|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير28
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 16:12
المحور:
الادب والفن
الثلاثاء 29 . 6 . 1999 أعود الى العمل على الكمبيوتر وعلى عيني نظارتان جديدتان وصفهما لي الدكتور منذر الأشهب. منذ أسبوع بدأت بوضعهما على عيني، لكنني حتى هذه اللحظة لا أشعر بالقدرة على القراءة بوضوح من خلالهما. قال لي الدكتور إن الأمر يتطلب أسبوعين. أشياء كثيرة وقعت منذ أن انقطعت عن كتابة هذه اليوميات. انتهيت من قراءة رواية "حرب نهاية العالم" (استعرتها من حسن خضر)، وهي رواية متعبة لكنها جيدة. انتهيت كذلك من كتابة مونودراما مستمدة من قصة "عنبر رقم 6" لتشيخوف، لكن المخرج مازن غطاس اختلف في هذه الأثناء مع جمال غوشة مدير المسرح الوطني، ما عطل تنفيذ المسرحية. صدر العدد 60 من مجلة الكرمل وفيه قصصي الأربع عشرة. كنت قد زرت محمود درويش قبل أسبوع، واكتشفت كم هو بارع في المزاح، وكم هو مهذب في مزاحه. بعض من يدعون أنهم بارعون في المزاح يكون مزاحهم في الكثير من الحالات تهكماً على الناس أو تجريحاً لهم ، لكن مزاح محمود درويش على العكس من ذلك. تحدثنا عن لجنة الجوائز وعن المتقدمين لنيل الجوائز، واستعرضنا بعض الأسماء التي لها حظوظ في الجوائز، ثم تحدثنا في بعض إشكالات حياتنا الثقافية في هذه المرحلة. أخبرني حينما سألته عن الكتابة أنه يشتغل على مشروع شعري جديد، وأنه قطع فيه شوطاً جيداً. لم أسأله عن ماهية هذا المشروع، لكن سليمان النجاب الذي التقيته اليوم في مكتبه، قال لي إن محموداً يكتب عن الموت. بعد قليل، أذهب إلى المسرح الوطني لحضور مونودراما كتبها محمد علي طه، وسوف أتحدث عنها مساء الغد في ندوة تعقد لهذا الغرض. المزاج عادي، والحالة الصحية لا بأس بها، وسوف أحاول تجاهل هذه الدموع، بعد أن عجز الأطباء عن وضع حد لها.
الجمعة 2 . 7 . 1999 بعد اثني عشر يوماً من استعمال النظارة الجديدة، قررت هذا اليوم تركها، لأنها متعبة جداً، ولم يطرأ أي تحسن على عيني من خلالها. ها أنذا أعود إلى نظارتي القديمة، وأشعر من خلالها بارتياح أكبر أثناء الكتابة على الكمبيوتر. يوم أمس استلمت مجلة الكرمل وفيها قصصي التي سبق أن ارسلتها إلى محمود درويش لنشرها في المجلة. القصص المنشورة كانت ثلاث عشرة، وقد تم نسيان القصة الرابعة عشرة لأنها موجودة في ملف منفصل في الديسك الذي استلمه مني سكرتير تحرير المجلة، زكريا محمد. تألمت حينما أخبرني الوزير ياسر عبد ربه أنه قرأ القصص وأزعجه ما فيها من إحباط وتشاؤم. لأنني لا أحب أن تكون كتابتي سبباً للانزعاج. سأحاول أن أستمع إلى وجهات نظر أخرى حول القصص، لكنني أخشى دائماً من المجاملات التي تعم حركتنا الثقافية، إذ يتحرج الكثيرون من قول آرائهم بصراحة خوفاً من إثارة الحساسيات. أحياناً تلح علي الرغبة في ترك الكتابة، لكنني أتراجع عن هذا القرار خوفاً من الفراغ الذي سأجد نفسي فيه.
