مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث
(Moayad Alabed)
الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 14:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعتبر مصطلح الإسخاتولوجيا من المصطلحات التي تتراوح مفاهيمها ومضموناتها ما بين الدين والميثولوجيا والفلسفة ويمكن أن يكون ضمن المصطلحات التي ترد في الانثروبولوجيا وأنا أضيف عليها ما يمكن أن يتطرق فيه المرء الى الفيزياء ببعض فروعها، وسنرى. وهذا المصطلح ايضا يتراوح في العقيدة ما بين الاديان في ان المؤمن بها يكون مقبولا ومن لا يؤمن بها قد يغادر عقيدة الايمان في بعض الشرائع كما في شريعة الاسلام. وهذا الاعتقاد من الاهمية لايمكن ان يستغنى عنه في كل الشرائع السماوية بل وحتى الارضية التي تؤمن بوجود ما تعتقد به، وليس له علاقة فعلية مع السماء (كما هي تؤمن!) الا من خلال التعبيرات التي ترد في وثائق والواح او كتب الاقدمين، الى ما وصل الى الان بين البشر الذين يعتقدون بها. وفي كل الشرائع يتم التركيز على الايمان بوجود الاخرة او الحياة الاخرة (أو الحياة الأخرى، أو حياة الإستقرار، أو غير ذلك مما يمكن أن يقال عنها بالحياة التي تعبّر عن حساب ونتائج عمل في حياتنا الدنيا هذه) من الاشياء التي لا مراوحة فيها باي حال من الاحوال. وهذا المصطلح قد اشير اليه من خلال عدد من المصادر على انه مصطلح غربي قد ورد في معتقدات اليهودية والمسيحية وفي الاسلام على نهاية الحاضر او نهاية الحياة الدنيا والدخول في مرحلة انتقالية ثم الى العالم الاخر او الحياة الاخرة وهي حياة استقرار الارواح في مكان يعتمد فيه على اعمال البشر. وفي هذه الحياة الاخرى تقوم قيامة الاموات والتعرض الى سؤال الله (أو الخالق بمسميات عدّة عند بعض العقائد) عن عدّة امور قد مارسها الانسان ليجيب عليها وتشمل الايمان بالعدل الالهي اي بان الله لا يمكن ان يكون غير عادل في محاسبته للبشر. وعدل الله يعتبر ضمن دراسات معمّقة تدخل في حيز يطلق عليه بالثيوديسيا او يتعلق باثبات عدالة الله تعالى. ولا مجال للحديث عن العدالة من خلال تقييم الادنى للاعلى. لكنها عندما تكون ضمن العقيدة فيجب ان يكون لها ما لكل المصطلحات التي ترتبط بعقيدة الاخرين للوصول الى ما هو افضل للعيش مع العقل الراجح.
هناك العديد من المجتمعات التي لا تتمتع باي علمية، وما حولها من الجهل كاف كي ينتج اي مشكلة حتى في المفاهيم. والأدهى من ذلك اذا وردت هذه المفاهيم المشوّهة من قبل من يدّعون العلمية والدقة في النقل التاريخي! حيث كانت منطقة الشرق زاهرة وعامرة بالعلوم والمفاهيم والفلسفة ويظهر لك احدهم من هذه المنطقة ، نشأ وترعرع في مدارسها وجامعاتها وقرأ تاريخها وعرف ما يتعلق بها وينص على قول ان الدين لا علاقة له بالوجود او الخلق ولا اثر له في التاريخ وان ما ذكر من كتب مقدسة لا علاقة لها بشيء اسمه سماء او دين او نبوة! يعني ينفي وجود شيء اسمه كتاب منزّل من السماء ولا وجود لما ذكر على انه كلمة الله او الخالق. وهذا شيء غريب حقا! لان الدين وكل الشرائع ضمنت ايمان الانسان بل اشترطت عليه ان يؤمن بالغيب ولا غرابة بما يطرح على انه طرح جديد لنكران الدين. كل الاديان او الشرائع تنص على الايمان بهذا الغيب الذي منه الايمان بوجود الحياة الاخرة. ووجود الحساب وكشف اعمال الانسان. لو توفرت كل الدلائل على وجود هذه الحياة الاخرة فكيف سيكون ايمان الانسان؟ بالتاكيد سيكون لا معنى له. فكل التاسيسات السياسية والفكرية والتنظيمية تستند على ضرورة وجود المكافأة والعقاب وبالاساليب التي تقررها التاسيسات المذكورة، فلا غرابة من وجود الفكرة هذه في الدين. وجزء من هذه المكافآت هو خلود الروح واراحتها من تعب وشقاء الحياة الدنيا.
