عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
(Aqeel Al Fatlawy)
الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 02:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة، تُعتبر الاستقالة مسؤولية أخلاقية وسياسية عندما يفشل المسؤول في أداء مهامه، خاصة إذا تعلق الأمر بفضيحة أو إخفاق كبير. لكن في العراق، يبدو أن هذه الثقافة غائبة تمامًا، كما عكسه موقف رئيس وأعضاء الاتحاد العراقي لكرة القدم بعد الهزيمة المذلة للمنتخب الوطني أمام فلسطين في التصفيات المؤهلة لكأس العالم.
الهزيمة التي كشفت المستور.
خسر العراق أمام فلسطين بنتيجة 1-2 في مباراة حاسمة ضمن تصفيات كأس العالم، وهي نتيجة لم تكن متوقعة بالنسبة لفريق يفترض أنه الأقوى في المجموعة. لكن الصدمة لم تكن في الخسارة نفسها، بل في رد فعل المسؤولين عن الكرة العراقية، الذين تمسكوا بمناصبهم رغم العار الرياضي والإداري الذي لحق بالمنتخب.
الاتحاد العراقي لكرة القدم، برئاسة عدنان درجال، لم يقدم أي اعتذار رسمي، ولم تكن هناك أي استقالات، بل تم تبرير الهزيمة بأعذار واهية، مثل التحكيم أو الحظ السيئ، بينما تجاهل الجميع الأسباب الحقيقية، مثل سوء الإعداد وعدم وجود خطة واضحة وضعف الأداء.
ثقافة التمسك بالكرسي .
غياب ثقافة الاستقالة في العراق ليس ظاهرة جديدة، بل هي نتاج لسياسة المحاصصة والفساد الإداري التي تعتمد على الولاءات السياسية والطائفية بدلًا عن الكفاءة. فالمسؤول العراقي يعتبر المنصب (مكسبًا شخصيًا ) وليس أمانة، وبالتالي فإن الفشل لا يعني تحمل المسؤولية، بل البحث عن تبريرات للبقاء.
في دول أخرى، أي إخفاق كبير في مجال الرياضة يؤدي إلى استقالات فورية. على سبيل المثال، في البرازيل، بعد الهزيمة التاريخية 1-7 أمام ألمانيا في كأس العالم 2014، قدم المدير الفني والعديد من المسؤولين استقالاتهم. أما في العراق، فإن رئيس الاتحاد وأعضاءه لا يزالون في مناصبهم، وكأن شيئًا لم يحدث!
الانعكاسات السلبية .
استمرار الفاشلين في مناصبهم يؤدي إلى تفاقم الأزمات، فغياب المحاسبة يشجع على المزيد من الإهمال والفساد. في حالة الكرة العراقية، فإن عدم استقالة المسؤولين بعد هذه الهزيمة يعني أنهم غير معنيين بالإصلاح، مما يهدد مستقبل الرياضة في البلاد.
الأمر لا يقتصر على الرياضة، بل هو انعكاس لثقافة عامة في الإدارة العراقية، حيث الفساد والإفلات من العقاب هما السائدان. حتى في المؤسسات الأخرى، نادرًا ما نرى مسؤولًا يقدم استقالته بسبب إخفاقه، بل يتم تغييره بقرار سياسي إذا أصبح وجوده عبئًا على الجهة الداعمة له.
وختاماً : هل من أمل؟
التغيير يبدأ عندما تترسخ ثقافة المساءلة والمحاسبة في المجتمع. على الإعلام والرأي العام الضغط على المسؤولين الفاشلين، وعدم قبول الأعذار الواهية. كما أن على الحكومة والبرلمان تفعيل آليات الرقابة التي تجبر المسؤولين على تحمل تبعات إخفاقاتهم.
الكرة العراقية، مثل غيرها من المجالات، تحتاج إلى إدارة كفؤة تؤمن بأن المنصب مسؤولية وليس امتيازًا. لكن طالما ظلت ثقافة (التمسك بالكرسي )، هي السائدة، فستبقى الإخفاقات تتكرر دون أي حلول جذرية.
#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)
Aqeel_Al_Fatlawy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