لؤي الخليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8304 - 2025 / 4 / 6 - 19:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن العشرين، والعلاقة بين روسيا وأوروبا تتأرجح بين الحذر والتصعيد، بين الحوار والقطيعة، وبين المصالح المشتركة والمخاوف المتبادلة. لكن السؤال الجوهري الذي يلوح في الأفق هو: هل لروسيا أطماع فعلية في أوروبا، أم أن الغرب يبالغ في رسم صورة "الغول الروسي"؟
أولاً، لا بد من فهم السياق الجيوسياسي للتوترات الراهنة. روسيا، بقوتها العسكرية، وثرائها بالموارد، وتاريخها كقوة عظمى، لا تزال ترى في نفسها وريثة شرعية للاتحاد السوفيتي. من هذا المنطلق، فإنها تعتبر دول أوروبا الشرقية – خاصة تلك التي كانت تدور في فلكها زمن الحرب الباردة – جزءًا من مجالها الحيوي. ومع توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقًا، ووصوله إلى حدودها المباشرة، شعرت موسكو بأن طوقًا استراتيجياً يُحكم عليها.
لذلك، فإن ما يبدو للبعض "عدوانية روسية"، تراه موسكو "دفاعًا استباقيًا عن أمنها القومي". أحداث مثل ضم شبه جزيرة القرم في 2014، والتدخل في أوكرانيا في 2022، وإن كانت مثارجدل دولي، إلا أنها في الخطاب الروسي تمثل ردًا على استفزازات غربية مستمرة. كما ان
منطقة البلقان، فهي ساحة أخرى للصراع الناعم بين موسكو وبروكسل. تدعم روسيا بعض القوى السياسية في صربيا والبوسنة والهرسك، وتستثمر في إذكاء الخلافات القومية والدينية. لكنها لا تسعى – على الأقل في الوقت الراهن – إلى احتلال مباشر، بل إلى خلق بيئات مضطربة تُضعف مسار انضمام هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو.
الحنين إلى المجد السوفيتي ليس خفيًا على أحد، لا سيما في خطابات الرئيس بوتين، الذي اعتبر تفكك الاتحاد السوفيتي "كارثة جيوسياسية". لكن استعادة هذا المجد لا تعني بالضرورة إعادة بناء الاتحاد، بل استعادة الدور القيادي في السياسة الدولية، وفرض الاحترام والهيبة في محيطها الإقليمي
في المقابل، تخشى الدول الأوروبية من اتساع النفوذ الروسي، وهي تخشى أن تتحول بعض الدول الضعيفة اقتصاديًا وسياسيًا إلى بوابات لتغلغل موسكو. ومن هنا، لا تخلو المخاوف من قدر من التهويل، خاصة حين تُستخدم كذريعة لتعزيز الإنفاق العسكري وتماسك حلف الناتو.
إن التوتر بين روسيا وأوروبا ليس محض مؤامرة ولا نتيجة أطماع فردية، بل هو نتاج لتصادم رؤيتين للعالم: واحدة تريد الحفاظ على نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأخرى تسعى لكسر هذا الاحتكار وبناء نظام متعدد الأقطاب.
وربما يكون السؤال الأهم: هل نحن أمام صدام طويل الأمد، أم لحظة عابرة ستليها تسويات باردة؟
في النهاية، يظل الصراع بين الأطماع والمخاوف، بين استعادة مجد مضى ومواجهة واقع يتشكل، مفتوحًا على كل الاحتمالات، ومرهونًا بما ستؤول إليه لعبة الأمم الكبرى.
#لؤي_الخليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