سكينة السيلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 22:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغد والجولاني: مصادفة أم مشروع إقليمي؟
تلعب وسائل الإعلام دورًا خطيرًا في تشكيل وعي المجتمعات، ويمكن أن تتحول إلى أداة لتضليل الرأي العام وتزييف الحقائق بما يخدم أجندات معينة. في العراق والمنطقة، نشهد تصاعدًا واضحًا في محاولات تلميع شخصيات مثل رغد صدام حسين وأبو محمد الجولاني، في إطار مشروع إعلامي يبدو أنه يستهدف إعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، على حساب الأمن القومي للعراق وإيران ومحور المقاومة. هذه الظاهرة تثير تساؤلات جوهرية حول أهداف هذا التسويق الإعلامي ومن يقف خلفه، خاصة في ظل الدور المباشر الذي لعبته رغد صدام حسين في تمويل الإرهاب، ودور الجولاني في السيطرة على مناطق سورية وتحويلها إلى بؤر للفوضى والتطرف.
رغد صدام حسين، التي تحاول البروز بمظهر “البديل السياسي” في العراق، ليست مجرد شخصية ورثت اسم والدها، بل هي فاعل رئيس في تمويل وإحياء الشبكات البعثية والإرهابية التي استهدفت العراق بعد سقوط النظام السابق في 2003. من المعروف أن رغد كانت على اتصال وثيق بقيادات حزب البعث الهاربة، كما أنها لم تتردد في دعم الجماعات المسلحة التي استهدفت الدولة العراقية وقواتها الأمنية، وعلى رأسها تنظيم “داعش” والقاعدة. من أبرز الجرائم التي تورطت فيها دعمها لمجزرة سبايكر، حيث قُتل أكثر من 1700 جندي عراقي بدم بارد، في واحدة من أبشع المجازر التي شهدها العراق الحديث. هذه المجزرة لم تكن مجرد عمل انتقامي، بل كانت رسالة واضحة مفادها أن فلول البعث وحلفاءهم التكفيريين لن يترددوا في اللجوء إلى العنف الوحشي لتحقيق أهدافهم.
لم يقتصر دعم رغد للإرهاب على تمويل مجزرة سبايكر، بل كانت جزءًا من شبكة مالية معقدة دعمت تنظيمات مسلحة متعددة استهدفت استقرار العراق. الوثائق الأمنية تشير إلى تورطها في تحويل مبالغ مالية ضخمة إلى جماعات مسلحة عبر وسطاء في الأردن وسوريا وتركيا، تحت غطاء “دعم المقاومة” ضد الحكومة العراقية. هذه الأموال استخدمت في تمويل هجمات إرهابية استهدفت مدنيين وأمنيين، وأعادت إحياء خلايا نائمة لتنظيم داعش والبعثيين السابقين الذين سعوا إلى تقويض النظام السياسي الجديد. ومع ذلك، ورغم كل هذا السجل الأسود، نجد وسائل إعلام عربية وغربية تحاول تقديمها كـ”مناضلة سياسية” أو “بديل وطني”، في خطوة تهدف إلى إعادة إنتاج المشروع البعثي المتحالف مع القوى التكفيرية.
أما في سوريا، فالقضية لا تقل خطورة. أبو محمد الجولاني، الذي كان أحد قيادات القاعدة، تحول بقدرة إعلامية إلى “زعيم معتدل” يدير هيئة تحرير الشام، التنظيم الإرهابي الذي يسيطر على مناطق واسعة من الشمال السوري. الجولاني الذي تلطخت يداه بدماء السوريين لم يغير سوى أسلوبه الخطابي، بينما بقي جوهر مشروعه قائمًا على التطرف وإدارة اقتصاد الحرب من خلال شبكات التهريب والاتجار بالبشر والنفط المسروق. وسائل الإعلام الغربية، وبعض القنوات العربية، بدأت تروج له كشخصية “براغماتية” تسعى إلى إدارة مناطقها بمرونة سياسية، وهو خطاب مضلل يهدف إلى منحه شرعية دولية.
تسويق الجولاني إعلاميًا يرتبط بأهداف جيوسياسية، إذ يتم الترويج له كبديل يمكن أن يكون مقبولًا في المعادلة السورية، ما يهدد وحدة سوريا وسيادتها. بعد سقوط النظام السابق في دمشق وانتقال الرئيس بشار الأسد إلى روسيا، تمكن الجولاني من توسيع سيطرته وتحويل مناطق نفوذه إلى كيان موازٍ، مدعوم من دول إقليمية تسعى إلى إبقاء سوريا في حالة انقسام دائم. هذا الواقع يهدد الأمن القومي للعراق وإيران ومحور المقاومة، حيث تتحول سوريا إلى ساحة نفوذ لجماعات مدعومة استخباراتيًا، تهدف إلى استنزاف قوى المنطقة وإبقائها في حالة اضطراب مستمر.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتم تسويق رغد صدام حسين والجولاني في الإعلام العراقي تحديدًا؟ الجواب يكمن في مشروع أوسع يستهدف تفكيك العراق وإعادته إلى نقطة الصفر سياسيًا وأمنيًا. القوى التي تدعم هذا التسويق تدرك أن إحياء المشروع البعثي-التكفيري يخدم أهدافًا متعددة، منها إضعاف القوى الوطنية التي نجحت في بناء عراق ما بعد 2003، وزرع الفوضى مجددًا لضرب التحالفات التي تشكلت لمواجهة النفوذ الأمريكي والصهيوني في المنطقة. إعادة رغد إلى المشهد تعني فتح الباب أمام موجة جديدة من الفتن الطائفية، وإعادة إنتاج الخطاب التحريضي الذي قسم العراقيين لعقود. أما الجولاني، فتسويقه يهدف إلى فرض أمر واقع جديد في سوريا، بحيث تبقى مناطق الشمال تحت سيطرة الجماعات المتطرفة، ما يمنح الغرب ورقة ضغط دائمة ضد أي مشروع مقاوم.
وسائل الإعلام التي تلعب هذا الدور لا تعمل بمعزل عن التوجيهات السياسية والاستخباراتية، فبعض القنوات التي تروج لرغد هي نفسها التي دعمت داعش سابقًا، وبعض المنصات التي تسوق للجولاني كانت منابر للخطاب التكفيري الذي أسس لموجة الإرهاب في سوريا والعراق. هذه الحرب الإعلامية ليست مجرد محاولات لتلميع شخصيات مشبوهة، بل هي جزء من معركة كبرى تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة بما يخدم أجندات معادية لمحور المقاومة.
لهذا، فإن مواجهة هذا الخطر الإعلامي تتطلب استراتيجية واعية تقوم على كشف الحقائق وتوعية الجمهور بحقيقة هذه الشخصيات وأدوارها التخريبية. من الضروري أن يكون هناك تصدٍّ إعلامي مضاد، يعتمد على الأدلة الموثقة، ويكشف للرأي العام حقيقة رغد صدام حسين كأحد داعمي الإرهاب في العراق، وحقيقة الجولاني كزعيم لجماعة متطرفة تحولت إلى أداة بيد قوى أجنبية. إن معركة الوعي لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية والسياسية، وإذا لم يتم التصدي لهذا المخطط الإعلامي الخبيث، فقد نجد أنفسنا أمام موجة جديدة من الفوضى والعنف، تعيد العراق وسوريا والمنطقة إلى نقطة الصراع الدموي الذي عانى الجميع من آثاره المدمرة.
#سكينة_السيلاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