الاثنين 5 . 7 . 1999 الساعة الآن تتجاوز الثانية عشرة ليلاً، غداً أسافر إلى مصر في وفد مشكل من الوزير ياسر عبد ربه والوكيل يحيى يخلف وأنا. سنقابل، يحيى وأنا، وكيل وزارة الثقافة المصرية، وكذلك حسني سليمان مدير دار شرقيات، وسنلتقي عبد العزيز البابطين رئيس مؤسسة البابطين للإبداع الشعري. لم أقرأ شيئاً هذا اليوم. الطقس حار هذه الليلة. لا أستطيع النوم إلا بصعوبة ليلة السفر، وأنا أحب السفر.
الثلاثاء 13 . 7 . 1999 ذهبت اليوم إلى الدوام بعد انقطاع دام أسبوعاً، كنت أثناء ذلك في مصر، وقد عدت من السفر قبل يومين، وبقيت يوم أمس في البيت، بسبب الإرهاق الذي نالني من السفر. لكنني استثمرت الوقت في قراءة رواية مدهشة للكاتب البرازيلي جوزيه سارنيه، "سيد البحار" وهي رواية عن البحر وعن الحب وعن العلاقات الإنسانية، وهي حافلة بالتخييل والفانتازيا. كاتبها كان رئيساً للبرازيل من سنة 1985 حتى سنة 1990، ومع ذلك لم تحل انشغالاته العامة بينه وبين الكتابة الإبداعية المتفوقة. كانت الرحلة إلى القاهرة والاسكندرية ممتعة، وقد لاحظت أن تحسناً طرأ على مزاجي وعلى صحتي بسبب هذه الرحلة، إذ يبدو أن كسر الروتين اليومي قد ساعد على هذا التحسن. هذا المساء استأنفت تعليم الحفيد محمود الكتابة، إنه يتقدم ببطء، وهو يحول كل شيء إلى مزاح وسخرية، ومع ذلك فإنني أحاول استثمار هذه السخرية لتوصيل المعلومات اللازمة إليه. الساعة الآن تقترب من الثانية عشرة ليلاً. في الخارج تهب رياح صيفية قوية، المزاج عادي، لكن شعوراً بالإحباط يستقر في داخلي.
الأربعاء 14 . 7 . 1999 هذا المساء، أرسلت عنواني إلى هيئة دولية للكتاب على الإنترنت. كانت ثمة حكمة مسجلة على صفحة الإنترنت التابعة لهذه الهيئة تقول: الخيال أهم بكثير من المعرفة. أعجبتني هذه الحكمة، لأنني أشعر بأن ما أحتاج إليه لكي أنطلق في الكتابة هو إطلاق العنان لمخيلتي التي تحاصرها ظروف العمل اليومي، والاهتمامات اليومية الصغيرة. ثمة طالبة جامعية ستأتي غداً إلى مكتبي في الوزارة لكي تستلم نسخاً من كتبي لزميلة لها في جامعة النجاح، تعتزم القيام بكتابة رسالة ماجستير حول كتاباتي القصصية. هذا أمر مفرح. لكنني لا أفرح إلا قليلاً، والسبب أنني أشعر بالحاجة إلى مزيد من الكتابة المتفوقة. وثمة مشروع يعد له الفنان جورج ابراهيم الآن، يتمثل في تحويل كتابي "ظل آخر للمدينة" إلى مسلسل تلفزيوني. هذا أمر مفرح أيضاً. لكنني لا أفرح إلا قليلاً. ثمة في داخلي إحساس بأنني لم أكتب بعد شيئاً يستحق الذكر، وتلك مسألة معذبة! الساعة الآن تتجاوز الحادية عشرة والنصف ليلاً، سأقوم بأداء بعض التمارين الرياضية، ثم أقرأ حتى الثانية بعد منتصف الليل.
