمَّا يَحْرِمَهُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ الْأَسَاسِيَّة. كَمَا تُعَدُّ مَحْدُودِيَّة الْمَوَارِد الْمَالِيَّة وَ الْبَشَرِيَّة الْمُخَصِّصَة لِلْقِطَّاع الصِّحِّيّ تَحَدِّياً كَبِيرًا أمَام تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ. فَالْعَدِيد مِنَ الدُّوَلِ لَا تَسْتَثمر بِشَكْلٍ كَافٍ فِي الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الصِّحِّيَّة وَ رَوَاتِب الْعَامِلِين، مِمَّا يُؤَثِّرُ عَلَى جَوْدَةِ الْخِدْمَات الْمُقَدِّمَة وَ قُدْرَتِهَا عَلَى تَلْبِيَةِ إحْتِيَاجَات السُّكَّان. فِي نَفْسِ الْوَقْتِ تُشْكِل الْأَوْلَوِيات السِّيَاسِيَّة وَالتَّشْرِيعَات غَيْر الْمُلَائِمَة عَقَبَةً أَمَامَ الْمُسَاوَاةِ فِي الصِّحَّةِ. فَغَيْاب السِّيَاسَات وَالْقَوَانِينِ الَّتِي تَضْمَنُ الْحَقِّ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ لِلْجَمِيع، وَعَدَم رَبَط الْمِيزَانِّيَّات الصِّحِّيَّة بِمَؤَشِرَات تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ، يَحُولُ دُونَ إحْدَاث التَّحْسِينَات الْمَطْلُوبَة. لِمُوَاجَهَة هَذِه التَّحَدِّيَات، لَا بُدَّ مِنْ إتِّبَاعِ نَهْج شَامِل يُرَكِّزُ عَلَى مُعَالَجَةِ الْعَوَامِل الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ الِإقْتِصَادِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّة الْمُؤَثِّرَة عَلَى الصِّحَّةِ. وَيَتَطَلَّب ذَلِكَ زِيَادَةً الِإسْتِثْمَارِات فِي الْقُطَّاعِ الصِّحِّيّ، وَتَوْسِيع نِطَاق التَّغْطِيَة التَّأْمِينِيَّة، وَ تَحْسِينُ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ فِي الْمَنَاطِقِ الرِّيفِيَّة وَالنَّائِيَّة، وَتَطْوِيرِ التَّشْرِيعَات لِضَمَان الْمُسَاوَاةِ فِي الْحُصُولِ عَلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. كَمَا يَجِبُ الِإهْتِمَام بِمُكَافَحَة التَّمْيِيزُ وَالْوَصْم الِإجْتِمَاعِيّ، وَتَعْزِيز الْمُشَارَكَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ فِي صُنْعِ السِّيَاسَات الصِّحِّيَّة. بِالتَّالِي، تَتَطَلَّب تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ وَ الْمُسَاوَاةِ فِي الصِّحَّةِ جُهُودًا مُتَضَافِرَةٌ عَلَى مُخْتَلِفِ الْمُسْتَوَيَاتِ، بِمَا فِي ذَلِكَ السِّيَاسَات وَالتَّشْرِيعَات وَالتَّمْوِيل وَ الْبِنْيَةُ التَّحْتِيَّة وَالْمَمَارَسَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ. وَهَذَا يَتَطَلَّب إرَادَة سِيَاسِيَّة قَوِيَّة وَمُشَارَكَة فَاعِلة مِنْ جَمِيعِ أَطْرَافِ الْمُجْتَمَع لِضَمَانٍ إنْ يَتَمَكَّنَ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ الْحُصُولِ عَلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُونَهَا بِعَدَالَة وَكَرَامَة.

