غادة صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 10:48
المحور:
الادب والفن
💥النوستالجيا في لعبة محمود حمدون....
لمن لا يعرف الكاتب محمود حمدون فهو كاتب من محافظة الفيوم له العديد من الأعمال الأدبية في أجناس أدبية متعددة ومن أعماله: -
رواية: أتينا – الباب – اللعبة – اسم حركي – منتصف يناير.
مجموعات قصصية: - نبض الشارع – راية الهزيمة – رقم غير موجود بالخدمة – بابلو – رسائل البحر – رائحة شياط – شكولاتة باللوز – لا تتحدث مع الغرباء – برو عتب،ومازال في جعبته الكثير...
بدأ الكاتب رواية " اللعبة " بمقدمة مقتضبة مختصرة قال فيها الكثير واعترف اعترافًا صريحًا أنها تقترب من الرواية، وانتهى في هذه المقدمة بمقولة (الاسهاب دون اختزال ضرورة، السرد دون إخلال مقصدا)، وهنا يتجلى بوضوح اتجاه قلم محمود حمدون الذي يفضل الوصول للقارئ والولوج للفكرة من أعمق نقطة وأقرب مكان دون الالتفات لمن سيسهل عليه الفهم أم يصعب، فكل هم مبدعنا أن تتمحور الفكرة حول نفسها لتبرز لمن يدرك أبعادها ويلتقط طرف الخيط، ويُعمل العقل ويصل لنتيجة.
فكتابات محمود حمدون في مجملها تعتمد على الفكر الفلسفي بشكل عام ويخرج منها الحكمة عن طريق شخوص راسخين في ذهنه وكتاباته فنجد محمود حمدون يستمد ما يريد أن يصل للقارئ عن طريق (الجد – الجدة – العجوز – العرافة – القهوة الغامقة – المقهى)،فربما نرجع ذلك لقناعة الكاتب أن رأس الحكمة و أن ما يعتمل في النفس البشرية يتلقاه الإنسان عن طريق أسلافه ويظل معه إلى أن يلحق بهم و لا أقرب للطفل من أمه و جدته و جده أو أي محب له يكبره بسنوات و خبرة تفيده في معترك حياته، فجميعنا كأطفال عشنا طقسًا إنسانيًا لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتنا حين كانت الأمهات و الجدات يروين لنا الحكايات التي ولابد كانت تنتهي بحكمة و عظة وبها عوالم مثيرة تحرك الماء الآسن في عقول تبحث عن بداية
وها هو هنا يبدأ روايته بحكمة بالغة ما كان لأي كاتب أن يبدأ بها خوفًا من أن يقع في فخ الوعظ والتقريرية المباشرة إلا أنه كان مقنعا جدا لأن الكلام جاء عن لسان الجد حين قال: ليست كل "لعبة" لهوا وتسلية، فما الحياة بجدها وقسوتها سوى " لعبة " كبيرة، وأن الألعاب واللهو وما نفعله بدافع تسلية، ماهي جميعًا إلا تقليدًا لألعاب أكبر. تلك حكمة رئيسية وقاعدة أرساها الجد بعقل حفيده، هكذا بدأت دنيا طفل أقبل للحياة.
انتقل بنا الكاتب عبر الزمن بسلاسة مطلقة وعرج على طفولة فؤاد بشكل عفوي وسريع وأشار من طرف خفي بغياب الأم والأب بسبب البحث عن المستقبل وبناءه ونسيا أن مستقبل طفلهما كان أولى بالاهتمام.
واعتمدا على وجود الجد في تربية ذاك الفؤاد وكأن الكاتب أراد أن يقول لنا: لا غد هناك بدون أمس متجذر ولا عقل يتحرك بلا قلب ينبض ولا تستقيم الحياة إلا بصون اللسان والتغاضي والتغافل.
وضع السارد الشخصية الرئيسة في هذا العمل في مأزق مبكر للبطل و للقارئ فتبدوا جملة صغيرة بين السطور كأنها جملة عادية و لكنها كانت مفتاح اللعبة فقال فؤاد: كيف أعرف نفسي دون أن أعرف من أنا و هنا تقع إشكالية الأنا و الأنا الآخر ، الصراع النفسي الداخلي الدائم بين ما نفكر فيه و ما نفعله و هل هناك بون شاسع أم ضيق بين هذا و ذاك، ناهينا عن شفرات كثيرة جاءت من خلال السرد على لسان البطل معظمها من خلال أسئلة يطرحها على صديقه علي و أخرى على محبوبته التي تخلى عنها لسبب غير معلن بوضوح إلا أنه أراد أن يحتفظ بحريته دون قيد .
وعرض علينا الكاتب إشكاليات كثيرة و منها شفرات أيضا ممكن أن تكون مدخلًا لعالم آخر مواز يصنع هوة كبيرة بين الواقع الملموس و الواقع المصطنع و منها على سبيل المثال مثلًا:
• كيف أعرف نفسي دون أن أعرف من أنا؟
• فخلط بين واقع يحياه ويرفضه بشدة وعالم آخر مواز صنعه ويستغرقه حتى أذنيه.
• وعي ذاتي مستقل.
• يتحرك بوعي مصطنع.
• لا شيء حقيقي بهذا العالم.
مما جعلني أفكر في شفرات أخرى ألحت على تفكيري ومنها:
• الوهم
• الوعي
• اليقين بوجود الذات والذوات الأخرى
• الواقع ببشاعته والحلم بأناقته المرجوة
• الجنون والعودة منه والجنون مرات ومرات.
وخلصت بعد ما انتهيت من القراءة أن قمة الوعي هو التخلي عن الزهو بالذات.
ويحضرني هنا في هذا المقام مقولة ماركس وجملته الشهيرة: ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.
لذا كان لابد للكاتب أن يحرم فؤاد من والديه حين تشكلت شخصيته، وأنا هنا لا أعتبر العمل ينتمي للخيال العلمي فحسب ولا أدب نفسي سيكولوجي فقط، ولكنه يدخل أيضا في الأدب الاجتماعي، هو عمل يطرح فكر ورؤية مغايرة وأكثر ما راقني نهاية هذا العمل وكأن لسان حال فؤاد يقول:
لما تيبست البحار بداخلي
واصفرت الآمال بعد خضار
وجهت وجهي للذي مد المدى
فإذا أنا حقل من الأزهار.
#غادة_صلاح_الدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