أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية















المزيد.....

سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 14:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفترة الفاصلة بين 27 تشرين ثاني/نوفمبر و7 كانون أول/ديسمبر، حملت مفاجأة للسوريين تشبه الأحلام. حتى أن أحد الشباب في إدلب عبّر، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، عن هذا الحلم في عرض عام حضره من بات يسمى اليوم "القائد العام" الذي لم يستطع حينها رد دمعتين تحت تأثير الفارق بين الحلم والواقع. ولكن في غضون عشرة أيام، تحقق الحلم. تغير فجأة وجه سوريا كما لو أنها شهدت انقلاباً عسكرياً ناجحاً وليس نهاية لصراع عسكري استمر 165 شهراً، تشكلت خلاله مئات الفصائل العسكرية، ونشأت فيه سلطات متفاصلة وحكومات عديدة، إلى حد يدفع المرء للاعتقاد أنه لا بد من وضع سوريا تحت وصاية دولية لفترة من الزمن، إذا أريد لها أن تخرج من تخبطها وانقسامها بلداً واحداً. معروف أنه على مدى سنوات الصراع المستعصي والجالب للتدخلات الخارجية المختلفة، كان الموقف المعلن للأطراف الداخلية كما للدول المؤثرة، أن الحل في سوريا غير ممكن عسكرياً ولن يكون الحل إلا سياسياً، لنستيقظ صباح الثامن من كانون الأول/ديسمبر، على حل عسكري ناجز حَذَف من المعادلة أهم طرف في الصراع. والحقيقة الطريفة أن هذا الطرف المحذوف (نظام الأسد)، هو وحده من ظل يرفض الحلول السياسية ويراهن على الحسم العسكري حتى اللحظة الأخيرة حين اختفى فجأة وابتلعه الزمن كما يبتلع البحر سفينة عملاقة معطوبة، فلا يبقى لها أثر.
في أيام قليلة ارتسم في سوريا عالم مسحور. فجأة يختفي الساكن القديم للقصر الرئاسي ويحل محله ساكن جديد. يختفى القديم في طائرة تختفي بدورها عن شاشات المراقبة قبل أن تظهر في موسكو، وقبل أن يكتشف "محبو الرئيس" كم كان جديراً بالمحبة. يختفي الساكن القديم للقصر ويختفي معه نظام كامل وكأنه لم يكن. أما الساكن الجديد الذي لم يكلف نفسه عناء أي تغيير، مهما يكن، في ديكور قاعة الاستقبال في القصر، ولو كشاهد بسيط على تغير المرحلة، فلم يكن سوى أحد قادة الفصائل العسكرية الكثيرة المتواجدة في مختلف المناطق السورية. قائد عابر للحقب، استطاع أن يلخص في شخصه، على حداثة عهده، فهو في بداية الأربعينات من عمره، حقباً تاريخية. سوري يذهب إلى العراق لمحاربة أميركا، الممثل الأول للعصر الحديث، عبر استحضار حقبة غابرة، بالخطاب واللباس والأسماء والتصورات الضيقة. ثم يعود إلى سوريا لينشق عن "الأخوة" في العراق ويبدأ مساراً سورياً تحت مظلة "القاعدة" العالمية، ثم يخرج من العباءة القاعدية ويستقل ويؤسس "دولة" له في شمال غرب سورية، يتصارع ويتحالف ويتوسع ويجيد التعامل مع الأطراف كافة وصولاً إلى اللحظة التي أوصلته إلى القصر الرئاسي في سوريا دون أن يكون رئيساً.
هكذا يبدو أن التاريخ في سوريا رغب في أن يتخلى عن جديته الثقيلة، ليماشي نزوة عابرة لديه في أن يكون طريفاً يجسد دوره رجل أربعيني يمر سريعاً عبر الحقب في جدية تريد أن تكون صارمة ولكنها تخفي هزلاً يثير الحيرة بدلاً من الضحك. رجل يعبر من حقبة العمائم والدقون الطويلة المحفوفة الشوارب، إلى حقبة البدلة الرسمية مع ربطة العنق على الطراز الغربي. ومن حقبة الأسماء الجهادية التي ينسب فيها المقاتلون إلى مناطقهم، ليس فقط لدواع أمنية بل أيضاً تيمناً بحقب مجيدة متخيلة، إلى اسم "مدني" هو اسمه الحقيقي. يجد السوريون أنفسهم أمام هذا العبور وكأن رؤوسهم مقلوبة، فالاسم المستجد لرجل المرحلة السورية الراهنة، هو اسمه القديم، في حين أن اسمه القديم الذي عرفه به السوريون (أبو محمد الجولاني) ويراد لهم اليوم أن ينسوه، هو اسم مستجد. دوران الرأس الذي تسببه عبورات وتبدلات هذا الرجل، ينعكس قلقاً وتشوشاً واختلاطات بين الأمل والتخوف. المرساة الوحيدة التي تتوفر للسوريين اليوم هي حقيقة الخلاص من طغمة حكم أحالت البلد إلى جحيم فعلي على الجميع. أحد أبناء اللاذقية عبر عن فرح غامر لأن مخابرات وشبيحة آل الأسد اختفوا فجأة من اللاذقية، قائلاً أريد فقط أن أشبع فرحاً، قبل أن أسمح لنفسي التفكير بأي شيء مقلق.
عالم مسحور، وسائل إعلام دولية كبرى تبدأ بقطف اللقاءات مع الرجل الذي يغير الحقب بتغيير ملابسه، ويتغير كي ينجح في الثبات. يدور الرأس قليلاً حين تعبّر الصحفية في إحدى أكبر المحطات التلفزيونية الأمريكية، عن استغرابها كيف قبل هذا الخارج من عمق التاريخ إلى أضواء الحاضر، أن يجري اللقاء مع المحطة، في حين أن السؤال الذي قد يراود المشاهد هو كيف قبلت المحطة الأمريكية إجراء اللقاء معه وهو زعيم منظمة تضعها أمريكا على قائمة الإرهاب وترصد مكافأة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن مكان تواجده. كان هذا قبل أن تلغي أمريكا المكافأة. الوفود العربية والدولية أيضاً تتوافد وكأنها تريد ترتيب أمورها ومصالحها مع رئيس فاز للتو بانتخابات، أو ملك ورث للتو سلطة عن أبيه. والساكن الجديد بدوره يرتدي دور الرئيس وكأنه لا يختاره فقط، بل يُدفع إليه دفعاً.
كل ذلك كان مفاجئاً، ولكن لم يكن مفاجئاً أن سقوط النظام جاء على يد الفصائل الإسلامية، وأن اللون المقبل على سوريا بعد اللون البعثي الأسدي هو لون إسلامي. فعلى مدى العقود الخمسة الأخير من تاريخ سوريا، كانت المعارضة المؤثرة الوحيدة لشكل الحكم العائلي الطغموي الفاسد هي المعارضة الإسلامية. هذه هي المعارضة الوحيدة التي كان لها امتداد جماهيري فعلي، وهي الوحيدة التي كان يمكن القول عنها، بصرف النظر عن أي توصيف آخر، إنها ابنة المجتمع السوري، ولا يمنع من اعتبارها كذلك سوى أنها تقوم على فكر ديني يجعل نسبة كبيرة من السوريين خارجيين بالهوية.
مع ذلك، لم تنطفئ يوماً إرادة الإسلاميين، ولم ينطفئ يقينهم في أحقيتهم بإدارة البلد وفق "الإسلام"، ولم تثنهم أهوال الطريق عن ذلك. والحق إن المعارضة الإسلامية، كانت الأكثر تنظيماً وإرادة ومثابرة، من بين كل المعارضات السورية في نصف القرن الأخير. المعارضات الأخرى كانت تنويعات "يسارية" في الغالب، وكانت هامشية، ولعل الدليل الأبرز على هامشيتها هو أن تعريفها السياسي لدى المتابعين يكاد يقتصر على مدى اقترابها أو ابتعادها عن القطبين الرئيسيين (النظام الحاكم والمعارضة الإسلامية) على مدى الصراع الدائم بين هذين القطبين، الذي وسم تاريخ سوريا في هذه العقود الخمسة.
كل هذا يجعل سورية على موعد مع صراعات جديدة، يكون فيها الإسلاميون، بفئويتهم وانغلاقهم عن العصر، في موقع أقرب إلى الحكم، الأمر الذي يتطلب تنظيم مقاومة مدنية وسياسية لإنتاج توازن قوى سيكون في مصلحة الجميع.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا
- درس علوي في سورية يجدر تأمله
- مخاطر الانتقال إلى سوريا جديدة
- عن مظاهرات السوريين العلويين
- هل انتصرت الثورة في سوريا؟
- الموالون وتلاشي نظام الأسد
- عن سورية والتطورات الأخيرة
- نزوع الضحية إلى السيطرة
- انتصارات إسرائيل الخاسرة
- عن اللوثة الطائفية في سوريا
- التكيّف مع الاحتلال
- تحول حزب الله من المقاومة إلى الردع
- نحن والاحتجاجات في إسرائيل
- عن انقسام عقيم يلازم السوريين
- أفكار في النقاش السوري العام
- سأبقى أذكر ذلك المساء المختلف في السجن


المزيد.....




- ترامب يوضح ما يريده من بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا
- ترامب: قد أزور السعودية و قطر والإمارات ودولا أخرى الشهر الم ...
- عسكريون أوكرانيون يعترفون بتفضيلهم الأسر في روسيا على الخدمة ...
- السلطات السورية تعلن مقتل عنصرين وإصابة آخرين من -فلول النظا ...
- وزير الخارجية الصيني: مواقف أطراف الصراع الأوكراني لا تزال م ...
- ستارمر يعلن الاستعداد لعقد اجتماع بين قيادات بريطانيا وفرنسا ...
- بن زايد يتفق مع تبون على لقاء يجمعهما في -أقرب الآجال-
- وزير الدفاع الإسرائيلي يبحث تداعيات -خرق- مصر للاتفاق العسكر ...
- خطط إسرائيل الخفيّة في السويداء
- زلزال ميانمار يخلف دمارا واسعا وخسائر بشرية


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية