أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - صوفيا، حفيدتي يا أمي..!!














المزيد.....

صوفيا، حفيدتي يا أمي..!!


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 22:14
المحور: الادب والفن
    


قلم: إدريس الواغيش

ولأنها كانت الأغلى والأعز، أسرعت أمي خديجة خطواتها نحو الغياب، وبقيت وحدي. أكثر ما أتذكره عنها اليوم رحمها الله، رفضها الوقوف أمام الكاميرات. كانت تستعصي على الامتثال أمام عدسة المصورين وأضواء آلاتهم العجيبة، سواء في الفضاءات العامة من: أعراس، حدائق عمومية، مناسبات عائلية، حدائق عمومية ونافورات، كما في رحاب استوديوهات أحياء المدينة وطقوسها الغريبة.
كانت أمي أكثر خجلا من الخجل، تضعف أمام نفسها، وتتفادى الوقوف أمام الكاميرات. اكتسبت الخجل من بيئتها القروية، وتطبعت به مثل أغلب نساء القرية، وأصبح طبعها وطبيعتها في مناخ قروي صافي وأصيل، ثم انتقل معها إلى المدينة. كانت تمتنع عن الوقوف أمام الكاميرا، حتى لو تعلق الأمر بأخذ صورة بطاقة التعريف الوطنية. وفي كل مرة، أريد أن ألتقط لها صورة أو بورتريه بعدسة كاميراتي التي امتلكتها بعد خوضي غمار العمل الصحافي، وقبلها كنت قد اقتنيت واحدة من أجل ممارسة هواية التصوير المفضلة لدي بعد القراءة والكتابة.
كانت خديجة أمي تضعني أمام خيارين: إما الصورة أو رضاها، ولم أكن أجد خيارا أحسن من رضاها، فأنحاز طائعا إليه. ولذلك، أحتفظ بصورة تيمة لي معها، وهي بعدسة كاميراتي. هي مجرد ذكرى، ولكنها دنياي ومظلتي التي أحتمي بها، أرجع إليها كلما خلوت إلى نفسي في غربتي الداخلية، وهي الصورة الوحيدة لي برفقتها في ريبرتواري الفوتوغرافي.
أذكر أننا كنا معا في تلك الأمسية، نتجول في حي"حَمريّة" الإفرنجي بمكناس ذات انتشاء صيفي، وقد عدت من جولة صيفية إلى الشمال، وقد أدمنت على رمال البحر المتوسط.
كنا نتجول جنبا إلى كما لو أننا أصدقاء، وهي حالة نادرا ما كانت تحدث لي معها. نخيط ما امتد أمام أقدامنا من انبساط الأزقة الخلفية مرتاحين. كنت لا زلت عازبا، وكان الحديث يتشعب بيننا، قبل أن يحط رحاله حول موضوع الزواج. كانت أمي رحمها الله محدثة لبقة، وفي نفس الوقت مصغية جيدة. وكنت من جهتي عازبا أنتشي في عزوبيتي، ومرتاح البال للإقامة فيها، أسرق النظرات من حين لآخر على اليمين وعلى الشمال وأنا بالجناح الإفرنجي قُبالة قصر البلدية في المدينة الجديدة.
كنت أبعدها كا استطعت بشكل أو بآخر عن موضوع الزواج، فيما كانت هي تعيدني إليه، وتلح علي بالواضح والمرموز أن أتزوج وأبني أسرة، كي ترى أبنائي وبناتي مادامت على قيد الحياة. وكم كنت أتلعثم في إجاباتي، وكانت هي رحمها الله تتوقف للحظات، ثم تغوص في صمت خجلها وتعود إلي، كنت لا أعرف أنها تكتم عني سرا في نظرات عينيها. لم تكن تريد أن تنغص علي حلاوة جولتي معها، وتخبرني أنها لا تريد أن تستعجل الرحيل، قبل أن ترى أحفادها وحفيداتها. ولذلك، كانت تريد أن أكون فصيحا في إجاباتي، وكنت من جهتي أعمل على أن أبقى ديبلوماسيا إلى أبعد الحدود.
حين أتخيل النقاء، أتمثله في أمي. كثيرا ما كنت، وقد كبرت قليلا، أقول لها:"بعض النساء يتحايلون عليك يا أمي". كان ردها دائما:"على أنفسهن يتحايلن". فيما بعد، عرفت أنني كنت خاطئا، وكانت هي الصادقة. ولذلك توقفت، وقد تأكد لي بعد نظرها، وقصر بصري وبصيرتي.
كانت الساحة المقابلة للبلدية حديثة التأهيل، لا تزال تتجمل نهارا للمتنزهين، وفي الليل تتزين بما تملك من أضواء لإرضاء عرسان الصيف الجدد. تنير كل المصابيح المعلقة فيها ليلا، وأخرى نابتة تزين نافوراتها المستحدثات. كانت ساحة جميلة تتباهى بخضرتها، تتميز بخضارتها وتنوع أزهارها ونوارها. ولكن من سوء حظ هذه الساحة، أنها لم تعد جميلة كما كانت، طالتها لعنة المهملين، ولحق بها الخراب والتخريب.
طال العمر بأمي خديجة قليلا، ورأت وديع وشهرزاد أولادي، ولكنها رحلت سريعا. لم يمهلها العمر، كي ترى صوفيا، وتفرح بالحفيدة كما الأولاد.
هناك على رصيف الفجر
كنت مع خديجة أمّي
ذات مساء شبابي شقي
يذكرني بعمر مضى
نرقب مروره معا
كسواد ظل الغيم
أتوشح بسمرة الرمل
وحمرة شمس الصيف
أجر ورائي بياض أحلام
وعزوبيّة رمادية اللون
أبسط أوراقها أمامي كاملة
كلما تأملت وجه أمي
وقد بدأت تعلوه..
ملامح الوداع.



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية نكاز تنتهي قبل أن تبدأ في مراكش..!! بقلم: إدريس الواغ ...
- أوريد يحاضر في التغيّرات الجيوسياسية العالمية
- “يَلزَمُني خطيئَة أخرَى“ جديدُ الشّاعر إدريس الواغيش
- فاس، وأسرار لا تنتهي..!!
- لا أجد حرجا إن فضحتني طفولتي
- توقيع كتاب“قضَايا ونُصوص في الأنثروبولوجيا“ بصفرُو
- فاس، عِشقٌ أبَدِيّ وسِحْرٌ لا يَنتهي…!!
- الشّعر يُسابق الرّبيع في تاونات
- الزليج فرادة مغربية
-         الروائي كفيح ينتصر للغة العربية والهامش في الفقيه بن ...
- خنيفرَة تختتم مهرجانها الدولي القصصي العاشر
- في الحاجَة إلى الجَرّافة...!!
- سوريا تحررت يا يعقوب..!!
- قصة قصيرة : تَبَاريحُ الخُضَرِيّ
- توصيات المناظرة الرابعة للإعلام في بني ملال
- مناظرة في أبي الجعد وبني ملال تقارب العلاقة التكاملية بين ال ...
- في مديح ماكرون للملكة المغربية الشريفة...!!
- آنَ لخُطوط الطفل الكورسيكي كُبولاني أن تنمَحي
- مَذاقُ الوَطن بنُكهَة العُيون
- من أوزود إلى مرّاكش، فرَادة المَغرب المُتعَدِّد


المزيد.....




- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...
- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...
- بالفيديو.. لحظة وفاة مغني تركي شهير على المسرح
- كيف تحولت السينما في طرابلس من صالونات سياسية إلى عروض إباحي ...
- بالفيديو.. سقوط مطرب تركي شهير على المسرح ووفاته
- -التوصيف وسلطة اللغة- ـ نقاش في منتدى DW حول تغطية حرب غزة
- قدمت آخر أدوارها في رمضان.. وفاة الممثلة التونسية إيناس النج ...
- وفاة الممثلة التونسية إيناس النجار إثر مضاعفات انفجار المرار ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - صوفيا، حفيدتي يا أمي..!!