أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - ما بعد سايكس بيكو: تحرير الأمة من سجون الجغرافيا والتاريخ














المزيد.....

ما بعد سايكس بيكو: تحرير الأمة من سجون الجغرافيا والتاريخ


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 09:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن الحدود التي رُسمت في قلب العالم العربي والإسلامي مجرد فواصل جغرافية، بل كانت قيدًا محكمًا فرضه الاستعمار لإجهاض أي مشروع نهضوي جامع. لم يكن الهدف من تقسيم الأرض فصل المساحات فحسب، بل كان الغاية الأبعد منه تقسيم الوعي، وتفكيك الروابط العميقة التي تربط شعوب الأمة بتاريخها المشترك ومصيرها الواحد. وهكذا، باتت الأمة الممزقة كيانًا تائهًا بين أوطان مستلبة الإرادة، وأنظمة وظيفية تحرس حدود التجزئة بدلًا من أن تعمل على تجاوزها.

أولًا: الجغرافيا المصطنعة ومشروع الهيمنة

لقد كان تشكيل الدول القُطرية في العالم العربي والإسلامي جزءًا من مخطط استعماري محكم، يهدف إلى زرع كيانات منفصلة لا تملك مقومات الاكتفاء الذاتي، ولا تستطيع الاستقلال بقرارها السياسي أو الاقتصادي. لم يُرسم خط حدودي إلا بعد دراسة عميقة لأبعاده على مستوى التفكيك الجيوسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث تظل هذه الدول في حالة من العجز عن بناء قوة استراتيجية موحدة. وقد تحقق هذا التفكيك عبر عدة آليات:

1. التقسيم العرقي والطائفي والمذهبي: بحيث تم ترسيم حدود الدول بطريقة تضمن خلق أقليات داخل كل كيان، مما يؤدي إلى صراعات دائمة تمنع الاستقرار الداخلي وتجهض أي محاولة للوحدة.

2. التحكم في الموارد الطبيعية: عبر توزيع الثروات بشكل غير متكافئ بين الدول، مما يجعل بعضها يعتمد على القوى الاستعمارية لضمان بقائها، ويجعل البعض الآخر محاصرًا اقتصاديًا.

3. إقامة أنظمة وظيفية لحراسة التجزئة: حيث تم دعم حكومات تدين بالولاء للقوى الكبرى، وتستمد شرعيتها من بقائها في حالة تبعية دائمة.

لكن الأخطر من هذا كله، أن هذه التجزئة الجغرافية لم تقتصر على كونها واقعًا سياسيًا، بل تحولت إلى عقيدة راسخة في أذهان الأفراد، حتى بات من الصعب تصور الأمة خارج الإطار القُطري الضيق الذي تم فرضه قسرًا.

ثانيًا: التشتيت التاريخي كأداة للهيمنة

كما تم تمزيق الأرض، كذلك تم تشتيت التاريخ، بحيث بات كل قطر ينظر إلى ماضيه وكأنه منفصل عن ماضي الأمة بأسرها. لم يعد العربي يرى في صلاح الدين رمزًا لنهضة إسلامية ممتدة، بل بات ينظر إليه كقائد محلي ارتبط بزمانه ومكانه فقط. لم يعد المسلم يرى في مقاومة الاستعمار الفرنسي في الجزائر أو البريطاني في مصر أو الإيطالي في ليبيا جزءًا من معركة واحدة ضد الهيمنة الغربية، بل تحولت هذه الأحداث إلى تواريخ محلية لا تمت لبعضها بصلة.

لقد عملت القوى الاستعمارية على طمس الذاكرة الجماعية، وتحويل الصراع من كونه صراعًا حضاريًا بين مشروع الهيمنة الغربية ومشروع النهضة العربية والإسلامية، إلى مجرد تنافس بين دول منفصلة لا يجمعها رابط حقيقي. ومن هنا، أصبحت كل محاولة للتقارب بين الأقطار تُصوَّر على أنها تهديد للأمن القومي لهذا البلد أو ذاك، وأصبح الحديث عن وحدة الأمة يُعامل وكأنه خطاب مثالي لا يمكن تحقيقه.

ثالثًا: استعادة السيادة الحضارية كشرط للتحرر الحقيقي

إن السيادة الحقيقية لا تتحقق بمجرد الاستقلال السياسي الشكلي، بل تتحقق عندما تمتلك الأمة قرارها بعيدًا عن أي إملاءات خارجية. وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر تجاوز المفهوم الضيق للسيادة القُطرية إلى مفهوم أوسع للسيادة الحضارية، حيث يكون للأمة مشروعها الموحد، ورؤيتها الاستراتيجية التي تتجاوز حدود التجزئة.

لكن هذا المشروع لا يمكن أن يتحقق إلا عبر أدوات محددة، منها:

1. إعادة بناء الهوية المشتركة: عبر منظومة تعليمية وإعلامية تزرع في الأجيال القادمة وعيًا بوحدة الأمة، بحيث تصبح فكرة التجزئة حالة شاذة لا يقبلها العقل الجمعي.

2. تفكيك التبعية الاقتصادية: من خلال بناء منظومات اقتصادية متكاملة بين الدول العربية والإسلامية، بحيث يتم تقليل الاعتماد على القوى الاستعمارية، ويُعاد توزيع الموارد بشكل عادل يخدم الجميع.

3. إحياء المشروع السياسي النهضوي: عبر خلق تيارات فكرية وسياسية تؤمن بأن الأمة لا يمكن أن تنهض إلا بوحدتها، وتعمل على تجاوز الأنظمة التي تستمد شرعيتها من بقائها في خدمة القوى الخارجية.

4. تحرير التاريخ من التشويه: من خلال تقديم قراءة جديدة للتاريخ العربي والإسلامي، تُظهره كسلسلة متصلة من النضالات والمقاومة ضد مشاريع الهيمنة، وليس مجرد أحداث متفرقة بلا سياق.

رابعًا: المواطن الحر والوطن السيد

إن تحرير الجغرافيا والتاريخ ليس مجرد عملية فكرية أو سياسية، بل هو في جوهره عملية تحرر إنسانية. ذلك أن المواطن الذي يدرك أنه ليس مجرد فرد في دولة قُطرية صغيرة، بل هو جزء من أمة عظيمة تمتد جذورها عبر القرون، لا يمكن أن يقبل أن يعيش في ظل أنظمة وظيفية أو محميات سياسية مرهونة بقرارات الخارج. إن الحرية الفردية لا يمكن أن تتحقق في وطن مستلب الإرادة، كما أن سيادة الوطن لا تكون حقيقية إلا حين تكون سيادة الأمة بأكملها.

إن استعادة الوعي بوحدة الأمة ليست ترفًا فكريًا، بل هي معركة مصيرية تحدد مستقبل العالم العربي والإسلامي. فإما أن نبقى أسرى للتجزئة التي فُرضت علينا، وإما أن ندرك أن حدودنا الحقيقية ليست تلك التي رسمها المستعمر، بل هي حدود الحضارة التي ننتمي إليها، والتي لا تعرف القيود المصطنعة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل الديمقراطية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب الثانية: بين ...
- صناعة المعرفة في العالم العربي: بين تحديات الحاضر وآفاق المس ...
- جدلية الدين والعلم والسياسة: صراع القوى أم تكامل المسارات؟
- الفلسفة المشائية: من أرسطو إلى ابن رشد - مسار العقل والاستدل ...
- من الاستبداد إلى الإبداع: تحديات الانتقال من الدولة الديكتات ...
- تقديس الوطن: توظيف الخطاب الديني في هندسة الهوية القومية وصن ...
- فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود
- جوديث بتلر وتفكيك وهم الهوية: الجندر بين الأداء والسلطة
- الطاو تي تشينغ: حكمة الوجود الخفي ومسار الطبيعة الذي لا يُقا ...
- جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العد ...
- العدل الإلهي بين التنزيه والمسؤولية: قراءة معتزلية في قوله ت ...
- الدين بين العقل والنقد: رحلة الفلسفة الأوروبية من التفكيك إل ...
- فلسفة اللذة بين العقل والرغبة: جدلية السعادة والمعاناة في ال ...
- حدود العلم وأفق الوعي: فيزياء الكون بين الإدراك والواقع
- الوعي في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: جدلية الإدراك ...
- حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروت ...
- مابعد الحداثة: تفكيك اليقين وإعادة تشكيل الفكر في عالم بلا ث ...
- الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العق ...
- التعلق المرضي: كيف نكسر قيود الاعتماد العاطفي ونستعيد ذواتنا ...
- إعادة تشكيل الإنسان في العالم الرقمي: مقاربات أنثربولوجية مع ...


المزيد.....




- الرئيسان الفرنسي والجزائري يؤكدان عودة العلاقات بين البلدين ...
- اختلاف -اتجاه القبلة- خلال صلاة العيد في مصر.. متى ظهرت الصو ...
- الرئاسة الجزائرية: تبون وماكرون يبحثان -التوترات- بين البلدي ...
- إسرائيل تطالب مصر بتفكيك البنية العسكرية في سيناء 
- أين تختزن 46 ألف ساعة من الذاكرة الـسورية؟
- ماكرون وتبون بحثا في إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد أشهر  ...
- لحظات تاريخية.. هل نشهد موت التحالف بين أوروبا وأميركا؟
- تشييع جثامين 14 شهيدا من الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسط ...
- مصريون ناجون يكشفون أهوال معتقلات الدعم السريع
- غزيون يتحسرون لعجزهم عن إدخال فرحة العيد على قلوب أطفالهم


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - ما بعد سايكس بيكو: تحرير الأمة من سجون الجغرافيا والتاريخ