أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوزجان يشار - الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى قلب الإمبراطورية














المزيد.....

الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى قلب الإمبراطورية


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8295 - 2025 / 3 / 28 - 12:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة: العالم يتغيّر… لكن إلى أين؟

في لحظة فارقة من التحولات الجيوسياسية والثقافية، تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو نمط جديد من الخطاب السياسي، ليس اقتصادياً ولا أيديولوجياً بالمفهوم التقليدي، بل ديني، شعائري، رمزي؛ تتصدره الأيقونات المسيحية المحافظة، ليس فقط في الحملات الانتخابية، بل في الممارسات اليومية للمسؤولين الرسميين. من الرئيس الذي يتسلّم صليباً مقدساً في احتفال علني، إلى وزير الدفاع الذي يرفع ذراعه الموشومة بكلمة “كافر” وعبارة Deus Vult، مرورًا بوزير الخارجية الذي يرسم صليب الرماد على جبهته أثناء مؤتمر رسمي، نكون أمام تحوّل ثقافي خطير تتشابك فيه الشعائر الدينية مع السطوة السياسية.



أولًا: الظاهرة في السياق الأمريكي الداخلي

الولايات المتحدة ليست مجرّد دولة، بل الإمبراطورية الثقافية والسياسية الأكثر تأثيراً في العالم الحديث. وقد بنت مشروعها التاريخي على ما تسميه “الفصل بين الدين والدولة”. لكن ما نراه اليوم ليس مجرد انحراف عابر، بل تحوّل بنيوي في قلب هذه الفكرة. إذ أصبح الدين—وخاصة المسيحية البروتستانتية المحافظة—الركيزة الأخلاقية والسياسية للحركة اليمينية الجديدة، التي تمكّنت من اختراق مؤسسات الحكم بشكل غير مسبوق.

الرموز هنا ليست عفوية. عندما يظهر وزير الدفاع بوشم صليبي فوق كلمة “كافر”، فهو يبعث برسالة عدائية رمزية تستهدف “الآخر”، المختلف، سواء دينيًا أو ثقافيًا. وحين يظهر وزير الخارجية برماد الصليب على جبهته، فإننا أمام أداء شعائري علني يُقحم الدين في صلب القرار السياسي.



ثانيًا: من داخل أمريكا… من أوّل الضحايا؟

الغريب أن هذا التحوّل لا يهدد “العدو الخارجي” فقط، بل يهدد النسيج الأمريكي نفسه. وأوّل من سيُطالهم الضرر هم:
• الأمريكيون من أصول أفريقية، الذين عانوا قرونًا من التهميش، وسيُعاد إدماجهم قسرًا في خطاب ديني يُقصيهم مجددًا.
• الأمريكيون من أصول صينية وآسيوية، الذين يتعرضون لخطاب متصاعد من الكراهية والريبة.
• الليبراليون الأمريكيون، الذين سيجدون أنفسهم مهددين في نظام سياسي يرتهن للرموز الدينية ويقصي حرية المعتقد.
• المسلمون واليهود والملاحدة والبوذيون، كل من لا ينتمي إلى الهوية المسيحية الإنجيلية البيضاء، سيكون عرضة للضغط والاستبعاد.
• وحتى المسيحيون العرب، والمسيحيون الأمريكيون من أصول عربية وشرقية، لن ينجوا من شرارة هذا التطرف، إذ يُعاد تعريف “المسيحية المقبولة” بما يتناسب مع العقيدة البروتستانتية الإنجيلية الحصرية، في تجاهل للغنى التاريخي واللاهوتي للمسيحية المشرقية.



ثالثًا: لماذا ينبغي أن يقلق المثقف العالمي؟

لأن هذا التحوّل لا يخص أمريكا وحدها. فكما صدّرت أمريكا الليبرالية إلى العالم، ستصدّر الآن نسختها الجديدة: أمريكا الإنجيلية العسكرية التي توظف الدين في الصراع السياسي، وتستخدم الرموز الدينية في قرارات الحرب والسيطرة الثقافية.

إننا أمام عودة رمزية للحملات الصليبية، لا عبر السيوف، بل عبر الخطاب السياسي، القوة الناعمة، والإعلام الجماهيري. وستكون الشعوب المستضعفة أول من يدفع ثمن هذا التوجه.



رابعًا: أين يقف المثقف العربي والعالمي؟

المثقف العربي، والليبرالي تحديدًا، انشغل بجلد الذات، وانساق في حرب لا تنتهي ضد رموز الدين المحلية، ظنًا أن مشكلته الكبرى تكمن في دينه وهويته. بينما يغضّ الطرف عن أشكال أكثر تغوّلًا وخطورة من “الدين السياسي” الآتي من الغرب.

أما المثقف العالمي، فكثيرٌ منهم لا يزال مترددًا في توصيف ما يحدث، خوفًا من أن يُتَّهم بالعداء للغرب أو بمعاداة المسيحية، متناسيًا أن الحياد في وجه التطرف، هو انحياز ناعم للاستبداد.



خاتمة: صراع الهويات الحقيقي يبدأ الآن

نحن على أعتاب مرحلة غير مسبوقة في التاريخ السياسي العالمي. حيث تتداخل الرموز الدينية مع أدوات العنف والتشريع، وتُستعاد سرديات الماضي لتُوظف في صراعات الحاضر. ويبدو أن المشروع الإمبراطوري الجديد للغرب ليس مشروعًا علمانيًا كما كان، بل مشروعًا لاهوتيًا إمبرياليًا مقنّعًا.

وهنا، تصبح مسؤولية المثقف، أينما كان، هي تفكيك هذا الخطاب وكشف ازدواجيته، والوقوف ضد تديين السياسة أياً كان مصدره. لا يمكن أن نواجه التطرف الديني الإسلامي، ونتواطأ مع التطرف الديني المسيحي. فالأرض واحدة، والمأساة قادمة إن لم نستفق.



اقتباس ختامي:

“حين يتحوّل الصليب من رمز للغفران إلى شارة على الجبهة، نكون قد دخلنا زمنًا جديدًا… زمنًا يُبشّر لا بالمسيح، بل بالحرب باسمه.”
– أوزجان يشار



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي
- سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع
- “برامج رامز: عبثية المحتوى وهدر المال.. متى ينتهي هذا الإسفا ...
- جماعة “الجمجمة والعظام” والرقم 322: سر النخبة الخفية
- رؤية السعودية الخضراء: خارطة طريق لتشجير المملكة ومستقبل بيئ ...
- قراءة في كتاب “عقل القائد: كيف تقود نفسك وموظفيك ومؤسستك لتح ...
- إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودو ...
- البحرين: رحلة عبر الزمن بين القلاع والأسواق والمعابد والأساط ...
- بيئة العمل المسمومة: كيف تؤثر على نجاح الشركات؟
- البلد: روح مدينة جدة القديمة
- معضلة القنفذ: فلسفة المسافة الآمنة في العلاقات الإنسانية
- الحمار المظلوم وحكمة “موت يا حمار”
- مجتمع النبل والإنسانية: دروس مستوحاة من الذئاب
- الصراع العالمي القادم على الليثيوم: وقود معركة الطاقة المستق ...
- إتقان منهج يونغ: رحلة إلى أعماق النفس البشرية


المزيد.....




- السعودية.. مقيم يعتدي على زوجته فقتلها مع سيدة أخرى ويحاول ا ...
- نتنياهو يعين رئيسا جديدا لجهاز -الشاباك- مع تصاعد الجدل حول ...
- تحذيرات من إعلان توفير -وسائل البقاء- للأوروبيين وسط استفزاز ...
- سيارتو: لا جدوى من مقاضاة كييف في ظل انحياز المحاكم الدولية ...
- ماسك: انتخابات المحكمة العليا في ويسكونسن -قد تقرر مستقبل أم ...
- السيسي يؤدي صلاة العيد في مسجد المشير طنطاوي
- الأنهار الجليدية في أفغانستان كنز يذوب تحت وطأة الاحتباس الح ...
- رسميا.. نتنياهو يعين رئيسا جديدا للشاباك
- لأول مرة.. صلاة العيد في قصر الشعب بدمشق
- تقرير إسرائيلي يكشف عدد صواريخ الحوثيين الباليستية


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوزجان يشار - الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى قلب الإمبراطورية