أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟














المزيد.....

بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 10:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد مئة يوم على سقوط الأسد:
من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟

1/3

إبراهيم اليوسف

"ويبقى السؤال:
ها قد أعدنا إليكم سوريا
أم ها قد أعدتم إلينا سوريا؟"

تتبدل الوجوه ويتبدّل اللباس، لكن يبقى الجور في العقل الذي يُسود فوق كل شيء؛ عقلٌ مُتشبّع بالاستئثار ونفس الشهوة التي صنعت العهود المظلمة. حين تُخلع راية الظلم، يُستقبل الحدث بأصوات فرحة زائفة كما لو أن الفجر قد أشرق بعد ليلٍ طويل من القهر. لكن هذه الفرحة ليست إلا تمويهًا لمرحلة انتقالية تشبه دوران عجلةٍ قديمة؛ فلا يُعاد بناء الوطن على أسس جديدة، بل تُستولى السلطة بالطرق نفسها التي أرستها الأيدي السابقة.
يُقال: انتهى العهد، وبدأ عهدٌ آخر، ولكن السؤال يبقى دائمًا: من يملك القرار؟ الأمر ليس امتيازًا وظيفيًا، بل اختبارًا صارمًا لمفهوم المشروع الوطني. ففي كل مرحلة انتقالية، حين يُسلّم من لا يؤمن بمفهوم الشراكة المساواة القرار، تُصبح البلاد ساحة انتظار معلقة بين استبدادٍ راحل واستبدادٍ قادم. لا يلبث القادم مرتدياً ثوب الثورة ليُعلن حرية الشعوب، بل يُزين نفسه بشعارات الحرية ويتلو عبارات التحرر، ثم يكشف أن القرار لم يكن أداة بناء، بل كان وسيلة قبضٍ وإقصاء.
وفي هذا السياق، يظهر بوضوح شعارٌ قد لا يليق بمستقبل الشعوب: "من يحرّر يقرّر". فقد تحوّل هذا الشعار إلى أداة لاستلام السلطة دون تحرير حقيقي، حيث ينتقل القرار من يد إلى أخرى في عملية تسليم واستلام مدروسة؛ ليست بمثابة انفراجٍ أو استعادة لحقوق الشعوب، بل كرسمٍ آخر للإقصاء وإعادة تدوير وجوه النظام ذاته.
وفي خضم هذا الانتقال المضلل، يتكرر المشهد ذاته: تُدار العملية من فوق، وتُقيد الأبواب أمام من لا يرضخون للوثن الجديد. يُستبدل "المحرِّر" بالمقرر"، فيُسدل الستار على كل صوت مختلف، وتُسحب الفرص من تحت أقدام الحالمين. لا يُقصى هؤلاء لأنهم ارتكبوا أخطاء فادحة، بل لأنهم رفضوا أن ينضموا إلى الدائرة الضيّقة التي تستمد شرعيتها من الولاء الفارغ.
وفي ظل هذا المنوال، لم تقتصر التجاوزات على استبدال الوجوه، بل شملت أيضًا إعادة صناعة التاريخ. ها قد أعدنا إليكم سوريا! ها قد أعدتمونا إلى سوريا، تلك سوريا التي شهدت في 12 آذار 2004 انطلاقة ثورة. أجل ثورة قياساً إلى واقع سوريا تحت ظل أعتى آلة استبدادية كانت بمثابة مقدمة للانتفاضة الكبرى، للثورة الكبرى التي ستندلع بعد بضع سنوات. حينما انطلقت الاحتجاجات في قامشلي والمدن الكردية ومدن التواجد الكردي، وتم خلال تلك الأيام تحطيم تماثيل الأسد، وإقامة وقفات احتجاجية في دمشق ودرعا؛ وقفت هذه الأحداث كرمزٍ لانطلاقة ثورة السوريين على امتداد أرض سوريا ضد النظام. تلك الثورة جاءت بقوى راديكالية كانت تحمل رسالة مختلفة عما عُرض في المراحل اللاحقة.
بحسب تصريحات قادتها، جاءت تلك الثورة من منطلقات شعبية راسخة، جاءت لتعلن انتهاء حقبة الظلم؛ بينما تحولت الفصائل التابعة لتركيا إلى أدوات ارتزاقيه، حيث كان هدفها ارتزاق المواقف بدلًا من الدفاع الحقيقي عن المطالب الثورية. وقد كانت الثورة السلمية هي التي كسرت ظهر النظام وعرته، في حين كانت مواجهات الفصائل- مع استثناء الجيش الحرّ الذي دافع في أشهر ولادته الأولى عن أهله دون أن يتبع أجندات مالية وقبل أن يسلم أول ضابط انشق عن الجيش السوري وهو المقدم حسين هرموش إلى النظام السوري- دون مساءلة تركيا: لم حدث ذلك حتى الآن؟ هؤلاء الأبطال الأوائل الذين رفضوا الإذعان للتمويل وهبوا دفاعًا حقيقيًا عن الثورة قبل أن تُشوّه بوساطة الجهات الممولة مثل تركيا وقطر وغيرها، التي حوّلت البوصلة الثورية إلى اتجاهات تخدم مصالحها الضيقة.
