أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - المجازر وخريطة التقسيم: كيف تؤدي الفظائع إلى تفتيت الأوطان؟















المزيد.....

المجازر وخريطة التقسيم: كيف تؤدي الفظائع إلى تفتيت الأوطان؟


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8304 - 2025 / 4 / 6 - 12:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مرِّ التاريخ، لم تكن الحروب وحدها هي التي ترسم حدود الدول، بل لعبت المجازر والانتهاكات دوراً محورياً في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية، سواء عبر تهجير السكان قسراً أو خلق بيئات متنافرة تستحيل معها الحياة المشتركة.
هذه الظاهرة ليست جديدة، بل تكررت في أماكن مختلفة من العالم، من البلقان إلى السودان، ومن رواندا إلى العراق. واليوم، يبدو أن سوريا ليست استثناءً، إذ إن المجازر التي عصفت ببعض مناطقها باتت تدفع باتجاه التقسيم كأمر واقع، بعدما كان مجرد فكرة مرفوضة من جميع الأطراف.

منذ أن تولّت "هيئة تحرير الشام" زمام السلطة في دمشق، بدأ الحديث عن تقسيم سوريا يتردد في الأوساط الإعلامية، لكن الفاعلين الأساسيين خلف هذه الفكرة ظلوا قلّة، أبرزهم "إسرائيل" وبعض الأصوات الغربية. غير أن التحوّل الجذري في الموقف الشعبي تجاه التقسيم لم يبدأ إلا مع تصاعد المجازر الوحشية في الساحل السوري، والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء في المدن والبلدات هناك.

في الوقت ذاته، شهدت مناطق أخرى تحركات عسكرية مريبة، لا سيما في بادية حمص وصولاً إلى الضمير، التي لا تبعد عن دمشق سوى 35 كيلومتراً. هذه التحركات، إلى جانب وحشية المجازر، زرعت في نفوس السكان إحساساً متزايداً بانعدام الأمن والاستحالة المطلقة للعيش المشترك، ما جعل بعضهم – ولو على مضض – ينظر إلى التقسيم كحلٍّ محتمل، بعدما كان مرفوضاً بشكل قاطع.

التقسيم بين الخوف والواقع المفروض:
بالنسبة لسكان الساحل، وخصوصاً المنتمين إلى الطائفة العلوية، فقد ولّدت المجازر التي وثّقتها كاميرات المسلحين أنفسهم، شعوراً بضرورة البحث عن ملاذ آمن، ولو كان ذلك عبر إقامة كيان مستقل. باتت المقارنات تُطرح بصوت مرتفع: لماذا لا يكون هناك إقليم للساحل السوري على غرار دول صغيرة مثل لبنان (رغم أزماته) والكويت وقطر وسنغافورة ولوكسمبورغ، والتي رغم صغرها تنعم برخاء اقتصادي؟ فالساحل السوري يتمتع بمزايا طبيعية فريدة، من إطلالته البحرية إلى ثرواته الطبيعية ورصيده البشري من الكفاءات العلمية، ما يجعله قادراً نظرياً على الصمود ككيان مستقل.
ثم أن هناك مناطق أخرى في سوريا باتت شبه منفصلة فعلياً منذ أكثر من عقد، مثل شمال وشرق البلاد الذي يخضع لسلطة الإدارة الذاتية الديمقراطية، بينما تشهد محافظات الجنوب (السويداء ودرعا والقنيطرة) تنامياً في الأصوات المطالبة بالفيدرالية واللامركزية.

الدور المحلي والإقليمي والدولي: من المستفيد من التقسيم؟
بدايةً، لا يمكن إنكار أن نظام الحكم السابق كان أحد العوامل الرئيسة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، إذ أصرّ على رفض أي حلول سياسية للأزمة السورية، متجاهلاً القرار الأممي (2254) وكل ما يتصل به. كما أن تعنّته في رفض المصالحة مع تركيا وعدم السعي إلى تسوية معها حال دون تجنيب البلاد الكثير من الويلات التي شهدتها مؤخراً.

في الوقت نفسه، لا يمكن فصل هذه التحولات عن المصالح الإقليمية والدولية، حيث تجد بعض القوى الكبرى في تقسيم سوريا فرصة لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وعلى رأس هذه القوى، تأتي "إسرائيل"، التي ترى في تفتيت سوريا ضماناً طويل الأمد لأمنها القومي وإبعادها نهائياً عن أي تهديد محتمل مما كان يُعرف بمحور المقاومة. وبعد الضربات القاسية التي وجّهتها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكذلك لحزب الله، تسعى إسرائيل إلى تحييد سوريا كفاعل إقليمي قد يشكل خطراً مستقبلياً، مستفيدةً من حالة التشرذم الداخلي التي تعصف بالبلاد.

بين فخ التقسيم وحتمية المصالحة:
لا تكمن خطورة التقسيم في نتائجه الجيوسياسية فحسب، بل تمتد إلى تداعياته الاجتماعية التي قد تدفع البلاد إلى دوامة لا نهائية من الصراعات الأهلية والاقتتال الداخلي.
فالتقسيم ليس مجرد إعادة رسم للحدود، بل هو عملية تكريس للانقسامات الطائفية والإثنية، وتحويل الجيران إلى أعداء، وإدامة مشاعر الكراهية عبر الأجيال. قد يخيَّل للبعض، ممن أرهقتهم المآسي والتهديدات، أن التقسيم قد يمنحهم الأمان، لكنه في الحقيقة ليس سوى وهمٍ محفوفٍ بالمخاطر، حيث لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والعنف.
وما يعقّد فكرة التقسيم أكثر هو التركيبة الديمغرافية المتشابكة لسوريا، إذ نادراً ما تقتصر أي منطقة على مكوّن ديني أو قومي أو عرقي واحد. في كل محافظة، بل وحتى داخل المدن والبلدات والقرى، نجد هذا التنوع حاضراً في المدارس، والمنشآت الحكومية، والقطاع الخاص، ما يجعل تقسيم البلاد على أسس قومية أو مذهبية أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً. وبدلاً من أن يكون التقسيم حلّاً، قد يكون مجرد مدخل لفوضى أشدّ وعدم استقرار طويل الأمد.

لكن، هل يعني ذلك أن وحدة سوريا باتت حلماً مستحيلاً؟
بالطبع لا.
إن المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم يكمن في بناء دولة وطنية جامعة، قائمة على المواطنة لا المحاصصة، وعلى العدالة لا الامتيازات الفئوية. فالتقسيم، وإن بدا للبعض حلاً سريعاً، لن يكون سوى بذرة لحروب قادمة، قد تجعل مما تعيشه سوريا اليوم مجرّد مقدمة لكوارث أعظم.
لذلك، لا بديل عن المصالحة الوطنية الشاملة، التي لا تقوم على التسويات المؤقتة، بل على أسس راسخة تضمن استقرار البلاد، وأول الخطوات نحو ذلك:
- عقد مؤتمر وطني شامل يضم جميع المكوّنات الفاعلة، وينتج عنه قرارات مُلزِمة تعيد توحيد الرؤية لمستقبل سوريا.
- إعادة النظر في الإعلان الدستوري الحالي، واستبداله بدستور دائم يُصاغ عبر لجنة تتمتع بالكفاءة والشرعية الوطنية.
- إلغاء القرارات التعسفية التي طالت الجيش والشرطة والعمال، وإعادتهم إلى وظائفهم لضمان استقرار المؤسسات.
- فتح المجال أمام جميع الأحزاب والقوى السياسية للعمل العلني بحرية، دون قيود تعرقل دورهم في بناء سوريا جديدة.
- إنشاء لجنة تحقيق قضائية مستقلة للنظر في الجرائم المرتكبة في الساحل، وضمان محاكمة عادلة وعلنية لمرتكبيها، مع الإسراع في إنصاف الضحايا عبر تعويضٍ عادل وشامل.
- تشكيل حكومة انتقالية موسعة تمثّل جميع الأطياف، دون إقصاء أو تهميش لأي مكوّن سياسي أو قومي أو ديني.
أما إذا استمرّت الأمور على ما هي عليه، فسنكون أمام سوريا جديدة، لكن ليس كما نعرفها… بل كما أراد لها الآخرون أن تكون.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تقلّ نسبة الجرائم في الدول الاسكندنافية؟
- من الطفولة إلى الإجرام: كيف يُصنع القتلة؟
- بين إحصاء الموظفين وإحصاء الضحايا.. ذاكرة الحكومة الانتقائية ...
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- الإعلام.. صانع الأحداث أم بائع الوهم؟
- سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟
- أردوغان وتطلعاته للسلطة الدائمة: تحليل لاستراتيجياته السياسي ...
- بين مطرقة الخوف وسندان الوطنية.. زيارة الدروز إلى إسرائيل
- اتفاق عبدي والشرع.. توقيع في الزمن الحرج
- الإعلان الدستوري: نسخة محسّنة من الاستبداد القديم!
- الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟
- قراءة أولية في اتفاق -قسد- مع دمشق
- جراح الروح: بين غريزة الانتقام وضرورة النضال السلمي
- هل أهدرت هيئة تحرير الشام لحظة التحول في سوريا؟
- سوريا الجديدة: فلول النظام وإرهابيو المعارضة المسلحة.. عدالة ...
- من السلاح إلى السلام.. تحولات النضال الكردي في تركيا
- الليرة المحبوسة.. جوعٌ مُنظّم وسوقٌ بلا روح
- عذراً نيوتن.. الجاذبية ليست وحدها التي تسحبنا للأسفل!


المزيد.....




- مصدر مسؤول: مقتل مراهق أمريكي-فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي ...
- رسائل تثبت تورط هانتر بايدن باستغلال النفوذ
- وزير الخارجية الفرنسي في الجزائر لتعزيز العلاقات وتخفيف التو ...
- أسوأ هبوط منذ سنوات: اضطرابات في أسواق مالية تبدأ التداول بع ...
- نقل 29 إسرائيليا إلى المشافي جراء سقوط صواريخ أطلقت من غزة ف ...
- اليمن.. 3 غارات ليلا تستهدف منطقة بني حسن بمديرية عبس
- توصيات للحفاظ على العناصر الغذائية في الخضار والفواكه
- روسيا.. طابعة نانوية جديدة تساعد في العثور على المجرمين
- عواقب صحية خطيرة يسببها التسمم الغذائي
- ما خطورة نقص الماء في الجسم؟


المزيد.....

- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - المجازر وخريطة التقسيم: كيف تؤدي الفظائع إلى تفتيت الأوطان؟