الاثنين 19 . 7 . 1999 استلمت اليوم رسالة مسجلة من الكاتبة الكورية الجنوبية كانغ هان، وفيها أشرطة موسيقية من كوريا. الآن أستمع على الكمبيوتر لأحد هذه الأشرطة، ثمة موسيقى هادئة، وكلمات أغانٍ لا أعرف معناها، لكنني أفرح لهذا التواصل الإنساني النبيل. بعد أيام يصدر لي كتاب جديد للأطفال، وهو أربع عشرة قصة قصيرة كنت كتبتها في زمن سابق، وعنوان الكتاب هو "مهنة الديك". قبل يومين ذهبنا، سليمان النجاب، ياسر عبد ربه، وأنا، لزيارة بشير البرغوثي في بيته بالبيرة. تألمت وأنا أرى بشير مشلولاً شللاً كاملاً، ولا يستطيع تحريك أي جزء في بدنه سوى عينيه. في طريقنا إلى بيت بشير أبدى سليمان إعجابه بالقصص التي نشرتها في الكرمل، وقد أشعرني رأيه بالارتياح. هاتفني اليوم الكاتب زكي العيلة، وأبدى إعجابه بكتابي "ظل آخر للمدينة". وأرسلت لي فاطمة الخواجا، اللبنانية المقيمة بباريس، رسالة على الفاكس تطلب مني فيها إرسال ظل آخر للمدينة لها. أرسلت لها رسالة على الفاكس وعدتها فيها بإرسال نسخة من الكتاب لها. الساعة الآن الثانية عشرة والنصف ليلاً.
الأربعاء 21 . 7 . 1999 لم ينقطع الزوار عن مكتبي طوال ساعات الدوام. أمضيت معهم وقتاً طويلاً في الثرثرة، تخللتها بعض أحاديث في الثقافة. غادرت الوزارة بعد انتهاء الدوام، ذهبت إلى مستشفى المقاصد كما هي العادة كل يوم، لأخذ ابنتي أمينة من هناك والعودة بها إلى البيت. في المساء قرأت بضع صفحات في رواية توني موريسون "العيون الأكثر زرقة"، وهي روايتها الأولى التي كشفت فيها عن موهبة كبيرة ظلت قادرة على العطاء المتميز حتى الآن. كلما قرأت رواية ذات مستوى يتضاعف يأسي من كتابة رواية جيدة، يصبح الأمر أكثر إرباكا وحيرة، وتزداد نقمتي على ظروف حياتي التي لا تمكنني من التفرغ للكتابة. التقيت اليوم صباحاً الأستاذة الجامعية وفاء درويش في طريقي إلى الوزارة، سلمتني مقالة لدفاتر ثقافية. وفاء امرأة مثقفة وهي بالغة التهذيب، مترفعة عن السفاسف الهابطة التي يغرق فيها بعض مثقفينا ومثقفاتنا. طلبت منها أن تقرأ قصصي المنشورة في مجلة الكرمل (العدد رقم 60) لكي تعطيني رأيها في هذه القصص، فأنا أثق في رأيها، وأعرف أنها لا تجاملني. آه، كم أنزعج من المجاملات التي تطغى على الوسط الأدبي. لم يعد أحد مستعداً لقول رأيه صراحة في أي عمل أدبي أو فني، مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال. الساعة الآن تتجاوز الثانية عشرة ليلاً. المزاج ليس جيداً. أفتقر إلى جو هادئ أواصل فيه حياتي. يتبع...
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير27
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير26
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير25
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير24
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير22
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير21
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير20
-
الأدب في زمن الحروب والأزمات
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير19
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
-
مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير
...
-
زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
-
زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
-
زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
المزيد.....
-
-فيلم ماينكرافت- يحقق إيرادات قياسية بلغت 301 مليون دولار
-
فيلم -ماينكرافت- يتصدر شباك التذاكر ويحقق أقوى انطلاقة سينما
...
-
بعد دفن 3000 رأس ماشية في المجر... تحلل جثث الحيوانات النافق
...
-
انتقادات تطال مقترح رفع شرط اللغة لطلاب معاهد إعداد المعلمين
...
-
-روحي راحت منّي-.. أخت الممثلة الراحلة إيناس النجار تعبّر عن
...
-
-عرافة هافانا- مجموعة قصصية ترسم خرائط الوجع والأمل
-
الفنانة ثراء ديوب تتحدث عن تجربتها في -زهرة عمري-
-
إلتون جون يعترف بفشل مسرحيته الموسيقية -Tammy Faye- في برودو
...
-
معجم الدوحة التاريخي ثروة لغوية وفكرية وريادة على مستوى العر
...
-
بين موهبة الرسامين و-نهب الكتب-.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي ج
...
المزيد.....
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
المزيد.....
|