_ حِمَايَة الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة الشَّخْصِيَّة لِلْمَرْضَى

يَجِبُ عَلَى الْأَطِبَّاءِ وَالمُؤَسَّسَات الصِّحِّيَّة إحْتِرَام سِرِيَّة الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة الشَّخْصِيَّة لِلْمَرْضَى وَحِمَايَتِهَا. وَلَكِنْ قَدْ يُوَاجِه الْأَطِبَّاء إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة عِنْد الْكَشْفِ عَنْ مَعْلُومَات طِبِّيَّة سَرِيَّة لِلْمَرْضَى فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ الِإسْتِثْنَائِيَّة، كَمَا فِي حَالَاتِ الْأَمْرَاضِ السَّارِيَةِ أَوْ الْخَطِيرَةِ الَّتِي قَدْ تُشْكِلُ خَطَرًا عَلَى الْآخَرِينَ. تَوَاجَه الرِعَايَة الصِّحِّيَّة الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات الرَّئِيسِيَّة فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحِمَايَة الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة الشَّخْصِيَّة لِلْمَرْضَى. مِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ التَّحَدِّيَات.
. الِإمْتِثَال التَّنْظِيمِيّ وَالْقَانُونِيٍّ : قِطَّاعُ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ يَخْضَع لِعَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ اللَّوَائح وَالْقَوَانِينَ الْمُتَعَلِّقَة بِحِمَايَة الْخُصُوصِيَّة وَالْأَمْن لِبَيَانَات الْمَرْضَى، مِثْل قَوَانِين (HIPAA) فِي الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ وَقَانُون حِمَايَة الْبَيَانَات الْعَامَّةِ (GDPR) فِي الِإتِّحَادِ الْأُورُوبِّيّ. تَحْقِيق الِإمْتِثَال الْمُسْتَمِرّ لِهَذِه التَّشْرِيعَات الْمُعَقَّدَة يُشْكِل تَحْدُيا كَبِيرًا لِلْمُؤَسَّسَات الصِّحِّيَّة.
. الْأَمْنِ السَّيبراني وَالتَّهْدِيدَات الْإِلِكْتِرُونِيَّة : الْهَجَمَات الْإِلِكْتِرُونِيَّة وَالِإخْتِرَاقَات الأَمْنِيَّةِ تُشَكِّلُ خَطَرًا كَبِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَأَمِن الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة الْحَسَّاسَة. مَع نُمُوّ تَبَنِّي التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ، تَزْدَاد الْمَخَاطِر السَّيبرانِيَة الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْمُؤَسَّسَات التَّصَدِّي لَهَا بِفَعَّالِيَّةً.
. نَقَصَ الْوَعْي وَالتَّدْرِيب بَيْن الْمُوَظَّفِين: يُعَدّ الْعُنْصُر الْبَشَرِيّ أَحَد أَضْعَف حَلَقَات أمْنَ الْمَعْلُومَاتِ فِي الْمُؤَسَّسَات الصِّحِّيَّة، نَقَص الْوَعْي وَالتَّدْرِيب الْكَافِي لِلْمُوَظَّفِين حَوْلَ مُمَارَسَات الْأَمْنِ وَالْخُصُوصِيَّة يَزِيدُ مِنْ مَخَاطِرِ تَسَرَّب الْبَيَانَات أَوْ سُوءِ إسْتِخْدَامِهَا.
. إدَارَة الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة: تَتَطَلَّب حِمَايَة الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة الشَّخْصِيَّة إدَارَة فَعَّالَة لِعَمَلِيَّة جَمْع الْبَيَانَات، وَتَخْزَيَّنَهَا، وَ مُعَالَجَتَهَا، وَالتَّحَكُّم بِالْوُصُولِ إلَيْهَا. وَ يَتَطَلَّب ذَلِك تَطْبِيق تَدَابِير أَمْنِيَّة مُتَقَدِّمَة مِثْل التَّشَفِّير وَالضَّوَابِطُ الصَّارِمَة عَلَى الْوُصُول.
. قَابِلِيَّة التَّشْغِيل الْبَيْنِيّ بَيْنَ الأَنْظِمَة: عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكَامُل وَالتَّبَادُل السَّلَس لِلْبَيَانِات بَيْنَ الأَنْظِمَة الْمُخْتَلِفَة لِلسِّجِلَّات الصِّحِّيَّة الْإِلِكْتِرُونِيَّة يُعَدّ تَحْدُيا كَبِيرًا. هَذَا يُؤَثِّرُ عَلَى سَرِيَّةٍ الْبَيَانَات وَأَمْنِهَا عِنْدَ نَقْلِهَا عَبَّر الأَنْظِمَة.
