أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - السعادة وإمكانية الحقيقة














المزيد.....

السعادة وإمكانية الحقيقة


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8297 - 2025 / 3 / 30 - 03:08
المحور: الادب والفن
    


السعادة... تلك الغاية القصوى التي شغلت العقول وأثارت تساؤلات الفلاسفة عبر العصور. أهي حالة داخلية تُولد من أعماق الذات، أم ثمرة للظروف الخارجية؟ هل السعادة غاية في ذاتها أم وسيلة لتحقيق هدف أسمى؟
منذ أفلاطون، الذي رأى السعادة في التناغم بين النفس والعقل والجسد، إلى أرسطو الذي اعتبرها "الخير الأسمى" المرتبط بالفضيلة، كان البحث عن السعادة محورًا جوهريًا في الفلسفة. وفقًا لأرسطو، "السعادة هي النشاط المطابق للفضيلة"، مما يعني أنها ليست لحظة عابرة من المتعة، بل حالة دائمة تتحقق بالعيش وفقًا للقيم الأخلاقية.
أما الرواقيون، وعلى رأسهم إبكتيتوس، فقد رأوا أن السعادة تكمن في التحرر من الانفعالات الخارجية، حيث قال: "السعادة الحقيقية تكمن في السيطرة على الذات، لا في السيطرة على العالم". هذا المفهوم يقترب من الفكر البوذي، حيث أكد غوتاما بوذا أن السعادة تتحقق من خلال التحرر من الرغبات والتخلص من التعلق بالأشياء الزائلة.
في المقابل، رأى شوبنهاور أن السعادة ليست سوى غياب الألم، معتبرًا أن الحياة في جوهرها معاناة، ولا سبيل إلى السعادة إلا عبر تقليل التوقعات والرغبات. بينما اعتبر نيتشه أن السعادة تكمن في إرادة القوة، حيث قال: "السعادة هي الشعور بأن القوة تزداد، وأن المقاومة تُكسر".
أما في الفكر الشرقي، فقد رأى جلال الدين الرومي أن السعادة تكمن في الاتحاد بالمطلق، قائلاً: "لا تبحث عن السعادة خارجك، فهي في داخلك منذ الأزل". وامتدادًا لذلك، اعتبر الفارابي أن السعادة هي الغاية العظمى التي يسعى إليها الإنسان من خلال المعرفة والفضيلة.
وهنا يمكننا أن نتساءل .. السعادة والحقيقة هل تناقض أم تكامل؟
منذ العصور القديمة، ظهرت إشكالية العلاقة بين السعادة والحقيقة. هل السعي إلى المعرفة يُبعدنا عن السعادة، أم يقودنا إليها؟
في مسرحية "أجاكس" لسوفوكليس، نجد إشارةً مبكرة إلى هذا التباعد: "التفكير ليس الطريق إلى حياة هنيئة". وهنا يُطرح سؤال جوهري: هل البحث عن الحقيقة يسلبنا متعة العيش البسيط؟
يرى أفلاطون أن الحقيقة تنتمي إلى عالم المُثُل، حيث يُدرَك الوجود الحقيقي بالعقل والمنطق. في محاورة "فيليب"، يؤكد أن الحياة الفلسفية الموجهة نحو الحقيقة أسمى من الحياة الحسية المحدودة. بينما أرسطو يربط الحقيقة بالمنطق، معتبرًا أن العبارة الصادقة تعبر عن الواقع كما هو. أما سقراط، فيجسد وحدة النظرية والممارسة، إذ يرى أن "الحياة غير المُفحَصَة لا تستحق العيش"، مما يعني أن السعادة الحقيقية تكمن في فهم الذات والعالم.
إشكالية العصر الحديث: التكنولوجيا وأزمة الحقيقة:
مع صعود المجتمع التكنولوجي، باتت "الحقيقة" في أزمة. تُروج الفكرة القائلة بأن السعادة ترتبط بالمتعة الفورية، بينما توصف الحقيقة بالتعقيد والجمود، مما أدى إلى:
١ تفشي النسبية الأيديولوجية: اختزال الحقيقة إلى آراء متضاربة.
٢ سيطرة عدم اليقين: انعدام الثقة في أي معيار موضوعي.
٣ استحالة تحقيق السعادة الكاملة: اعتبارها ضربًا من الخيال.
في هذا السياق، تُطرح أسئلةٌ مصيرية: هل يمكن للفلسفة أن تعيد الربط بين السعادة والحقيقة؟ أم أن مهمتها انتهت بانتصار التكنولوجيا؟
السعادة مقام روحي:
السعادة ليست شيئًا يُطلب، بل نور يشع من الداخل، لمن طهّر قلبه من ثقل الدنيا وسكون الأوهام. ليست محطة تُبلغها الأقدام، بل مقام تُدركه الأرواح حين تتخفف من قيودها. ليست في امتلاك الأشياء، بل في التحرر منها.
يقول جلال الدين الرومي: "لا تبحث عن السعادة في هذا العالم، بل ابحث عنها في نفسك؛ فأنت السر وأنت المفتاح". فالسعادة ليست في كثرة العطايا، بل في قلبٍ راضٍ يستقبل كل لحظة وكأنها عطاءٌ إلهي. هي في لحظة صفاء، في همسة محبة، في سجدة يتصل فيها العبد بمصدر وجوده، وفي قلبٍ يذوب عشقًا في الحقيقة الإلهية، فيرى النقص كمالًا، والفقدان امتلاءً.
السعادة هي أن تسلم قلبك للوجود كما هو، دون اعتراض، كما قال ابن عطاء الله السكندري: "متى أوحشك من خلقه، فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به". فهي ليست في امتلاك الدنيا، بل في الرضا عن نصيبك فيها.
فما السعادة إلا يقينٌ بأن كل ما كان، وما يكون، وما سيكون، إنما هو لحكمةٍ خفية، يدبّرها العشق الإلهي بحكمةٍ لا تدركها الأبصار، بل تشعر بها القلوب العارفة. حينها، لا تعود السعادة شيئًا نبحث عنه، بل تصبح نحن... ونصبحها.
المراجع:
- أفلاطون. (٢٠١٣). *الجمهورية* (ترجمة كريستوفر إملين جونز). مطبعة جامعة هارفارد.
- أرسطو. (١٩٢٦). *أخلاقيات نيقوماخوس* (ترجمة هـ. راكهام). مكتبة لوب الكلاسيكية.
- نيتشه، ف. (١٩٩٠). *ما وراء الخير والشر*. بنغوين.
- تيجوس، م. (٢٠١٨). *الفلسفة كتحضير للموت: أفلاطون عن خلود الروح. منشورات إيونيا.
جامعة أرسطو في سالونيك



