أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد














المزيد.....

ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 06:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود

يُطرح سؤال "أي نظام عالمي جديد في طور التشكل؟" بإلحاح متزايد في الأوساط السياسية والفكرية والأكاديمية على حد سواء، في ظل تفاقم التحديات العالمية وتشظي الرؤى التقليدية التي حكمت العلاقات الدولية لعقود. وإذا كان النظام الدولي في النصف الثاني من القرن العشرين قد شهد استقرارًا نسبيًا نتيجة الحرب الباردة، وانقسام العالم إلى معسكرين متصارعين، فإن عالم اليوم يعيش مخاضًا مفتوحًا على كل الاحتمالات، حيث لا تزال ملامح النظام الجديد غير واضحة أو مستقرة، في ظل غياب قواعد ناظمة متفق عليها بين اللاعبين الرئيسيين.

لقد أثبتت النظريات الكبرى التي حاولت استشراف شكل العالم القادم محدوديتها، بل وربما فشلها في تفسير عمق التحولات الجارية. فـ"نظرية صدام الحضارات" لصامويل هانتغتون، التي افترضت أن الصراعات المستقبلية ستكون بين حضارات متباينة ثقافيًا ودينيًا، لم تصمد أمام الواقع العالمي. فالصدامات الحادة التي نشهدها لا تقع بين حضارات متماسكة، بل داخل الحضارات نفسها، بين تيارات متشددة وأصولية تسعى لاحتكار تمثيل الهوية، وتيارات أخرى تنادي بالإنساني المشترك وقبول التعددية والتنوع. فالصراع الحقيقي ليس بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام والغرب، بل بين من يتبنى قيماً إقصائية ومن يرى في التعددية مصدر غنى لا تهديد.

كذلك، فإن نظرية "نهاية التاريخ" لفرنسيس فوكوياما، التي بشّرت بانتصار النموذج الليبرالي الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كشفت عن قصور واضح في فهم تعقيدات الواقع الدولي. فبدل أن نشهد انتشارًا واسعًا للنموذج الديمقراطي الليبرالي، نشهد اليوم تصاعدًا للتيارات القومية والشعبوية، وتراجعًا عن العولمة، وانتقادات داخلية حادة لهذا النموذج نفسه، في عقر داره. فالديمقراطية الليبرالية تواجه تحديات بنيوية حتى في المجتمعات التي أنتجتها، والعالم لم يتحول إلى قرية كونية متناغمة، بل أصبح أكثر تجزؤًا وتناحرًا.

ورغم هذا التفكك النظري، فإن بعض المؤشرات بدأت ترسم ملامح لتوازنات جديدة. وإذا كان "الشرق الاستراتيجي العقائدي" قد انهار مع سقوط الاتحاد السوفيتي، فإن "الغرب الاستراتيجي" بدوره لم يبق موحدًا كما كان يُتصوّر. فالغرب، بعد أن ظن أنه انتصر في الحرب الباردة، دخل مرحلة من التصدع والتمايز الداخلي، حيث تتزايد الخلافات في الرؤى والمصالح بين دوله، وهو ما يتجلى في تباين المقاربات الأميركية والأوروبية تجاه ملفات حساسة، مثل الأزمة الأوكرانية، التي أظهرت اختلافًا في الأولويات: بينما تتجه أوروبا إلى التصعيد مع روسيا، تتخذ الولايات المتحدة مواقف أكثر براغماتية، بل وتغازل موسكو أحيانًا من بوابة الصراع الأوسع مع الصين.

وفي السياق ذاته، تعكس السياسات الحمائية التي تبنتها إدارة ترمب، والحرب التجارية التي شنتها ضد حلفاء واشنطن أنفسهم، تراجعًا في التوافق الاستراتيجي داخل "البيت الغربي". حتى الحلف الأطلسي الذي استعاد شيئًا من حيويته خلال الحرب في أوكرانيا، عاد ليغرق في خلافات داخلية مع تصاعد أولويات الولايات المتحدة في منطقة الإندو-باسيفيك، بعيدًا عن أوروبا.

التحول الأبرز يتمثل في أن التحالفات الدولية لم تعد تُبنى على أُسس مؤسسية صلبة، بل أصبحت مرنة وقائمة على تقاطع المصالح في ملفات محددة، لا على الانتماءات الدائمة. وهو ما يتجلى في تقارب دول حليفة للولايات المتحدة مثل كوريا الجنوبية واليابان مع الصين، التي تعدها واشنطن خصمًا استراتيجيًا، في محاولة لإعادة التوازن في العلاقات الإقليمية وفق أولويات وطنية، لا وفق الإملاءات الغربية.