. حِمَايَة الْبَيَانَات لِلْفِئَات الضَّعِيفَةِ: هُنَاك تَحَدِّيَات خَاصَّةً فِي حِمَايَةِ الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة لِفِئَات سُكَّانِيَّة مُعَرَضَةٌ لِلْخَطَر مِثْل الْأَطْفَال وَالْمَسْنُيْن وَ الْأَشْخَاصِ ذَوِي الْإِعَاقَة. هَذِه الْفِئَات تَتَطَلَّب إعْتِبَارَات إضَافِيَّة لِضَمَان سِرِيَّة بَيَانَاتِهِمْ وَحِمَايَتِهِمْ.
. التَّوَازُنِ بَيْنَ الْجَوْدَةِ وَالتَّكْلِفَة: تَطْبِيقُ تَدَابِير أُمْنِيَة مُتَطَوِّرَة لِحِمَايَةِ الْبَيَانَاتِ الصِّحِّيَّة يَأْتِي بِتَكَالِيف كَبِيرَة. مَدِيرو الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ يُوَاجِهُون تَحَدَّي تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ تَوْفِير أَفْضَل مُسْتَوَيَات الْحِمَايَة وَالحِفَاظُ عَلَى إسْتِدَامَةِ الْمَوَارِد الْمَالِيَّة.
فِي ظِلِّ هَذِهِ التَّحَدِّيَات الْمُتَعَدِّدَة، تَلْعَب الْمُؤَسَّسَات التَّدْرِيبَيَّة الْمُتَخَصِّصَة فِي إدَارَةِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ دُورًا حَيَوِيًّا فِي مُسَاعَدَةِ الْمُهَنِّئِين عَلَى التَّصَدِّي لَهَا. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، تُقَدِّمُ الأَكَادِيمِيَّة الْبِرِيطَانِيَّة لِلتَّدْرِيب فِي لَنْدُن بَرَامِج تَدْرِيبِيٍّة مُتَّخَصِصَّة فِي مَجَالَاتِ الْأَمْن السَّيبْرَانِي، وَإِدَارَةُ الْبَيَانَات الصِّحِّيَّة، وَالتَّحَوُّل الرَّقْمِيّ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ، لِتَمْكِين الْمُدِيرِين مِنْ تَطْوِيرٍ الْمَهَارَات اللَّازِمَة لِحِمَايَة بَيَانَات الْمَرْضَى بِفَعَّالِيَّةً.

_ إجْرَاء التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَالْبُحُوث الْعِلْمِيَّة

تَعَدّ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَالْبُحُوث الْعِلْمِيَّة عَلَى الْإِنْسَانِ ضَرُورِيَّة لِتَطْوِير الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة وَالْعُلُوم الْحَيَاتِيَّة. وَلَكِنْ قَدْ تُثِير هَذِه التَّجَارِب وَالْبُحُوث إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة تَتَعَلَّق بِحِمَايَة حُقُوق وَ سَلَامَة الْمُشَارِكِين فِيهَا، خَاصَّةً فِي ظِلِّ إِمْكَانِيَّة تَعْرِيضُهُمْ لِأضْرَار جَسَدِيَّة أَوْ نَفْسِيَّة. كَمَا قَدْ تَظْهَرُ إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة مُتَعَلِّقَة بِإسْتِخْدَام الْخَلَايَا الْجِذْعِيَّةَ أَوْ التِّقْنِيَّات الْحَدِيثَة مِثْل الِإسْتِنْساخ الْبَشَرِيِّ. أَنَّ إجْرَاء التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَالْبُحُوث الْعِلْمِيَّة يَنْطَوِي عَلَى الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات وَ الصُّعُوبَات، يَنْطَوِي