أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - تحديات جديدة أمام المسرحيين في عالم اليوم: نحو علاقة حيوية مع (Gen-Z)..















المزيد.....

تحديات جديدة أمام المسرحيين في عالم اليوم: نحو علاقة حيوية مع (Gen-Z)..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 19:30
المحور: الادب والفن
    


بمناسبة يوم المسرح العالمي:/
بقلم: حكمت الحاج* (شاعر وكاتب مسرحي من العراق)
يطلّ علينا يوم المسرح العالمي، مناسبةً ثقافية وفنية تحتفي بهذا الفن الأصيل الذي عرفه الإنسان منذ أن بدأت حكايته الأولى. في هذه المناسبة، ونحن نقف على عتبة منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ينبغي لنا أن نطرح بعمق ووعي سؤالاً مفصلياً: ما الذي يواجهه المسرح اليوم من تحدياتٍ حقيقية في العالم الراهن، خصوصاً في ظل واقع تتسارع فيه التقنية وتتبدل معه قواعد اللعبة بشكل جذري؟
نحن، في الحقيقة، نجد أنفسنا اليوم أمام مفترق طرق غير تقليدي، إذ يفرض العصر الحالي تحديات استثنائية على المسرحيين، ربما لم يسبق لهم مواجهتها من قبل. وعلى رأس هذه التحديات تأتي العلاقة المُلتبسة والمعقدة مع الجيل الجديد، الذي أصبح يُعرف عالميًا بـ "جيل زد" أو Gen-Z.

√ فالتحدي الأول والأكثر إلحاحاً، هو ما يتعلق بإعادة تعريف علاقة المسرح بالجمهور. إذ لم يعد من الممكن تجاهل حقيقة أن جمهور اليوم مختلف تماماً، خصوصاً ما نسميه بجيل زد (Gen-Z)، وهو الجيل المولود بين منتصف التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة. هذا الجيل الذي تربى في أحضان شاشات الهواتف الذكية، والمنصات الرقمية، والواقع المعزز والواقع الافتراضي، يفرض علينا اليوم إعادة التفكير الجذري في طبيعة المحتوى المسرحي، وفي الطريقة التي نقدم بها المسرح للجمهور الجديد.
هذا الجيل، "جيل زد"، قد نشأ وترعرع في عصر التكنولوجيا السريعة، وتعلّم أن يحصل على ما يريد بضغطة زر، معتادًا على محتوى سريع ومباشر ومكثّف. ولهذا فإن المسرح التقليدي، الذي يعتمد في جوهره على تأمل عميق وحضور حيّ، يجد نفسه في مواجهة تساؤلات جوهرية: كيف نعيد الشباب إلى قاعات العرض؟ وكيف نضمن استمرار الفن المسرحي في وجدان جيل يشاهد العالم من خلال شاشة الهاتف المحمول؟
يمتلك هذا الجيل خصائص واضحة: فهو قليل الصبر، يفضل المحتوى القصير المركز، ويبحث عن التفاعل والاشتباك الحيوي مع أي مادة تُقدَّم له. ولأنه جيلٌ يتبنّى قضايا أخلاقية واجتماعية وبيئية بجرأة استثنائية، فلا سبيل لجذب انتباهه من دون مخاطبة وعيه النقدي، ومن دون إدماج قضاياه الإنسانية الحية بشكل صريح وشفاف في العروض المسرحية. هذا يعني أن المسرحيين اليوم مطالبون بإعادة إنتاج شكل جديد للمسرح، شكل أكثر جرأة، أكثر التزاماً، وأكثر تفاعلاً.

√ ثمة مسرحيتان استطاعتا بذكاء ونجاح كبيرين مخاطبة جيل زد (Gen-Z) بشكل مباشر، وجذبه إلى المسرح بأسلوب غير تقليدي، وذلك حسب ما ذكرته جريدة "الإندبندنت" البريطانية، وأثنت عليه "النيويورك تايمز":
1. مسرحية: Dear Evan Hansen (عزيزي إيفان هانسن)
هذه المسرحية الموسيقية الأمريكية تتناول بشفافية شديدة قضايا معاصرة تلامس هموم الجيل الجديد، مثل الصحة النفسية، العزلة الاجتماعية، التنمر الإلكتروني، الهوية الذاتية، والرغبة في القبول المجتمعي. من خلال شخصيتها الرئيسية (إيفان هانسن)، التي تعاني من اضطراب القلق الاجتماعي، تمكّنت المسرحية من فتح نقاش واسع وصريح مع جيل زد حول تحديات نفسية يواجهونها يوميًا في عصر التواصل الرقمي.
حققت المسرحية انتشارًا هائلًا بين شباب Gen-Z وأثارت حوارًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وأظهرت بوضوح كيف يمكن للمسرح أن يكون فضاءً للنقاش حول قضايا وجودية حقيقية يعيشها هذا الجيل.
2. مسرحية: The Jungle (الغابة)
وهو عمل مسرحي بريطاني يدمج بين المسرح التقليدي، ومسرح الشارع، والعرض التفاعلي، بالإضافة إلى استخدام وسائل تقنية حديثة. تناولت المسرحية أزمة اللاجئين بواقعية وصراحة جريئة من خلال قصة حقيقية عن مخيم كاليه للاجئين في فرنسا. التفاعل المباشر بين الجمهور والممثلين، والتصميم الذي يضع الجمهور وسط الأحداث حرفيًا، منح العمل قدرة هائلة على التواصل العاطفي مع جيل زد، الذي يطالب دومًا بمواقف أخلاقية واضحة وملتزمة في الأعمال الفنية.
حظيت المسرحية بتفاعل واسع بين شباب الجيل الجديد، وأثارت ردود فعل قوية وتفاعلية، مما أظهر قدرة المسرح على خلق حوار تفاعلي عميق يتجاوز حدود الخشبة التقليدية.
هذان المثالان (كلاهما يمكن مشاهدتهما على شبكة "يوتيوب") يؤكدان أن المسرح قادر على أن يخاطب الجيل الجديد بعمق وجدية، عندما يمتلك الجرأة لطرح القضايا الراهنة بأسلوب مبتكر، وأن يدمج بشكل ذكي بين تقنيات العرض الحديثة والإبداع الفني.

√ لكن التحديات أمام المسرحيين لا تقف هنا. هنالك تحدٍّ آخر فرض نفسه بقوة، هو التحدي التقني الذي يمثله صعود الذكاء الاصطناعي /Artificial intelligence/ أو ما يعرف اختصارا: "Ai". إننا اليوم أمام ثورة تقنية كبرى قد تغير طريقة إنتاج الفن المسرحي، ليس فقط في مجالات السينوغرافيا والإخراج والأداء، بل في مجال كتابة النصوص المسرحية أيضاً. مع قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج محتوى سردي وحوارات درامية، يصبح المسرحي— والكاتب المسرحي تحديداً— أمام امتحان عميق يتعلق بهويته وأصالته الفنية.
ولكن هذا التحدي، في الحقيقة، يمكن أن يُحوّل من تهديد إلى فرصة إبداعية عظيمة إذا ما قرر المسرحيون التعامل معه من زاوية مختلفة. فالفنان الحقيقي، الكاتب المسرحي الأصيل، يمتلك ما تعجز عنه الآلة، وهو العمق الإنساني، الإحساس الأصيل بتناقضات الحياة، والوعي الوجودي الحي. الذكاء الاصطناعي هنا لن يكون منافساً، بل حافزاً للمسرحيين على تأكيد تفردهم الإنساني وإعادة اكتشاف جوهر الكتابة الدرامية بشكل أكثر عمقاً وجرأة.

√ من هنا، يبدو ما يسمى بـ «المسرح الرقمي» (Digital Theatre) واحداً من الحلول المهمة لمواجهة هذه التحديات الثنائية: علاقة المسرح بالجمهور الشاب، والتحدي المتمثل في الذكاء الاصطناعي. المسرح الرقمي، بما يوفره من دمج بين الفضاء الافتراضي والتفاعل الحي، ومن إمكانيات تقنية جديدة، يسمح للمسرحيين بأن يقدموا تجارب تفاعلية وغامرة بشكل ينسجم مع مزاج وأسلوب حياة جيل زد، دون أن يفرّطوا بروح المسرح وجوهره النقدي والفني.
لكن علينا أن نكون منتبهين إلى أن المسرح الرقمي لا يجب أن يُنظر إليه بوصفه بديلاً كاملاً عن المسرح التقليدي، وإنما كمسار موازٍ له، يثري التجربة المسرحية ويوسّع نطاق انتشارها، ويمنح المسرحيين أدوات جديدةً كلياً لطرح قضايا عصرهم بأسلوب ذكي وجريء وحي.

