أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الشهبي أحمد - التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير














المزيد.....

التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 10:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


“الأكثر تطرفًا، هم الأكثر قدرة على الخيانة.”

في هذه المقولة، تنكشف الحقيقة القاسية عن واقع السياسة المتطرفة؛ إذ يُلاحظ أن الذين يتبنون مواقف سياسية متشددة قد يكونون الأكثر استعدادًا لارتكاب الخيانة، ليس فقط تجاه الآخرين، بل أيضًا تجاه مبادئهم التي حملوها في بداية مسيرتهم السياسية. تصبح الخيانة، في هذه الحالة، ليس مجرد خرق للعهد أو الوفاء، بل نوعًا من التكتيك الذي يراه المتطرفون ضرورياً للوصول إلى أهدافهم السياسية.

هل يمكن أن يصبح المبدأ السياسي مرهونًا بالمصلحة الشخصية؟ هل يعقل أن أولئك الذين يتبنون مواقف متشددة، الذين يرفعون شعارات الأيديولوجيا الثابتة، هم الأكثر استعدادًا للتنازل عن هذه المبادئ عند أول اختبار؟ قد يبدو الأمر غير معقول، ولكن التاريخ يثبت أن التطرف السياسي ليس مجرد موقف حاد بل يمكن أن يكون بداية لتحول فكري كارثي، حيث يتحول المبدأ من قيمة ثابتة إلى أداة للتلاعب والتحايل. من نيكولاي تشاوشيسكو إلى أنور السادات وصدام حسين، يمكننا أن نرى كيف أن الذين بنوا سلطتهم على مبادئ متطرفة، انتهوا غالبًا بارتكاب الخيانة تجاه تلك المبادئ التي استغلوا منها للوصول إلى قمة السلطة. لكن هل الخيانة فعلاً خيانة؟ أم أنها مجرد تكتيك سياسي؟

عندما يتعلق الأمر بالتطرف السياسي، يبدو أن المبدأ يصبح عرضة للتغيير بشكل سريع، بل ويمكن أن يتحول من قيمة ثابتة تُجسد هوية سياسية إلى أداة قابلة للتبديل والتكييف مع كل مرحلة سياسية جديدة. القولة الشهيرة: "الأكثر تطرفًا، هم الأكثر قدرة على الخيانة"، تُعد نافذة لرؤية هذا التحول المُرَكَّب بين المبدأ والمصلحة. وهنا، قد يتساءل القارئ: كيف يمكن أن يتحول شخص بدأ بمواقف مبدئية حازمة إلى شخص مستعد للتنازل عن كل ما كان يعتز به؟ الإجابة تكمن في طبيعة التطرف ذاته.

التطرف السياسي، الذي يفرض مواقف قاسية ومواقف "أبيض أو أسود"، غالبًا ما يتسبب في تراجع الفهم السياسي والمرونة في التعامل مع المتغيرات. أولئك الذين يبدأون في تبني أفكار متطرفة غالبًا ما يرون العالم من خلال عدسة ضيقة تفتقر إلى مساحة للاجتهاد أو الحوار. هذا الجمود الفكري، الذي يعزز من الشدة في التعامل مع الآخر، لا يلبث أن يصبح عبئًا على المتطرفين حينما يتطلب منهم الواقع المرن التكيف مع ما حولهم. وهكذا، يصبح المبدأ السياسي، الذي كان في البداية أيديولوجيا ثابتة، خاضعًا لتقلبات السياسة والصراع على السلطة.

دعونا نتأمل في بعض التجارب الحية التي جسدت هذه الظاهرة بشكل واضح. نيكولاي تشاوشيسكو، أحد أبرز دكتاتوريي القرن العشرين، كان في البداية قائدًا اشتراكيًا ملتزمًا بنهج معادٍ للاستعمار، مدافعًا عن الاستقلالية الاقتصادية والسياسية لرومانيا. ومع مرور الزمن، بدأ تشاوشيسكو في اتخاذ خطوات متناقضة تمامًا مع تلك المبادئ. ففي نهاية حكمه، لم يتردد في التحالف مع القوى الغربية، وتحولت شعاراته الاشتراكية إلى مجرد أدوات في يده للحفاظ على سلطته. وهكذا، تحول ذلك الزعيم الذي بدأ مسيرته كمناضل من أجل العدالة الاجتماعية إلى شخص يعادي كل ما كان يدعيه سابقًا. لم يكن ذلك مجرد تراجع سياسي، بل كان خيانة حقيقية للمبادئ التي استغلها في صعوده إلى السلطة.

ومثال آخر يمكن أن نأخذ به هو الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. في بدايات حكمه، كان السادات مؤمنًا تمامًا بالخطاب القومي العروبي الرافض لأي تفاوض مع إسرائيل، بل وكان يعد الشعب المصري بأن السلام مع إسرائيل مستحيل. ومع ذلك، فقد كان للواقع السياسي كلمته، فبعد أن وجد نفسه في موقف محرج عسكريًا واقتصاديًا، تراجع عن تلك الوعود ووقع اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل في 1978. هذا التغيير في مواقف السادات أطلق موجة من الانتقادات التي صنفته في نظر كثيرين كخائن للأمة العربية.