إجْرَاءَ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَ الْبُحُوث الْعِلْمِيَّة عَلَى مُوَازَنَة دَقِيقَة بَيْنَ الْمَصَالِحِ الْعِلْمِيَّة وَالِإعْتِبَارَات الْأَخْلَاقِيَّة. يَنْضَمّ الْمُشَارِكُون فِي هَذِهِ التَّجَارِب طَوْعًا، وَهُمْ عَلَى عِلْمِ تَامّ بِالمَخَاطِر الْمُحْتَمَلَة. وَهُنَاك حَاجَةَ إلَى الْحُصُولِ عَلَى مُوَافَقَةِ مُسْتَنِيرَة مِنْ الْمُشَارِكِينَ، مِمَّا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ قُدّْرَة بَعْضُ الْفِئَات الضَّعِيفَة، مِثْل الْمَرْضَى أَوْ الْأَطْفَالِ، عَلَى فَهْمِ وَ تَقَييم الْمَخَاطِر وَ الْفَوَائِد بِشَكْل كَامِل. عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، قَدْ يَنْطَوِي الْبَحْثِ عَلَى إجْرَاءِ إخْتِبَارِات عَلَى مَجْمُوعَات سُكَّانِيَّة مُعَيَّنَةٍ، مِمَّا يُثِيرُ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة فَرِيدَة حَوْل عَدَالَة التَّوْزِيع وَالْقَضَايَا الْمُتَعَلِّقَة بِالتَّنَوُّع وَقَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ تَحْدُيا خَاصًّا عِنْدَ إجْرَاءِ الْأَبْحَاثِ فِي الْبُلْدَانِ النَّامِيَة. إجْرَاءَ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة يَنْطَوِي عَلَى مَخَاطِر مُحْتَمِلَةً عَلَى صِحَّةِ وَ سَلَامَة الْمُشَارِكِين. وَ يَنْبَغِي عَلَى الْبَاحِثِين تَقْيِيم هَذِهِ الْمَخَاطِرِ بِعِنَايَة وَ ضَمَانٍ أَنْ الْمَنَافِع الْمُتَوَقَّعَة تَفُوق الْمَخَاطِر. وَ قَدْ تَتَطَلَّبُ هَذِهِ الْحِسَابَاتِ خِبْرَة كَبِيرَةً فِي تَصْمِيمِ الدِّرَاسَات وَ تَقَييم الْبَيَانَات. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، قَدْ يَنْطَوِي الْبَحْثِ عَلَى إجْرَاءِ تَجَارِب عَلَى الْمَوَادِّ أَوْ العِلَاجَات الْحَيَوِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَتِمّ إخْتِبَارَهَا بِالْكَامِل. وَهَذَا يَتَطَلَّب إجْرَاءَات صَارِمَة لِضَمَان السَّلَامَةِ، بِمَا فِي ذَلِكَ الِإخْتِبَارَات الْمَعْمَلِيَّة المُكَثَّفَة وَ الِإخْتِبَارِات السَّرِيرِيَّة عَلَى نِطَاقٍ صَغِيرٌ قَبْلَ الْبَدْءِ فِي الِإخْتِبَارَاتِ عَلَى نِطَاقٍ أَوْسَعَ. أَنْ إجْرَاء التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَ الْبُحُوث الْعِلْمِيَّة يَنْطَوِي عَلَى الْعَدِيدِ مِنَ الْمُتَطَلَّبَات اللُّوجِسْتِيَّة وَالتَّنْظِيمِيَّة الْمُعَقَّدَة. وَتَشْمَلُ هَذِهِ الْمُتَطَلَّبَاتِ الْحُصُولِ عَلَى التَّرَاخِيص وَالْمَوَّافَقَات اللَّازِمَةِ مِنْ الْجِهَاتِ التَّنْظِيمِيَّة، وَ تَجْنِيد الْمُشَارِكِينَ الْمُؤَهِّلَين، وَتَنْسيق الْمَوَاقِع الْمُتَعَدِّدَة لِلدِّرَاسَة، وَ جَمَع الْبَيَانَات وَتَحْلِيلُهَا بِدِقَّة. كَمَا أَنَّ إخْتِيَارَ التَّصْمِيم الْمُنَاسِب لِلدِّرَاسَة وَ حَجْم الْعِينَة الْمَطْلُوب يُعَدُّ مِنْ التَّحَدِّيَات الرَّئِيسِيَّة. فَالدَّرَاسَات الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى الْقُوَّةِ الْإِحْصَائِيَّة الْكَافِيَةُ قَدْ لَا تَكُونُ قَادِرَةً عَلَى الْكَشْفِ عَنْ أثَارِ الْعِلَاج بِشَكْل مَوْثُوق. أَنَّ إجْرَاءَ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَالْبُحُوث الْعِلْمِيَّة يَنْطَوِي عَلَى تَكَالِيف بَاهِظَة، بِمَا فِي ذَلِكَ تَكَالِيف التَّطْوِير وَالتَّنْفِيذ وَالْمُتَابَعَة. وَقَدْ يَكُونُ الْحُصُولِ عَلَى التَّمْوِيل الْكَافِي تَحَدِّياً كَبِيرًا، خَاصَّة لِلْبَاحِثَيْن فِي الْمُؤَسَّسَات الأَكَادِيمِيَّة أَوْ غَيْرَ الرِّبْحِيَّة. وَ بِالْإِضَافَةِ إلَى التَّمْوِيل، قَدْ يَكُونُ الْوُصُولِ إلَى الْمَوَارِد الْمَادِّيَّة وَ الْبَشَرِيَّة اللَّازِمَة لِلْبَحْث تَحَدِّياً آخَرَ وَقَدْ يَشْمَلُ ذَلِكَ الْحُصُولِ عَلَى الْمَوَادِّ وَالْمَعْدِات الْمُتَخَصِّصَة أَوْ تَأْمِينٍ الْخِبْرَات التَّخَصُّصِيَّة الضَّرُورِيَّة لِإِجْرَاء التَّجَارِب بِشَكْلٍ صَحِيحٍ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ إِطَار تَنْظُيمي مُعَقَد يُنَظِّم إجْرَاء التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَالْبُحُوث الْعِلْمِيَّة عَلَى الصَّعِيدِ الدَّوْلِيّ وَالْوَطَنِي. وَتَشْمَلُ هَذِهِ اللَّوَائح مُتَطَلَّبَات الْمُوَافَقَة الْأَخْلَاقِيَّة، وَقَوَاعِد حِمَايَة الْبَيَانَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، وَالْقُيُود عَلَى إسْتِخْدَامِ مَوَادُّ مُعَيَّنَةٌ أَوْ تِقْنِيَات بَحْثَيَّةِ. وَقَدْ تَخْتَلِفُ هَذِهِ اللَّوَائح بِشَكْلٍ كَبِيرٍ بَيْنَ الْبُلْدَانِ وَالْمَنَاطِق، مِمَّا يَخْلُقُ تَحَدِّيَات لِلْبَاحِثَيْن الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي سِيَاقَات مُتَعَدِّدَةٍ. كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْيَقِين الْقَانُونِي أَوْ التَّنْظِيمِيّ قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى قُدْرَة الْبَاحِثِين عَلَى إجْرَاءِ بُحُوثَهُمْ بِشَكْل فَعَّال. أَنْ إجْرَاء التَّجَارِب الطِّبِّيَّة وَ الْبُحُوث الْعِلْمِيَّة يَنْطَوِي عَلَى مَجْمُوعَة مُعَقَّدَة مِنْ التَّحَدِّيَات وَ الصُّعُوبَات، بَدْءًا مِنْ الِإعْتِبَارَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَخَاطِر الصِّحِّيَّة، إلَى التَّعْقِيدَات اللُّوجِسْتِيَّة وَالتَّنْظِيمِيَّة وَالْقُيُودُ الْمَالِيَّة. وَ يَتَطَلَّب التَّغَلُّبِ عَلَى هَذِهِ التَّحَدِّيَات جُهُودًا مُتَضَافِرَة مِنَ الْبَاحِثِينَ وَالمُؤَسَّسَات وَالْجِهَات التَّنْظِيمِيَّة لِلضَّمَانِ أَنْ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ تَجْرِي بِطَرِيقَة أَمَّنَة وَأَخْلَاقِيَّة وَفِعَالَة.

_ قَضَايَا نِهَايَة الْحَيَاة

تُثِير قَضَايَا نِهَايَةِ الْحَيَاةِ مِثْلُ الْإِنْعَاش الْقَلْبِيّ الرِّئَوِيّ وَالْمَوْت الرَّحِيم إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة كَبِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَطِبَّاء. فَمِنْ نَاحِيَةِ يَجِبُ عَلَى الْأَطِبَّاءِ إحْتِرَام رَغْبَة الْمَرِيضِ فِي الْمَوْتِ بِكَرَامَة، وَ مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحُفَّاظُ عَلَى الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الِإنْتِحَار. وَهُنَاكَ أَيْضًا إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة تَتَعَلَّق بِتَحْدِيد لَحْظَةِ الْمَوْتِ وَإِنْهَاء الْحَيَاة لِلْمَرْضَى فِي حَالَاتِ الْغَيْبُوبَة المُسْتَدِيمَة. قَضَايَا نِهَايَةِ الْحَيَاةِ تَشْمَل مَجْمُوعَةٌ مِنَ التَّحَدِّيَات وَالْمُعْضِلَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالْعَمَلِيَّة الَّتِي تُوَاجِهُ الْأَشْخَاصِ فِي الْمَرَاحِلِ الْأَخِيرَةِ مِنْ حَيَاتِهِمْ. هَذِه التَّحَدِّيَات لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَرْحَلَةٍ الْوَفَاةِ فَقَطْ، بَلْ تَمْتَدّ لِتَشْمَل قَضَايَا مِثْل الْغَيْبُوبَة، التَّبَرُّع بِالْأَعْضَاء، حَقّ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ الرَّحِيم، وَحَتَّى تَشْرِيح الْجُثَث. وَاحِدَةٍ مِنْ أَبْرَزِ التَّحَدِّيَات فِي هَذَا الْمَجَالِ هِيَ مَسْأَلَةُ إدَارَة الْأَلَم وَالْمُعَانَاة عِنْدَ نِهَايَةِ الْحَيَاةِ. كَثِيرٍ مِنْ الْمَرْضَى فِي مَرَاحِلَ الْمَوْت يُعَانُونَ مِنَ أَلَمٌ شَدِيدٌ وَ خَارِجٌ عَنْ السَّيْطَرَة، مِمَّا يَجْعَلُ مِنَ إدَارَةُ هَذَا الْأَلَمُ إحْدَى أَكْبَر التَّحَدِّيَات الَّتِي تُوَاجِهُ الْمُهَنِّئِين الصَّحَيَّيْن وَمُقَدَّمِي الرِّعَايَة. وَ هُنَاك نَقَاشات أَخْلَاقِيَّة حَوْلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْمَقْبُولِ اللُّجُوءَ إِلَى بَعْضٍ الْمُمَارَسَات مِثْلُ الْقَتْلِ الرَّحِيم لِلتَّخْفِيفِ مِنْ هَذِهِ الْمُعَانَاة. كَمَا تُشْكِل قَضَايَا النِّزَاعُ بَيْنَ إرَادَةِ الْمَرِيض وَعَائِلَتِه أَوْ الْفَرِيق الطِّبِّيّ تَحَدِّياً آخَرَ فِي نِهَايَةِ الْحَيَاةِ. فَقَدْ يَخْتَلِفُ الْأَشْخَاص حَوْلَ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْمَرِيض، سَوَاء الِإسْتِمْرَارِ فِي الْعِلَاجِ أَوْ التَّوَقُّفُ عَنْهُ وَالسَّمَاح بِالْمَوْت الطَّبِيعِيّ. وَهُنَا تَبْرُزُ أَهَمِّيَّة الْحِوَار الْمُسْتَمِرّ وَإِشْرَاك الْمَرِيضِ فِي الْقَرَارَات قَدْرِ الْإِمْكَانِ. عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، يُوَاجِه الْكَثِيرِ مِنْ الْمَرْضَى فِي نِهَايَةِ الْحَيَاةِ تَحَدِّيَات إجْتِمَاعِيَّةٍ وَإقْتِصَادِيَّةٍ، مِثْل عَبْىء الرِّعَايَةِ عَلَى الْعَائِلَةِ وَالْأَصْدِقَاء، وَتَكَالِيف الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ الَّتِي قَدْ لَا تُغَطِّيهَا التَّأْمِينَات. وَهَذَا مَا يَضْطَرُّ الْبَعْض لِلتَّضْحِيَة بِوَقْتِهِم وَحَيَاتُهُمْ الْخَاصَّة لِرِعَايَة أَحِبَّائِهِمْ الْمَرْضَى. وَأَخِيرًا، يُثِير مَوْضُوعَ التَّبَرُّعِ بِالْأَعْضَاء بَعْدَ الْوَفَاةِ جَدَلًا أَخْلَاقِيًّا