أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الشهبي أحمد - صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قاسم أمين














المزيد.....

صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قاسم أمين


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8299 - 2025 / 4 / 1 - 08:35
المحور: الادب والفن
    


عندما اقتربتُ من "تحرير المرأة" لقاسم أمين، لم أكن مجرد قارئٍ عابرٍ، بل مستكشفٌ يسعى للغوص في أعماق نصٍ أثار ضجيجًا عاصفًا منذ صدوره عام 1899 بين جدران دار الهلال المصرية. كنتُ قد سمعتُ الهمهماتِ الناقدةَ التي تتهمُه بالدعوة إلى تقليدٍ أعمى للغرب، وتجريدِ المرأةِ العربيةِ من هويتها. لكنني اخترتُ أن أتركَ تلك الأصداءَ جانبًا، وأن أواجهَ النصَّ بعينٍ نقديةٍ حادةٍ وقلبٍ منفتحٍ، أبحثُ عن جوهره بعيدًا عن الضوضاءِ المحيطة.

ما وجدتُه بين الـ172 صفحة لم يكن مجرد كتابٍ، بل زلزالٌ فكريٌّ هزَّ أركانَ مجتمعٍ غارقٍ في تقاليدَ باليةٍ، وأشعلَ شعلةَ نقاشٍ لا يزالُ يترددُ صداه حتى يومنا هذا. قاسم أمين، ذلك الصوتُ الجريءُ الذي اخترقَ صمتَ القرنِ التاسع عشر، لم يكتفِ بوصفِ القيودِ التي تكبّلُ المرأةَ العربيةَ كنصفٍ حيٍّ من المجتمعِ، بل رفعَ منارةً مضيئةً ترسمُ طريقَ تحررها، متجاوزًا حدودَ الراهنِ إلى آفاقِ المستقبل.

صرخةٌ ضدَّ الظلمِ: رحلةٌ عبرَ الزمنِ
في "تحرير المرأة"، لا يقدمُ أمين مجردَ تأملاتٍ نظريةٍ، بل يأخذنا في رحلةٍ عبرَ طبقاتِ الزمنِ والفكرِ، حيثُ يُحطمُ أغلالَ الجهلِ والتهميشِ التي أُحيطتْ بها المرأةُ. بقلمٍ حادٍ كالسيفِ، يتناولُ قضايا شائكةً كالحجابِ وتعددِ الزوجاتِ والطلاقِ، ليسَ بهدفِ الاستفزازِ، بل لإعادةِ قراءةِ الواقعِ بعقلٍ مستنيرٍ. دعوتهُ إلى التعليمِ والعملِ للمرأةِ لم تكنْ مجردَ شعاراتٍ، بل رؤيةً جذريةً ترى في تحريرِ المرأةِ مفتاحَ نهضةِ الأمةِ بأكملها.

ما يُذهلُ في هذا العملِ هو قدرةُ أمين على الجمعِ بينَ المنطقِ التحليليِّ والشغفِ الإنسانيِّ. ففي تناولهِ للحجابِ، يستندُ إلى تفسيراتٍ قرآنيةٍ متوازنةٍ، مؤكدًا أنَّ الوجهَ والكفينَ ليسا عورةً، ومُحاججًا بأنَّ مفهومَ الفتنةِ لا يمكنُ أن يكونَ مبررًا مطلقًا للتقييدِ. وفي قضيةِ التعددِ، يقدمُ وجهةَ نظرٍ تُعاكسُ التيارَ الفقهيَّ السائدَ، مشيرًا إلى أنَّ التعددَ ليسَ إلا استثناءً لحاجةٍ أو ضرورةٍ، معتمدًا على نصوصٍ شرعيةٍ تُدعمُ منطقهُ. هكذا، يُحولُ أمين النقاشَ من جدلٍ عاطفيٍّ إلى حوارٍ عقلانيٍّ، مُقدمًا قراءةً جديدةً لم تكنْ شائعةً في عصرهِ.

رؤيةٌ تتجاوزُ الحاضرَ
لعلَّ أعظمَ ما في قاسم أمين هو بُعدُ نظرهِ. لم يكنْ كاتبًا محصورًا في لحظتهِ الزمنيةِ، بل مفكرًا يرسمُ ملامحَ مستقبلٍ تتساوى فيهِ المرأةُ والرجلُ في الحقوقِ والواجباتِ. يرى أنَّ التعليمَ ليسَ ترفًا للمرأةِ، بل ضرورةً وجوديةً تُمكنها من الاستقلالِ والمساهمةِ في بناءِ المجتمعِ. في عباراتٍ بليغةٍ، يقولُ: "المرأةُ بحاجةٍ للتعليمِ أكثرَ من حاجتها لوليٍّ يعيلها"، مُشيرًا إلى أنَّ الحياةَ لا تكفلُ دائمًا وجودَ معيلٍ، وأنَّ الجهلَ قد يدفعُ المرأةَ إلى مسالكَ منحرفةٍ لتأمينِ رزقها.

كذلك، يُحطمُ أمين أسطورةَ حصرِ المرأةِ في جدرانِ البيتِ، قائلاً: "وظيفةُ النساءِ في مجتمعاتنا تنتهي عندَ عتبةِ البيتِ، وهو قولٌ من يعيشُ في عالمِ الخيالِ." في هذهِ الكلماتِ، يتجلى صوتهُ كناقدٍ اجتماعيٍّ لا يرحمُ، يُعري التناقضاتِ ويدعو إلى إعادةِ تعريفِ دورِ المرأةِ كعنصرٍ فاعلٍ في الحياةِ العامةِ.

صدىً لا يخفتُ
"تحريرُ المرأة" ليسَ مجردَ كتابٍ، بل ظاهرةٌ ثقافيةٌ وفكريةٌ ألهمتْ أجيالًا، وأشعلتْ نقاشاتٍ لا تزالُ تترددُ في أروقةِ المجتمعِ العربيِّ. إنهُ عملٌ يتجاوزُ زمانهُ، يُخاطبُ القارئَ بعمقٍ وجرأةٍ، ويطرحُ تساؤلاتٍ جذريةً: هل نحنُ مستعدونَ لتحريرِ المرأةِ من قيودِ التاريخِ؟ هل نملكُ الشجاعةَ لنعيدَ النظرَ في تقاليدنا بعينٍ نقديةٍ؟

في النهايةِ، يبقى قاسم أمين صوتًا استثنائيًا، لم يكتفِ بكسرِ الصمتِ، بل أوقدَ شعلةَ التغييرِ التي لا تزالُ تُضيءُ دروبَ المساواةِ والعدالةِ. "تحريرُ المرأة" ليسَ مجردَ نصٍ أدبيٍّ، بل دعوةٌ مستمرةٌ للتأملِ والعملِ، ورحلةٌ فكريةٌ تستحقُ أن تُعاشَ بكلِّ جوارحِ القارئِ الناقدِ.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شوبنهاور والعيد: سعي بلا نهاية نحو السعادة الزائفة
- التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...
- الليل لنا: تأملات في الغياب والحضور في رواية محمد مباركي
- السياسي والمؤرخ: صراع الزمن والقلم
- مزهوون بمتلاشيات الآخرين
- أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية ل ...
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
- عبارات ملهمة: قراءة نقدية وتحليلية في أعماق الكلمة والوجود ل ...
- -ياسمين الخريف- لأحمد الشهبي: قراءة نقدية وتحليلية في المتاه ...
- -عبارات ملهمة-: سلطة الكلمة في مجموعة جواد العوالي القصصية
- عبارات ملهمة: تأثير الكلمة على أعماق الوجود الإنساني - قراءة ...
- كيكو: اغتصاب الطفولة في ظلّ ثقافة الإفلات من العقاب – مأساة ...
- تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوب ...
- غزة: الجريمةُ التي تُعيدُ تشكيلَ ضمير العالم
- الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية ت ...


المزيد.....




- ياسمين صبري توقف مقاضاة محمد رمضان وتقبل اعتذاره
- ثبت تردد قناة MBC دراما مصر الان.. أحلى أفلام ومسلسلات عيد ا ...
- لمحبي الأفلام المصرية..ثبت تردد قناة روتانا سينما على النايل ...
- ظهور بيت أبيض جديد في الولايات المتحدة (صور)
- رحيل الممثل الأمريكي فال كيلمر المعروف بأدواره في -توب غن- و ...
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- - كذبة أبريل-.. تركي آل الشيخ يثير تفاعلا واسعا بمنشور وفيدي ...
- فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الشهبي أحمد - صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قاسم أمين