اية الانصاري
باحثة وناقدة
(Aya Alansari)
الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 10:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الجزء الثاني :
إن القطيعة الاخلاقية اذن بدأت في فترة الفصل بين النفس العارفة و العرفانية بين العملية و الروحانية ، و لا يقصد بالعلمية التي تخلو من النزعة اللاهوتية بل المؤسس على تعاليم ارسطو وبعدها توما الاكويني و الحركة المدرسية ، اذن على النزاع الحاصل بين الروحانية واللاهوت، يقول فوكو ان الانفصال و الانقطاع كان نتيجة لعملية طويلة اصلها و منبعها من جهة اللاهوت تم التركيز على هذا الاقصاء لمبدأ العناية بالنفس من مسألة المسار المؤدي للحقيقة ، من التساؤل و الاستفهام التمرد على فكرة الخطيئة في التشكيك ،لذا الشك المنهجي لاعادة تقييم المعرفة كما التصور المتعلق( باصلاح الفهم) او اعادة الفهم لسبينوزا ، مؤسسا لعقلانية ما بعد ديكارتية تلخص تحول الذات للوصول إلى الحقيقة ، لكن ما هو معيار الحقيقة ؟ ماعلاقة الاتيقيا و الحقيقة ؟ كيف يشكل فن الوجود الاتيقي مظهرا لتحول الذات ؟ هل بلوغ الحرية مرتبط ببلوغ الحقيقة ؟ اوالفضيلة او مقاصد اخلاقية تكون انعكاسات لفلسفه داخلية لا تنتمي لأنظمة الخطاب المهيمنة ؟ ا وانها منفلته نسبيا من الانساق المخفية المغروسة في الذات .. ؟
علينا اولا التعرف على الاتيقيا و فرقها عن الاخلاق ، الاخلاق هو ما يتعلق بالعادة ، مجموعة من القواعد و المعايير السلوكية التي تفرض من المجتمع و الدين و الثقافة ، كما تحدد ما هو ثابت مقاسا الى مجموعة معايير متفق عليها مثل ما هو متناقل عبر الاجيال من القيم الاخلاقية ، اما الاتيقيا فهي مشتقة من ايثوس و التي تعني طريق الحياة او السلوك ، اي دراسة الفعل الانساني بشكل فلسفي يتجاوز الاخلاق التقليدية من خلال التساؤل عن اسس القيم نفسها ، فالاتيقيا لا ترتبط بمعايير معينة و لا قواعد اجتماعية و دينية بل تتسائل فيها بالتفكير العقلاني و النقدي لما هو واجب و التزام ، لذا فالتحول الذاتي معتمد على سلوك الوجود الاتيقي لانه بدوره يستوجب تساؤل في القيم الاخلاقية و فيها تتحول و تنتقل الذات الى حالة اخرى تتحدى الاخلاق التقليدية و تكشف عنها و هذا نوع من انواع الاهتمام بالذات لكن عندما امات نيتشه الاخلاق لم ينكر النظام القيمي لكنه اعتبرها قيودا تضعف الانسان ولا يعني انه ايضا فكك الاتيقيا بل اسس موقفا للانسان المتفوق، يمر بتحولات ذاتية بتمركزه و انهمامه بذاته ليشكل قيمه الخاصة من طريقة حياته الاتيقية من تساؤلاته و تمرده على الاخلاق التقليدية مثل الفصل بين اخلاق القوي والضعيف و اخلاق السادة و العبيد ، ليدعوا الى إرادة القوة التي تتجاوز الاخلاق التقليدية لتخلق قيما فردية متمردة على النظم المفروضة و تؤجج قدرته على الابتكار و التساؤل و البحث عن الحقيقة ليكون سيدا لنفسه ،
و الاتيقيا كما يشرحها دولوز في كتاب سبينوزا فلسفة عملية ، هي قلب لنظام الأحكام ، قلب لنظام الذي يحمل الوجود على قيم متعالية ، فالأخلاق نظام أحكام مثل حكم الخير و الشر اي حكم قيمي قياسي ، وتقيم الاتيقيا احوال الوجود مثل تساؤل ما و الجميل و القبيح ، ادن عملية الحكم هذه تتطلب وعي و هنا يتوسع دولوز في شرح كتاب الاتيقيا لسبينوزا . من مفهوم الامتداد ، كصفة جوهرية ، تتجاوز الوعي فيحاول ان يتوصل الى ما هو متاح للوعي ، للادراك ، انها قوة النفس التي تتحول و تنتقل لتتجاوز الشروط و الحدود الجسمية ، قوة الفكر و العقل التي تتكون من نظم من العلاقات تلتقي ببعضها لتكون تراكيب ، او تنحل و تكون تراكيب اخرى ، وفقا لنظام العلل يفسره على اننا كائنات واعية لاندرك هذه التعالقات الفكرية او المهددات لنظم تعالقاتنا لتتحلل او تتفكك ، اي ان كل الاجسام بصفاتها المادية من امتدادات و الفكرية العقلية و تعالقاتها مستقله بتراكيبها التعالقية الخاصة وفقا لرؤية سبينوزا و هي محددات تتكون و تنحل و تتركب شروط بمقتضاها توجد الذات و تجبرنا ان ندرك نتائجها المفصوله عن عللها الخاصة ، اذ ازاء نظام معرفتنا نكون بجهل ، بقدر حيز تحملنا للاثار و جهلنا للقانون ، و هذا يجعلنا قلقين ، القلق الانطولوجي بقدر النقص ، بقدر التساؤلات و بحثنا عن المعرفة ، سمي هذه الرحلة بعملية توهم ، ثلاثية، او وهم العلل الغائية ، (وهم الغائية وهم الحرية ووهم الثيولوجيا) ، لان الوعي يدرك الاثار ، يملئ جهله بنظام اتيقي ، نظام يعدها اسباب للنتائج ، اسباب للافعال الخاصة و تستدعي هذه النظم الاتيقية كعله غائية تسد نقصنا لمعرفة العلل الاصلية سلطة على القرار يكون بها الوعي عاجزا عن التفسير بدون هذا النظام بوصفه عله اولى تخطط لغاياتها ، تصير مدركة باعتبارها الأولى تفرض سلطتها على الجسم ( وهم القرار الحر ) تقتضي الى اله مالك لفهم و ارادة مدبر وفق علة غائية و ارادة حرة ( وهم الثيولوجيا) اذن الاتيقيا نظام احكام يطلقه الوعي لفهمه تعالقات فكرية على الموضوع وحالته ليجعل المعرفة ممكنة من خلال انماط الوجود الاتيقية ، اذن الاتيقيا و الاخلاق تأويلات مختلفة لنفس المدركات تجعلنا ندرك التعارضات القيمية مثلا ، ان طريق الحياة الاتيقي او السلوك الاتيقي يقول دولوز انه نظام يستجيب للمثيرات و عليه على درجة الانفعال مع المثير ، الانفعال المتحقق بالاثار ، فقولبة الاحكام هي حدود قدرة خاصة و بعدا اخلاقيا تبنى عليه الاتيقيا من طبيعة الفرد و تشتق من ماهيته ، و هنالك الانفعالات السالبة التي قياسا لفرد يبقى هو نفسه ، الاتيقيا اذن انفعالات متحولة مرحة كما يصفها سبينوزا او متحركة ، انفعالات حرة فاعلة .
الان من فهمنا كيف يجسد الوجود الاتيقي قوى الذات المنفعلة المحكومة برغبة و غاية نعود لفكرة اعادة الفهم او اصلاح الفهم لسبينوزا للتجديد الفكري وبلوغ الحقيقة ،و الرفض للخضوع لأي سلطة من موقفه الاتيقي ، فالايتيقا تحدد اذن الفرد وفقا التأثيرات ، تعالقاته الفكرية خارج الاخلاق التقليدية ترتبط بنظام التمثيل ( بفصل الجسد و جعله في عزلة مجردة و منح مكانة للفكر ) اذ ان مسألة بلوغ الحقيقة عند سبينوزا مرتبطة بمجموعة اشتراطات متعلقة بالوعي الذاتي بسؤال الكينونة ذاتها ، يصيغ فوكو ( كيق يجب علي ان احول كينونة نفسي ؟ ، ما هي الشروط التي افرضها عليها حتى استطيع بلوغ الحقيقة ؟ ) . يشيد فوكو بمجموعة من الفلاسفة الذين تناولوا الروحانية التي تدفع للتحول الذاتي و بلوغ الحقائق ، نوع من المعرفة المرتبطة بشروط الروحانية و اثارها في تحول كينونة الذات ( ما يجب أنت تكون عليه الذات لتبلغ الحقيقة )، و مع ما توصل اليه هيغل في فينومينولوجيا الروح ، إنها نوع من المعرفة ( الخاطئة) ليست علمية إلا إنها تعد تنويرا للذات ، لكن الفكرة في تلبيس المعرفة الروحانية في داخل عدد من الأشكال الاجتماعية التي يشعر الفرد بالانتماء اليها ، و لأننا نعرف ان الذات لتبلغ الحقيقة فاللغة المقصورة على فهمنا ترتبط بمفردات موضوعه من هذه التنظيمات أي إننا محصورون بحدود اللغة ، لذا هذا البعد يبرز فيه قلق من نوع اخر هل من الممكن ان نطرح سؤال العلاقة بين الذات و الحقيقة من خلال مفردات المعرفة ؟
