أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الحرية بين وهم الحداثة وسلطة الخوارزميات: من التنوير إلى الاستعباد الرقمي














المزيد.....

الحرية بين وهم الحداثة وسلطة الخوارزميات: من التنوير إلى الاستعباد الرقمي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 12:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لطالما كانت الحرية جوهر الفكر الفلسفي الأوروبي، إذ مثّلت الحلم الأزلي للإنسان في سعيه نحو الاستقلال والتحرر من قيود السلطة والمجتمع والتقاليد. فمنذ عصر التنوير وحتى الفكر الرقمي المعاصر، خاض الفلاسفة معركة فكرية لتحديد جوهر الحرية ومعناها، فهل هي حق فطري أم مسؤولية أخلاقية؟ هل تكمن في غياب القيود أم في القدرة على الاختيار؟ وهل لا تزال تعاريف الحرية التي صاغها فلاسفة الماضي صالحة في عصر تهيمن عليه الخوارزميات والمراقبة الرقمية والذكاء الاصطناعي؟

الحرية في عصر التنوير: انتصار العقل على القيود

مع بزوغ فجر عصر التنوير، حملت الحرية لواء العقلانية والحقوق الطبيعية، حيث آمن فلاسفة مثل جون لوك، جان جاك روسو، وإيمانويل كانط بأن الإنسان يولد حرًا، وأن أي تقييد لحريته لا يكون مشروعًا إلا إن كان في خدمة العدالة والصالح العام.

جون لوك رسّخ فكرة الحرية بوصفها حقًا طبيعيًا، لا يُمنح ولا يُسلب، بل هو جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان. لكنه أدرك أن الحرية المطلقة قد تؤدي إلى الفوضى، ومن هنا شدد على ضرورة وجود نظام قانوني يحميها دون أن يخنقها.

جان جاك روسو رأى أن الحرية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال "الإرادة العامة"، أي أن الفرد يكون حرًا عندما يشارك في وضع القوانين التي تنظّم حياته، لا عندما يخضع لسلطة مفروضة عليه.

إيمانويل كانط تجاوز التصورات السياسية ليؤكد أن الحرية ليست مجرد استقلال عن القيد، بل هي قدرة الإنسان على أن يحكم نفسه وفقًا لقوانين أخلاقية يسنّها عقله، لا غرائزه أو أهواؤه.

الوجودية والحرية: بين لعنة الاختيار وسلطة القدر

في القرن التاسع عشر والعشرين، اتخذت الحرية منحى أكثر عمقًا وتعقيدًا، إذ تحولت إلى معضلة وجودية، يتصارع فيها الإنسان مع ذاته ومع مسؤولية اختياراته.

سورين كيركغارد رأى أن الحرية ليست مجرد حق، بل عبء وجودي، إذ أن كل اختيار يقوم به الإنسان يجرّده من خيارات أخرى، مما يغرقه في دوامة القلق والندم.

فريدريك نيتشه هدم التصورات التقليدية عن الحرية، معتبرًا أن الإنسان لن يكون حرًا إلا عندما يتحرر من القيم الأخلاقية الزائفة التي فرضها عليه المجتمع والدين، ويصنع لنفسه قيمه الخاصة عبر إرادة القوة.

جان بول سارتر ذهب إلى أقصى الحدود، مؤكّدًا أن الإنسان محكوم عليه بأن يكون حرًا، فلا وجود لأي قوة خارجية تحدد مصيره، لكنه في المقابل لا يستطيع التملّص من مسؤولية خياراته، مما يضعه أمام هاوية الوجود القاسية.

ما بعد الحداثة: تفكيك الحرية وكشف أوهامها

مع صعود الفلسفة ما بعد الحداثية، بدأ التشكيك في مفهوم الحرية كما طُرح في العصور السابقة، إذ لم يعد يُنظر إليها كحقيقة مطلقة، بل كمفهوم خاضع للبنى الاجتماعية والسياسية والمعرفية.

ميشيل فوكو كشف عن الوجه الخفي للسلطة، موضحًا أن الحرية كما نفهمها ليست سوى وهم تصنعه المؤسسات، فحتى في أكثر المجتمعات ديمقراطية، هناك أنظمة خفية تُشكّل سلوك الأفراد، من المدارس إلى المستشفيات إلى وسائل الإعلام.

جاك دريدا فكك مفهوم الحرية ذاته، مشيرًا إلى أنه لا وجود لتعريف نهائي لها، فكل محاولة لتعريفها تحمل في طياتها تناقضاتها الداخلية.

جورجيو أغامبين حذّر من أن الدولة الحديثة باتت تعتمد على حالة الاستثناء، حيث تُقيَّد الحريات بحجة الأمن والاستقرار، مما يجعل الحرية دائمًا مهددة بقوة القانون ذاته.

الحرية في العصر الرقمي: هل ما زلنا أحرارًا؟

إذا كانت الفلسفات السابقة قد ركّزت على الحرية في سياق السياسة والفكر والمجتمع، فإن العصر الرقمي أضاف طبقة جديدة من التعقيد، حيث بات السؤال الأهم: هل يمكن الحديث عن الحرية في عالم تحكمه الخوارزميات؟

أبرز التحديات التي تواجه الحرية في العصر الرقمي:

1. المراقبة الشاملة: لم تعد السلطة مقصورة على الحكومات، بل أصبحت الشركات التكنولوجية الكبرى تراقب الأفراد من خلال بياناتهم، مما يحوّل الحرية الشخصية إلى سلعة خاضعة للتحليل والتلاعب.

2. التأثير السلوكي: عبر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، بات بالإمكان توجيه خيارات الأفراد دون أن يدركوا ذلك، مما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن من يختار، أم أن الخوارزميات تختار لنا؟

3. التحكم في الخطاب العام: أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تحدد ما يُقال وما يُسمع، فبين الحجب الرقمي والتلاعب بالمحتوى، باتت حرية التعبير مشروطة بآليات لا يدركها المستخدمون بالكامل.

هل نحتاج إلى تعريف جديد للحرية؟

أمام هذا المشهد المتغير، لا يمكننا الاكتفاء بتعريفات الحرية كما طرحها لوك، كانط، أو سارتر، إذ أن العالم الرقمي فرض معطيات جديدة تستدعي إعادة النظر في جوهر الحرية وحدودها.

نحو رؤية جديدة للحرية في العصر الرقمي:

1. الحرية كسيادة على البيانات: في عالم تُباع فيه المعلومات الشخصية، لا يمكن اعتبار الإنسان حرًا إلا إذا كان يملك السيطرة على بياناته ويقرر بنفسه كيف تُستخدم.

2. الحرية كوعي بالخوارزميات: لا يمكن تحقيق حرية الاختيار دون إدراك تأثير الذكاء الاصطناعي على قراراتنا اليومية، مما يستلزم تطوير وعي نقدي تجاه المنصات الرقمية.

3. الحرية كمقاومة للرقابة الرقمية: في زمن تُصنع فيه الحقائق من خلال الترشيحات الخوارزمية، تصبح الحرية معركة ضد الاحتكار المعلوماتي، تتطلب جهودًا لحماية تعددية الآراء وحرية التفكير.

الحرية بين ماضيها ومستقبلها

لقد انتقلت الحرية عبر التاريخ من كونها حقًا طبيعيًا إلى كونها مسؤولية وجودية، ثم أصبحت أداة لتفكيك السلطة، والآن تقف أمام تحدٍ غير مسبوق في عصر المراقبة الرقمية والذكاء الاصطناعي. فهل نحن أحرار حقًا، أم أن الحرية في زمننا ليست سوى قيد جديد في ثوب التكنولوجيا؟



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفلة شاي بوسطن: شرارة الثورة الأمريكية وتغير موازين التاريخ
- ما بعد سايكس بيكو: تحرير الأمة من سجون الجغرافيا والتاريخ
- مستقبل الديمقراطية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب الثانية: بين ...
- صناعة المعرفة في العالم العربي: بين تحديات الحاضر وآفاق المس ...
- جدلية الدين والعلم والسياسة: صراع القوى أم تكامل المسارات؟
- الفلسفة المشائية: من أرسطو إلى ابن رشد - مسار العقل والاستدل ...
- من الاستبداد إلى الإبداع: تحديات الانتقال من الدولة الديكتات ...
- تقديس الوطن: توظيف الخطاب الديني في هندسة الهوية القومية وصن ...
- فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود
- جوديث بتلر وتفكيك وهم الهوية: الجندر بين الأداء والسلطة
- الطاو تي تشينغ: حكمة الوجود الخفي ومسار الطبيعة الذي لا يُقا ...
- جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العد ...
- العدل الإلهي بين التنزيه والمسؤولية: قراءة معتزلية في قوله ت ...
- الدين بين العقل والنقد: رحلة الفلسفة الأوروبية من التفكيك إل ...
- فلسفة اللذة بين العقل والرغبة: جدلية السعادة والمعاناة في ال ...
- حدود العلم وأفق الوعي: فيزياء الكون بين الإدراك والواقع
- الوعي في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: جدلية الإدراك ...
- حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروت ...
- مابعد الحداثة: تفكيك اليقين وإعادة تشكيل الفكر في عالم بلا ث ...
- الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العق ...


المزيد.....




- انسداد بالشرايين ونوبة قلبية وسط زلزال مفاجئ.. رحلة رجل إلى ...
- حليف أردوغان: المعارضة تحاول إثارة الفوضى في تركيا
- ماسك يتهم -معهد السلام الأمريكي- بحذف بيانات مالية لإخفاء جر ...
- الدفاع الروسية: قوات كييف هاجمت محطتي كهرباء في بيلغورود واب ...
- هل تضرب طهران تل أبيب؟ إسرائيل تتوقع حدوث هجوم استباقي بسبب ...
- كذبة نيسان: تعرف على أبرز خمس أكاذيب أُطلقت بالمناسبة
- ترامب: واثق من -تنفيذ- بوتين نصيبه من الاتفاق بشأن أوكرانيا ...
- مستشار خامنئي: إذا ارتكبت أمريكا خطأ فإن إيران ستضطر للتحرك ...
- إقامة الأجانب الحاصلين على تأشيرة إلكترونية في روسيا تمدد إل ...
- مصدر: الجيش الروسي وجه ضربة استباقية لقوات أوكرانية حاولت اج ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الحرية بين وهم الحداثة وسلطة الخوارزميات: من التنوير إلى الاستعباد الرقمي