وَاسِعًا. فَبَيْنَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقِذَ هَذَا التَّبَرُّعِ أَرْوَاح الْآخَرَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ وَ السَّمَاح بِتَشْرِيح الْجُثَّة. وَهُنَا تَكْمُن أَهَمِّيَّة إيجَاد تَوَازُن بَيْنَ هَذِهِ الْقِيَمِ الْمُتَنَافِسَة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَتَطَلَّب قَضَايَا نِهَايَةِ الْحَيَاةِ تُنْسَيقا وَتَعَاوَنَا وَحَوَّارا مُسْتَمِرًّا بَيْنَ الْمَرْضَى وَعَائِلَاتِهِمْ وَ الْفَرِيق الطِّبِّيّ، بِالْإِضَافَةِ إلَى وَضْعِ سِيَاسَات وَأَطْر أَخْلَاقِيَّة وَاضِحَة لِمُعَالَجَةِ هَذِهِ التَّحَدِّيَات الْمُعَقَّدَة. هَذِهِ هِيَ أَبْرَز الْإِشْكَالِيَّات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُوَاجِهُ مِمَّارسي المِهَنِ الطِّبِّيَّةِ فِي ظِلِّ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة الْحَدِيثَة. وَتَتَطَلَّب هَذِه الْإِشْكَالِيَّات ضَرُورَةِ وَضْعِ مَبَادِئ وَقَوَاعِد أَخْلَاقِيَّة وَاضِحَة تَحَكُّم الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَوْعِيَّة وَتَدْرِيب الْعَامِلِينَ فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ عَلَى هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْأَخْلَاقِ التَّطْبِيقِيَّة
- البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي فَلْسَفَةِ الِإخْتِلَاف
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : رِهَان الدِّرَاسَات المُسْتَقْبَلِ ...
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَحَدِّيَات الْعَوْلَمَة
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : أَسَاسِيًّات التَّقَدُّمُ
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : إنْتِقَادَات مَا بَعْدَ الْحَدَاثَة ...
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَسَاؤُلَات الْحَدَاثَةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَشْكِيلَات الْحَضَارَةُ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ التَّارِي ...
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: رَمَزَيات الْمَيثولُوجْيَا
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: جُذُور الْمُعْتَقَدَات السِّحْرِيَّة
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : تَجَاوُزَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
- الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا


المزيد.....




- -أمريكا ليست وجهتنا-..أوروبيون يقومون بإلغاء رحلاتهم إلى الو ...
- شاهد حجم الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية على مستشفى الأهلي ...
- إيران: قد يتغير مكان المفاوضات النووية.. وعلى أمريكا حل -الت ...
- تحذيرات من عاصفة شمسية قد تدمر العالم الرقمي وتعيدنا إلى الق ...
- الاتحاد الأوروبي يعلن عن مساعدات لفلسطين بـ1.6 مليار يورو
- باريس تقول إن الجزائر طلبت من 12 موظفاً بالسفارة الفرنسية مغ ...
- لماذا تحتاج واشنطن إلى أوروبا لإنجاح الجولة الثانية من المفا ...
- بوادر أزمة جديدة.. الجزائر تطلب مغادرة 12 موظفا بسفارة فرنسا ...
- آثار زلزال طاجيكستان (فيديوهات)
- محمد رمضان يرتدي -بدلة رقص- مثيرة للجدل


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة