أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان العمري - حقوق الحيوان أولا والموت لغزّة ثانيا














المزيد.....

حقوق الحيوان أولا والموت لغزّة ثانيا


أحمد سليمان العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 18:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذه القصّة تفضح صناعة العالم أولوياته الأخلاقية
في قاعة «كريستال» الفاخرة بفندق «رويال جراند»، حيث تتدلّى ثريات الكريستال مثل دموع مجمّدة، اجتمع صُنّاع القرار تحت شعار «حقوق الحيونات؛ أولويتنا الأولى».
الرخام الإيطالي يلمع تحت الأضواء، وكأنه يحاول جاهدا إخفاء بقع الدم التي لا تُغسل.
المشهد الأول: طاولة النفاق الأوروبي
يعتدل جون (وزير أوروبي) في جلسته، يرفع صحيفة ويصرخ غاضبا: «هذا غير مقبول، كلب في برلين حُرم من نزهته اليومية».
يرد عليه ريتشارد (رئيس منظمة حقوق الحيوان): «لقد أغلقنا حملة التبرعات بعد جمع مليون يورو لعلاج القطط المصابة بالصدمة».
في رُكن آخر، ينظر مارك (دبلوماسي أممي) إليهم بحزن، ثم يتمتم: «بينما في غزّة، الأطفال يشربون مياها ملوّثة بالصرف الصحي...».
(صمت مطبق)، ثم ينهض جون فجأة: «أقترح تشكيل لجنة دولية للتحقيق في معاملة الكلاب في أوروبا».
(تصفيق حار).
المشهد الثاني: غرفة الحرب العربية
بعيدا عن الأضواء، في قاعة مغلقة ومؤمّنة جيدا، يجتمع وزراء عرب حول طاولة ضخمة من خشب «الأبنوس». تنتشر أمامهم وثيقة سرية بعنوان: «مشروع إعادة التوطين الإنساني - البروتوكول الذهبي».
الوزير الأول (يقرأ بصوت عالٍ): «المادة 7: سيتم توفير خيام بيضاء تحمل شعار يد العون العربية ».
الوزير الثاني (يضحك وهو يشعل سيجارا كوبيا): «ولكن بشرط ألّا تزيد مساحة الخيمة عن 2م² لكل عائلة، نحن لسنا دولة رفاهية».
الوزير الثالث (يضيف بينما يعيد ترتيب أزرار بدلته الفاخرة): «ونطلب من الإسرائيليين تزويدنا بصور جوية لـ تحسين جودة الخدمات ».
الوزير الأول (مبتسما): «المهم أن نصوغ البيان بشكل يُظهر إنسانيتنا... مثلا: بسبب الوضع الإنساني المتفاقم قرّرت الدول العربية الشقيقة توفير ملاجئ آمنة للفلسطينيين مؤقتا ».
الوزير الثاني (بسخرية): « مؤقّتا ؟ هاهاها! مثلما كانت اتفاقياتنا مؤقّتة، ثم أصبحت دائمة».
الوزير الرابع (يخفض صوته): «ماذا عن ردود الفعل الشعبية؟ هناك تعاطف كبير مع الفلسطينيين».
الوزير الأول (وهو يشير إلى شاشة تبث قنواته الإعلامية الرسمية): «لا تقلق، نحن نتحكّم بالسرد؛ سنُظهرهم كمجموعة من الجاحدين الذين رفضوا مساعداتنا الكريمة».
الجميع يضحك، ثم يضغطون أزرار توقيع الوثيقة، وتُحسم القضية بجرّة قلم.
المشهد الثالث: كواليس المؤتمر
في القاعة الرئيسية، تُعرض حملة دعائية على شاشة ضخمة: «تبرعوا لإنقاذ كلاب أوكرانيا – 500 يورو تنقذ حياة».
في الزاوية اليمنى، تمُرّ أخبار عاجلة: «غزّة: مستشفى الأمل يخرج عن الخدمة بسبب القصف الإسرائيلي، ونقص الوقود والأكسوجين والمياه وارتقاء الكوادر الطبية والمرضى».
المذيع (بابتسامة واسعة): «عذرا للانقطاع، نعود لمؤتمرنا الرئيسي عن حقوق القطط في الفنادق الفاخرة».
آدم (رجل حُرّ إنسان، ولا ينتمي لأي من هذه الأنظمة التي تنادي بالحُرّيات المكذوبة والإنسانيات المُعلّبة لتسويقها للعالم الثالث «المستوي»؛ يُراقب كُلّ شيء بصمت، قبل أن يتصفّح هاتفه المحمول، حيث تصله رسالة قصيرة من طفلة في غزّة): «أنا ليلى، عمري 8 سنوات، قتل الجيش الإسرائيلي أمي وأبي وأُخوتي وكُلّ أسرتي. أبيع حجارة مدرستي المُدمّرة كي أحصل على بعض الطعام، إن وُجد. هل تريد واحدة؟ ثمنها 10 دولارات».
يُحدّق في الصورة: حجر صغير، مكتوب عليه بالطباشير: «هذا ما تبقى من مقعدي في الصف الثاني».
آدم (يكتب وهو يحوّل لها كل مُدّخراته): «خذي المال، ولا تبيعي ذكرياتك؛ هي التي يحُفّها الألم وترويها الدموع بأكثر من الماء المعدوم، فقد قصفت الصواريخ الإسرائيلية آخر بئر ماء في غزّة... لا تبيعي بنيتي ذكرياتك، فهي آخر ما تبقى لكم».
المشهد الرابع: العدالة العمياء
داخل الفندق، ترتفع أصوات الاحتفال: «نحن رواد حقوق الحيوانات».
يقف آدم بجانب النافذة، يشاهد المدينة الباردة التي يضيئها وهج الثراء، بينما يظهر على الشريط الإخباري العاجل على شاشة التلفاز خلفه: «عاجل: إسرائيل توسّع عملياتها العسكرية في غزّة، وارتقاء 500 فلسطيني؛ جُلّهم أطفال ونساء».
المذيع (ببرود): «تحذير: قد يحتوي هذا التقرير على مشاهد غير ملائمة».
المَشَاهِد؟
طفل يبحث بين الأنقاض عن أمّه.
رجل يحمل طفلته الشهيدة؛ مبتورة الأطراف.
أم تُمسك بيد رضيعها تحت الأنقاض.
آدم يهمس لنفسه: «غير ملائمة... لمن؟ لمن يعيشون هنا؟ أم من أجل ماذا يموتون هناك؟».
المشهد الأخير: الحقيقة المرّة
في الخارج، تمطر السماء، وفي غزّة تمطر السماء القنابل الإسرائيلية والصواريخ صناعة أمريكية وألمانية.
داخل الفندق، يرفع الحضور كؤوسهم: «للعالم الحُرّ... ولحقوق الحيونات».
أمّا آدم، فيغلق هاتفه؛ ينظر إلى لوحة المؤتمر المكتوب عليها: «معا نبني عالما أفضل للجميع».
ثم يتمتم: «للجميع...؟ إلّا لمن لا يملكون حتى حجرا في غزّة ينامون عليه».
وأخيرا، ليست كُلّ الكتابات تحتاج إلى خاتمة؛ فبعضها يترك الجرح فاغرا وغائرا لكي لا ينسى العالم أنّه ينزف، وأنّ الغزّيين قُتلوا صبرا وهُجّروا قسرا.
[email protected]



