أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزيز باكوش - مهرجان أكورا للسينما والفلسفة بفاس - المغرب أو حوار الدهشتين















المزيد.....


مهرجان أكورا للسينما والفلسفة بفاس - المغرب أو حوار الدهشتين


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 8299 - 2025 / 4 / 1 - 16:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مهرجان أكورا للسينما والفلسفة أو حوار الدهشتين
أعد الحوار وقدم له: عزيز باكوش
بإمكانيات جد ضعيفة من حيث التمويل إذا ما قارناه بما تتقاضاه جمعيات أخرى لها تأثير محدود وإشعاع لا يتجاوز ضفاف المحلي إلى الوطني سوى على الورق والملصقات، وبانفتاح يسع كل التجارب والأرجاء، وتجارب وأسماء لها صيت عالمي يقود د عزيز الحدادي مهرجانا وطنيا موضوعاتيا للسينما. المهرجان وهو على مشارف الدورة العاشرة في الفترة ما بين 16 و21 ماي 2025. يخطط لاستقطاب أكبر تجمع نوعي من التجارب والأسماء ذات الصلة من مختلف بقاع الأرض. وهو بهذا المعنى، لا يشكل استجابة فضلى للنداء الجميل فحسب. وإنما ذلك الهاتف الذي يعتقل الروح بنزق عاشق ويسائلها بدفء حتى السمو الرحيم.

هذا الحراك ذو الدهشتين ، دهشة الفلسفة ودهشة الصورة ، يشتغل أكاديميا ضمن إطار ثقافي يدعى " جمعية أصدقاء الفلسفة Association des Amis de la Philosophie بالمهرجان الدولي أغورا للسينما والفلسفة بالعاصمة العلمية فاس – المملكة المغربية - ، ومن خلاله يحتفي الدكتور المفكر المغربي وأستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط عزيز الحدادي بحضور وجوه من وراء البحار من عشاق الفن السابع ومريدي الفلسفة وما يتعين فعله من جهود وأعباء فوق ما يتخيله عقل . نقول ذلك وفي جوفنا غصة.

من المؤكد أن جمعية أصدقاء الفلسفة بفاس كانت وراء الدعوة إلى اليوم العالمي للفلسفة في العالم مع اليونيسكو والحكومة المغربية. وكانت الجمعية ذاتها وراء بناء مشروع فاس عاصمة الفلسفة في البحر المتوسط مع الاتحاد الدولي للفلسفة بحضور رئيس الاتحاد جون فيراري. كما كان للجمعية بفاس شرف تقديم جائزة ابن رشد للسينما والفلسفة في البحر المتوسط للفيلسوف الإيطالي جياني فاتيمو وللفيلسوف الفرنسي إدغار موران والمخرج الإيطالي ماريو برينطا والفيلسوف الإسباني خوان مارتوس كيصادا. أجل، مهرجان دولي للسينما والفلسفة بفاس وهو ينوء اليوم تحت ثقل كبير وعبء تنظيمي أكبر يتحمله طاقم الجمعية من أجل إنجاح اللقاء المرتقب، وإخصاب السؤال الفلسفي وتبئيره تحت مجهر الصورة. ومن المؤكد، أن الدافع الوحيد للتمسك بالفلسفة والسينما من خلال بوابة المهرجان رغم ثقل حجم المسؤوليات وجسامتها، يندرج ضمن تصور فكري عميق، ناتج عن تحليل فكري وازن يرى في السينما ليس مجرد أخت توأم للصورة، وإنما روحها العاشقة المحاكية لهموم الإنسان وانشغالاته بل وانجرافاته. من هنا، ينطلق المهرجان يحلل ويقارب ويقارن ويقيس، ويضع النتائج من أجل طرد البؤس خارج المدينة، لتزهر بساتين الفكر والإبداع بين أرجائها، وتعود تفاصيل رحلة العقل مع الحرية منبع الحياة والوعي في نزهة ممتعة بوجود عشاق الفلسفة والمهووسين بجمال الصورة وسحر السينما". في ذات السياق اقترحنا على الد كتورعزيز الحدادي أستاذ الفلسفة ورئيس جمعية أصدقاء الفلسفة بفاس بضع أسئلة ذات طبيعة استعلامية وأخرى استخباراتية فجاء الحوار التالي:
سؤال: نعرف جيدا من يريد هدم الفلسفة، لكن هل هناك من يريد هدم السينما؟
ج: نعتقد أن الفيلسوف الإيطالي جياني فاتيمو هو الشهادة التي نعتز بها في جمعية أصدقاء الفلسفة. ومن خلالها نوجه رسالة إلى كل التافهين الذين يريدون هدم جمعية أصدقاء الفلسفة في المغرب. وبالتالي تبخيس الربيع الفلسفي والتقليل من أهميته غير مدركين لحجم الرهانات الفكرية المستنيرة المستمرة الملقاة على النظر الفلسفي في ظل التحولات المرجعية المتسارعة. ولكن، هل يمكن للتاريخ أن ينسى ما قدمته هذه الجمعية في الفلسفة والسينما؟ طبعا لا، وللرد على هؤلاء، دعنا نستحضر معا مضمون رسالتين هامتين تلقتهما الجمعية. الأولى رسالة بختم رسمي صادرة عن المنظمة العربية للثقافة والعلوم "اليونيسكو" موجهة إلى وزير الثقافة المغربي سابقا محمد الأمين الصبيحي تعتبر ترسيخ الربيع الفلسفي ليس مكسبا للمغرب فقط، ولا للعالم العربي فحسب، بل لمجموع الفضاء المتوسطي والدولي عموما، بفضل ما راكمه من أبحاث ومقاربات خلال دوراته وندواته السابقة، والنشاط الفكري المتواصل للساهرين عليه، والمشاركين في فعالياته من داخل المغرب وخارجه، وبفضل دفاعه الرصين عن فضائل العقلانية وقدرتها على الفعل البناء في الواقع التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي.
أما الرسالة الثانية من السيد بيير سان نائب المدير العام لقطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية لليونسكو موجهة إلى ذ محمد الأشعري وزير الثقافة بالمملكة المغربية يؤكد فيها تميز الملتقى والاعتزاز بكافة شركائه بما فيها بوزارة الثقافة التي كانت منذ البداية. كما يؤكد دعم منظمة اليونسكو لمقترح اليوم العالمي للفلسفة الذي تم إقراره. إدراكا منها بمسؤولية الفكر العقلاني المتواصلة في الزمن وفي الواقع المتغير باستمرار. وتأتي رسالة بيير سان بتاريخ 9 سبتمبر 200 ردا على رسالة الجمعية المؤرخة في 19 مايو 2004، التي تدعم صراحة اقتراح جمعية أصدقاء الفلسفة بإعلان يوم دولي للفلسفة. وفيها يوجهنا إلى الإجراءات الواجب اتباعها من أجل إعلان يوم دولي للفلسفة. وتتمثل هذه الإجراءات في تقديم الدولة العضو، في هذه الحالة المملكة المغربية، من خلال بعثتها الدائمة لدى اليونسكو، لمشروع قرار إلى المؤتمر العام لليونسكو." ولكي تتخذ اليونسكو قرارها، يجب أن يكون لدى المؤتمر العام تقرير أعده الأمانة العامة بالتعاون الوثيق مع الدولة العضو المعنية، يتضمن تحديدا لما إذا كان إنشاء هذا اليوم يلقى اهتمام غالبية الدول الأعضاء في المنظمة." وللتذكير فقط عبر نائب المدير العام لليونيسكو عن كبير أسفه عدم حضور الملتقى الذي تنظمه جمعية أصدقاء الفلسفة التي تعد من شركائنا المميزين. مذكرا أن الروح الفلسفية التي تحرك مهمتنا في اليونسكو ترافق جهودكم لصالح هذه التخصص المهم ألا وهو الفلسفة." وأضاف المتحدث ذاته "أن جمعية أصدقاء الفلسفة شاركت في الاحتفال بيوم الفلسفة، الذي تم إطلاقه في عام 2002، ويُحتفل به الآن فيما يقرب من 79 دولة حول العالم، كما ساهمت في اللقاء الأول للحوار الفلسفي الدولي بين آسيا والعالم العربي. ثانياً، بفضل جمعية أصدقاء الفلسفة، تم تقديم مقترح لإقرار يوم عالمي للفلسفة إلى المجلس التنفيذي للمنظمة في دورته الربيعية القادمة. وقد لقي هذا المقترح بالفعل حماسا كبيرا..."
كان من المفروض أن يكون معهد ابن رشد للأبحاث الفلسفية والعلمية والسوسيولوجية قد تأسس وباشر أشغاله اليس كذلك د عزيز؟

يذكر الجميع أن نقاشات فكرية عميقة تم خلالها استحضار روح الفيلسوف ابن رشد والنبش في تصوراته وأفكاره. ومن جمعيتنا انبثقت فكرة إحياء افكاره وقراءتها بمنظار حداثي شكلت فيما بعد إيذانا بالاحتفاء بهذه التجربة الفكرية الرائدة السابقة لعصرها في حوض الأبيض المتوسط. حينها باتت فكرة تأسيس معهد ابن رشد ضرورة وجودية وفلسفية. ولأن الإيمان بالفكرة لا يكفي، فقد عملت جمعية أصدقاء الفلسفة بمنتهى إمكانياتها على أن تجعل من فكرة تأسيس المعهد قضية واقعية، وليست مجرد فكرة مجردة، لذلك وغيره، مُنحت جائزة ابن رشد لعديد المفكرين والفلاسفة باسم معهد ابن رشد ولقد كتبنا مقالات في هذا الصدد، متسائلين مندهشين شاهدين على عصر الانحطاط الفني والفلسفي. لذلك ناشدنا وسنظل نناشد كل غيور عن السينما والفلسفة ببلادنا. وعليه، نذكر لمن لا يزال في حاجة لذلك أن جمعية أصدقاء الفلسفة هي من منحت للفيلسوف الفرنسي إدغار موارن جائزة ابن رشد في ربيع الفلسفة بفاس 2011 باسم معهد ابن رشد بحضور العديد من المفكرين والفلاسفة من حوض البحر الأبيض المتوسط.

أكدتم حضور مفكرين وفلاسفة من حوض البحر الابيض المتوسط؟

أجل، ويمكنكم العودة إلى كتابات ومتابعات خلدت هذا الحدث الثقافي الهام وواكبته بالتحليل والإشادة. ومن مفاخر هذا الزمن الجميل إشراك الفيلسوف إدغار موران في صلب فكرة التأسيس. الذي عبر عن رأيه من خلال كلمته بالمناسبة. حيث أكد أن ابن رشد يستحق من الجميع إحياء فكره المتنور عبر تخليد اسمه في المغرب بغاية إحياء فلسفته التي استنار بها الانسان في مختلف الأقطار والجامعات العالمية. لابد من التأكيد أن ذلك تم بعد استشارة العديد من المفكرين والأكاديميين والخبراء في المجال. كما حضر المهرجان العديد من المفكرين والفلاسفة من المغرب وخارجه، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ حسن حنفي، محمد المصباحي، محمد سبيلا، عبد السلام بنعبد العالي، سالم يفوت، خوان مارتوس، افان كالتشوف، جون فيراري، بويج، مانويلا، عبد العزيز بومسهولي، عبد العالي معزوز، محمد شويكة وغيرهم كثير لا يتسع المقام لذكرهم.
وبعد قراءة العديد من الورقات الفلسفية وفتح نقاش مُستفيض، أجمع الحضور على أن يتم إنزال فكرة تأسيس معهد ابن رشد إلى حيز الواقع وبالإجماع بالمغرب، وقد تأسست لجنة تحضيرية لهذا الغرض ترأسها المفكر المغربي الأستاذ عزيز الحدادي الذي يشتغل وما يزال على بلورة تصور فلسفي تنظيمي مُحكم الأهداف والتصورات.

في تقديركم من كان حاجزا قويا أمام تقدم هذا المشروع؟

نعتقد جازمين أن جائحة كورونا وفرض حالة الطوارئ والحجر الصحي من الأسباب التي فرملت عملية التأسيس. لقد كان من المفروض أن يكون معهد ابن رشد للأبحاث الفلسفية والعلمية والسوسيولوجية قد تأسس وباشر أشغاله منذ مدة، لكن المشروع لم ولن يمت. ونحن جادون في مباشرة العمل والبحث في التفاصيل بكل جدية وعمق لأن معهد من هذا الحجم يعد «فكرة وجودية على أرض الواقع بالمغرب".

نعود إلى السينما كرديفة للفلسفة كيف تقيم النقد السينمائي من وجهة نظر اندهاشية؟
أجل. السينما ليست سوى دهشة كالفلسفة. والسينمائي يتحدث بالطريقة التي يتحدث بها الفن السابع، إنه يصنع الصور مثل الرسام، والأنغام مثل الموسيقي، والفرحة مثل المسرحي، ساحر يلعب بالإنارة والزمن والحركة ليلقي بنا في الدهشة، ونظل نطرح السؤال كيف يمكن للسينما أن تكون جميلة باستمرار؟ هل لأنها تستثمر الجميل؟ أم أنها تسعى إلى نشر الحب؟ وإذا كان الأمر كذلك. كيف يستطيع النقد أن ينال من ماهيتها؟
وما أطول هذا الليل لو لم تتدخل هذه الأسئلة لتضيئه ببريقها. ولذلك فإن أغلب الناس لا يعرفون قيمتها، فالأسئلة أساس ماهية الإنسان، بدونها لن يكون هناك حوار، وستختفي الحقيقة. إن الحوار هو الإنسان؛ فثمة قرابة وجودية بينهما لأنهما مولعان بخدمة الدهشة كمحرك للتفلسف، واللغة البصرية كأنطولوجيا للفن. إن الحوار بين الفلسفة والسينما لا يمكن فهمه إلا في هذا الأفق. لا توجد هوة بينهما، لأنهما يسكنان تحت سقف واحد، ولذلك نجدهما مولعين بالحقيقة، فما يهمنا هو مستقبل الحقيقة، سنحاول أن نسمع إلى صوتها لكي نلبي نداء الوجود والفلسفة والفن. السينما فن الصورة المتحركة والناطقة، ولكن الجميلة بعمقها، وليس برداءتها.فرجة الضياع يتحكم فيها السيناريو الزائف الذي يقتل المتعة البصرية للصورة.من المستحيل أن يعتقد السينمائي أن السينما منفصلة عن تاريخها وعن الفن الذي لم يعد “من الممكن فهمه على نحو عميق إلا باستخدام المفاهيم الفلسفية”، فالفلسفة هي مسكن الفن، ومن لا يؤمن بهذا القدر فهو شخص لا يفكر على نحو يوناني بالمعنى العميق للكلمة، فالفن في نشأة المأساة لنيتشيه ولد مع المسرح الديونيزوسي، أي في غمرة الابتهاج بالنشوة والثمالة، والغربة في صيرورة الجسد نحو الثمالة، ولذلك فإن الفن لا يخاطب غير الفنانين.

تقولون " الروح لا تجد متعتها سوى في الدهشة والسؤال. ومع ذلك، نسمع السينما وهي تردد أمام الفلسفة "إذا كنت جميلة، فإن ذلك ليس خطئي"

إنها تشبه امرأة فاتنة الجمال، الكل يندهش أمامها ويصاب بالصمت. والحق أن الفن لا يمكن أن يوجد إلا إذا تقدمه الجميل، كما أن الفلسفة مشروطة بالدهشة، ولكن ألا تصبح بذلك أمراً من أمور العقل، والسينما أمراً من أمور الوجدان والانفعالات والعواطف؟ بالعواطف الجميلة ينشأ الأدب الرديء، كما قال أندري جيد. فالعواطف حتى أجملها، لم تسلم من النقد، وبالأحرى إن هناك سينما لا تشتغل إلا على إثارة العواطف، ومن حسن الحظ، أنني وقفت على متن كبير من الفيلموغرافية العربية عندما اقترح علي مهرجان الإسكندرية لسينما المرأة أن أختار مائة فيلم في لائحة طويلة، حيث اكتشفت أن هناك تشابها كبيرا في العناوين والموضوعات، ما يوحي بانتمائها إلى البراديغم السينمائي نفسه ، ومعنى ذلك، أن اغتراب الوعي الجمالي يعود إلى اغتراب الوعي الفني والتاريخي.هكذا ينعدم جدل الصورة، ولعل مهمتها لم تكن سهلة، لأن من تعود على تفسير الغموض سيكون حائرا أمام الوضوح الغارق في التفاهة.
وماذا إذا طبقنا هذا المعيار على السينما المغربية؟
فإننا حتما سنجدها ظلت تقاوم من أجل حسم الصراع بين جدل الفن والتقنية، ولعل فيلم “وشمة” لحميد بناني لهو أكبر شاهد على هذا الجدل، إنه البداية الخجولة للسينما في المغرب، بيد أن الانتقال إلى فيلم “ابن السبيل” سيخلص هذه السينما من الخجل، لتجد نفسها تسافر عبر الزمان من أجل البحث عن الوجود. وبالرغم من ضياع الفن في هذا الفيلم، فإنه يسعى إلى إيقاظ الحالة الفنية. أي حالة البحث عن الهوية التي مزقها الزمان.
قد يكون السيناريو أقوى من الإخراج، ولكن مع ذلك استطاع أن يقدم معنى الانتماء إلى الفن السينمائي .لعل هذا الانتماء لم يكن ليولد لولا نهاية الحداد وروح العصر، وولادة استيطيقا الابتهاج بالذات الفاعلة، والتي أبدعت “إلى الأمام”، ذلك أن الحس النضالي يقود الوعي الشقي نحو الوعي الذاتي. هكذا يبدأ الالتزام السياسي بالفن والفكر، حيث تبدو الذات المبدعة كضمير للأمة التي تسعى إلى نمو الذات المتفرجة: “فالمتفرج يحس بأن أعمال البطل مبررة، وتكبر حماسته عندما يشاهد بأن هذه الأعمال الفنية تنقلب على صاحبها وتدمره، ولذلك يرتجف رعباً من العذاب الذي يمر منه البطل. ومع ذلك يشعر بمتعة قوية”.
في إصداركم الأخير ثمة إشارة الى الناقد العضوي والناقد المزيف كيف نعرف النقد الفارغ من المعنى؟
النقد الفارغ من المعني في تقديرنا هو عندما يدعي الناقد الكتابة عن كل فيلم ويعرف كل شيء، في حين أنه يجهل كل شيء. النقد ما هو إلا سؤال فلسفي ينتمي إلى الفكر الجدلي الذي يميز بين الشيء ونقيضه، وبالأحرى بين الخطأ والصواب، ومن الأفضل أن يكون الناقد السينمائي مخطئا مع إخلاصه للحقيقة، من أن يكون مصيبا مع زيف الحقيقة، بمعنى أن يشهد شهادة الزور، ولذلك، فإن خيانة الناقد تكمن في الابتعاد عن حقيقة الفن، وسرده لحكاية الفيلم، وتعظيم قدرته على الانتشار بين الجمهور. جاء في كتاب «المثقفون المزيفون»، كيف يصنع الإعلام خبراء في الكذب ويجعلهم يسيطرون على المجال العام، ويوجهون الرأي العام نحو قناعات أيديولوجية السلطة، ويتقاضون أجورا خيالية مقابل عملهم الشنيع. حتما أمل السينما، لا يوجد في يد هؤلاء الذين ينشرون اليأس الفني، أبواق السلطة، الذين اغتالوا المثقف العضوي الملتزم لهموم عصره، والناقد للهيمنة الثقافية والسيطرة السياسية، باعتبارهما يستعملان السينما كأداة لنشر السيطرة والقمع، ونبذ الرغبة في التغيير. ولذلك فإن السلطة تخشى الناقد العضوي الذي يهدم سينما الأوهام، السينما دون سينما، وتحاول أن تشتري الناقد المزيف لكي يدعم توجهاتها.
نفهم من كلامك أن السلطة تمول نوعا محددا من السينما؟
هذا بالضبط ما نلاحظه في تلك المهرجانات" العراسيات" التي تمولها السلطة بمبالغ خيالية، لدينا أسماء وأرقام وبيانات لا نرى المقام مناسبا لتفاصيلها المريبة. هو حضور أشباح السينما من مخرجين ونقاد، وغياب المثقف الحقيقي، الذي يعشق أن يموت إلى جوار الحقيقة، ويسعى إلى تغيير التاريخ بالفن والفكر، حيث تحولت هذه المهرجانات النمطية إلى بورصة للتفاهة، وقد لا تخدم السلطة أحيانا فيتم إغلاقها. ينبغي على الناقد العضوي اكتشاف تلك التناقضات الكامنة في مجتمع السينما. باعتباره انعكاسا للمجتمع الرأسمالي الذي حول الإنسان إلى سلعة تنتج نفسها وتستهلكها في الآن نفسه.
المشتغلون في السينما مثقفون أيضا. كباحث وأكاديمي كيف تقيم الفيلموغرافيا المغربية عند هؤلاء أو من خلالهم؟
في تقديرنا، أغلب المسيطرين على فضاء السينما "عندنا" سذج وتافهون لم يقرأوا ولو كتابا كاملا في السنة. سماسرة يجمعون المال، فالسينما ليست وجودا يستمتع به الجمهور ويربح من ورائه صناع الثروة، بل هي الفن السابع، الذي لا يضاهيه سوى فلسفة الوجود، التي لا يمكن شرحها. من الممكن أن تعيشها عبر القراءة واليومي. فكلاهما يسعيان إلى صنع تاريخ الإنسانية، من خلال المقاومة والنضال، إنهما يمنحان للإنسان الكرامة ويمتعانه بالحرية، السينما فلسفة الفن، والفن هو الإنسان بما هو إنسان في تجليات الوجودية." ثمة برهان مطلق على أن الناقد السينمائي التقليدي، لا يمكن إلا أن يمجد التقني الذي ينتج أفلاما تافهة، فهؤلاء لا يستحقون اسم الناقد، بل مجرد عامل بالقلم مقابل مبلغ زهيد من المال، ويقول بصوته المزعج: السينما من أجل السينما، والفلسفة من أجل الفلسفة. قد يكون هذا الناقد حاصل على شهادة أكاديمية عليا ومزورة. ولذلك فإن صاحب كتاب «نظام التفاهة» يسميهم المثقفين الصغار أصحاب الشواهد، عمالا بالنظر، ما يهمهم هو التقدم الأكاديمي لا التغيير الاجتماعي، ولا نقد الهيمنة والسيطرة، أو هدم الاغتراب الذي تروج له تلك السينما الممجدة للسلطة:» هذا الانحطاط المتنامي في الوعي.
يرى البعض ان السينما بالمغرب مجرد فن شعبي بدل أن تكون نظرة فنية ونقدية للمجتمع والحياة؟
في تقديرنا، أن السينما في المغرب لم تنزح عن الذاكرة، ثم تتوجه نحو التاريخ، فإنها لن تصبح نظرية فنية ونقدية للاستبداد السياسي والعتمة الاجتماعية، ولا يمكن أن تتحول إلى أداة للتحرر، ولعلها كانت كذلك في أمريكا اللاتينية، وأوروبا، لأنه إذا كانت الفلسفة النظرية النقدية، التي ظلت في يد الطبقة المتوسطة من أجل المقاومة فإن السينما كفن شعبي يمكن بواسطتها نشر الوعي الذاتي والوعي الاستيطيقي، هكذا ستصبح صورة الحرية مشرقة في الشاشة، وكأنها شمس الصباح. أن السينما التي تهدم الظلام من أجل بناء التنوير تراجعت كثيرا في هذه السنوات، لأسباب عديدة وأهمها تسلل تجار الأوهام إلى فضائها. لا يمكن أن نفصل السينما عن الفن، والفن عن الفكر، بيد أن ضعف الفكر يكمن في ضعف الجامعات والمعاهد العليا، التي تحولت إلى بنايات فارغة من الحرية والفكر، تفصل بين الإنسان وأهدافه، فالأمل يأتي من الذين لا أمل لهم، كما قال هربرت ماركوز:» أولئك الذين يمارسون مناهضة لما نصفه بالحقيقة المطلقة» .مهما كانت المثل الكبرى للحضارة- العقل والمساواة والحرية، بعيدة المنال عن السينما، وقريبة من الفلسفة، إلا أنها قد تتحقق عندما يمتزج الفن بالفكر في مشروع سينمائي جديد وهادف، ويتم طرد أشباه النقاد وتجار التقنية، كما فعل سقراط مع هوميروس وجماعته، وبهذا المعنى يكون النقد السقراطي لشعر المحاكاة، نافعا لهذا الزمن الذي تحولت فيه مهنة النقد السينمائي إلى مهنة من لا مهنة له وأيضا الإخراج."
أعد الحوار وقدم له عزيز باكوش
الدار البيضاء 1 أبريل 2025