في المقابل، نشهد صعودًا واضحًا لما يُعرف بـ"الجنوب العالمي"، من خلال تحالفات بديلة مثل "البريكس"، التي توسعت عضويتها مؤخرًا لتضم قوى صاعدة تسعى لإعادة هيكلة النظام المالي والسياسي العالمي. هذا التحالف، رغم طابعه التعاوني، لا يخلو من تناقضات داخلية، خاصة بين الصين والهند، حيث يتجلى التنافس في المشاريع الجيو-اقتصادية الكبرى، كممر الهند الاقتصادي من آسيا إلى أوروبا، ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تسعى لربط الصين بأوراسيا والعالم.

من جهة أخرى، لم يعد مركز الثقل الدولي حكرًا على القوى الكبرى التقليدية، بل برزت قوى إقليمية استطاعت أن تلعب أدوارًا مؤثرة خارج نطاقها الجغرافي. فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، باتت تلعب أدوارًا دبلوماسية متقدمة، ليس فقط في ملفات الشرق الأوسط، بل حتى في الأزمة الأوكرانية، من خلال وساطات استراتيجية بين موسكو وكييف وواشنطن. وبالمثل، تعززت أدوار دول مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، في المحافل الدولية، ليس فقط باعتبارها ممثلة للجنوب، بل كقوى قادرة على التأثير في المعادلات الكبرى.

في المحصلة، يمكن القول إن النظام العالمي الجديد لا يُبنى على نموذج قطبي صارم أو تحالفات مؤسسية مغلقة، بل على شبكات متداخلة من المصالح والتحالفات الموضوعية التي تتغير حسب الظرف والسياق. فالدول قد تتقاطع مصالحها في قضية ما، وتختلف في أخرى، دون أن يعني ذلك تفككًا تامًا أو توافقًا دائمًا. إنها مرحلة انتقالية بامتياز، تفتقر إلى يقين نظري، لكنها تعج بالتحولات الكبرى التي سترسم مستقبل العلاقات الدولية لعقود قادمة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة
- الوعي المقيد والوعي الحر: قراءة في أنماط التصديق الدوغمائي و ...
- فاطمة الفهرية: سيدة العلم التي شيدت أول جامعة في التاريخ
- جدلية السلطة والفكر: قراءة موسوعية في تطور الأفكار السياسية ...
- المنطق الرياضي: حجر الأساس للعقلانية والاستدلال في عصر الذكا ...
- مارتن لوثر وثورة الفكر: التداعيات الفلسفية للإصلاح الديني عل ...
- الفلسفات المادية الأوروبية: أزمات جوهرية وتحديات مستقبلية في ...
- ما بعد العلمانية: تحولات المفهوم ومآلاته الفلسفية
- جون لوك: ثورة فكرية غيرت مسار الفلسفة والسياسة
- العدم الرقمي: الإنسان في متاهة ما بعد المعنى
- سبينوزا والكتاب المقدس: نقد النص وإعادة بناء الإيمان
- تحولات السلطة والفكر: رحلة الفلسفة السياسية الأوروبية من ميك ...
- العلمانية الإنسانية: يوتوبيا زائفة أم أزمة وجودية؟
- حماس بين التصنيفات الدولية: جدلية المقاومة والإرهاب في ميزان ...
- الحرية بين وهم الحداثة وسلطة الخوارزميات: من التنوير إلى الا ...
- حفلة شاي بوسطن: شرارة الثورة الأمريكية وتغير موازين التاريخ
- ما بعد سايكس بيكو: تحرير الأمة من سجون الجغرافيا والتاريخ
- مستقبل الديمقراطية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب الثانية: بين ...


المزيد.....




- لمكافحة الفيضانات في كنتاكي.. مالك يغرق مطعمه بالماء العذب ع ...
- -قمة القاهرة- تدعو لوقف إطلاق النار في غزة.. وتتمسك بـ-مظلة- ...
- مسيرات روسية تخترق دروع دبابة -أبرامز- الأمريكية
- تقرير يكشف شهادات لجنود إسرائيليين حول التدمير الممنهج لغزة ...
- ماكرون في الحسين… زيارة رئاسية بطابع شعبي في قلب القاهرة
- لحظة احتراق الصحفي أحمد منصور
- محكمة روسية تخفف عقوبة السجن بحق جندي أمريكي... إشارة أخرى ل ...
- لم يحدث منذ 1929.. رسوم ترامب تهز بورصات العالم
- ترامب يهدد باستخدام -الفيتو- ضد مشروع قانون التعريفات الجمرك ...
- المبعوث الأممي غير ‏بيدرسون: ناقشت مع الرئيس أحمد الشرع الان ...


المزيد.....

- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد