أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك طه حسين وردود مصطفى صادق الرافعي














المزيد.....

الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك طه حسين وردود مصطفى صادق الرافعي


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


الشعر الجاهلي، الصوت الأول للذات العربية في لحظة ما قبل التدوين، أنين الناقة في الصحراء الممتدة، الترف الغوي لفرسان القبائل وهم يطاردون السراب، بل خطاب الوجود في مواجهة العدم، واستبصار مبكر للكينونة المهددة بالزوال. لقد وُضع هذا الصوت، في مطلع القرن العشرين، تحت مشرط النقد العقلاني عند طه حسين، فخرج من دائرة التقديس إلى ساحة الشك، لا عبثا بل إيمانا بأن التاريخ لا يُروى بل يُبنى، وأن الذاكرة الجمعية لا تسلم دوما من التزوير.
طه حسين لم يشك في الشعر الجاهلي لأنّه يكرهه، بل لأنه أحبه بما يكفي ليعيده إلى دائرة النور. لم يكن يسعى إلى هدم التراث بقدر ما كان يطلب له يقينا جديدا، خارج عن سلطة السند والرواية، داخل في منطق الشك الديكارتي. لقد أراد أن يُخضع هذا التراث للمنهج، أن يعامله كما يُعامل أي نص إنساني: لا قداسة له في ذاته، بل قيمته فيما يثبت من معناه وأثره. وفي ذلك، كان طه حسين حداثيا حتى النخاع، لا يثق بالكلام لأنه مروي، بل لأنه مُبرهَن ومُعلَّل، وكان يرى في الشعر الجاهلي نصا مشكوكا في نسبة كثير منه، لا لنقص في جماله، بل لفرط ما أضيف إليه أو رُكِّب عليه من بعد الإسلام، حين غدا الشعر أداة أيديولوجية وسلاحا في صراعات الهوية والانتماء.
لكن مصطفى صادق الرافعي وقف هناك، على الضفة الأخرى، لا كناقد بل كمؤمن، لا كأكاديمي بل كمتصوف لغوي، يرى في الشعر الجاهلي بديهة لا تحتمل الجدل، ومصدرا من مصادر الوحي الثقافي، ومجلى للعبقرية العربية التي لا يجوز أن تُطعن إلا ويُطعن بها معها اللسان والإيمان. لم تكن معركة الرافعي مع طه حسين معرفية فقط، بل كانت وجودية، تتعلق بالسؤال: هل من حقّ العقل أن ينزع غلالة الغيب عن تراث تكوَّن في اللاوعي الجمعي كأصل مقدس؟ وهل من حدود لهذا الشك حين يصبح سلطة موازية للسلطة الدينية؟
طه حسين تحدث باسم النور، لكن هذا النور كان باردا، عقليا، لا يراعي حرارة العاطفة التي يتشكل بها وجدان الأمة. والرافعي تحدث باسم القلب، لكن هذا القلب كان مكبلا بشهوة الحفاظ، لا بجرأة الكشف. وبين هذين التيارين، تضاعف السؤال الجوهري: هل التراث مرآة أم قيد؟ وهل على الأمة أن تواصل الإيمان بكل ما نُسب لها، أم أن تعيد كتابة ماضيها وفق منطق الفحص والتعليل لا الحفظ والتقليد؟
طه حسين علمنا أن الشك هو أداة البناء، وأن اللغة ليست جدارا مقدسا بل نسيجا حيا يتعرض لكل ما تتعرض له الكيانات الحية من تحوّل وتحريف وتزييف، وأن الأذن قد تسمع من الماضي ما يوافق الهوى، لا ما ينطق به الواقع. أما الرافعي فذكّرنا أن الجمال لا يُقاس بالمبضع، وأن في الإيمان بالتراث وفاءً للهوية لا يستقيم بدونه حاضر ولا يُؤسَّس دونه مستقبل، وأن اللغة التي لا تُعاش وجدانيًا تُختزل إلى أداة لا روح فيها.
وبين صوت الشك وصوت اليقين، يعلو السؤال الفلسفي الأعمق: أيهما أصدق؟ النص أم السياق؟ اللغة أم التجربة؟ الشك أم الثقة؟ وهل يمكن أن نكون ورثة نصٍّ دون أن نكون سَدنةَ وهمٍ؟ وهل يستطيع العقل أن يحرر ما بناه القلب على مدار قرون دون أن يهدمه؟ إن الصراع بين طه حسين والرافعي ليس صراع أفراد، بل صراع صورتين للذات العربية: ذاتٍ تبحث عن نفسها من خلال المحاكمة، وذاتٍ تحتمي بنفسها من خلال التسليم. والأمة، حين تعبر هذا المنعطف، لا بد أن تفهم أن التوازن لا يُولد من كبح الشك، ولا من إسكات العاطفة، بل من اعتراف كلٍّ بضرورة الآخر.
في النهاية، الشعر الجاهلي ليس مجرد مادة أدبية، بل اختبار تاريخي لحقيقة الذات العربية حين تروي سيرتها الأولى. وطه حسين والرافعي لم يكونا إلا صورتين مختلفتين لإنسان عربي واحد، يمشي بين ظلال ماضيه وهو يسأل: من أنا، وكيف أصدق من كنت؟



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديستوبيا: تجليات الخراب في الوعي والمجتمع
- جدل الهوية والانتماء في الرواية العراقية بعد ٢٠& ...
- العرفان بين التجربة الروحية والفكر الفلسفي: نظرة في المفاهيم ...
- المرجعيات الفلسفية للبنيوية
- فلسفة الأصل: المادة أم الوعي
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟
- مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَ ...
- التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ ...
- فلسفة الخلق في النص القرآني
- الجملة الثقافية، المفهوم والدلالة
- الأخ الكوني بين الواقع والخيال


المزيد.....




- المسعف الذي وثّق لحظات مقتله: فيديو يفند الرواية الإسرائيلية ...
- -فيلم ماينكرافت- يحقق إيرادات قياسية بلغت 301 مليون دولار
- فيلم -ماينكرافت- يتصدر شباك التذاكر ويحقق أقوى انطلاقة سينما ...
- بعد دفن 3000 رأس ماشية في المجر... تحلل جثث الحيوانات النافق ...
- انتقادات تطال مقترح رفع شرط اللغة لطلاب معاهد إعداد المعلمين ...
- -روحي راحت منّي-.. أخت الممثلة الراحلة إيناس النجار تعبّر عن ...
- -عرافة هافانا- مجموعة قصصية ترسم خرائط الوجع والأمل
- الفنانة ثراء ديوب تتحدث عن تجربتها في -زهرة عمري-
- إلتون جون يعترف بفشل مسرحيته الموسيقية -Tammy Faye- في برودو ...
- معجم الدوحة التاريخي ثروة لغوية وفكرية وريادة على مستوى العر ...


المزيد.....

- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك طه حسين وردود مصطفى صادق الرافعي