هل بالفعل هناك ربط بين العلم والحياة الاخرة؟!
من خلال دراسة عدّة نظريات منها مثلا: نظرية الانفجار العظيم ، الانتروبيا، النهايات الحرارية، وكل ما يتعلق بمفاهيم نهاية الكون، نلاحظ كيف تتقاطع هذه المصطلحات مع مفاهيم الاسخاتولوجيا في الشرائع الثلاث، اليهودية، المسيحية والاسلام. وسنلاحظ الجوانب الفلسفية والرمزية والعلمية والدينية حول النهاية.
حينما يتحدث الانسان عن نهاية الحياة، انما هي غير نهاية الكون الذي يتضمنه كما هو معروف، فكل الاكتشافات العلمية والاثاريات وكذلك بعض من النظريات العلمية تؤكد على ان الحياة نشأت للكائن الحي من خلية واحدة او ما تلاها، انما جاءت بعد وجود وخلق الكون. حيث توجد هناك العديد من النظريات حول نشأة الكون تكون واحدة منها هي نظرية الانفجار العظيم كما هو معروف لدى الكثيرين. وهي النظرية الاكثر قبولا والتي تشير الى ان الكون كان عبارة عن نقطة او جسيم اولي او بداية لا علاقة لها بالنشء الاول الا من خلال كونه بداية، وكان الحدث قبل 13,8 مليار سنة ودائم التوسّع الى الان (1). لكن من وجهة نظر تتعلق باللازمن اي ذلك الخلق الذي يسبق الانفجار، الذي تتطرق اليه هذه النظرية باعتبار ان العلماء ومنهم هويكينغ لا يهمه ما يسبق هذا الانفجار. وطالما نتطرق نحن الى ما يتعلق بالزمن الذي يسبقه باساليب عديدة ومن خلال العديد من التفسيرات ومنها التفسيرات الغيبية التي يرفضها بعض العلماء ولكن لا يرفضها اغلب الفلاسفة. وقد أشبع العلماء هذه النظرية بتفسيرات عديدة عن نشأة الكون بهذا الطريق ولم يركّزوا كثيرا على النظريات او متعلقات النظريات الاخرى. مثل نظرية الحالة الثابتة
Steady State Theory
والتي اقترحت في منتصف القرن العشرين والتي تفترض ان الكون ابدي ولا يتغير مع نشوء المادة باستمرار للحفاظ على كثافة ثابتة مع توسعها. إضافة الى وجود نظرية التضخّم
Inflation theory
والتي تعتمد على نظرية الانفجار العظيم مما يشير الى ان الكون خضع لتوسع سريع اي تضخّم كبير وسريع في اجزاء او كسر من الثانية بعد الانفجار العظيم او الكبير، المذكور. وهي واحدة من النظريات المهمة التي لا يمكن ان يستغني عنها عالم او باحث لاسباب كثيرة سترد تباعا. بالاضافة الى نظرية اخرى هي النظرية الوترية التي تنص على ان الاطار النظري لها يقول عن استبدال الجسيمات النقطية في فيزياء الجسيمات باجسام احادية البعد تسمى الاوتار. وتقترح هذه النظرية ان الكون قد يكون له ابعاد متعددة تتجاوز الابعاد المكانية الثلاثة المالوفة والبعد الزمني الواحد(2). وهناك نظرية تعدد الاكوان التي تقترح ان الكون هذا الذي نعيش فيه هو واحد من عدد من الاكوان ولكل من هذه الاكوان قوانينه الخاصة به وبظرفه.