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره
- سيلفيا بلاث: حكاية اسطورة الشعر التي احترقت في فرن التنمر ال ...
- بابلو نيرودا: الكلمة التي حملت سرّ النار
- بين الفلسفة والتصوف والعلم: هل آن الأوان للثورة الفكرية الجد ...
- محمود ياسين صوت مصر ونجمها الذي أحبته
- -مسرح رمسيس- وقيمة الفنان في الشرق
- مسرحية لحظة حب على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون في مصر
- نظرة على تاريخ المسرح العربي في مصر
- نساء في حياة سيد درويش
- ثورة الفلاحين في قرية -بهوت- هي من صنعت صلاح جاهين !
- فولتير يعلن تفاؤله على خشبة المسرح القومي بمصر
- مهرجان المسرح التجريبي 2020 الدورة السابعة والعشرون - تغطية ...


المزيد.....




- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...
- بالفيديو.. لحظة وفاة مغني تركي شهير على المسرح
- كيف تحولت السينما في طرابلس من صالونات سياسية إلى عروض إباحي ...
- بالفيديو.. سقوط مطرب تركي شهير على المسرح ووفاته
- -التوصيف وسلطة اللغة- ـ نقاش في منتدى DW حول تغطية حرب غزة
- قدمت آخر أدوارها في رمضان.. وفاة الممثلة التونسية إيناس النج ...
- وفاة الممثلة التونسية إيناس النجار إثر مضاعفات انفجار المرار ...
- فيلم -وولف مان-.. الذئاب تبكي أحيانا
- الفنانة التونسية إيناس النجار تودع الحياة بعد صراع مرير مع ا ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - السعادة وإمكانية الحقيقة