أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - العيد جانا والمعتقلين مش معانا














المزيد.....

العيد جانا والمعتقلين مش معانا


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحلّ العيد مرة أخرى، يطرق الأبواب، يزيّن الشوارع، يملأ البيوت بضحكات الأطفال وموائد الطعام. لكنه يأتي ناقصًا، مثقوبًا، ناقضًا لمعناه في قلوب آلاف الأسر التي يغيب عنها أحبّاؤها خلف القضبان، حيث تتحول التهاني إلى أنين، والفرحة إلى انتظار بلا نهاية، واللقاء إلى ذكريات باهتة محبوسة بين جدران الزنازين.

في سجون مصر، هناك آلاف المعتقلين السياسيين، شباب في مقتبل العمر، آباء كانوا عماد أسرهم، أمهات يُحرم أطفالهن من دفء أحضانهن، صحفيون، مفكرون، طلاب، عمال، وحتى أطفال لم ترحمهم آلة القمع. في العيد، يُفتقد هؤلاء ليس فقط من قبل أهاليهم، بل من وطن صار أكثر جفافًا من أن يحتمل الفقد.

تخيل أن تمضي العيد في زنزانة ضيقة، بلا نوافذ، بلا هواء، بلا عناق أم أو قبلة طفل. هناك، حيث الشمس لا تشرق، والحياة محصورة بين أربعة جدران وجسد منهك من التعذيب والإهمال الطبي، وبينما يتزاور الناس في الخارج ويتبادلون التهاني، يكون العيد داخل السجن مجرد يوم آخر من العذاب والحرمان. الزيارات نادرة، وإن حدثت، فهي بالكاد تكفي لنظرة خاطفة بين حواجز زجاجية باردة، وكلمات مختنقة لا يُسمح لها أن تصل كاملة.

في الزنازين، المرض ليس استثناءً، بل قاعدة. هناك من يموت ببطء، ليس فقط بسبب المرض، ولكن بسبب تعمد السلطات تركهم للموت. هناك من يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة ولا يحصل حتى على قرص مسكن، هناك من يفقد بصره بسبب الإهمال، وهناك من يصاب بأمراض مزمنة بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية. بعضهم يدخل السجن صحيح الجسد، يخرج منه شبحًا أو لا يخرج أبدًا.

هل تتخيل عيدًا بلا صلاة جماعة، بلا تكبيرات تهز أركان المسجد، بلا لمّة عائلية حول سفرة ممتدة؟ في السجون، يُحرم المعتقلون حتى من أداء صلاة العيد كما ينبغي، ويُمنع بعضهم من التهليل والتكبير، لأن أصواتهم تُعتبر خطرًا. يمرّ العيد كأنه لم يأتِ، كأنه محظور من دخول الزنازين، تمامًا كما حُظر عنهم العدل والحرية.

لا تنتهي المعاناة هنا، بل تمتد إلى أهالي المعتقلين، الذين يضطرون لقضاء العيد على أبواب السجون، ينتظرون لحظة لقاء قد لا تأتي، أو خبرًا قد يُحطم قلوبهم. كثير من الأمهات تقضي يوم العيد في البكاء، كثير من الأطفال ينتظرون آباءهم بعيون ممتلئة بالأمل الزائف، وكثير من النساء صرن أمهات وآباء في آنٍ واحد، يحملن عبء الأسرة وحدهن بينما أزواجهن يقضون العيد في الزنازين.

ورغم كل هذا، يصرّ النظام على الاحتفال بالعيد وكأن شيئًا لم يكن، يطلق الأغاني، يبث مشاهد البهجة الزائفة على الشاشات، يتحدث عن الأمن والاستقرار، بينما خلف كل هذا هناك أناس يُسحقون ببطء تحت وطأة القمع. العيد الحقيقي لن يكون بوجود الموالد والاحتفالات الزائفة، بل بخروج هؤلاء المعتقلين، بعودتهم إلى أحضان أهاليهم، بوقف آلة الظلم التي لا تفرّق بين بريء ومذنب، ولا تعرف إلا القهر.

العيد جانا، لكن المعتقلين مش معانا، والفرحة تبقى منقوصة حتى ينكسر القيد، وحتى نرى مصر يومًا بلا سجون تُعج بالأبرياء، وبلا أم تبكي ابنها خلف الأسوار، وبلا عيد يمر على البعض كأنه يوم عذاب جديد.



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
- نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي
- -2024: عام القمع والإخفاء القسري في مصر-
- رسالة الي الوالي..
- ثورة يناير: الحلم الذي لن يموت
- خطر الجولاني على سوريا: هل ينتظر السوريون نفس مصير المصريين ...
- القصور الفاخرة مقابل العيش الكريم.. كيف يرسخ النظام فجوة الط ...
- -حين ينكر الواقع نفسه: عن الدم والمال... والأيدي البيضاء-


المزيد.....




- أصحاب الشعر الطويل بين جبال الإكوادور .. ما سبب هوس هذه المص ...
- هل تقبل مصر تهجير الفلسطينيين؟
- ريبورتاج: وحدات الدفاع الجوية الأوكرانية تواجه مخاوف من تراج ...
- لوموند: لماذا لا تنتهي الأزمة بين فرنسا والجزائر ؟ ما أثر ال ...
- قصف إسرائيلي يستهدف مناطق مختلفة في غزة ويتسبب بمقتل وإصابة ...
- كيف يجعلنا السعي وراء السعادة أكثر بؤسا؟
- -لن تأخذوها-... رئيس وزراء غرينلاند يرد على آخر تهديد لترامب ...
- نتانياهو يعين قائداً سابقاً للبحرية رئيساً جديداً لجهاز الأم ...
- أضرار تناول الحلويات ليلا
- بزشكيان: الصورة الخاطئة التي رسمت عن إيران في العالم ليست صح ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - العيد جانا والمعتقلين مش معانا