كل هذه النظريات التي ذكرتها انما هي نظريات تتعلق بخلق او سلوك الكون او استمراريته ولا تتعلق او تذكر ما يحصل مابعد نهاية الكون وانكفائه او انكماشه. وهذا الذي اتطرق اليه دائما ولو من الناحية الفيزيائية لا علاقة له بما يتطرق اليه العلماء على اساس ان الكون اذا انتهى سيحصل كذا وكذا بل اريد ان ادمج ما يقوله الدين او النظرية الغيبية في هذا الجانب ثم اعرج على المقارنة او تسليط الضوء على نقاط مهمة تقع في محور الاسخاتولوجيا. والتساؤل: هل يمكن أن يكون الامر هكذا؟ اي هل يستطيع انسان يؤمن بالعلم وبنظرياته ان يسحب هذه المفاهيم الى ساحة الغيب التي لا يؤمن بها اغلب العلماء (واقصد علماء الطبيعة بكل فنونها)؟ انا ادعي واقول نعم يمكن ذلك. لا تستغرب فمفهومي للعلم قبل أن يكون نظريات متعددة وتطبيقات مختلفة عليها، هو وجود من الموجودات التي خلّقت ووجدت لتدوير الطبيعة وادارتها الى الافضل لا اكثر. اي يبقى الاقتراب من الحقيقة المطلقة هو المراد وان اختلف العلماء في التسميات وان اختلفوا في التعبيرات والمفاهيم. هذا العلم بكل ما يحمل هو وجود في ذهن الموجود ووجود في واقع الطبيعة. لذلك لا يمكن الا ان يكون واحد من الاشياء التي نتعامل بها ومعها هو ذلك الذي يعبر عنه بطرق مختلفة. ولقد اثرت هذا الموضوع في العديد من الابحاث حول الكيفية اللازمة للتعامل مع العلم كي يكون مكتملا في الطريق السوي الى الحقيقة المطلقة والا سيكون اعرجا وهو المتحرك بادوات مختلفة حسب واقع وزمن المحيط (الداخلي الذهني والخارجي المحيط).
لقد أرّق الكثير من الناس عبر التأريخ نتيجة الحياة او مغزى الحياة وما بعدها إن وجدت (للمشككين فقط في وجودها ولست منهم!)، وماهو مصير الكون وما هي نهاية هذا الوجود؟ اذا تحدثنا عن الجانب العلمي فلا دلالة على تفاصيل فيما يحدث ما بعد الموت وما بعد البعث الا ما تناقلتها الروايات عن الانبياء والرسل والناقلين وهذا لعمري من اهم ما يتعلق بالدين والغيب الذي يؤكد عليه الدين. اي ان الحديث يدور عن الاحداث الغيبية والاخلاقية البحتة مع بعض من منطق حينما يقارن الانسان بطرق متعددة مع قليل من النظريات العلمية ليخرج بنتيجة التكافؤ او المكملات من الاتجاهات التي تصب في خانة اراحة النفس واراحة العلم والالتزام بالمعايير الموضوعة والمشرعة. ولا اعتقد ان هناك صعوبة للوصول الى هذه النتيجة لانني مقتنع واسعى كما هي عادتي في اكمال البعض مع البعض ليكون واحدا بنتائجه. هل ينتهي الزمن؟ هل يؤول الى الاندثار كما هي عادة الاشياء التي تولد وبالنتيجة لتنتهي؟ من هنا يجب الولوج الى عالم الربط لايجاد مفهوم واحد ما بين الفيزياء او اي علم من العلوم وتلك الاسخاتولوجيا.