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية - حلم العم- للشاهق الشامخ دوتويفسكي أو قصة الأمير وما ...
- أثر التقنيات الرقمية على مستقبل صناعة المحتوى الإعلامي بالمغ ...
- -معاً من أجل فاس: تأريخا للماضي، وتقويماً للحاضر، واستشرافاً ...
- البروفيسور أحمد شراك : ثورة رقمية بأربع مقاربات
- قراءة في كتاب -السينما والفكر النقدي - لخليل الدامون - سينما ...
- الغرافيتيا من المادي إلى الرقمي –أسئلة سوسيولوجية حول الكتاب ...
- الفيلم المغربي - تباين- DISPARITY- يفوز بالجائزة الكبرى للنس ...
- مركز الجزيرة للدراسات وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس مؤتم ...
- التربية الإعلامية والرقمية، ومستقبل التعليم محور ندوة وطنية ...
- إطلالة على منظومة الأجور في مجال السينما والتلفزيون في المغر ...
- التصوير من الجو عربيا لم ينضج بعد
- خبراء مغاربة وأجانب بالجديدة يتدارسون افضل السبل لإدماج الذك ...
- لا يعذر أحدهم بجهله القانون
- نجم الأكشن جيسون ستايثم Jason Statham من غطاس إلى مقاتل متوح ...
- تفاصيل أمسية شعرية احتفاء بصدور ديوان -نبش ذكريات محرمة- فكر ...
- التحول الرقمي المفهوم والتحديات
- كيانو ريفز نجم أفلام - John Wick - أو النجاح المشحون بالصدما ...
- معرض للفن المعاصر يطرح آسئلة الهويات و التنقل
- سعادة الجنرال في حفل زفاف موظفه البسيط بسلدومينوف دون أن يوج ...
- تخزين الأحلام رغبة مستحيلة


المزيد.....




- رقصت بالعكاز.. تفاعل مع إصرار هبة الدري على مواصلة عرض مسرحي ...
- هل باتت فرنسا والجزائر على الطريق الصحيح لاستعادة دفء العلاق ...
- الجزائر تعلن إسقاط طائرة درون عسكرية اخترقت مجالها الجوي من ...
- من الواتساب إلى أرض الواقع.. مشاجرة بين المسؤولين العراقيين ...
- قفزة بين ناطحتي سحاب تحول ناج من زلزال تايلاند إلى بطل
- قراءة في تشكيلة الحكومة السورية الانتقالية : تحديات سياسية ...
- قناة i24 الإسرائيلية: ترامب يعتزم لقاء الشرع خلال زيارته للس ...
- إعلام أمريكي: دميترييف وويتكوف يلتقيان في البيت الأبيض
- الخارجية الألمانية تعلن إجلاء 19 مواطنا ألمانيا مع عائلاتهم ...
- الولايات المتحدة توسع قوائم عقوباتها ضد روسيا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزيز باكوش - مهرجان أكورا للسينما والفلسفة بفاس - المغرب أو حوار الدهشتين