يقسم اللحظات التي تحولت بها مفهومة الاهتمام بالذات إلى ثلاث ، اللحظة السقراطية-الافلاطونية ، يقول سراد لشارميدس ليعبر عبر أراءه " عليك ان تعتني بنفسك ، طبق فكرك على نفسك ، عليك ان تعي قدراتك التي هي قدرات نفسك " يستخدم عبارة( طبق فكرك ) و ( مارس فكرك ) كشكل من اشكال الاهتمام بالنفس ، تطبيق الفكر هو تطبيق لطريقة الوجود الاتيقية لشارميدس ، و يقول لالقيبيادس كنصيحة ليتحكم بمصيره نلاحظ هنا ايضا كيف ربط بطريق الحياة او فن الوجود الاتيقي بالانهمام بالذات " عليك ان تفكر قليلا في نفسك يجب ان تعرف نفسك " للمشاركة في اي نشاط اجتماعي ، فضرورة التعرف على النفس تحقيق نظامها الاتيقي مرتبط بارادة الفرد بممارسة سلطة في الحكم على الاخرين ، انه يتوجب ان يمتلك المعرفة التي تسمح له بممارسة الحكم على الاخرين ، و الحكم الجيد يتطلب من سؤال الذات ما هي الذات ما هي النفس التي تتطلب ان يتوجه النشاط الفكري لها ان تعود بالفائدة الى ذاتها لتحول في كينونة النفس لتمارس ( فن ) الحكم الجيد ، اذن هل مظاهر الاهتمام بالنفس مرتبطة بالحكم على الاخرين ؟
يشير الى انبثاق هذا الشرط ليعزز الوجود المتفرد العارف بنفسه من خلال الحكم الجيد ، و هذا ما تتطلبة نوع المعرفة الروحانية التي تفيد بالحكم الجيد ، يسميها ( ثقافة النفس و ثقافة تكوين النفس او الاستقلالية ) و الاستقلالية القيمية التي تتجذر بكثير من افكار الفلاسفة مثل ليبتنز ،نيتشه وسارتر و علماء الاجتماع مع دوركايم ،جورج زيميل ، و من هذه الممارسات هو التطهير النفسي الرواقي و التقنية الاخرى مع العزلة و الاعتكاف مع ماركوس اورليوس الناسك المتوحد حبيس نفسه المتجه نحو نفسه " اجراء اخر يرتبط بهذه التقنيات المتعلقة بالذات ، انها تقنية الابتعاد ، في الروحانية الغربية ، انها العزلة و التوحد و الزهد ، ان الابتعاد و الاستبعاد الذاتي و الاستنكاف و الامتناع ، استنكاف في المكان نفسه عن العالم الذي نحن فيه ، وقف الاتصال بمنحى ما او فك الارتباط بمعنى ما مع العالم لاخارجي ، و عدم الانفعال او التفاعل مع كل ما يدور من حول النفس ، تقنية الغياب المرئي ، " و التقنية الثالثة اختبار الضمير ، و هي ممارسة فيثاغورسية اختبار الذات امام قيمة تفنن النفس و نختبر المقاومة لها ، و تقنية الاستغراق في التأمل مع محاورة فيدون افلاطون يقول يجب ان تتعود النفس على ان تجتمع بنفسها و تضم ذاتها و تسكن في نفسها قدر الامكان ، على الفيلسوف ان يعتني بروحه ، في سكون النفس و ثبات الجسد ، فقد اتخذت تقنيات الاهتمام بالنفس اشكال متنوعة .والقطيعة الاخلاقية تعود في الحكم على الاخرين من خلال مفهوم الانشطار الاخلاقي ، اي الانشطار او الانغلاق المفروض لممارسة تقنيات الاهتمام بالذات و التمركز حول الذات و اثارها في الواقع .
يتبع:
#اية_الانصاري (هاشتاغ)
Aya_Alansari#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