لقد قلنا ان النظريات التي تتطرق الى نهاية الكون هي نظريات تبحث في الجانب الفيزيائي والنظري البحت من خلال متغيرات وثوابت (هي في الاصل متغيرات! في زمان ما ومكان ما) توضع في قوالب معينة من خلال تجربة او اشتقاق ما. فالنظريات الخمس او الاربع الموجودة تتعلق بهذا الجانب وتتطرق الى جانب دراسة والبحث في الكون على اساس انه موجود في جانبيه: الاول المرئي والاخر غير المرئي الذي يبحث نظريا بشكل كبير وواسع. لكن الذي تحدثت فيه وحوله الديانات او الشرائع السماوية والتي جاء بها انبياء مسددون من خالق الكون (هنا يشكك او ينكر عدد من العلماء بهذه الشخصيات على اساس ان لا ضرورة لوجود واسطة بين الانسان وربه: ومنهم من يشكك في اصل الخالق، وقد خاب بوضوح وبجلاء من خلال آلاف الطروحات في الجوانب كافة، الفلسفية والنفسية والغيبية بل والعلمية احيانا كثيرة، من خلال نفس العالم غير المرئي الذي تتطرق اليه تلك النظريات نفسها)، ومنهم من ذكرته الاثاريات التي ينكرها باحث يدّعي انه اطّلع عليها ولا وجود لهؤلاء الاشخاص، ونسي ان التغير الذي حصل في اللغات عبر التاريخ قد غيّر الاسماء باللغات المتعددة وان هذه الاثاريات تدلل على وجود فعلي لهؤلاء وان اختلفت اسماؤهم. ومن خلال المقاربات الرمزية والفلسفية والارتباط الفلسفي العلمي من حيث ان العلم كما قلت موجود من الموجودات التي تخضع هي نفسها الى معايير، هي نفس المعايير التي يخضع لها كل شيء ناتج من هذا الخلق الكوني. ومنه طبعا الزمان الذي لا يمكن ان ينكر انقضاؤه ونهايته، حتى من خلال التعامل مع رياضيات قديمة وحديثة ومع فيزياء قديمة وحديثة بعد التطورات الهائلة التي حصلت في فيزياء الكم او الفيزياء الكمومية. وقد اشرت في العديد من المقالات الى هذا الجانب وخوفي من ان يكون التكرار عاملا لابعاد احبابي القراء عنّي وانا المهووس بهم وعاشق ملهَم، حتى اردد مع نفسي ومقرّبيّ ان هذه النخبة ستكون لي اوتارا اعزف عليها او اكون انا وترا من اوتارهم كي يعزفوا معزوفتهم الجميلة بي ومعي!
لست فقط من المحبين لفيزياء الكم بل العاشقين لها قدر تعلق الامر بترويجي لهذا الذي افكر به واصل فيه الى نتيجة ترضي الاخر وترضيني قبله. وقد تطرقت الى ما يحوم حول هذا العلم من اهمية بل اهميات عديدة تنقذنا من كثير من الاشكالات المطروحة والمتوقعة. ففي فيزياء الكم مفاهيم ومشاريع لتعزيز النظريات السابقة ووضع اسس جديدة متطورة باستمرار لفهم نهاية الكون وما بعده. ففي هذا العلم الجميل والمعقّد فهم لنقطة انطلاق الكون ونقطة انكماشه الى ان ينتهي الى النقطة نفسها او مشابهة لها في المميزات او الخواص، او الى نقطة ما، تنكمش اجزاء الكون فيها من جديد. من خلال النظريات يمكن ان نسأل: وماذا يعني ان ينتهي الكون؟ ليس هذا هو السؤال بل السؤال ماذا ينتج عن نهاية الكون وهل هناك من ينشيء او يقيم محكمته لنا لمحاسبتنا؟ وهل هناك ضرورة للمحاسبة؟ وهل هذا هو المغزى من وجودنا؟ سنعود قريبا إن شاء الله تعالى، لنكمل ما بدأناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1. لقد تحدثت عن هذه النظرية في كتابي المعنون: (الغاز اللازمن من الانفجار العظيم الى كوسمولوجيا الحاضر، والصادر باللغة
السويدية بعنوان:
Tidlösa mysterier från Big Bang till dagens kosmologi
وستصدر طبعتا اللغة العربية والانكليزية قريبا ان شاء الله تعالى)
2. راجع كتابي المعنون اعلاه حول النظرية الوترية. وكذلك رأيي في الابعاد الاربعة حول محور الزمن كبعد رابع وهل هو بالفعل بعد من الابعاد ام لا؟!
Moayad Al-Abed
#مؤيد_الحسيني_العابد (هاشتاغ)
Moayad_Alabed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