عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
(Aqeel Al Fatlawy)
الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 20:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت معالم سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط تتشكل، تختلف عن سابقتها في بعض الجوانب، لكنها تحتفظ بالروح نفسها التي تميز بها نهجه: المزج بين القوة المفرطة والمفاوضات الصاخبة. فهل نجح في تحقيق توازن يخدم المصالح الأمريكية دون إشعال المنطقة؟ أم أن سياسته تضع الشرق الأوسط على حافة موجة جديدة من عدم الاستقرار؟
في الملف الإيراني، يعتمد ترامب مجدداً على العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط رئيسية، لكن هذه المرة مع تركيز واضح على شل قدرة طهران على تمويل الميليشيات في العراق وسوريا واليمن. وتشير تقارير إلى أن إدارته تتبع استراتيجية (الضربات الصامتة) ضد عناصر الحرس الثوري، بعيداً عن الأضواء، في محاولة لتجنب التصعيد المباشر. ومع ذلك، فإن التحركات الأخيرة للميليشيات المدعومة إيرانياً، خاصة في البحر الأحمر، تهدد باندلاع مواجهة أوسع قد تجر واشنطن إلى صراع لا تريده.
أما في القضية الفلسطينية، فإن ترامب يحاول إنعاش ما بات يعرف بـ(صفقة القرن)، لكن مع تعديلات تتناسب مع المتغيرات الجديدة. فقد بدا أكثر ضغطاً على إسرائيل لاحتواء التصعيد في غزة، بينما يقدم وعوداً للفلسطينيين بمشاريع تنموية في حال قبولهم التفاوض. وتعتمد هذه الخطة بشكل كبير على دعم دول عربية، خاصة السعودية، التي قد تمنح ضمانات أمنية لإسرائيل مقابل تنازلات فلسطينية محدودة. لكن غياب الثقة بين الأطراف، واستمرار الاستيطان والعنف اليومي، يجعلان احتمالات نجاح هذه المساعي ضئيلة.
وفي منطقة الخليج، تحاول إدارة ترامب تحقيق معادلة دقيقة: ضمان تدفق النفط بأسعار مستقرة مع الحفاظ على النفوذ الأمريكي. وتعتمد في ذلك على تعزيز مبيعات الأسلحة لدول الخليج، بينما تضغط عليها لتحمل المزيد من أعباء الأمن الإقليمي. لكن هذه السياسة تنطوي على مخاطر، أبرزها إمكانية انزلاق المنطقة إلى سباق تسلح مكلف، أو حتى صراعات جانبية قد تعيدها إلى مربع الاضطراب الذي عاشته في السنوات الماضية.
وفي سوريا والعراق، يبدو ترامب مصمماً على تجنب تكرار فشل الانسحاب الكامل الذي شهدته ولايته الأولى. ففي سوريا، تحتفظ واشنطن بقوات رمزية في الشرق لمواجهة النفوذ الإيراني، بينما تتعامل بحذر مع الملف الكردي لتجنب استفزاز تركيا. وفي العراق، تسعى إلى تقليل وجودها العسكري المباشر مع الاعتماد على حلفاء محليين. لكن تصاعد هجمات الميليشيات المدعومة إيرانياً يهدد بإجبار أمريكا على العودة إلى مواجهات مباشرة كانت تأمل في تجنبها.
ختاماً، يبدو أن ترامب ٢٠٢٥ يحاول رسم سياسة خارجية تقوم على تجنب الحروب الكبرى مع الحفاظ على الهيمنة الأمريكية. لكن نهجه الذي يجمع بين البراغماتية والتهديد بالقوة يترك الشرق الأوسط في حالة من الترقب، حيث يمكن لأي شرارة صغيرة أن تعيد إشعال المنطقة. السؤال الذي يظل معلقاً: هل هذه الاستراتيجية قادرة على تحقيق استقرار دائم، أم أنها مجرد تأجيل لانفجار أكبر؟
#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)
Aqeel_Al_Fatlawy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