أما صدام حسين، الذي تبنى أيديولوجيا قومية اشتراكية متطرفة، فقد وجد نفسه في موقف مشابه. بينما بدأ في الترويج لخطاب راديكالي يقاوم الهيمنة الغربية ويشدد على قضية فلسطين، قام بتوجيه العراق نحو حرب غير مبررة ضد الكويت عام 1990، متحديًا الاتفاقات التي كانت قد أبرمتها العراق مع الدول الخليجية. في سعيه للحفاظ على السلطة، كان مستعدًا للانقلاب على كل ما وعد به، وهو ما عُدّ خيانة واضحة لقيمه الأولى.

تلك الأمثلة وغيرها تظهر بشكل جلي أن المتطرفين لا يلبثون أن يركنوا إلى مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" حينما يتعرضون لضغوط سياسية. ما كان في البداية مبدأ لا يُمَس، يصبح سلعًة يمكن التلاعب بها لتحقيق مصالح ضيقة. وبالتالي، ليس من الغريب أن يتحول التطرف إلى بوابة للخيانة، حيث يضحي الشخص بالقيم التي دعا إليها لتحقيق رغباته السياسية أو الحفاظ على نفوذه.

في النهاية، يكشف لنا التحليل المتعمق لهذا الموضوع أن التطرف السياسي، الذي يظهر في البداية على أنه التزام صارم بالقيم والمبادئ، ينتهي غالبًا إلى تدمير هذه القيم نفسها. تصبح المبادئ السياسية في أيدي المتطرفين مرنة وقابلة للمساومة، ويصبح التخلي عنها ليس خيانة فحسب، بل خيارًا استراتيجيًا في سبيل الحفاظ على السلطة أو تحقيق المصالح الخاصة. إن التحولات التي تمر بها هذه الشخصيات السياسية تمثل درسًا في أن التطرف هو في نهاية المطاف بذرة للخيانة، وأن الاستمرار في التشدد يمكن أن يؤدي إلى تآكل الذات السياسية التي بنيت على أساسه.

وبذلك، تصبح السياسة المتطرفة ليست فقط تهديدًا للتوازن الاجتماعي والسياسي، بل تمثل مسارًا يفضي إلى تآكل المبادئ على المدى الطويل، ما يخلق فجوة عميقة بين ما يُقال وما يُفعل، وتؤدي في النهاية إلى انتكاسة في فهم العدالة والحق.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...
- الليل لنا: تأملات في الغياب والحضور في رواية محمد مباركي
- السياسي والمؤرخ: صراع الزمن والقلم
- مزهوون بمتلاشيات الآخرين
- أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية ل ...
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
- عبارات ملهمة: قراءة نقدية وتحليلية في أعماق الكلمة والوجود ل ...
- -ياسمين الخريف- لأحمد الشهبي: قراءة نقدية وتحليلية في المتاه ...
- -عبارات ملهمة-: سلطة الكلمة في مجموعة جواد العوالي القصصية
- عبارات ملهمة: تأثير الكلمة على أعماق الوجود الإنساني - قراءة ...
- كيكو: اغتصاب الطفولة في ظلّ ثقافة الإفلات من العقاب – مأساة ...
- تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوب ...
- غزة: الجريمةُ التي تُعيدُ تشكيلَ ضمير العالم
- الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية ت ...
- انحدار الذوق في البرامج التلفزية: بين الاستهلاك السطحي وإشكا ...
- عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواي ...


المزيد.....




- انسداد بالشرايين ونوبة قلبية وسط زلزال مفاجئ.. رحلة رجل إلى ...
- حليف أردوغان: المعارضة تحاول إثارة الفوضى في تركيا
- ماسك يتهم -معهد السلام الأمريكي- بحذف بيانات مالية لإخفاء جر ...
- الدفاع الروسية: قوات كييف هاجمت محطتي كهرباء في بيلغورود واب ...
- هل تضرب طهران تل أبيب؟ إسرائيل تتوقع حدوث هجوم استباقي بسبب ...
- كذبة نيسان: تعرف على أبرز خمس أكاذيب أُطلقت بالمناسبة
- ترامب: واثق من -تنفيذ- بوتين نصيبه من الاتفاق بشأن أوكرانيا ...
- مستشار خامنئي: إذا ارتكبت أمريكا خطأ فإن إيران ستضطر للتحرك ...
- إقامة الأجانب الحاصلين على تأشيرة إلكترونية في روسيا تمدد إل ...
- مصدر: الجيش الروسي وجه ضربة استباقية لقوات أوكرانية حاولت اج ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الشهبي أحمد - التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير