سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 13:42
المحور:
الادب والفن
هاملت، أو مأساة هاملت، أمير الدنمارك، هي مسرحية درامية طويلة حول فكرة الانتقام والحب والخيانة والإغتيال السياسي كخلفية للأحداث التي تدور في قلعة الملك هاملت Hamlet، وهي أطول مسرحية لشكسبير، وتعتبر من بين أكثر الأعمال الأدبية قوة وتأثيراً في العالم، كتبها بين عامي 1599 و 1602. تقع أحداثها في الدنمارك في قلعة آلسينور Elsinore الملكية. كان كلوديوس Claudius قد قتل أخاه الملك هاملت واستولى على العرش، كما تزوج من أرملة أخيه الملكة جيرترود Gertrude أم الأمير، والذي إسمه هاملت أيضا كوالده. غير أن الموضوع الحقيقي هو عذاب هاملت وشكوكه وعدم قدرته على إتخاذ قرار حاسم لتحقيق هدفه الإنتقامي. تبدأ المسرحية بظهور شبح أو طيف الملك الميت والذي يخبر إبنه هاملت أنه قُتل مسموما على يد شقيقه كلوديوس وليس بلذغة أفعى كما أدعى. يدفع هذا الخبر هاملت المكلوم أصلًا إلى حافة الانهيار. وكل أحداث المسرحية تدور حول هذا التردد الذي ينخر هاملت وهذا التناقض الحاد بين ما يدور في داخله من أفكار وأحلام ورؤى وبين ضرورة الفعل الحقيقيى المادي.
ونحن في حقيقة الأمر لا نعلم كيفية موت الملك إلا من طيف أو شبح الملك والذي قد يكون مجرد حلم لهاملت. ويفقد هاملت هذا التوازن ويقترب بدوره من الجنون كما حدث لأوفيليا التي كان ينوي الزواج منها والتي أنتهت في أعماق النهر وهي تغني وتتأمل باقة من الأزهار. ولكي يتأكد هاملت من شكوكه، أقام حفلا بمناسبة زواج عمه من أمه وتتويجه كملك على الدنمارك وعرض في هذا الحفل مسرحية تشير إلى الخيانة التي عرفها بواسطة طيف أبيه، وأثناء العرض ظهر على عمه التوتر وتغيرت ملامحه، ثم ترك الحفل، ومن هنا تأكد هاملت من خيانة عمه كلوديوس وقرر الانتقام منه.
يصبح سلوك هاملت متقلبًا ومحمومًا ويشغل عقله بقتل عمه. غير أنه في أثناء هذه المحاولة، يقتل هاملت عن طريق الخطأ بولونيوس Polonius، كبير مستشاري الملك، حيث سمع صوتا خلف الستارة في غرفة أمه، فاستل سيفه وقتل الشخص المختبيء‘ فإذا هو بولونيوس والد أوفيليا، حبيبة هاملت والضحية الحقيقية في هذه المأساة. بعد جريمة القتل، يُنفى هاملت إلى إنجلترا ليكتشف أن كلوديوس يخطط لقتله هو الآخر. أصبحت أوفيليا الآن مدمرة تماما بعد إغتيال والدها وتآمر شقيقها لائرتس مع كلوديوس لإغتيال حبيبها هاملت الذي يدعي الخبل، وتنحدر بدورها إلى هاوية الجنون.