√ إذن، فمن الواضح أننا الآن على عتبة عالم مسرحي جديد. عالم يحتاج منا إلى جرأة التجربة والتجديد، إلى إعادة التفكير في وسائلنا وأدواتنا، وإلى خلق تواصل فعال مع جمهور هو الأكثر اختلافًا وتميزًا في التاريخ الإنساني الحديث. المسرحيون اليوم مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، بالابتكار والتجدد، لكي يحافظ المسرح على مكانته كفن خالد وحيوي، يعكس نبض عصره، ويصنع معه المستقبل.
في النهاية، سيبقى المسرح فنّاً حياً، إنساني الروح والطبيعة، مهما تغيّرت وسائطه وأشكاله. والمطلوب من المسرحيين فقط، كتّاباً ومخرجين وممثلين، أن يستثمروا هذه التحديات ويحوّلوها إلى فرص جديدة لإعادة إنتاج مسرح قادر على مخاطبة الإنسان في القرن الحادي والعشرين، مسرح يظل مرآةً جريئة ونقيةً لواقعنا الإنساني، بكل ما فيه من جمال وتناقض وإبداع.
هذا هو المسرح الذي نريد، والمسرح الذي نطمح أن يكون.

رابط المقال على "كناية":/
https://wp.me/pdjjSK-18L
هوامش:/
* هذا المقال ينشر بالاتفاق مع "مجلة كناية" وموقع "الحوار المتمدن".
* الصورة المرفقة كولاج من صورتين مأخوذتين من الموقع الرسمي لمسرح "نويل كوارد ثياتر" بلندن.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمر الشمس في برج الحمل
- عناصر السيميولوجيا أخيرا
- رباعيات العواطف: عندما يكون الشعر منتظماً وحُراً في آنٍ
- أساطير الأم بين عشتار وآتروبوس
- من النَّظْم إلى المعنى: مشروع رؤية جديدة للبلاغة تصل الأصالة ...
- قل لا حتى ولو كنت على نعم
- قصيدة و رباعية عن الولادة والرحيل
- سين أقرب من سوف
- قبر إدغار ألان- پو
- الأسود: وَيَا حزنْ كمْ ليلكْ طويلْ..
- اسمي غوست، اسمي أوبونتو: بورتريه لرفيق الليل والوحدة
- تمارين في الدوبيت
- أسكن في الاحتمال
- أوصيك بالدقة لا بالوضوح
- فرصة ليست أخيرة لاستنشاق القصيدة
- كوخ من لبن النساء، وأشياء أخرى..
- سلسلة كتاب القصيدة العربية الجديدة ما بعد النثر والتفعيلة
- هاملت.. إديث سودرغران
- مدينة الصحون الطائرة: قمة في العبث وانحلال في القيم
- المنزل ذو الشرفات السبعة


المزيد.....




- وفاة -شرير- فيلم جيمس بوند -الماس للأبد-
- الفنان -الصغير- إنزو يحسم -ديربي مدريد- بلمسة سحرية على طريق ...
- بعد انتقادات من الأعضاء.. الأكاديمية تعتذر للمخرج الفلسطيني ...
- “الحلم في بطن الحوت -جديد الوزير المغربي السابق سعد العلمي
- المدرسة النحوية مؤسسة أوقفها أمير مملوكي لتدريس علوم اللغة ا ...
- بعد تقليده بإتقان.. عصام الشوالي يرد على الممثل السوري تيم ح ...
- رواية -نجوم ورفاقها- لصالح أبو أصبع.. الذاكرة المستعادة والب ...
- 4 أفلام عائلية للمشاهدة مع أطفالك في العيد
- الخطأ في نسبة الآراء إلى أصحابها في الكتب الكلامية
- أكاديمية الأوسكار تعتذر بعد صمتها تجاه الاعتداء على المخرج ا ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - تحديات جديدة أمام المسرحيين في عالم اليوم: نحو علاقة حيوية مع (Gen-Z)..