آيدن أوراز
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 19:07
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
يجيب أوراز آيدن على أسئلتنا بصدد التعبئة التي تنبني حاليًا في تركيا بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، المعتبر منافسا رئيسا لأردوغان في سباق انتخابات الرئاسة القادمة.
هل لك أن تحكي ما جرى مع اعتقال رئيس بلدية إسطنبول؟
ــ صباح يوم 19 مارس/آذار، تم اعتقال احتياطي لأكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، مع زهاء مائة آخرين من مِلاك البلدية بمبرر ”فساد“ و”علاقة بالإرهاب“. وفي اليوم السابق له ، أُلغيت تعسفاً شهادته الجامعية (حصل عليها قبل 30 عاماً)، وذلك طبعا بغية منعه من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة. انتصب أكرم إمام أوغلو مع مضي الوقت خصما رئيسا لأردوغان بعد فوزه مرتين في انتخابات بلدية إسطنبول – في العامين 2019 و2024 – مرشحا لحزب الشعب الجمهوري (وسط يسار علماني).
وكان مرتقبا أن يعقد حزب الشعب الجمهوري ”انتخاباته القبلية“ في 23 مارس/آذار لتعيين مرشحه للاقتراع المقبل، المتوقع عادةً في العام 2028، لكن المرجح تنظيمه قبل ذلك لإتاحة ترشح إردوغان مرة أخيرة. ما عدا عند حدوث تغيير في الدستور، وهذا أمر موضوع نقاش أيضًا. هكذا، اتضحت بجلاء تام غاية العملية، ألا وهي إبطال إمكان تقديم المعارضة مرشحها الرئيسي، وتجريم تدبيره لبلدية إسطنبول، وربما حتى تعيين عوض عن رئيس البلدية المنتخب، كما يحدث منذ عدة سنوات في بلديات كردستان، في جنوب غرب تركيا.
هل يمكنك وصف التعبة ضد ذلك؟
نحن في ثالث أيام التعبئات. يدعو حزب الشعب الجمهوري كل يوم إلى الاحتشاد أمام مبنى بلدية إسطنبول. ويشارك عشرات الآف الأشخاص في هذه التجمع. وبالطبع تتعبأ، فضلا عن أعضاء حزب الشعب الجمهوري وأنصاره، جميع قطاعات المعارضة، بما فيها اليسار الجذري، ضد ما بات يسمى”انقلاب 19 مارس“.
يجب أن نتذكر أن البلاد تعيش في مناخ قمع دائم منذ عصيان جيزي في العام 2013. ويمثل إنهاء التفاوض مع الحركة الكردية، وإعادة عسكرة المسألة الكردية واستئناف الحرب، ومحاولة الانقلاب التي قام بها حلفاء أردوغان السابقون وحالة الطوارئ التي أُعلنت في أعقابها، ومنع الإضرابات وقمع الحركات النسوية ومجتمع الميم-عين، معالم رئيسية في تطور الاستبداد المتمفصل مع بناء نظام حكم مطلق بقيادة أردوغان. نحن إذن في بلدٍ تندر فيه التعبئات، حيث أصبح ارتكاس الاحتجاج في الشارع أمرًا غير معتاد ومحفوفًا بالمخاطر بالنسبة للمواطنين العاديين. ولكن برغم ذلك، وبرغم حظر المسيرات في إسطنبول، ثمة مظاهرات كبرى، وبوجه خاص روح احتجاج يمكن استشعارها في الشوارع وأماكن العمل ووسائل النقل العام، الخ.
في مساء اليوم الثاني، خرج المواطنون في العديد من أحياء إسطنبول وفي عشرات المدن الأخرى، للاحتجاج؛ وكانت الشعارات الرئيسية ” يجب استقالة الحكومة!“، ”تسقط ديكتاتورية حزب العدالة والتنمية!“، ”لا تحرير فردي! كلنا معًا أو لا أحد منا“.
