آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في 6 أكتوبر 1973 تمكن الجيش الثالث المصري من تحطيم خط بارليف و عبور قناة السويس , إلا إن الجيش الإسرائيلي تمكن بمساعدة عسكرية فورية من أمريكا من محاصرة الجيش المصري الذي عبر القناة , عندها سارع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بالاتصال بأركان النظام الدولي لغرض وقف اطلاق نار فوري على جبهات القتال , و فعلا صدر قرار من مجلس الأمن الدولي في 22 أكتوبر 1973 تحت رقم 338 يقضي بوقف لإطلاق النار , تم تقديم هذا القرار الى مجلس الأمن الدولي بشكل مشترك من قبل الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية لذلك صدر القرار دون أي تأخير لتوفر التوافق عليه من قبل هاتين القوتين العظميتين , فوافقت مصر على قرار وقف اطلاق النار فورا أما سوريا فقد وافقت عليه بعد يومين من صدوره .
من أجل فك الاشتباك و تحديد خطوط وقف إطلاق النار بين الجيش المصري و الجيش الإسرائيلي تقرر إقامة خيمة في الكيلو 101 لتكون محل لعقد اجتماع يجمع بين عسكريين مصريين و إسرائيليين و بأشراف الأمم المتحدة لتنفيذ هذه الأمور , إلا أن هذا اللقاء بين مسؤولين مصريين و إسرائيليين في هذه الخيمة صار بداية البداية في تحريك مسيرة السلام و التطبيع بين العرب و إسرائيل .
كانت هنالك عدة محطات في المسيرة السلمية لحل النزاع بين العرب و إسرائيل , هذا الصراع الذي تحول من صراع فلسطيني إسرائيلي الى صراع عربي إسرائيلي , لقد امتازت جميع هذه المحطات بمسألة أساسية واحدة و هي تحويل مسار الصراع بين العرب و إسرائيل من مسار واحد الى عدة مسارات فرعية مستقلة غير مرتبطة مع بعض , كل مسار من هذه المسارات الفرعية ارتبط بإحدى دول المواجهة مع إسرائيل , مصر و سوريا و الأردن , بالإضافة الى المسار الإسرائيلي الفلسطيني .
إن الحجة التي طرحها الرئيس المصري انور السادات في ضرورة فصل المسارات الفرعية هي كي لا يتأخر التوصل الى حل في أحد المسارات بسبب مشاكل في اي مسار أخر , في البداية تم رفض هذه الحجة التي طرحها الرئيس السادات من قبل بعض الدول المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي لكن في النهاية تم قبولها من قبل الرافضين لها .
تشكلت عدة محطات رئيسية في المسار السلمي لحل الصراع العربي الإسرائيلي عبر مساراته الفرعية , حيث كانت أهم هذه المحطات :
المحطة الأولى : اتفاقية كامب ديفيد
هذه الاتفاقية هي أولى الاتفاقيات بين العرب و إسرائيل , لقد تمكنت مصر بقيادة رئيسها أنور السادات من تحقيق مكاسب مهمة , ليس فقط استعادة سيناء من المحتل الإسرائيلي و الحصول على مساعدات مالية من أمريكا بل ايضا مهدت هذه الاتفاقية لاستعادة مدينة طابة التي هي ضمن حدود مصر وفق مرتسمات 1923 التي كانت مودعة في ارشيف عصبة الأمم المنحلة و التي انتقلت الى ارشيف هيئة الأمم المتحدة .
لقد تم توجيه انتقادات و إدانات عنيفة للرئيس الراحل محمد أنور السادات من قبل عدد من الأنظمة العربية بالإضافة الى انطلاق احتجاجات جماهيرية واسعة في مدن عربية عديدة تندد بما اسموه خيانة السادات لقضية الأمة العربية , لقد اعتبرت هذه الجماهير استعادة سيناء الى السيادة المصرية خيانة للقضية العربية , في حين لم تعتبر هذه الجماهير زعماء هزيمة حرب الأيام الستة في حزيران 1967 أمام إسرائيل الذين أضاعوا سيناء و هضبة الجولان و الضفة الغربية و القدس خونة , ما هذا المنطق , من يسترجع الأرض خائن و من يخسرها اعتبروه بطلا قوميا ...!
المحطة الثانية : اتفاقية أوسلو
في سبتمبر 1993 توصلت منظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها الزعيم الراحل ياسر عرفات و إسرائيل الى اتفاقية تاريخية بينهما , إلا ان تنفيذ هذه الاتفاقية لم يكتمل بل تم عرقلتها من قبل الجانب الإسرائيلي , فضمن بنود هذه الاتفاقية يفترض تخلى إسرائيل عن اراضي في الضفة الغربية لصالح السلطة الفلسطينية و هذا أمر وقف ضده الجناح الديني المتشدد في الحركة الصهيونية , هذا الجناح يعتبر الضفة الغربية هي أرض يهودا و السامرة التي لا يجوز إطلاقا التخلي عنها , لقد كان هذا الرفض مؤشرا واضحا على التناقض بين مواقف الصهيونية الدينية و الصهيونية السياسية .
المحطة الثالثة : معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية
اطلق على هذه الاتفاقية " اتفاقية وادي عربة " لأن التوقيع عليها تم في الحدود الفاصلة بين الأردن و إسرائيل المارة عبر وادي عربة .
لقد مهدت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل التي تمت برعاية و إشراف أمريكي الطريق لمحطات أخرى في طريق حل الصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية حيث كانت هذه المعاهدة أو اتفاقية وادي عربة التي وقعت بين الأردن و إسرائيل في اكتوبر 1994 هي احدى هذه المحطات , بموجب هذه المعاهدة تم تثبيت الحدود بين إسرائيل و الأردن وفق مرتسمات 1923 بالإضافة الى إنهاء حالة الحرب و إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية بينهما .
المحطة الرابعة التي لم تكتمل : المفاوضات في المسار السوري الإسرائيلي
كان ممكن ان يشكل هذا المسار محطة رابعة مهمة جدا في طريق حل الصراع العربي الإسرائيلي سلميا , إلا أن الرئيس السوري حافظ الأسد تسبب في ضياع فرصة تاريخية ثمينة لاستعادة هضبة الجولان من المحتل الإسرائيلي .
حين كان اسحق رابين رئيسا لوزراء إسرائيل كانت مفاوضات السلام بين سوريا و إسرائيل في زمن الرئيس السوري حافظ الأسد تجري بشكل جيد , حتى وصلت التوافقات بين سوريا و اسرائيل الى مراحل متقدمة و مهمة جدا حيث وافقت اسرائيل على انسحابها الكامل من هضبة الجولان باعتبارها اراضي سورية احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 و الرجوع الى الحدود الدولية حسب مرتسمات سنة 1923 على ان تبقى هضبة الجولان منطقة منزوعة السلاح بشكل كبير باستثناء وحدات عسكرية سورية محدودة و شرطه سورية لحفظ النظام و الحدود من أي خروقات مع بقاء قوات مراقبة من طرف ثالث ( قوات امريكية ) لضمان التزام الطرفين بمعاهدة سلام توقع بين البلدين برعاية امريكية و مباركة اممية .
وافق الجانب السوري على معظم ما وافقت عليه اسرائيل لكنه طالب بالانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها اسرائيل من سوريا في حرب حزيران 1967 .
الفرق بين ما وافقت عليه اسرائيل و ما طالبت به سوريا هو شريط حدودي يطل على بحيرة طبرية , إلا إن مرتسمات 1923 هي الحدود السياسية لدولة سوريا المعترف به دوليا و التي جعلت من هذا الشريط الحدودي المختلف عليه ا رضا فلسطينية حيث كانت سوريا تحتله قبل حرب 1967 , رفضت اسرائيل الانسحاب من الشريط الحدودي لصالح سوريا لأنه ليس ارضا سورية بل هو جزء من أرض دولة فلسطين حسب مرتسمات 1923 , اهمية هذا الشريط الحدودي بالنسبة لسوريا هو انه يجعلها دولة مطلة على بحيرة طبرية و لها حقوق كبيرة في مياه هذه البحيرة .
لقد توقفت المفاوضات بين سوريا و إسرائيل عند هذا الحد و ما اتفق عليه تم توثيقه تحت اسم " وديعة رابين " حيث تنص هذه الوثيقة على تعهد قدمه رئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين في حزيران 1994 الى وزير خارجية امريكا تتضمن موافقة إسرائيل على الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها في حرب حزيران 1967 باستثناء الشريط الحدودي المختلف عليه لكونه ليس ارضا سورية على أن يكون مقابل هذا الانسحاب علاقات ثنائية طبيعية و دبلوماسية كاملة بين سوريا و إسرائيل مع ضمانات امنية لإسرائيل .
باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين توقفت المفاوضات يشكل نهائي عند ذلك الحد و تم تسمية ما تم التوصل اليه مع حكومة رابين ب ( وديعة رابين ) .
لو ان الرئيس حافظ الأسد قد وافق على ما حصل عليه في تلك المفاوضات و لو انه اكملها بتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل تشبه معاهدة كامب ديفيد بين مصر و اسرائيل لكانت هضبة الجولان الأن ارض ضمن السيادة السورية و لما جرى لسوريا ما جرى لها من دمار و خراب منذ ذلك التاريخ و ليومنا هذا .
لازال الصراع العربي الإسرائيلي يراوح بين المسار السلمي و المواجهة العسكرية , و لازال الشعب الفلسطيني يدفع ثمن هذا الصراع موت و تهجير و جوع و أصبح أمله في الحصول على دويلة فلسطينية حتى لو كانت صغيرة أملا ضعيفا ...!
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