أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل الخمليشي - سوء تفاهم مع نديم لا ينام














المزيد.....

سوء تفاهم مع نديم لا ينام


نبيل الخمليشي

الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


السيارة تصدر صوتا
كأنها تسعل.
الراديو مكسور
والنافذة لا تغلق،
والجعة؟
ساخنة منذ ثلاث ساعات.
نحن في مكان ما
بين حفرة ومزبلة،
وأنا
أُحاول أن أشعل سيجارة
من ولاعة لا تؤمن بي.
النديم إلى جانبي
لا يسكت،
يتحدث عن
امرأة خانته،
وكلب عضه،
وجار لم يعجبه.
أهز رأسي
كأني أستمع،
لكنني أفكر:
كم مرة يمكن للإنسان
أن يقود نحو الهاوية
ويعود دون أن ينكسر شيء مهم؟
هو يشرب
كما يشرب الذين
فقدوا آخر الرغبات
في التظاهر بالتحسن.
"هل نصل؟"
سألته.
قال وهو يتجشأ:
"إلى أين؟
المدينةُ مليئة بأناس
يمشون ببطون فارغة،
وعقول مليئة بالأكاذيب.
ابق هنا،
على الطريق،
الطرقات لا تكذب."
أوقفت السيارة
كي أتبول.
تحت النجوم
رأيت ظلي
يرتجف على التراب.
حين عدت
كان نائما
بفمه المفتوح
كمن يصرخ في الجحيم.
شغلت المحرك،
وقررت ألا أوقظه.
ربما الحلم
أفضل مما ينتظرنا.
المحطة التالية
لا تظهر،
ولا شيء على الجانبين
سوى أشجار نحيلة
كأصابع منسية
في قفاز قديم.
النديم استيقظ،
فرك عينيه،
وسألني كم بقي من البنزين،
قلت له:
"كفايةٌ لنغادر أنفسنا...
لكن لا نصل."
ضحك بصوت خافت،
ثم بصق من النافذة،
وقال:
"كنت أصقل في مدرسة بالجبال
أياما طويلة
تصهرني كما يصهر الفولاذ،
واليوم؟
أكسر بآهات أم كثوم على المذياع."
السيارة تمضي،
وكل دقيقة
تتآكل كما يتآكل الحزن
في صدر رجل
تعود الخسارات الصغيرة،
لأن الكبرى
تتطلب وقتا لا يملكه.
قال لي:
"كل من قابلتهم
إما تاجر كلمات،
أو لص قاتل.
أنت؟
لا يبدو أنك مختلف،
لكنك تقود جيدا،
وهذا يكفي."
صمت
لأن الردود
تكلف أكثر من البنزين.
أردت أن أسأله
عن والدته،
عن طفولته،
عن الحلم الذي لم يكبر،
لكني عرفت مسبقا
أن السؤال سيكون
كمن يضع وردة
على قبر مهجور.
الطريق اتسع،
الليل تمدد،
والرائحةُ داخل السيارة
تشبه الرطوبةَ
في قبو قديم
ما زال يحتفظ بصوت من رحلوا.
ثم قال:
"هل تعلم؟
لو توقفت السيارة الآن
سأمشي،
لا لشيء،
فقط لأعرف
إن كنت أستطيع الذهاب
من غير وجهة...
بلا رفيق."
الطريق الآن
مجرد خط أبيض
يرتجف تحت أضواء باهتة.
لا شيء يتحرك،
حتى نحن...
نتظاهر أننا نتحرك.
النديم خلع حذاءه،
وفتح نافذته،
وقال:
"هل تعرف الشعور
عندما تستيقظ في جسدك
ولا تعرف من فيه؟"
لم أجب،
كنت مشغولا
بتذكر صوت امرأة
غادرت قبل سنوات
ولم تغلق الباب جيدا.
"كنت أكتب شعرا في مراهقتي،" قال.
"كل ما كتبته
كان عن أب
لا يقرأ،
وأم تحب الغسيل أكثر مني."
أخرج دفترا قديما
من جيب معطفه،
الورق أصفر،
والخط مهتز،
كأنه كتب أثناء زلزال داخلي.
قرأ بصوت مبحوح:
"رأيتني في امرأة لا تشبه أمي
تحملني كما يحمل اللوم،
ثم تتركني على العتبة
مثل علبة سجائر فارغة."
ضحك،
ثم مزق الصفحة
ورماها من النافذة.
"لم أعد أؤمن بالكلمات،
الشارع لا يقرأ،
والألم؟
لا يحتاج إلى جمهور."
قلت له:
"ربما لا نكتب
لأننا نؤمن...
بل لأننا خائفون."
أطفأ سيجارته
على لوحة القيادة،
وقال:
"أنت تتكلم كثيرا،
وهذا خطير.
أولئك الذين يتكلمون كثيرا...
ينكسرون بصمت."
توقفت فجأة،
نزلنا لالتقاط بعض الهواء
على جانب الطريق،
والريح كانت تعوي
كأنها فقدت أبناءها.
نظر إلي،
ثم إلى العتمة،
ثم قال:
"لو اختفى أحدنا الليلة،
لن يلاحظ أحد.
الليل طويل،
والأرض تعود لابتلاع من نسيتهم الحياة."
ثم صعدنا السيارة
دون أن نغلق الأبواب جيدا،
ودون أن نسأل عن المسافة الباقية.
وصلنا،
المدينةُ لا تظهر وجهها،
بل تخفيه وراء غبار الصباح،
أضواء الشوارع تومض ببطء
كما لو أنها تشعر بالخجل
من هذا القدر من الوقت الذي مر
دون أن يدرك أحد أننا فيه.
السيارة توقفت،
لكن المحرك ظل يهتز ببطء
كما لو كان يعاني من شيء لا يشخص.
نظر النديم إلى المدينة،
ثم إلى السماء،
ثم قال:
"نعم، هذا هو المكان."
لم أكن متأكدا إن كان يقصد المدينةَ
أو شيئا آخر لا نراه.
نزلنا بصمت،
كلانا يعرف أن لا شيء
سيكون كما كان،
لكننا لا نملك الشجاعة لقول هذا.
الهواء هنا خفيف،
لكن الأرض ثقيلة،
والطريق
كما لو كان يجرنا من أقدامنا
إلى مكان لا نعرفه.
أوقفنا السيارة على جانب الطريق،
ثم بدأنا نمشي.
قال:
"هل تذكر ذلك اليوم؟
يوما آخر،
كان فيه صوت المطر فقط،
والكلمات لا تخرج إلا بحذر."
نظرنا لبعضنا،
لكننا لم نتبادل كلمة واحدة.
كل شيء كان قد انتهى،
لكننا ما زلنا نمشي.
ثم توقف فجأة،
أدار رأسه إلي،
وقال بصوت منخفض:
"أنا راحل،
لكني لست متأكدا
من أين سأذهب."
قبل أن أجيب،
ركب سيارته مجددا،
تركني أمام باب مغلق،
كما لو كان المكان نفسه
مغلقا علينا.
سمعت صوت محركه يبتعد تدريجيا،
بينما كنت أراقب
الأضواء الباهتة تبتلع الظلال،
وانتهت الرحلة.