#أحمد_سليمان_العمري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التماسك السوري يفشل المخطاطات الإسرائيلية
- الديمقراطية الألمانية تُجهِض الديمقراطية
- ترامب يُهدد القضية الفلسطينية ويُوسّع الهيمنة الإسرائيلية
- ماغديبورغ: بين الصدمة والتساؤلات
- إسرائيل ودورها كمُستعمر في الشرق الأوسط
- حُرّيّة أحمد حسن الزُعبي ضرورة أردنية
- الحُرّيّة لأحمد حسن الزُعبي
- الأردن بين مشروع العطارات والإحتلالات
- أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة
- زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي
- صندوق «كريدي سويس» الأسود: أسرار سويسرا
- ‏بين حروف الحرب الروسية الأوكرانية
- شصندوق «كريدي سويس» الأسود: أسرار سويسرا
- ‎‎أوقفوا خطف أطفالنا
- نائب الشعب البارحة سجين اليوم، العجارمة
- الإتفاقية الأردنية الإسرائيلية: الكهرباء مقابل الماء
- تُونس بين مطرقة الانقلاب وسندان تصحيح المسار
- مستشفى السّلط فاجعة الأردن
- ثمن اللّقاح للفلسطيني
- كورونا المتحوّر: هل اللقاح فعّال ضد الطفرة الجديدة؟


المزيد.....




- انتشال جثامين 15 مسعفاً بعد أيام من مقتلهم بنيران إسرائيلية، ...
- إعلام: طهران تجهز منصات صواريخها في أنحاء البلاد للرد على أي ...
- -مهر- عن الخارجية الإيرانية: الحفاظ على سرية المفاوضات والمر ...
- صحيفة -لوفيغارو-: العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعد ...
- الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأو ...
- -حماس-: ما يشجع نتنياهو على مواصلة جرائمه هو غياب المحاسبة ...
- ترامب يعلن عن قرار بقطع شجرة تاريخية في البيت الأبيض بسبب مخ ...
- -أكسيوس- يكشف موعد زيارة ترامب للسعودية
- حادث إطلاق نار في مورمانسك بشمال روسيا.. والأمن يلقي القبض ع ...
- ترامب: زيلينسكي يحاول التراجع عن صفقة المعادن وستكون لديه مش ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان العمري - حقوق الحيوان أولا والموت لغزّة ثانيا