إنّ ما حدث في سوريا هو مرآةٌ تعكس كيف يمكن لقوى الثورة أن تنحرف عن مسارها إذا ما جُرَّدّت من روحها الحقيقية، إذا ما خضعنا للعبارات الشعارات التي تُستخدم لتسويغ الاستيلاء على القرار. ففي كل مرحلة انتقالية، يجب أن يكون القرار في يد من يؤمن بأن الوطن شراكةٌ جماعية، لا يُستعبد فيها المواطن بقرارات فردية تُفرض دون مشاركة. وإذا استمرّت السلطة في تجميع القرار بين أيادي من لا يستحقونه، فإن الشعوب لن تخرج من دائرة الانتظار التي أُرسِيت لها عبر عقودٍ من القمع والإقصاء.
الواقع صارخٌ؛ فقد تحولت الثورة التي طالما دُعيت باسم الحرية إلى عملية محاصصةٍ للسلطة، وإعادة إنتاج للمنطق القديم نفسه تحت أغلفة جديدة. وهكذا، تتكرر المأساة؛ فتظل الأبواب مغلقة أمام الأصوات المنتقدة، وتُمنح الفرص لمن يتماشى مع الرؤية المحدودة التي تفرضها الجهات الحاكمة الجديدة. فما الفرق إذًا بين المظاهر والواقع؟ الفرق يكمن في عدم سماع صوت المواطن، في استغلال الشعارات لتبرير تسليم السلطة دون تفكيك نظام القمع القديم.
ويبقى السؤال المدوي: من يقرّر؟ من يؤمن بالشعب حقًّا، ومن يريد أن يبقيه جمهورًا صامتًا؟ من يرى الوطن كمشروع تشاركي، ومن يحوّله إلى مزرعةٍ تُستغل فيها مصالح قلة على حساب أغلبية؟ إذا لم يُحسم هذا السؤال، فإن كل استلام للسلطة لن يكون إلا مرحلة مؤقتة من قيودٍ جديدة تُثقل عنق الحرية، وتعيد صياغة نفس المأساة.
إن الثورة الحقيقية لا تُقاس بعدد التظاهرات أو شعارات الانتصار، بل تُقاس بمدى تمكين المواطن من مشاركته في صنع القرار. الوطن لا يُبنى بمرسومٍ أو إعلانٍ، بل يبنى عندما يكون لكل فرد صوت، عندما تُفتح الأبواب للنقاش والحوار، وعندما يُستمع إلى الاختلاف دون خوفٍ أو قمع. وإلا، فإن ما نراه ليس انتقالًا، بل إعادة دورانٍ في الحلقة ذاتها؛ دورانٌ لا يكسر قيود النظام القديم، بل يُعيد تصويره بصورة جديدة تحت أسماء تبدو ثورية، ولكنها في جوهرها مجرد استمراريةٍ للسلطة.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟
- حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد
- بعد سقوط البعث العنصري ونظام أسده: قمم جيايي كورمينج تتوهج ب ...
- الأسد والبعث وثنائية الأكثرية والأقلية
- السيد الشرع في دوامته لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة ا ...
- دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- حصار الساحل السوري موت بطيء تحت الحصار لمن نجوا من القتل الج ...
- قراءة نقدية قانونية للدستور الجديد: إشكاليات التمييز والهوية ...
- السيد الرئيس الشرع: لا أوافق على دستورك ورئاستك بهذه الصيغة!
- مذابح الساحل السوري: توثيق الجريمة وفضح رعاة القتلة
- إبراهيم محمود عن شهداء الانتفاضة: اعذروني لن أكتب عنكم


المزيد.....




- لمكافحة الفيضانات في كنتاكي.. مالك يغرق مطعمه بالماء العذب ع ...
- -قمة القاهرة- تدعو لوقف إطلاق النار في غزة.. وتتمسك بـ-مظلة- ...
- مسيرات روسية تخترق دروع دبابة -أبرامز- الأمريكية
- تقرير يكشف شهادات لجنود إسرائيليين حول التدمير الممنهج لغزة ...
- ماكرون في الحسين… زيارة رئاسية بطابع شعبي في قلب القاهرة
- لحظة احتراق الصحفي أحمد منصور
- محكمة روسية تخفف عقوبة السجن بحق جندي أمريكي... إشارة أخرى ل ...
- لم يحدث منذ 1929.. رسوم ترامب تهز بورصات العالم
- ترامب يهدد باستخدام -الفيتو- ضد مشروع قانون التعريفات الجمرك ...
- المبعوث الأممي غير ‏بيدرسون: ناقشت مع الرئيس أحمد الشرع الان ...


المزيد.....

- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