في الفصل الرابع، بعد وفاة بولونيوس، تصاب ابنته أوفيليا بالجنون، بعد أن رفضها حبيبها هاملت والذي بدأ يشك في كل النساء بعد أن دخلت في ذهنه فكرة خيانة والدته لأنها تزوجت من عمه رغم عدم وجود دلائل على علمها بأنه قاتل زوجها. فقدت أوفيليا عقلها، وتُركت وحيدة تتجول في أروقة قلعة ألسينور حيث تدور الأحداث. وبينما ترقص في أروقة القلعة الباردة وهي تغني أغاني تتراوح بين الطفولية والفحش والكأبة والحزن، تُوزع "زهورًا" غير مرئية على من تلتقي بهم. لكن أوفيليا تقول إنها لم تعد تمتلك زهور البنفسج - فقد ذبلت جميعها عندما توفي والدها. ترمز زهور أوفيليا، إذن، إلى شخصيتها ورغباتها متعددة الأوجه، والتي جُردت وسحقت وأفسدتها توقعات المجتمع. ترتبط زهور أوفيليا الخيالية بالتمثيل الموضوعي لقضايا المرأة طوال المسرحية: كان على أوفيليا أن تتغير كثيرًا للبقاء على قيد الحياة في عالم الرجال لدرجة أنها دفعت نفسها إلى الجنون ثم الإنتحار. أوفيليا، حبيبة هاملت، الفتاة الرقيقة التي لا يبارك أبوها علاقتها بهاملت، تتأذى كثيراً من هاملت بعد ادعائه الجنون وأنه لا يعرفها وذلك في محاولته لكشف حقيقة مقتل والدهِ، وذلك حتى يخفي نواياه بالانتقام. من اللافت للنظر أنه في وقت لاحق من المسرحية، وبعد انتحارها غرقًا، عُثر على جثتها مغطاة بـ"أكاليل زهور رائعة". في لحظاتها الأخيرة، اختارت أوفيليا أن تُحيط نفسها برموز لكل ما كانت عليه وكل ما كان بإمكانها أن تكونه، لو لم يتقلص العالم من حولها ويذبلها حتى لم يبقَ منها سوى صورة رومانسية نقلتها جيرترود شفهيا.
وينجح هاملت في نهاية الأمر في الإنتقام من قاتل والده بعد تصفية العائلة كلها في سلسلة تراجيدية من الأحداث، ويصاب هو نفسه بجرح قاتل من سيف مسموم. تموت جرترود، جزاء على علاقتها الآثمة بعد أن شربت بالخطأ نبيذاً مسموماً وضع أساسا ليشربه هاملت أثناء المبارزة، ثم قام هاملت بقتل عمه فقطع ذراعيه وأرغمه عللا تجرع السم بالقوة. أما هاملت فيجرحه لارتيس أثناء استراحة المبارزة بينهما غدرا، لعلمه مسبقا بأن السيف مسموم بحسب اتفاق كلوديوس مع لارتيس على تصفية هاملت نهائيا.
في المشهد السابع من الفصل الرابع من المسرحية، كان كلوديوس يتآمر مع ليرتس Laertes، شقيق أوفيليا، لقتل هاملت. وقد غادر ليرتس الدنمارك في وقت سابق من المسرحية، لكنه عاد لتوه بعد سماعه خبر وفاة والده بولونيوس. يُلقي باللوم على هاملت ليس فقط في مقتل والده، بل أيضًا في جنون أخته أوفيليا، وهو متلهف للانتقام من هاملت المجنون. يناقش كلوديوس مع ليرتس كيفية تحقيق موت هاملت بشكل قاطع. ووضعوا خطة بسيطة، سيتحدى ليرتس هاملت في مبارزة، بعد وضع السم على سن السيف. حتى لو لم يُصب هاملت، سيُقدم له كلوديوس كأسًا من النبيذ المسموم. وبينما يتآمر الاثنان، تدخل جيرترود الملكة والأم التي تزوجت قاتل زوجها المشهد وتُبلغهم بالخبر المفجع بموت أوفيليا غرقا في النهر.
جيرترود:
حزنٌ يتلوه حزن،
تتلاحق الويلات سراعا، أختك غرقت يا ليرتس.
ليرتس:
غرقت! أوه، أين؟
جيرترود:
هناك شجرة صفصاف تنحني على الغدير
يعكس أوراقها البيضاء في سيله الشفاف
جاءت إلى هناك بأكاليل من زهور رائعة،
من البابنج والقراص والأقحوان والزنبق الأرجواني
التي يُطلق عليها الرعاة السوقيون اسمًا فظا أكثر سوقية
لكن الفتيات المتواضعات يُسمّينها أنامل الموتى.
بينما كانت تتسلق غصنًا لتعلق إكليل زهورها،
على الأغصان المتأرجحة
انكسر منها غصنٌ غيور،
وسقطت مع أكاليلها المزهرة في الجدول الباكي.
أنبسطت ثيابها على الماء،
وحملتها كحورية البحر، أبقتْها طافيةً لبرهة من الزمن،
وغنتْ مقاطع من ألحان قديمة،
كأنها غافلة ولا تعي محنتها،
أو كمخلوقٍ مائي تعوّد على الماء.
وبعد وقت تشبعت ملابسها بالماء
وسحبت بثقلها روحها البائسة من الغناء العذب
إلى الموت الموحل.
بينما يبدو هذا المونولوج بسيطًا ومباشرًا، يُفسر الكثيرون اختيار جيرترود لكلمات هذا الخطاب على أنه يحمل الكثير من المعاني الضمنية ويشير إلى عدة إشكاليات بخصوص موت أوفيليا. عند تناول هذا الخطاب، من المهم التفكير في سبب سرد جيرترود لقصة وفاة أوفيليا بهذه الطريقة الرومانسية. لماذا لم تدخل جيرترود الغرفة ببساطة وتخبر ليرتس بصراحة عن موت أخته؟ لماذا رسمت هذه الصورة الهادئة والجميلة لأوفيليا وهي تغني وتطفو كحورية بحر؟ هل كان المشهد في الواقع شيئًا من حلم أو رؤيا أ؟ هل شهدت جيرترود الحدث أم أنها تنقل الخبر؟
يعتقد البعض أن أوفيليا انتحرت ولم تسقط في النهر بالصدفة وأن جيرترود تحاول تخفيف وطأة الخبر بجعله يبدو مجرد حادث أكثر هدوءًا وجمالًا. والدليل على إنتحارها أنه في بداية الفصل الخامس هناك مشهد مع حفاري القبور الذين يحفرون قبر أوفيليا والذي دار بينهم نقاش حول أحقية دفنها بطريقة مسيحية، حيث يقول الحفار: " أتريد الصدق؟ لو لم تكن هذه السيدة من النبيلات، لما سمح لها بدفنة مسيحية " ويرد عليه الحفار الأخر متهكما: " كلامك صحيح. من المؤسف أن الكبراء والأغنياء في هذه الدنيا لهم الحق في أن يغرقوا أو يشنقوا أنفسهم أكثر من إخوانهم في الدين"
ثم بعد ذلك، أثناء مراسم الدفن، يرد الكاهن على لآرتيس الذي يتدمر من مراسم الدفن البسيطة والسريعة : " لقد توسعنا بجنازتها على قدر ما يُسمح به. كان موتها موضع شك ولولا أن أمر جلالته يطاول سُنة الكنيسة لتحتم دفنها في أرض غير مقدسة إلى أن يُنفخ في الصور. وعوضا عن صلاة الرحمة لوجب أن نهيل عليها الصوان والحجارة والجرار المحطمة. ومع ذلك فها هي قد أُذن لها بأكاليلها العذرية ونثار زهور الصبايا، والمجيء بها لمثواها ودفنها".
وهذا التصوير الدقيق الذي أبدعه شكسبير بكلماته القليلة، والذي نورده هنا بلغته الأصلية، في سنة ١٦٠٢، أوحى إلى فنان إنجليزي آخر في سنة ١٨٥٢، أي بعد ٢٥٠ سنه بعمل فني رائع وهو لوحة "أوفيليا" المعروضة في متحف تيت في لندن Tate Britain in London، والذي ساهم في تحرير أوفيليا من ظل هاملت العملاق وجعلها رمزا فنيا يسكن خيال أجيال وأجيال من فناني وفنانات أوروبا والعالم.
Hamlet, Act 1V, Scene V11
Queen Gertrude:
One woe doth tread upon another’s heel,
So fast they follow: your sister’s drown’d, Laertes.
Laertes: Drowned! O, where?
Queen Gertrude: There is a willow grows askant the brook,
That shows his hoar leaves in the glassy stream.
Therewith fantastic garlands did she make
Of crowflowers, nettles, daisies, and long purples
That liberal shepherds give a grosser name,
But our cold maids do dead-men’s-fingers call them.
There on the pendent boughs her crownet weeds
Clambering to hang, an envious sliver broke,
When down her weedy trophies and herself
Fell in the weeping brook. Her clothes spread wide,
And mermaid-like awhile they bore her up
Which time she chanted snatches of old tunes,
As one incapable of her own distress,
Or like a creature native and indued
Unto that element. But long it could not be
Till that her garments, heavy with their drink,
Pulled the poor wretch from her melodious lay
To muddy death.
Laertes: Alas, then she is drowned?
Queen Gertrude: Drowned, drowned
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