ويصا البنا
مقدم برامج _ اعلامى _كاتب - مشير اسرى -قانوني
(Wisa Elbana)
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 19:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الأخبار، وتتقاطع فيه المعلومة مع الشائعة، أصبح من الضروري أن نطرح سؤالًا فلسفيًا وسياسيًا في آنٍ واحد: هل الرأي العام مرآة للحقيقة؟
لطالما تغنّى الساسة، وتحصّن الطغاة، واستند المصلحون إلى ما يسمّى بـ"الرأي العام". هذا الكيان الهلامي الذي لا يمكن رؤيته بالعين، لكن يمكن قياسه واستدعاؤه وتوظيفه. لكن هل الرأي العام هو ما ينبغي أن نركن إليه حين نبحث عن الحقيقة؟ أم أنه، في أحيان كثيرة، مجرد صدى لما يُراد لنا أن نراه ونعتقده؟
الحقيقة لا تُقاس بالأغلبية
في الديمقراطيات الناضجة، يُحتكم إلى الرأي العام في اختيار الحكام، لكن ليس في تحديد القيم والمبادئ. فلو كانت الحقيقة وليدة الأعداد، لكان سقراط مذنبًا، وغاليليو مهرطقًا، ونيلسون مانديلا إرهابيًا. في كل هذه الحالات، كان الرأي العام ضدهم، وكانت الحقيقة في صفهم.
إن الحقيقة، بطبيعتها، لا تعرف الخوف من العُزلة. قد يرفضها الناس اليوم، لكنهم يعودون إليها غدًا حين ينجلي الغبار.
من يصنع الرأي العام؟
الرأي العام لا ينشأ من فراغ. إنه يُصنع ويُشكل عبر أدوات ضخمة ومعقدة: الإعلام، التعليم، الدين، الخطاب السياسي، وحتى الذكاء الاصطناعي اليوم. وحين تقع هذه الأدوات في أيدٍ غير أمينة، يتحول الرأي العام من وسيلة تعبير شعبية، إلى أداة سيطرة ناعمة.
من هنا، فإن الاستناد الأعمى إلى الرأي العام في الحكم على المواقف، أو الأشخاص، أو القضايا، قد يقودنا إلى نتائج كارثية. يكفي أن نتذكر كيف هلّل الملايين لحروب عبثية، أو صدّقوا حملات تشويه متعمدة ضد رموز وطنية أو فكرية.
الشعب لا يخطئ، لكنه يُضلَّل
ليست المشكلة في الشعوب، بل في من يوجهها. الشعوب بطبيعتها تبحث عن الأمان، وتنجذب إلى ما يُقال إنه "الأصح" أو "الأكثر شيوعًا". لكنها في لحظة وعي صادق، قادرة على قلب الموازين. لذلك، فالمعركة الحقيقية ليست ضد الرأي العام، بل من أجل تنويره.
علينا أن نحترم الرأي العام، لا أن نقدسه. أن نفهمه، لا أن نخضع له. وأن نعمل، ما استطعنا، على تحريره من قبضة التضليل، ليصبح أقرب إلى الحق، وإن لم يكن مطابقًا له دائمًا.
الختام: الحقيقة ابنةُ التأمل، لا التصفيق
في عالمٍ صار فيه "الترند" دليلًا، و"اللايك" برهانًا، و"الشارع" حكمًا، يصبح من السهل أن تُدفن الحقيقة تحت ركام الآراء المتضاربة. لكن التاريخ لا يحابي الأكثرية، بل ينصف من وقف مع الحق ولو وحده.
فلنكن من هؤلاء.
#ويصا_البنا (هاشتاغ)
Wisa_Elbana#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