#نبيل_الخمليشي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد الضوء
- حفلة النصر
- مزاد الدم
- البحر بلا أكاذيب
- مرثية ساعي البريد
- مقهى الغبار
- نخب الغياب
- هشيم الزمن
- ملامح الغائب
- أمام البحر، وحيدا
- الى رفيقي الطاهر
- قصيدتك
- حرف النجاة
- رسم الإراثة
- نقش الحناء الأخير
- فينوس الزمن البعيد
- شجرة الحرب
- الاله المنتقى
- -سيميمون- في معمل الاسمنت
- أريدك بعيدا..


المزيد.....




- -فيلم ماينكرافت- يحقق إيرادات قياسية بلغت 301 مليون دولار
- فيلم -ماينكرافت- يتصدر شباك التذاكر ويحقق أقوى انطلاقة سينما ...
- بعد دفن 3000 رأس ماشية في المجر... تحلل جثث الحيوانات النافق ...
- انتقادات تطال مقترح رفع شرط اللغة لطلاب معاهد إعداد المعلمين ...
- -روحي راحت منّي-.. أخت الممثلة الراحلة إيناس النجار تعبّر عن ...
- -عرافة هافانا- مجموعة قصصية ترسم خرائط الوجع والأمل
- الفنانة ثراء ديوب تتحدث عن تجربتها في -زهرة عمري-
- إلتون جون يعترف بفشل مسرحيته الموسيقية -Tammy Faye- في برودو ...
- معجم الدوحة التاريخي ثروة لغوية وفكرية وريادة على مستوى العر ...
- بين موهبة الرسامين و-نهب الكتب-.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي ج ...


المزيد.....

- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل الخمليشي - سوء تفاهم مع نديم لا ينام