ما حجم التعبئة بين الشباب؟
العنصر الأهم والأكثر إثارة للدهشة هو تعبئة طلاب الجامعات. فقد جرى نزع تسيس الجامعات منذ سنوات، وحركات اليسار الجذري ضعيفة فيها، وقدرتها على العمل مقلصة جدا. لذا، فإن جيل الطلاب الحالي، الذي قد يكون نشأ مع قصص انتفاضة جيزي يرويها الآباء، تعوزه أي خبرة تنظيم وتعبئة. وهذا صحيح حتى بالنسبة للمناضلين الثوريين الشباب، الذين لم تتح لهم الفرصة”للقيام بعملهم“ في الجامعة.
ولكن برغم ذلك، وبفضل ”هزة كهربائية“، على حد تعبير روزا لوكسمبورغ [1]، نشهد استيقاظ تجذر عفوي في الجامعات. ثمة بالطبع العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية (الموضوعية) والثقافية والأيديولوجية (الذاتية) التي تتضافر لتشكيل هذه التعبئة. علينا أن نفكر في ذلك لاحقًا. لكن واقع بلد يزداد فقرًا، حيث يصعب العثور على عمل، ولا يقدم ”وعدًا بالسعادة“ للشباب، حيث لا تعني سنوات الدراسة شيئًا تقريبًا في سوق العمل، و حقيقة أن شهادة يمكن إلغاؤها ببساطة من بضغط الحكومة على الجامعة، هو أيضًا عنصر ساهم على الأرجح في هذه الهزة في قطاع من الشباب كان مهيئًا لها إلى هذا الحد أو ذاك.
ما تأثير هذا التجذر الطلابي على الاحتجاجات؟
أعتقد أنه زلزل كل شيء وأجبر حزب الشعب الجمهوري على الخروج عن ترسيماته المسبقة لممارسة المعارضة. وكما قلت، فقد دعا رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل إلى التجمع أمام مبنى بلدية إسطنبول. ولكن يجب الإعتراف بانعدام أي استعدادات جدية لاستيعاب عشرات الآلاف من الناس. كان الهدف الرئيس دعوة الناس للتصويت في الانتخابات التمهيدية في 23 مارس وبالتالي البرهنة على شرعية إمام أوغلو في مواجهة النظام، ولكن أيضًا مواصلة ”المعركة“ على المستوى القضائي، بالاستئناف ، الخ.
في مواجهة ذلك، كانت أكثر شعارات رددها الشباب (الذين شكلوا غالبية التجمعات أمام مبنى البلدية) هي ”التحرر في الشارع، لا في صناديق الاقتراع“ أو ”المقاومة في الشارع، لا في صناديق الاقتراع“. وبوجه ضغط الشباب، الذين نجحوا مرارا في كسر حواجز الشرطة أمام الجامعات، و ساروا بكثافة في أنقرة إلى جامعة ”أودتو“ODTÜ ، واشتبكوا مع قوات مكافحة الشغب، و أجبروا الشرطة على إرسال سيارات التدخل إلى الجامعات (خاصة في إزمير), ورفضوا الانصراف في نهاية المسيرات الرسمية لحزب الشعب الجمهوري، وأرادوا السير نحو ميدان تقسيم (موقع رمزي تاريخي للمقاومة منذ مذبحة الأول من مايو 1977 وفي انتفاضة جيزي)، اضطرت قيادة حزب الشعب الجمهوري إلى الرضوخ. دعا أوزغور أوزيل الشعب إلى ”اقتحام الميادين“. وأضاف: ”إذا تم نصب العوائق أمامنا بأمر خارق للقانون، فأسقطوها ، دون أن ايذاء الشرطة“. وهو أمر استثنائي للغاية. كما وافق أوزيل أيضًا على إقامة منصة ثانية في ساراجانة، خاصة بالطلاب.
كيف يمكن ربط هذا الوضع بما يحدث في كردستان، مع ”عملية“ السلام؟
إنها سيرورة متناقضة جدا، لكن سبق اختبارها. لا ننسى أنه جرت، إبان انتفاضة جيزي في عام 2013، لمّا كان غرب البلد ملتهبا، مفاوضات مع عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني. وبالطبع، بينما كانت المعارضة الجذرية للنظام تأتي عادةً من المناطق الكردية، أو من الحركة الكردية، فإن مشاركتهم هذه المرة محدودة أكثر. ومع ذلك، رأينا أن ديناميتا الاحتجاج هاتين التقتا في ترشيح صلاح الدين دميرطاش، من حزب الشعوب الديمقراطي اليساري المؤيد للأكراد في انتخابات عام 2015.
واليوم، بينما تجري مرة أخرى عملية ”سلام“ حسب الأكراد، و”نزع سلاح“ حسب النظام (نرى وجها آخر لها في الاتفاقات بين روج آفا والنظام السوري الجديد)، تشن الدولة التركية حملة قمع عنيفة ضد المعارضة البرجوازية العلمانية والصحفيين… ولكن أيضًا ضد عناصر الحركة الكردية. يريد النظام، بنظر الأكراد، أن يُظهر (لقاعدته الاجتماعية والانتخابية في المقام الأول) أنه لا يزال يحتفظ بقبضته الحديدية، وأنه لا مجال للتفاوض بل ”إنهاء الإرهاب“. فيما يخص سجن إمام أوغلو وغيره من رؤساء البلديات التابعين لحزب الشعب الجمهوري، يمثل الفساد إحدى التهم ، بينما الأخرى هي الارتباط بالإرهاب أو دعمه، حيث إن حزب الشعب الجمهوري كان قد عقد تحالفًا غير رسمي مع حزب الحركة الكردية في الانتخابات البلدية للعام 2024 تحت اسم ”التوافق الحضري“.
والأمر الآخر المفاجئ أن جميع المظاهرات والتجمعات في إسطنبول جرى منعها، ما خلا عيد النيروز، الذي يحتفل بقدوم الربيع في الشرق الأوسط والقوقاز، لكنه اكتسب أهمية سياسية وطنية للحركة الكردية على مدى عدة عقود. لذا يمكن القول إن نظام أردوغان يسعى إلى خطوة حاسمة أخرى في بناء نظامه، لتعزيز طابعه الفاشي الجديد بإخضاع أكبر ”قطعتين“، أي المعارضة البرجوازية العلمانية التي يمثلها حزب الشعب الجمهوري/إمام أوغلو والحركة الكردية.
وذلك، فيما يخص الأولى، بتجريمها وسجن ممثليها، وربما إجبارها على تغيير قيادتها ومرشحها وأخيرًا بنزع كل شرعية عن الانتخابات. أما إزاء الحركة الكردية، فقد يحاول النظام على الأرجح ”نزع الجذرية“ عنها، وجعلها حليفا على المستوى الوطني والإقليمي (سوريا والعراق) على أمل أن تتخلى الحركة عن نضالها من أجل دمقرطة البلاد كلها مقابل بعض المكاسب (لا علم بأي من تفاصيلها لحد الآن) وتضمن وجودا سلميا أكثر مع النظام. وفي الوقت الراهن، أعلن الحزب الديمقراطي (حزب الشعوب الديمقراطي سابقًا) أنه يعارض بشدة هذا ”الانقلاب المدني“ ضد إمام أوغلو والنواب المنتخبين الآخرين، و يدعو قوى المعارضة إلى الاحتجاج معًا بالاستفادة من مسيرة النوروز في 23 مارس.
بالطبع، لا يمكن توقع نتيجة إستراتيجية أردوغان المزدوجة هذه، ولكن كما قال الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي ذات مرة، لا يمكن توقع سوى المعركة.
اسطنبول، 21 مارس 2025
أجرى المقابلة أنطوان لاراش
#آيدن_أوراز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